على خُطى لبنان..

اليمن بلا رئيس...من المسؤول؟!

2015-02-05 15:46:52 تقرير/ عمر المقرمي

مع انسداد سُبل المفاوضات السياسية التي يُجريها المبعوث الأممي "جمال بن عمر" في العاصمة صنعاء منذ أيام، يزداد توجُّس اليمنيين ممَّا تخبئه لهم الأيام القادمة من مفاجآت..

انتهت اليوم المهلة القصيرة التي ضربها الحوثيون للقوى السياسية اليمنية لتحديد مستقبل الحكم في البلاد، والوصول إلى اتفاق حول من يحكم اليمن، صورياً على الأقل، تقف اليمن على الحافة؛ فثلاثة أيام لا يمكنها أن تفي في بلد بحجم اليمن، بتاريخه، وجغرافيته، بقبائله، وقواه السياسية والاجتماعية، بحل مُعلَّب سريع يصلح لأن يمنح البلاد استقرارها المنشود من أهلها المنكوبين..

حول هذا الجانب يؤكد لـ"أخبار اليوم" الكاتب عباس الضالعي أنَّ المسؤولية المباشرة تقع على عاتق الرئيس السابق هادي الذي كان له دور أساسي في دعم جماعة الحوثي والسماح لها بالتوسُّع جغرافيا وإسقاط المحافظات والمدن وصولاً إلى العاصمة صنعاء ..

وأفاد الضالعي أنَّ الحسابات الخاطئة ونزعة التسلُّط التي سيطرت علي هادي ودفعت به إلى التخلُّص من شركاء المرحلة وتجميد مهام المؤسستين الأمنية والعسكرية إضافة إلي تزايد حدة الصراع السياسي وعدم تنفيذ الاتفاقات سببها هادي نفسه..

كما أن العامل الإقليمي والدولي الذي جنحت مواقفه لصالح جماعة الحوثي وميل المبعوث الأممي والرغبة الأمريكية الداعمة لجماعة الحوثي التي تقدم نفسها للجانب الأمريكي باعتبارها مهتمة بمكافحة الإرهاب ..

الحوثي مسنود دولياً

يقول الضالعي: إن الحوثي تلقَّى ضوءاً أخضرَ من الخارج من غير إيران وتحديداً من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربية وجهات خليجية بالاستيلاء على مؤسسة الرئاسة وهذا واضح من خلال الموقف الأمريكي والدولي الذي كان غامضاً ولم يُدِنْ انقلاب جماعة الحوثي بشكل صريح..

تصرُّفات هادي وضعف إدارته أدى إلى خلو مقعد الرئاسة بعد أن وضعه الحوثيون تحت الإقامة الجبرية وربما ماهو أبعد من الإقامة الجبرية ــ حد وصف الضالعي ــ .. مضيفاً:" أسلوب إدارة هادي للدولة مثلت إغراء لأي طرف يطمح بالانقلاب على السلطة خاصة بعد أن فقد هادي مصادر قوته التي سعى إلى تدميرها بيده"..

الموقف الخليجي ومُهلة الحوثي

فيما يتعلق بالمهلة التي حددها الحوثي لمرتين متتاليتين قال عباس الضالعي: إن المهلة ناتجة عن مدى الارتباك والخلافات المسيطرة على الجماعة خاصة بين جناحي مران وصنعاء الذي يمثله حوثيو ما بعد 2011 وتحديداً الرئيس السابق علي صالح وأنصاره ..

وأضاف: " الخلاف بين الداعمين لجماعة الحوثي كان له أثر على عدم تنفيذ الحوثي وعوده التي أطلقها وأمهل القوى السياسية لتحديد اسم شخص الرئيس ..

بالنسبة للموقف الخليجي وتحديداً السعودي اعتبر الضالعي أنها مواقف مرتبكة أيضا وغير موحَّدة وهي انعكاس للمواقف بين دول مجلس التعاون الخليجي ، مؤكداً أن هناك رضىً واضحاً للموقف العماني المؤيد لجماعة الحوثي ورضىً غير معلن من الإمارات وحيرة كويتية وبحرينية وغضب سعودي وقطري ، موضحاً بأنَّ هذه المواقف إجمالا تدل على مدى الارتباك عمليا من التعامل مع الوضع الاستثنائي باليمن ..

حصار اقتصادي

المحلل ذاته ذكر أنَّ دول الخليج قد تلجأ بعضها إلى ممارسة العقاب الاقتصادي وخاصة السعودية وقطر من خلال توقيف الدعم المالي لليمن سواءً الدعم المباشر أو المساهمة التي أُعلنت في مؤتمرات سابقة للمانحين ..

وقال إن حراك الساعات الأخيرة يشير إلى قيام الرئيس السابق علي صالح بإرسال مبعوثين من طرفه إلى القاهرة لمقابلة علي ناصر محمد ويحمل المبعوثان وهما من قيادات حزب صالح مقترحات وضمانات لدعم علي ناصر ورغبة صالح في ترشيح علي ناصر خلفاً لهادي الذي خلعته جماعة الحوثي ..

وتابع: "المدة الزمنية التي حددها الحوثيون انتهت وأتوقع تمديدها بصورة أو بأخرى نتيجة تعدد الرؤى وتشابك وجهات النظر بين الفُرقاء المحليين ورعاة المرحلة والمبادرات السابقة, والمؤكد أن الكل أجمع على طي صفحة هادي نهائياً باعتباره مصدراً للفشل الذي وصلت إليه اليمن".

والمؤكد أيضاً ــ حسب الضالعي ــ أن أي رئيس قادم سيكون مجرد اسم على ورق في حال سيطرت جماعة الحوثي على السلطة ومؤسسات الدولة بقوة السلاح.

ويرى الضالعي أن من المستحيل تراجع هذه الجماعة, موضحاً: "من خلال معرفتنا بهذه الجماعة وأهدافها وامتدادها الإقليمي يستحيل قبولها بالانسحاب بمجرد توقيع اتفاق أو التوافق علي شخص الرئيس، حسابات الجماعة تؤكد عدم الانسحاب وهذا ما يعزز فرص اندلاع مواجهات مسلحة بين أجنحة جماعة الحوثي وفي حال اندلاع صراع مسلح سيكون هو الأعنف..

بن عمر وتحريك الورقة الطائفية

المحلل السياسي ياسين التميمي في تصريحٍ خاص لـ"أخبار اليوم" قال: إنَّ المفاوضات من حيث المبدأ هي تكرار للأخطاء التي وقعت فيها القوى السياسية، جراء انسياقها وراءه مخططات جمال بن عمر، الذي بات واضحاً أنه يتماهى مع المشروع الأمريكي البريطاني، وتخلَّى عن دوره كوسيط نزيه وأصبح جزءاً من أجندة إقليمية ودولية هدفها تمكين الحوثيين عبر تحريك الورقة الطائفية في صراع لا يخدم حتى الأطراف الخارجية.

وأضاف التميمي:" كان على المبعوث الدولي أن يتحرك عبر مجلس الأمن لإيقاع العقوبات في المعرقلين، خصوصاً وأن الذي حدث هو انقلاب مكتمل الأركان، بدلاً من السعي لإيجاد مخرج للجماعة المسلحة وحليفها الرئيس المخلوع".

مخاطر تشكيل المجلس الرئاسي

أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء- الدكتور عبدالباقي شمسان في حديثه لـ" أخبار اليوم" قال: إنَّ المخاطر التي تواجه البلاد قائمة في كل الأحوال، لكن أخطرها هو محاولة بن عمر فرض صيغة المجلس الرئاسي، الذي سيمثل قتلاً للعملية السياسية، مؤكداً أنه سيشكل حالة قطع مع كل استحقاقات التسوية السياسية إلى كونه يشكل مكافأة للانقلابيين، وحماية لجريمتهم الكاملة بحق الوطن.

وقال : "إن المجلس الرئاسي سيشرعن للمرحلة القادمة، وسيطوي حتى اتفاق السلم والشراكة الذي كان قد صِيغ أصلاً للفكاك من الالتزام تجاه اتفاق التسوية الذي تمثله المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية".

 واعتبر شمسان أن الحوثيين سيحتفظون بالمكاسب السياسية والعسكرية والأمنية التي حققوها بقوة السلاح، وذلك يعني تكريساً للوضع الشاذ الذي تعيشه اليمن في الوقت الراهن.. "

من جهته أكد المحلل السياسي ياسين التميمي أن المجلس الرئاسي الذي يسوق له بن عمر هو حل تكتيكي، رغم أنه سيضم ممثلين عن الأطراف السياسية إلا أنه سيخضع لهيمنة الجهة المسلحة وهي الجماعة الحوثية..

وقال: "هذا يعني أن البلاد ستسلم للحوثيين برعاية دولية وبتوقيع الأطراف السياسية، ولن تخرج البلاد من مأزقها بعد ذلك مطلقاً بسبب النهج الاستئصالي الذي تمارسه هذه الجماعة الخارجة من كهوف التاريخ والتي يحمل قادتها حقداً تليداً على كل شيء.. "حد وصفه "

فريسة للحل الخارجي

ثار الشباب قبل أربع سنوات على حكم الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، واستبشر كثيرون باتفاق إقليمي يقضي بتنحِّيه، لإنضاج حل سياسي عبر الحوار بين القوى السياسية لإدارة مرحلة انتقالية، لكن بعد مرور أربع سنوات من الفشل المستمر، أو بالأحرى، الإفشال المستمر تركت البلاد فريسة للحل الجاهز من الخارج، وهو تسليم شمالها للحوثيين، وقيام الجنوب بدور غامض لكنه مستقر إلى حد ما، في رسم مستقبل اليمن.

لا يسأل اليمنيون كثيراً عن قواهم العسكرية والأمنية التي انهارت دون مبرر يُذكر أمام ميليشيات ليست قوية، للحوثيين الموالين لإيران؛ فهم يدركون مدى نفوذ الرئيس السابق علي عبدالله صالح داخل مفاصل الدولة الرئيسة، ويعلمون – دون الحاجة للاطلاع على تسريبات – بالحلف الذي جمع صالح مع الحوثيين على إرادة خبيثة لقلب الطاولة في وجه الجميع، بمعاونة أمريكية وإقليمية واضحة؛ فالخيانة لا تحتاج للتوقف عندها طويلاً، إذ يطرح الجميع ماضي أيام استيلاء قوات فوضوية على مقرات جيش نظامي في العاصمة صنعاء وبعض المحافظات، ويتطلعون لمستقبل لا يبدو أن إرهاصاته تقود إلى أي شيء مفهوم أمامهم.

الحاحٌ شعبيٌ دون جدوى

أسئلة تفرض نفسها اليوم من دون إجابة: ماذا وقد انتهت المهلة القصيرة بالفشل – كما هو متوقع – واختار الحوثيون حلهم "الثوري" الخاص؛ أفسيكون حلاً إيرانياً بجدارة؟! أسيكون هناك "مرشد أعلى للثورة الحوثية"، ونظام أشبه بنظام الفقيه في طهران؟! يستبعد الكثيرون شيئاً كهذا، نظراً لطبيعة اليمن المعقدة، لكنهم لا يستبعدون بالمرة أن ترتسم معالم "اليمن الجديدة"، بشكل أكثر اقتراباً في باطنه من هذا الحل/المشكلة من دون أن يبدو كذلك!

يتحيرون: ليس اليمن بالطبع فريسة سهلة للحوثيين، لكن من يقرأ الصحف الغربية المرحِّبة بهم، ويطالع أخبار مفاوضات واشنطن معهم على أرضية محاربة القاعدة، وكأن هذا هو ما يعني الولايات المتحدة فقط في اليمن! يخشى أن تكون سائر العقبات ستذلل بالتدريج لهم؛ فالثروات الطائلة التي وُضِعت في حسابات بعض الخونة يمكن أن تتكرر في مناطق أخرى من البلاد، سواءً في مناطقها النفطية أو في بعض مناطق الجنوب شبه المستقل الآن.

يخشون من انقسام لشمال وجنوب أو إلى أقاليم خمسة رفضها الحوثيون على خلفية وحدوية، لكنهم قد يقبلون بها إذا ما قادت إلى خروجهم من دائرة صراع طويلة تنتظرهم في حال توسيع معاركهم في الجنوب، وافتقارهم إلى ظهير أو مقومات الاختراق الكاملة للجنوب.

يتطلعون إلى الأشقاء في الخليج، لعلهم أدركوا اليوم أن مصالحهم قد باتت مهددة أكثر من أي وقت مضى، لاسيما مع اختلاف الرؤى اليوم بما يسمح بتغييرٍ في الاستراتيجية أو على الأقل استغلال العلاقات الوثيقة مع قبائل عريقة يمنية لتغيير كفة الصراع.

كثير من الأسئلة لابد أن تتوالد مع غموض الوضع في اليمن الذي تُدار اليوم سياسته الداخلية بـ"القصور الذاتي"، بلا رئيس ولا حكومة! فالمهلة حُددت وانتهت ، ووجهات النظر متباينة جداً، والتفكير يذهب حد تغيير العاصمة إلى عدن لتقليل أثر الحكم الحوثي للعاصمة واستيلائه على مقرات الحكم، والحوثيون بيدهم سلطة، ربما محدودة، لكنها فاعلة، ويمكن لإيران أن تبني عليها أكثر وأكثر.. فقط، إن سمحت الولايات المتحدة لها ".

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد