جرحى الحرب بتعز..وجع وإهمال يضاعف حجم المأساة

2016-01-04 11:52:17 تقرير خاص/ آفاق الحاج

يعيش جرحى الحرب بمدينة تعز -والمندلعة منذ مارس/ آذار الماضي- ظروفا إنسانية مأساوية في ظل الإهمال الحاصل لهم مع عجز مستشفيات المدينة عن تقديم الرعاية الطبية لهم بسبب الحصار الذي يفرضه الحوثيون وقوات المخلوع صالح على جميع منافذ المدينة ومنعهم دخول الأدوية والمستلزمات الطبية إلى المدينة في خطوة تعد انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان..
وهو ما يجعل معظم أولئك الجرحى مهددون بالموت أو بالإعاقة المستديمة, ليضاعف ذلك من معاناة الجرحى الذين تعفنت جراحاتهم وهم ينتظرون يدا تمتد إليهم لتنتشلهم من مستنقع الإهمال وجحيم المعاناة المتزايدة.
 إحصاءات صادمة
 أكثر من ثمانية آلاف جريح موجودون داخل تعز من المدنيين ورجال المقاومة الشعبية بحسب إحصائية أخيرة للمركز الإنساني للحقوق وشبكة الراصدين المحليين, المئات منهم بحالات خطرة وبحاجة إلى نقلهم إلى مستشفيات الخارج..

وقد وجهت نداءات كثيرة من قبل القائمين على ملف جرحى تعز للحكومة والجهات الإنسانية بالتجاوب مع مئات الجرحى الذين هم بحاجة إلى خدمة طبية عاجلة وينتظرون وعود الحكومة بتسفيرهم إلى خارج البلاد للعلاج.
خصوصا وأن هناك إصابات خطيرة في الدماغ والرأس تحتاج إلى عمليات جراحية لا تستطيع مستشفيات تعز ولا حتى عدن إجراءها. 

وكان قد تم نقل 15 جريحا فقط من جرحى المقاومة بتعز إلى الخارج من أصل 58جريح وصلوا إلى مستشفيات عدن حالتهم حرجة فيما يعيش البقية أوضاعا صعبة في انتظار لفتة كريمة تليق بتضحياتهم التي قدموها.
جرحى يتنفسون الموت
قصص المعاناة لا تنتهي مع هؤلاء الجرحى الذين يتنقلون بين مستشفيات المدينة للبحث عن شي يضع حدا للألم الذي لا يفارق أجسادهم.. لكن الرد دائما ما يكون: لا يوجد إمكانيات ولا نستطيع فعل أي شي لكم لأن الأمر ليس بأيدينا. 
أكرم مهيوب أحد جرحى المقاومة, أصيب بطلق ناري في قدمه اليسرى منذ شهر تقريبا في مواجهات ثعبات, لم يستطع حبس دموعه وهو يروي تفاصيل معاناته مع الإصابة..

يقول أكرم: لا أستطيع النوم من شدة الألم حتى أنني أصبحت أتمنى الموت. . ويتابع:" لم أتمكن من إجراء العملية لقدمي التي بدأت جراحها بالتعفن وأنا أتنقل من مستشفى لآخر, أعيش في ظروف صعبة فأنا أعيل 14 فردا من أسرتي بعد أن فقدت والديَّ". وتستمر دموعه بالانهمار وهو يردد:" اتقوا الله فينا.. اعملوا لنا حل.. تعبنا"!
بالقرب من أكرم يرقد عبد الجبار في إحدى غرف مستشفى الثورة العام منذ ثلاثة أشهر بعد إصابته برصاصة قناص في عموده الفقري ما سبب له شللا نصفي أفقده القدرة على الحركة, يحتاج إلى إجراء عملية جراحية عاجلة في عموده الفقري , وناشد أكرم كل الجهات المعنية بإنقاذه من المعاناة التي يعيشها.

 محمد هو الآخر أب لأربعة أطفال أصيب ب12شظية في قدمه اليمنى نتيجة قذيفة أطلقتها الميليشيات أثناء تواجده في إحدى جبهات القتال, ومضى على إصابته أكثر من شهر ولازالت جراحه كما هي لم يتمكن من علاجها كحال زملائه السابقين..
ومع ذلك يخبرنا بأنه لن يتوانى للحظة في العودة إلى جبهات القتال والدفاع عن كرامة تعز في حال تماثلت قدمه للشفاء.. أكرم ومحمد وعبد الجبار نماذج فقط لجرحى كثر باتوا يتنفسون الموت في ظل الإهمال الذي يعانون منه.
طبيب محاصر وأم بلا ذاكرة
في مستشفى الجمهوري بتعز ترقد الشابة رانيا (24عام) بقسم الولادة مهددة بالموت بسبب غياب الاكسجين بعد ان تعرضت لنزيف حاد ودخلت في غيبوبة تامة أثر ولادتها.. افاقت رانيا وفقدت الذاكرة و حتى كتابة قصتها لم تعرف بانها انجنبت بنت اسمها زهرة.

الدكتور أحمد الدميني يقول: منذ 6 أشهر لم استطع العودة لمنزلي بالحوبان بسبب الحصار وأبيت بالمستشفى، اسرتي نزحت بسبب الحرب لمدينة إب ولا أجرؤ على الخروج لزيارة أمي المريضة بسبب التهديدات بالاعتقال..
في منشور على صفحته فيس بوك أضاف الدميني" نحن بالمستشفى عاجزون عن تقديم الخدمات الطبية بسبب نقص الادوية ونفاذ الاكسجين، نتعرض للقصف بالمستشفى بشكل مستمر وتدمرت معظم اقسام المستشفى، الجرحى والمرضى يموتون بسبب هذا الحصار..
عجز طبي   
مستشفى الروضة الأهلي بمدينة تعز والذي يختص بمعالجة جرحى المقاومة الشعبية كان قد أعلن أكثر من مرة عن توقفه عن استقبال مزيد من الجرحى بسبب العجز الكبير في إمكانياته .

يقول د/ أحمد فرحان أحد الأطباء العاملين في مستشفى الروضة: منذ أن بدأت الحرب على تعز وفي ظل انقطاع الكهرباء ومادتي البترول والديزل أغلقت أغلب مستشفيات المدينة ولم يبق سوى ثلاث مستشفيات بينها مستشفى الروضة..
موضحاً أنه مع مرور الوقت أغلقت بقية المستشفيات أبوابها نتيجة عجزها عن استقبال الجرحى مما زاد الضغط والعبء على مستشفى الروضة الذي كان ولا يزال يستقبل عشرات الشهداء والجرحى رغم الصعوبة وقلة الإمكانيات, وامتلاء غرف الرقود بالجرحى.

ويتابع بالقول: الأمر الذي اضطر المستشفى لإفراغ غرف العيادات الخارجية وغرف التمريض لكي يتم إدخال الجرحى فيها وتوقف المستشفى عن استقبال الحالات المرضية البسيطة والمتوسطة والحرجة من غير الجرحى والمصابين كمرضى القلب والسكري والكلى والمخ والأعصاب لعدم قدرة المستشفى على تقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم رغم حالاتهم الصعبة والحرج.

ويضيف:" نتيجة لكثرة وصول الجرحى والعمل المتواصل حدث وأن تعطل جهاز الأشعة وتم إصلاحه أكثر من مرة وكذلك تعطل الجهاز الطبقي المحوري ولم يتم إصلاحه حتى الان بسبب انعدام قطع الغيار بعد أن أغلقت معظم شركات المعدات الطبية في تعز بسبب الحرب".
مشيرا إلى أن المعاناة تزداد كل يوم ومعها تقل الإمكانيات واللوازم الطبية الضرورية التي نفدت من السوق بشكل نهائي بسبب الحصار المفروض على المدينة من ضمنها مادة الأكسجين التي اعتبر انعدامها من أكبر الكوارث.

وقال أن ذلك تسبب في عجز تام للمستشفيات عن استقبال الجرحى أو إسعافهم وتوقف غرف العمليات وإغلاق قسم العناية المركزة وانعدمت أهم الأدوات الاسعافية من قسم الطوارئ الذي أصبح كعيادة خارجية في حي من الأحياء لا يملك أي إمكانيات غير القطن والشاش وأدوات الجراحة العادية التي قد تكون موجودة في بعض البيوت كإسعاف أولي, حتى أصبح الجريح الذي يعاني من جراح خطيرة مهدد بالموت ونحن عاجزون عن إسعافه.   
نماذج تختزل الوجع
حالات حرجة لم يتمكن الأطباء من إنقاذها فإما أن يموت الجريح والأطباء ينظرون إليه عاجزين عن فعل أي شي له أو يتم نقله لمستشفى آخر عسى أن يجدوا لديهم ما ينقذه, وعادة ما يموت الجريح بالطريق وهو يتنقل من مستشفى لآخر.

مثال لذلك امرأة في الستينات من عمرها وصلت جريحة إلى إحدى المستشفيات بعد إصابتها بشظايا قذيفة أطلقتها الميليشات وكانت بحاجة إلى تدخل جراحي سريع فتم تحويلها من مستشفى لآخر وبعد تلك المعاناة لفظت أنفاسها الأخيرة عند آخر مستشفى لجأت إليه بسبب عجز الأطباء عن إنقاذها برشفة أكسجين.
 كذلك الحال هو مع الأطفال الخدج الذين يحتاجون إلى الحاضنات يموتون قبل أن تفتح أعينهم على الحياة وذلك بسبب انعدام الأكسجين الذي يخلف ورائه قصصا مؤلمة لم تحدث في أي زاوية من زوايا العالم.                                                                              
أطفال يموتون باكراً
معاناة كبيرة فوق ما يتصورها البعض جعلت المستشفيات عاجزة عن تقديم أقل ما يمكن تقديمه للجرحى والمصابين..

قصص كثيرة تحمل قدراً طافحاً من الوجع الانساني في تعز.. وليس أخرها قصة أب يتخلى عن ابته الرضيعة والموت يحتويها بسبب غياب الأكسجين
"لن نحمل المستسفى أي مسئولية".. عبارة كتبت بيد مرتبكة وملحقة بتوقيع أكثر ارتباك في كشف قسم الولادة بالمستشفى الجمهوري بتعز كتبتها يد الأب نصر أحمد وهو يترك طفلته الرضيع للمجهول وللقدر الذي بات يحصد أرواح الجميع في تعز.

عبارة الأب السابقة تلتها ملاحظة أنهت أمل الحياة وفتحت أبواب الجحيم والحرمان للأسرة الصغيرة..
قصة هذا الطفل الذي توفى بتاريخ 1/1/2016م وعمره عشر دقائق تم استقباله من غرفة الولادة وحالته متعبة جدا، وكان الطفل يحتاج لحاضنة أكسجين ولكن لا يوجد- كما وثقها لشبكة الراصدين المحليين راشد محمد..
عبارات قصيرة لخصت الوجع على كشوفات مستشفى أصبح كغيره في تعز يستقبل المرضى والجرحى لا ليقدم لهم خدمات صحية بقدر ما يضيفهم لسجلات الموتى- حد الوصف.

هذا جانب المأسي التي تعيشها محافظة تعز اليمنية بسبب حصارها من قبل مليشيات الحوثي والقوات التابعة لعلي عبد الله صالح التي تمنع الاكسجين عن مستشفيات مدينة تعز.
كذلك هو الحال مع الطفل: أحمد عبدالحق الأصبحي.. 14 عاما الذي دخل في حالة غيبوبة بعد إصابته بنزيف بسبب كسر في عظم الجمجمة نتيجة سقوط قذيفة على حي صينا في مدينة تعز, يوم 30ديسمبر2015, وكان يحتاج أحمد لتدخل جراحي ورقود بقسم العناية المركزة.. لكن الاكسجين غيرمتوفر..   
                                                      
أنقذوا جرحى تعز
تحت هذا الشعار نفذ العشرات من جرحى الحرب في مدينة تعز وقفات احتجاجية تندد ب"الإهمال الحكومي" لمعاناتهم, وتناشد الجهات الحكومية والمنظمات الدولية بالالتفات إلى جرحى الحرب وتقديم العلاج اللازم لهم أو إرسالهم إلى خارج البلاد لتلقي الخدمة الطبية هناك. لكن السؤال: هل ستجد مناشداتهم وأناتهم المستمرة آذانا صاغية؟
قصف وموت
وتزبد من معاناة جرحى تعز أن أسلحة مليشيا الحوثي باتت تلحق الجرحى إلى المستشفيات من خلال استهداف المنشئات الصحية بما فيها من أطباء وجرحى.

وتتزايد معاناة الجرحى في مستشفيات تعز يوماً بعد آخر في ظل وصول آلة القتل الحوثية إلى أقسام بعينها في المستشفيات التي تعاني نقصاً حاداً في الأدوية وفي المستلزمات الطبية والوقود.

وقالت المواطنة ندى ناجي لـ"الجزيرة" إن أحد أقاربها كان يرقد في أحد أقسام المستشفى عندما تعرض أحد أجزائه للقصف منتصف نوفمبر الفائت، الأمر الذي فاقم الفزع من حالته الصحية حتى فارق الحياة.
وتشير معلومات إلى أن العشرات من الجرحى والمصابين فارقوا الحياة إما بسبب القصف على المنشئات الصحية أو بسبب انعدام المواد الصحية وتوقف عمل بعض الأجهزة بعد حصار الحوثيين للمدينة.

ولم يكن المرضى والجرحى هم الأهداف فقط، فقد سقط إثر استهداف المستشفيات طواقم طبية أيضاً.. وتدين مؤسسة حقوقية استهداف المليشيا الحوثية المستشفيات والمراكز الطبية بالقصف.
وأعدت استهداف الكادر الطبي والمنشآت الصحية بقذائف الدبابات بأنها انتهاكاً سافراً لكل المواثيق والاتفاقيات الدولية وأبرزها اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الانساني. 

وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أعربت عن جزعها إزاء استمرار تعرض مرافق الرعاية الصحية في اليمن للاستهداف مثل ما حدث في مدينة تعز. ما يعرض حياة المصابين والطاقم الطبي للخطر.
قالت الوكالة الدولة إن استهداف المنشآت الطبية في بلد يخوض حربا، يعتبر خرقا واضحا وصارخا للقانون الدولي الإنساني، مؤكدة أن جميع من يشاركون في القتال ملزمون، وفقا للقانون الدولي الإنساني، بحماية المرافق والطواقم الطبية في جميع الأوقات.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد