حقول مفتوحة من المواد الكيماوية المكشوفة خلَّفتها شركات التنقيب..

الضليعة بحضرموت.. السرطانات تتربص بالسكان

2014-06-03 13:12:49 أخبار اليوم/ خاص

صباح كل يوم تشرق الشمس الضحوك على نصف بشر العالم يستقبلونها بسعادة وأمل.. يؤمنون بأن السلام والأمان طريقة لحياة كريمة.

في بقعة من هذه المعمورة تطل نفس الشمس لكن بملامح أخرى قاتمة حزينة على منطقة يمنية في محافظة حضرموت..

شاهدت ذاك الصباح؛ بعض الأطفال ذاهبون إلى مدارسهم والبعض منهم امتنع عن الذهاب.. سألتهم لماذا؟, قالوا كيف نذهب والموت يتربص بنا في الطريق!!..

طفل لم يكمل عقده الثاني عشر من الشرفة يناظر الأطفال وهم ذاهبون إلى المدرسة، أباه يمسح على رأسه ويصبر نفسه بعد أن فقد ثلاثة من فلذات كبده.. أعين حائرة وأجسام شاحبة، قلوب منكسرة أرهقها خوف الموت الأحمر على بعد أمتار من بيوتهم.

في مديرية الضليعة بمحافظة حضرموت, عام تلو العام يودع أبناء المنطقة ابناً تلو آخر ويصاب آخرون ويتشوه الوليد ويعاق الرضيع ويفقدون العشرات من الأغنام بعد أن أنفقوا الملايين للعلاج.

منطقة "دقيم بالحرك" الحالمة التي ينتمي إليها محافظ محافظة حضرموت خالد سعيد الديني والذي استبشر به القوم خيراً في إنقاذهم وانتشالهم من الواقع المأساوي القاتل ـ الذي حمل معاناتهم وصوتهم قبل أن يتزعم زمام المحافظة وبيده القوة لكن في لحظات الترف وحب السلطة تناساهم.

عندما يكون الموت هدية

في العام 2002م حطت شركة مول المجرية للتنقيب عن الذهب الأسود رحالها في منطقة دقيم بالحرك وبات أهالي الضليعة يتطلعون لحياة مدنية مكتملة تكتمل فيها عناصر الحياة الأساسية الكريمة بتوفر خزانات الماء ومحطات توليد الكهرباء ومستشفى ورياض الأطفال وثانوية وغيرها..

أستمر التنقيب عامين بعد إعلان منطقة الضليعة منطقة نفطية في موقع شركة مول المجرية الرسمي، فجأة تسرب النفط واختفى في لحظة يأس وكأن الشركة تريد الانتقام لا لشيء إلا لأن أملها خاب في الحصول على الذهب الأسود وغادرت مكان التنقيب عام 2004م واهدت الأهالي موتاً أسود بعد أن رمت مخلفاتها الكيميائية مكشوفة لتتسرب الأشعة عن طريق الهواء والماء والتربة لتهلك الحرث والنسل ويكون العيش عبئاً عليهم.

سنوات من المعاناة

الأهالي صاحوا وناحوا واستنجدوا بالسلطة المحلية الممثلة بالمحافظ آنذاك عبدالقادر هلال ونزل لتفقد المنكوبين وشاهد المأساة بأم عينيه وأمر لجنة تدعى لجنة الطاقة الذرية جاءت من صنعاء للاستقصاء في ما تركته شركة مول المجرية من مخلفات التنقيب المكشوفة..

لم تمر إلا أشهر معدودة وقد استنزفت وأهلكت سبل الحياة في دقيم بالحرك التي أشبعت الأهالي خوفا وقلقا..

العم سالم بالحرك يعيش في بيت متواضع وبجانبه ابنه المصاب بسرطان الدم الحاد بسبب المواد الكيمائية, يقول العم سالم" لقد كنت برفقة اللجنة أثناء الكشف وعلى بعد 60متراً من مكان التلوث صاح جهاز كشف التلوث معلناً عن وجود تلوث إشعاعي, وأكدت لرئيس اللجنة أن هذه المؤشرات والعلامات تثبت وجود التلوث".

ولم تكتفِ اللجنة بذلك بل أخذت عيِّنة من هذه المواد لفحصها والتأكد منها وبالفعل تم التأكد منها وأُرسل الملف إلا أن أيادٍ خفية طالته وأخفته في غياهب سراديب الساسة الأنانية..

قد يكونوا متواطئين في إحداث هذه الكارثة البيئية حيث شُمِّع بالشمع الأحمر في وزارة النفط, وأكد مدير الصحة السابق العبد باموسى للأهالي "أن الملف شُمِّع وأخفي بأيدٍ ملوثة ويحمل إثبات قاطع بوجود إشعاعات كيميائية إلا أن صلاحياته وإمكانياته لا تحتم عليه الخوض أكثر وكشف الجناة".

تجرع السم و"جوالين" الموت

لم يسكت الأهالي على هذا الحال ولم يتركوا باباً إلا وطرقوه ولا سلطه إلا وقفوا عند أبوابها ينتظرون ووصدت في وجوههم أبواب النخبة الحاكمة وتسويفات ومسكنات تعطى ولا فائدة من التوسل والمناداة أمام أبواب الذين يخافون على مناصبهم أكثر من خوفهم على حياة أبنائهم.. هنا يصبح الدم بارداً والموت مستحقاً ومعاناة تستمر قرابة 12 سنة من تجرعهم سم الموت وسرطانات التلوث المختلفة أرخصت أعمارهم وأموالهم.

فوق هذه المأساة البشعة "جنود من الجيش "حرس الشركات" يبيعون جوالين مواد إشعاعية لصاحب البقالة العم عمر بالحرك صاحب السجية البدوية الذي يثق فيمن تنكروا له أنهم حماتهم! على أنها مواد لطلاء الجدران وأهدوها بثمن بخس لتسديد دين عليهم.. بفطرته أخذ جوالين الموت عن جهل منه وبسببها فقد نجله الأكبر الذي يعمل بائعاً في محله الذي يبيع في المواد الغذائية.. ولم تتوقف المأساة هنا بل استمر تسرب السم والموت ولحق نجله الأصغر بنجله الأكبر وأصيب بسرطان الدم الحاد وأصبح الموت مباحاً يقتحم المنازل ويختار الضحايا واحداً تلو الأخر..

تهرب رسمي

سألنا عن أمين عام المجلس المحلي بالضليعة ليدلي لنا بتصريحه وذهبنا إلى مكتبه وبيته إلا أنه يتهرب من المقابلات والإدلاء بتصريحات بمجرد أن علم بقدومنا وأغلق تلفوناته في حين أن الأهالي لم يستلموا من سلطته إبرة مصل مضاد لهذا التلوث.

إهمال وفساد ولا مبالاة ينخر في الأجهزة الحكومية ودمار محتم آلت إليه البيئة في شريط جبال دقيم بالحرك.

الأهالي بقيادة الآباء المشايخ "سالم بالحرك وسعيد باكرشوم والمقادمة" وغيرهم تحترق نفوسهم وتموت مقدراتهم بهذه المواد الكيميائية الفتاكة وبدأت تغيب شمس الأمل والحياة وهم يريدون فقط أن تدفن هذه المواد بطريقة صحية وسليمة تضمن ما تبقى من عيش كريم وإنقاذ أنفس بشرية من الهلاك..

بصيص أمل

يتحدث الأهالي عن بصيص أمل شع من مؤسسة حضرموت لمكافحة السرطان للبحث عن حلول للقضية إلا أن البعض ظل عائقاً وأصبح المسئولون في نظر المجتمع والناس بفسادهم عاهة يسطرهم التاريخ في سجّيل الخزي والعار.. وتستمر المعاناة.. فهل بعد هذا سيتحرك المسئولون لإنقاذ ما تبقى من بقايا حياة وإيقاف الألم والمعاناة التي تعصف بالسكان يوماً بعد يوم؟..

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد