"أنا فدالك وأمه لاتموتيش".. كلمات وجع قالها الولد الشاب وهو يرى أمه تعاني سكرات الموت أمام عينيه.. معبراً عن عجزه إنقاذ والدته:"أمي ولا أنا قادر أعمل له حاجة ".. لم تكن قصة فاطمة سوى واحدة من مآسي تعز المدينة المنسية بمأساتها الانسانية عن العالم.. وفي تعز إما أن تموت برصاصة قناصة مليشاوي أو بقذيفة بيادق صالح.. أو جائعاً..

"فاطمة احمد هاشم" من أهالي مدينة المخأ مصابة الفشل الكلوي دخلت في غيبوبة بعد أن أصابتها شظايا قذيفة وصلت إليها في غرفة الجهاز الغسيل بالكلى بأحد مستشفيات تعز المحاصرة من قبل مليشيا الانقلاب الصالحوثي..

كان مفترضاً أن تدخل غرفة العناية المركزة ويوضع لها الأكسجين.. لكن الأكسجين منعدم وليس بيد الطاقم الطبي بمستشفى الثورة أي حل أو قدرة..

في تعز يحضر الموت بكل أشكاله، والمآسي تتوزع كل منزل فيها وحارة وشارع.. في ظل حرب تمارسها مليشيا وتنافيها حتى قوانين الغاب وتتجنبه الوحوش رأفة بفرائسها، دون ان تجد رادعا لعناصرها ولا شكل استفزازا للصامتين ولا استثار إنسانية المسؤولين وحتى المنظمات الانسانية..

توقيع الموت
لم تكن قصة فاطمة سوى واحدة من مآسي تعز المدينة المنسية بمأساتها الانسانية عن العالم.. قصص كثيرة تحمل قدراً طافحاً من الوجع الانساني في تعز.. وليس أخرها قصة أب يتخلى عن ابته الرضيعة والموت يحتويها بسبب غياب الأكسجين- حد شبكة الراصدين المحليين في تعز
"لن نحمل المستسفى أي مسئولية".. عبارة كتبت بيد مرتبكة وملحقة بتوقيع أكثر ارتباك في كشف قسم الولادة بالمستشفى الجمهوري بتعز كتبتها يد الأب نصر أحمد وهو يترك طفلته الرضيع للمجهول وللقدر الذي بات يحصد أرواح الجميع في تعز.

عبارة الأب السابقة تلتها ملاحظة أنهت أمل الحياة وفتحت أبواب الجحيم والحرمان للأسرة الصغيرة.. عبارات قصيرة لخصت الوجع على كشوفات مستشفى أصبح كغيره في تعز يستقبل المرضى والجرحى لا ليقدم لهم خدمات صحية بقدر ما يضيفهم لسجلات الموتى- كما رصدها للشبكة راشد محمد..

هذه أحدى المأسي التي تعيشها محافظة تعز اليمنية بسبب حصارها من قبل مليشيات الحوثي والقوات التابعة لعلي عبد الله صالح التي تمنع الاكسجين عن مستشفيات مدينة تعز.

قصة هذا الطفل الذي توفى بتاريخ 1/1/2016م وعمره عشر دقائق تم استقباله من غرفة الولادة وحالته متعبة جدا، وكان الطفل يحتاج لحاضنة أكسجين ولكن لا يوجد.

نزيف الإنسانية
تلف مليشيا الموت حبال الحصار حول عنق المدينة على مرأى ومسمع من العالم، المكتفي بمشاهدة الموت وهو يمشي متبخترا بين أفيائها.. يكتب فارس فؤاد البناء عن حصار المليشيا لتعز وصمت العالم..

تعز التي صدرت الحياة إلى كل ربوع الوطن، والمدافعة عن كرامته و شرعيته يناظرها رئيس الجمهورية وحكومته بصمت مخيب و معيب، غير عابئين بحجم المعاناة التي تجتاحها والتضحيات الجسيمة التي تقدمها والبطولات المجيدة التي يسطرها أبناؤها.. أضاف البنا.

هنا قصة أخرى.. الطفل أحمد عبد الحق الأصبحي.. 14 عاما دخل في حالة غيبوبة بعد إصابته بنزيف بسبب كسر في عظم الجمجمة نتيجة سقوط قذيفة على حي صينا في مدينة تعز, يوم 30ديسمبر2015, وكان يحتاج أحمد لتدخل جراحي ورقود بقسم العناية المركزة.. لكن الأكسجين غير متوفر..

اختناق الكلمة
قصص كثيرة تحكي واقع مرير لمدينة تخنقها مليشيا وبيادق الانقلاب الصالحوثي, ولايكف متابعون وناشطون عن نقل كثير من مأسي المدينة المحاصرة..

يقول الزميل/ حمدي البكاري- مراسل قناة الجزيرة الفضائية بتعز: انا صحفي يمني من محافظة ‫‏تعز‬.. اغطي الأحداث منذ شهور في هذه المدينة.. أشعر أن الحصار يخنقني.. لا أستطيع التحرك كما أريد.. أزور المستشفيات واجدها مدمرة.. بلا دواء كاف.. وأخيرا انقطع الأكسجين عن المستشفيات.

ويضيف" أزور المناطق قرب المنافذ واجد الناس يتعرضون للإنتهاكات ولايسمح لهم بالتنقل بحرية وغالبا لايسمح لهم بإدخال الأغذية والاحتياجات الضرورية.. يقوم الحوثييون وقوات تتبع الرئيس المخلوع علي صالح بالتحكم بالمنافذ وفرض حصار خانق.. سألت محامين ماهو توصيف ذلك في القانون الدولي فردوا : جريمة حرب.."

وعلى صفحته بموقع التواصل الاجتماعي- فيس بوك- كتب البكاري: انا صحفي اعيش هنا مثل بقية السكان وكل يوم اتوقع الموت اما بسبب القصف أو الجوع.. لا أجد الغذاء المناسب واتعرض لوعكات صحية بشكل مستمر.. ظروفي تظل أفضل من الآخرين.. هناك من يأكل وجبة واحدة في اليوم وهناك من يموت يوميا في هذه المدينة.. لا أحد يسمع هؤلاء.. أشاهد جثثا تذهب إلى المقابر يوميا...

وتابع" انا صحفي ارفع صوتي عاليا من أجل إنسان هذه المدينة مهما كان انتماؤه السياسي وأطالب المجتمع الدولي أن يضغط لإنقاذ المدينة.. اصرخ في وجه العالم لاستعادة قيم الإنسانية... أيها العالم ادخلوا إلى الناس الدواء والغذاء.. مئات الآلاف على وشك الموت.. أوقفوا هذه الحرب اللعينة واجعلوا انسانيتكم تحضر.. افتحوا ممرات آمنه لدخول المساعدات.. سنموت وستكون اللعنة عليكم إن استمر صمتكم"..

حملات
ويعبر ناشطون عن استياءهم من التجاهل لمأساة تعز التي يلفها الحصار المليشاوي.. واعتبر ناشطون صمت المنظمات الانسانية والدولية وعجز الأمم المتحدة ومجلس الأمن عن فك حصار تعز بأنه يضع كثير من الشكوك حول واجبات الأمم المتحدة ومجلس الأمن التي يقولون أنها تنحاز للقيم الإنسانية..
وكان ناشطون ومغردون يمنيون أطلقوا أمس حملة الكترونية عالمية لرفع الحصار المفروض على مدينة تعز من قبل ميليشيات الحوثي والمخلوع منذ تسعة أشهر , وتهدف الحملة التي تأتي إلى لفت أنظار العالم لمعاناة المواطنين داخل تعز.. هاشتاج: #ارفعوا الحصار عن تعز #END TAIZ SIEGE.

وتقوم الحملة بحسب منظموها على خلق حراك مجتمعي من شأنه الضغط على القوى الإقليمية والدولية ومنظمات الإنسانية للقيام بواجبها الإنساني تجاه هذه المدينة المحاصرة, عبر المشاركة الفاعلة في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي والنشر تحت هذا الهاشتاج بعدة لغات لأجل تسليط الضوء على الوضع الكارثي والإنساني الذي تعيشه المدينة, وانطلقت هذه الحملة الالكترونية المحددة في الساعة السادسة من مساء يوم أمس ولاقت تفاعلا كبيرا وتصدرت الهاشتاجات قبل موعد انطلاقها بنصف ساعة.