أنين الإنسانية المنبثق من بين الركام والدمار يعلو أصوات القذائف

تعز..مدينة تنام في أحضان الجراح

2016-02-16 13:47:40 تقرير/ وليد عبد الواسع

كانت الطفلة ترتيل، 12 عاماً، تعمل على جلب المواد الغذائية وبيعها في حارتها بالمدينة القديمة، وكانت أسرة عبد الملك الشميري تعتمد في دخلها على ماتحصل عليه طفلتهم مردودا يومياً..
لكن مليشيا الحوثي اختطفت ترتيل، عائلهم الوحيد من منفذ الدحي قسرا ورفضوا إطلاق سراحها بتهمة تهريب المواد الغذائية يوميا إلى مدينة تعز ونقلوها إلى صنعاء.. لتترك للأسرة حرقة البكاء ووجع قسوة الظروف
واليوم تبدو أسرة عبد الملك الشميري بلا حول ولاقوة.. فبعد أسبوع من اختطاف ترتيل ونقلها إلى صنعاء أطلقت المليشيا سراح الطفلة بعد تعهدات بعدم عودتها إلى منفذ الدحي بمدينة تعز لتهريب المواد الغذائية..

تتسع رقعة الجوع والفقر وتزداد حالات التشرد مع ازدياد الأوضاع سوءا في تعز، في ظل الحصار والقصف والحرب المعلنة بلا هوادة على المدينة من قبل مليشيا الحوثي وصالح.. فيعلو صوت الحرمان المنبثق من بين الركام والخراب والدمار فوق كل الأصوات.
تنام المدينة في أحضان الجراح.. والحالة الإنسانية تغدو أصعب مع مرور الأيام.. في حين ينشغل الناس في متابعة جنيف وأخبار الصراع.
طبيب يقاسمنا الوجع
وكما كانت الصغيرة أبرار تبكي كونها لن تستطيع الذهاب إلى المدرسة كما كانت من قبل بعد أن بتروا رجلها اليمنى.. ألفت ضحية متحوث في معبر الدحي أطلق عليها النار وأدخلت العناية المركزة ولا يملك والدها ثمن central line.
في حديثه عن أوجاع إنسانية عايشها في عمله من داخل أحد المستشفيات التي يعمل فيها يورد الدكتور أحمد الدميني قصص مؤلمة، منها حكاية أبرار وألفت..

"كان بالسرير الثالث بالغرفة الأولى للرقود العظام جريح يعمل سائق حافلة و يحلم بأن يصبح لاعب كرة قدم ذات يوم، قصته ذكرتني بكارلوس باكا الذي كان لديه باص ثم تحول للاعب محترف، الآن بسبب الحرب أصبحت رجله معلقه بلا مِفصل": كتب الدميني..

"كان بالدور الثاني بصالة المخ والأعصاب بالسرير الخامس جريح آخر وكان مدرس رياضيات ويعمل بقية يومه ببقاله، الحرب دمرت بقالته والقذيفة هشمت رأسه، لم يكن يتمنى أن يصبح كإينشتاين أو طموح كمناهل ثابت، لم يكن يحلم سوى بقوت يومه وستر أبناءه، الآن بعد الحرب لم يعد يتذكر حتى اسمه": يضيف الدميني
ويتابع:" أبو أركان لم يكتفوا بقتل ابنه الصغير وإصابة رجل أركان ذو الثمان سنوات بل اخذوا دراجته النارية أيضاً مصدر عيشه، باع ثلاجة منزله لم يعد يتواصل معي منذ فترة فقد رهن حتى تلفونه كما اخبروني"..
يصف الدميني، في منشور على صفحته بالفيس بوك، وجعه: أنا حزين جداً وأشعر بالعجز، أصبحنا نحترف الكذب ونخبر من نحب أننا على ما يرام ونحن نحتضر، نظارتي شاهده دوماً على هذه السخرية، أصبحنا نتقن تمثيل الأدوار وبالسماعات الطبية أيضاً، نخبرهم أنهم سيكونوا بخير ونحن نعلم أن فرصة شفاءهم ضئيلة جداً:
ويتابع:" يكفي.. من منكم لديه بصيص أمل يعيرني إياه حتى من السوق السوداء أو تهريب من جبل طالوق.. أعذروني لم اعد أطيق الحديث لأحد.. سأبقى لوحدي

ويختتم منشوره بمناداته للطفلة أبرار: صغيرتي أبرار وأنتي تشاهدين Forrest Gump لتوم هانكس وهو يعاني من إعاقته بالمدرسة لا تتوقفي عن مشاهدة الفيلم بالمنتصف بل شاهديه إلى النهاية.
الكارثة المنسية
حذرت جهات إغاثية من حصول كارثة إنسانية في محافظة تعز اليمنية التي تعدّ أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، في ظل تردي الوضع الصحي وشكاوى المدنيين من "خذلان العالم لهم".

يتزامن ذلك مع حركة نزوح للسكان هرباً من العمليات العسكرية بين مسلحي المقاومة الشعبية والجيش الوطني اليمني وبين مليشيا الحوثي وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح من جهة أخرى.
وألجأت الحرب كثيرين للهرب من تعز بحثا عن الأمان وما يسد رمقهم. وتعتبر مدينة تعز الخاضعة للحصار منذ عشرة أشهر من أكثر المدن اليمنية ازدحاما بالسكان حيث يقطنها 1.5 مليون نسمة.
ويترافق هذا الحصار مع عمليات عسكرية ومواجهات في محيط المدينة بين المقاومة الشعبية ومليشيا الحوثيين.
ويستهدف القصف الحوثي الأحياء السكنية في تعز مع عجز المنظمات الإغاثية عن الوصول إلى المتضررين، رغم محاولات الإغاثة المحلية البسيطة.

وقد أدت الحرب إلى تشريد مئات الأسر ونزوح أكثر من 70% من سكان تعز إلى خارج المدينة، بينما هرب عشرات الآلاف من مناطق الاشتباك والقصف التي تقدر بنحو خمسين حيا سكنيا باتجاه وسط المدينة. أما باقي الأحياء فكان نصيبها الحصار الخانق.
ولم يستطع الكثير من المدنيين الخروج بسبب الحصار وعدم قدرتهم على توفير تكاليف التنقل، واضطر العديد منهم إلى ترك أمتعتهم ومنازلهم. أما من حاولوا الرجوع إليها فقد عرقلتهم عمليات القصف والقنص لكل هدف متحرك على الأرض.

وفي وسط مدينة تعز، لم تعد المدارس كافية لإيواء النازحين، فأغلبها طالها قصف الحوثيين بينما اختنقت البقية بالأعداد المتزايدة فيها، وخصص بعضها لتوفير مواد الإغاثة.
وخلف صوت القصف يغالب أهالي مدينة تعز لإيصال أصواتهم إلى العالم من أجل فك الحصار عنهم والنجاة بأطفالهم وأرواحهم، أو على الأقل السماح بوصول مواد إغاثة كفيلة بتخفيف معاناتهم.
مشردون في الكهوف
وبسبب الحرب التي تمارسها مليشيا الحوثي وصالح اضطرت العديد من الأسر بمحافظة تعز "جنوب صنعاء 256 كم" النزوح إلى المناطق المجاورة، ولم تجد أخرى أماكن لتؤيها فهربت لكهوف الجبال.
ونشر ناشطون صوراً قالوا إنها لأسر اضطرت للسكن في كهوف الجبال، بسبب القصف المتواصل الذي تشنه مليشيا الحوثي وصالح على قرية الديم بمديرية صبر الموادم.

ويضيف الناشطون أن أكثر من 80 أسرة أصبحت بلا مأوى. وبحسب المصادر، فإن مناشدات أطلقها السكان للمنظمات وأهل الخير سرعة مساعدتهم لتوفير أماكن لإيوائهم.
عقب عودته والوفد الأممي من زيارة ميدانية لمدينة تعز، قال ممثل اليونيسف في ‫‏اليمن‬، السيد جوليان هارنِس:" رأيت في مدينة تعز، التي أعرفها جيداً من قبل، مبانٍ مدمرة، مدارس ومرافق صحية مغلقة وأطفال مصابين والحياة الطبيعية متوقفة. كما رأيت خارج مدينة تعز في مدينتي القاعدة وإب وضعاً صعباً يعيش فيه النازحون".
تدهور مخيف
وأعرب برنامج الأغذية العالمي عن القلق البالغ إزاء التدهور السريع للوضع الإنساني في مدينة تعز اليمنية حيث يعاني السكان من الجوع لفترة تمتد لأسابيع، فيما يواجه البرنامج صعوبات في الوصول إلى الأسر الضعيفة في المدينة التي مزقتها الحرب.
وناشد مهند هادي المدير الإقليمي للبرنامج جميع أطراف الصراع السماح بالوصول الآمن للغذاء لكل المدنيين المحتاجين في أنحاء تعز.

وقال هادي إن الأوضاع الصعبة في تعز عرقلت جهود البرنامج في الوصول إلى السكان الفقراء، وخاصة في الأجزاء المحاصرة في المدينة، الذين لم تتوفر لهم المساعدات الغذائية.
المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط: الدكتور علاء العلوان أكد أن قضية تلبية الاحتياجات الصحية للسكان في مدينة ‫‏تعز‬ تعتبر أمراً مثيراً للقلق بصورة خاصة.
وقال أنه منذ 14 كانون الأول/ديسمبر 2015، يستمر منع دخول شاحنات المساعدات التابعة لمنظمة الصحة العالمية والتي تحمل مواداً لازمة لعلاج الإصابات وأدوية لعلاج حالات الإسهال إضافة لمستلزمات طبية أخرى بما فيها 500 أسطوانة أكسجين، حيث تحتاج ستة مستشفيات عامة داخل المدينة لهذه المساعدات بصورة عاجلة.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد