أوجاع إنسانية تتصدر الحرب

2016-02-09 13:13:13 تقرير/ وليد عبد الواسع

لم يكن الطفل: بشير، تسعة أشهر، الأول من أقرانه، ويبدو أنه لن يكون الأخير ممن يقتلون بأشكال وأدوات مختلفة في المدينة المحاصرة بالموت (تعز).
"توفي أمام عيني بمنزلنا هذا الذي لم ننزح منه": قال الأب، والوجع يرتسم على وجهه وفي داخله غصة لاتوصف..
كانت الساعة الخامسة فجراً من يوم السبت السادس من فبراير الجاري عندما ودع سلطان أحمد المقطري طفله المولود بداية الحرب على تعز 27مارس الأسود 2015..

وضع الطفل الصحي كان يحتم أن يظل تحت عناية صحية ومتابعة خاصة، لكن القصف يزداد والحصار يشتد على المستشفيات التي أصبحت عاجزة عن تقديم خدمات الرعاية والأدوية.. لذلك غادر دنياه.. تاركا قبح جماعة مليشاوية تحصد من تبقى..
وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" أن عام 2015 كان صعباً وقاسياً على ‫‏أطفال اليمن‬.. وفيه قتل وأصيب وأختطف وجند المئات من الأطفال ودمرت العشرات من المدارس والمستشفيات والمرافق الصحية والبنى التحتية في كل المحافظات اليمنية التي شهدت مواجهات مسلحة علاوة على الكوارث الطبيعية..

مكابدة الألم
دخل عام 2016 وما يزال هناك قرابة 10 مليون طفل داخل ‫‏اليمن‬ يكابدون الألم والمعاناة- بحسب اليونسيف، فقد جعل القصف المتواصل وقتال الشوارع المستمر الأطفال وأسرهم عرضة لمخاطر الحرب والمرض والحرمان.
على الرغم من استمرار الحرب.. تمشي أنهار العمر 10 عدة كيلو مترات يوميا، كما تفعل مع فتيات أخريات من منطقتها لحمل قرب الماء.. "دائما أبحث عن أماكن بجانب الجبل لحماية نفسي": تقول أنهار التي تجلب الماء من أ جل أسرتها كل يوم.

"إن الحاجة الأكثر إلحاحاً الآن، وقبل كل شيء، هي التوصل إلى نهاية لهذا الصراع":قالت المنظمة الأممية..
في رسالتها لصديقاتها تقول الطفلة شهد، 11سنة، من محافظة تعز: "أفتقد صديقاتي ومدرساتي..لا أدري كيف أحوالهم وما الذي حدث لهم بسبب الحرب..أفتقد لطابور الصباح واللعب في المدرسة كل يوم. أفتقد كل شيء في مدرستي"..
يقول ممثل اليونسيف في اليمن جوليان هارنيس: ملايين الأطفال في اليمن محاصرون في الحرب لا يمكنهم الهرب.. هناك حاجة للقيام بالمزيد، فأطفال اليمن‬ اليوم بحاجة إلى مساعدة عاجلة وهم أحوج ما يكونون إليها الآن".

المجندون الصغار
منذ مارس 2015، تمكنت اليونيسف من التحقق من 609 حالة تجنيد للأطفال من قبل الجماعات والقوات المسلحة، ويمثل هذا الرقم أربعة أضعاف الأطفال الذين تم تجنيدهم العام 2014..
ورصدت اليونيسف ارتفاع وتيرة تجنيد وإستخدام الأطفال في اليمن خلال عام 2015 مقارنة بالأعوام السابقة، حيث بلغت الحالات التي تم توثيقها من بداية العام حتى مطلع شهر ديسمبر 724 حالة لأطفال مجندين، بينما تم رصد 156 حالة في 2014 فقط.
"أوقفوا تجنيد الأطفال" لافتة ترفعها أحلام-٢٩ سنة، والتي أخوها تم تجنيده وهو في المدرسة.. "لقد أصيب أخي ولذا أنا ضد تجنيد الأطفال": قالت أحلام..

ويؤكد بيان منسوب لممثل اليونسيف في اليمن أنه يصعب قياس التأثير المباشر للحرب على الأطفال، حيث تشير إحصاءات مؤكد صادرة عن الأمم المتحدة أن 747 طفل لقوا حتفهم في حين أصيب 1,108 آخرين منذ مارس من العام الماضي بينما 724 طفل أجبروا على الانخراط بشكل أو بأخر في أعمال مسلحة..
"وهذا ليس سوى جزء من المأساة وهو بحد ذاته أمر صادم بما فيه الكفاية": قال هارنيس.. وأضاف: "كما تمتد آثار العنف على المدنيين الأبرياء إلى أبعد من ذلك بكثير. فالأطفال يشكلون ما لا يقل عن نصف النازحين الذي بلغ عددهم 2,3 مليون شخص، والنصف أيضاً من 19 مليون شخص يكافحون يومياً للحصول على حصصهم من المياه. كما يتهدد خطر سوء التغذية الحاد والتهابات الجهاز التنفسي حوالي 1,3 مليون طفل دون سن الخامسة. وهناك 2 مليون طفل على الأقل باتوا غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة".

أرواح أزهقت
وتشير التقارير إلى أن الحرب في اليمن خلفت أكثر من 1000 طفل بين قتيل وجريح. وبحسب اليونيسف يصل متوسط عدد الأطفال الذين يُقتلون أو يشوهون في اليمن بشكل يومي إلى 8 أطفال نتيجة للحرب الدائرة في البلاد.

وتفيد المنظمة الأممية للطفولة أن من آثار الصراع المسلح، الذي يدمر واحدة من أفقر دول العالم العربي، تَعطّل الخدمات الصحية وارتفاع معدلات سوء التغذية بين الأطفال وإغلاق المدارس وارتفاع أعداد الأطفال المجندين في الجماعات المسلحة.
يقول جوليين هارنِس، ممثل اليونيسف في اليمن: "تمثل هذه الأزمة مأساة حقيقية بالنسبة للأطفال في اليمن". ويضيف: "يتعرض الأطفال للقتل بفعل القصف والإقتتال، ويواجه الناجون منهم خطر الأمراض وسوء التغذية. ولا يمكن أن نسمح لذلك بالاستمرار".
ويشدد التقرير على أن النزاع لا يدمر حياة الأطفال الآن فقط، ولكن سيكون له آثار مروعة عليهم في المستقبل أيضا.

مشردو الحرب
للنازحين قصص وجع أخرى.. ويعاني العديد منهم في مختلف المناطق اليمنية من عدم توفر الماء و الغذاء و المأوى المناسب لهم. ويفتقرون إلى ابسط الاحتياجات.
تقول أحدى النازحين من محافظة حجة "هذه ثالث مرة ننزح فيها و أنا متعبه. نحن نعيش تحت الأشجار و نحتاج الماء و الغذاء. لم نستطع أن نجلب أي شي معنا إلا بطاقات هوياتنا".
تقول الأمم المتحدة: يحتاج ما يقرب من 2.4 مليون نازح في ‫اليمن‬ إلى خدمات صحية ومساعدات إنسانية طارئة. وتعمل منظمة ‫الصحة‬ العالمية على توسيع نطاق خدمات الرعاية الصحية الأولية في المناطق المتضررة من الصراع والأماكن التي يقطنها النازحون.

نازحة بلا أمل

"دمرت الضربات الجوية أماكن عدة. تركت حياتي وكل شيء هناك. واليوم لست طبيبةً، فأنا مجرد نازحة بلا أمل": تقول أروى و هي طبيبة كانت تعمل في المستشفى الجمهوري في محافظة صعدة والتي فرت مع أسرتها في 8 مايو إلى كلية التجارة في مديرية خمر.
ويزداد أعداد النازحين الذين يتوافدوا إلى حيث الأماكن الآمنة، فارين من منازلهم جراء تدهور الأوضاع ومخلفات الحرب التي تطالها.

يقيم كثير من النازحين مع أسر محلية أو في منازل مستأجرة، فيما يلتجئ بعضهم إلى مبانٍ عامة كالمدارس، أما آخرون، فلم يجدوا سبيلاً سوى العيش في خيام تقع على أطراف المدن.
تضيف أروى:" هذا مطبخنا الآن. ونحن محظوظون لأننا استطعنا الخروج من صعدة، وقد لزمنا 60 ألف ريال يمني( حوالي 290 دولار) لنشتري الوقود ونغادر المدينة. لكن آخرين لم يكونوا محظوظين كما كنا، فنحن نعلم أن أناساً كثيرين لم يتسنى لهم المغادرة كما أن آخرين يتوافدون سيراً على الأقدام".

قلوب مفجوعة

في ظل استمرار الحرب والمواجهات في مختلف المحافظات اليمنية، وجدت كثير من الأسر اليمنية الميسورة الدخل من الهجرة إلى خارج البلد وسيلة للهروب من كوارث قد تحل بهم.. لكن للغربة في بلدان أخرى تبدو قاسية، خصوصاً عندما يكون لك في بلدك أهل وأقارب يكتوون بنار الحرب..

بالنسبة لـ" إيمان" ، التي فرت إلى السعودية حيث يعمل زوجها منذ سنين يبدو اليوم الوضع قاسياً، خصوصاً بعد إصابتها بمرض السكري، على خلفية مقتل أفراد من أسرتها في قصف على مدينتها.
فيما تظل "داليا": تعيش رعباً مضاعفاً على أسرتها في تعز.. تركت داليا أسرتها بداية الحرب واتجهت مع زوجها إلى صنعاء، ثم إلى المملكة السعودية.. "أعيش برعب وقلق يومي لأن أسرتي بتعز ويعلم الله إيش مكتوب لهم": تقول داليا، مؤكد أنها تظل منتظرة أخبار فقدان أحد أعزاءها في الأسرة..

قيود وعوائق

لكن الكثير من الأسر ماتزال تتجشم أوجاع الحرب داخل البلد.. وهو حال هذا الدكتور، وغيره كثير..
"أ ستطيع أن أتحمل المشقة المالية ولساعات طويلة، ولكن عندما تتضاعف هذه التحديات من خلال زيادة انعدام الأمن والأصوات مخيفة من القنابل، أريد أن أغادر ‫‏اليمن‬ من أجل سلامة عائلتي": يقول الدكتور محمد الخليدي, الذي يعمل في إدارة الصحة العقلية في اليمن وزارة ‫الصحة‬ العامة والسكان.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد