المليشيا حولت المدارس إلى ثكنات عسكرية والطلاب والمدرسين لأهداف قنص وقصف

التعليم في تعز..ضحية حرب عام مُر

2016-02-23 12:18:43 ملف أعدته/ آفاق الحاج


قرابة عام مر على الحرب الدائرة في تعز منذ آذار مارس الماضي.. ألحقت دمارا هائلا بالبنية التحتية بما فيها التعليم، وخلفت أضراراً وأثاراً على الطلاب والمدرسين..
كما تسببت في تدمير عشرات المدارس الحكومية والخاصة وحرمان قرابة 50000 طالب وطالبة بمختلف مراحلهم من الالتحاق بمقاعد الدراسة والبدء بعامهم الدراسي الجديد..
فضلاً عن استهداف طلاب ومدرسين بالقتل والاختطاف والاعتداء والتسريح، وغيرها من الآثار التي ألحقتها الحرب بالمنظومة التعليمية.

كارثة حلت بالتعليم في اليمن عموما وتعز على وجه الخصوص حسب ما يراه متخصصون بعد أن ألحقت هذه الحرب المستعرة بالمنظومة التعليمية أضرارا وخسائر جسيمة، وبين مدارس مدمرة وأخرى حولتها الميليشيات إلى ثكنات عسكرية هناك طلاب ومعلمون شردوا من منازلهم ومنهم من كان ضحية لهذه الحرب.
وبالرغم من عدم توفر الأجواء الآمنة والمناسبة للتعليم، إلا أنه مؤخرا تم اتخاذ قرار من مكتب التربية والتعليم بالمحافظة بفتح المدارس الواقعة في مديريات المدينة الثلاث واستئناف العملية التعليمية في أكثر من عشر مدارس..
مع أن الكثير من التحديات والصعوبات التي تواجهها فيما تخوفات كثيرة لا تزال تسيطر على عدد من أولياء الأمور الذين امتنعوا عن إرسال أولادهم إلى المدارس خوفا على حياتهم في ظل استمرار القصف العشوائي لميليشيات الحوثي والمخلوع المحاصرة للمدينة والذي لا يستثني شيئا فيه.

مخاوف وتحديات
حالة من القلق والخوف يبديها أولياء الأمور على مستقبل أبنائهم الذين حرموا من التعليم لعام كامل بسبب الحرب التي لم تضع أوزارها بعد..
ذلك الخوف دفع الكثير من أولياء الأمور إلى إرسال أولادهم إلى المدارس والمراكز التعليمية التي فتحت أبوابها أمام الطلاب داخل المدينة..

في المقابل أمتنع آخرون عن إلحاق أولادهم بتلك المدارس خوفا على حياتهم نتيجة الأوضاع الأمنية غير المستقرة واستمرار القصف العشوائي على المدينة، وفضلوا تعليم أولادهم في المنزل ومتابعتهم بأنفسهم، لاسيما بعد تكرار استهداف الميليشيات للمدارس أكثر من مرة وإيقاع قتلى وجرحى في صفوف الطلاب.
أحمد الشميري أحد أولياء الأمور الذي امتنع عن إرسال أولاده الأربعة إلى المدرسة مرجعا السبب في ذلك إلى أن المدارس مستهدفة من قبل الميليشيات و تعد مصدر خطر على الطلاب..
يقول الشميري: قررت أن أعطي أبنائي دروسا منزلية حتى تتحسن الأوضاع وتستقر الأمور، ناهيك عن أن المدارس تعاني الآن من عجز كبير في المعلمين والكتب المدرسية.
ويضيف:" هذه الحرب زادت من انهيار التعليم في البلد الذي كان أساسا يعاني الإهمال والضعف في أحسن الأحوال فما بالكم الآن؟".

الاتجاه نحو المجهول
يرى التربوي عبد الواحد الفهيدي بأن المنظومة التعليمية في اليمن، وتعز خصوصاً، منهارة منذ سنين وكاد التعليم أن يكون تحت الصفر خاصة بعد إدخال النظام السابق السياسة في التعليم..
يقول الفهيدي: لقد أوكلت مهام تعليمية هامة جدا لمن ليس لهم صلة بالتعليم، والحرب الطاحنة التي تدور رحاها اليوم في تعز زادت الطين بله..

ويضيف:" وبالنسبة لي فأنا نازح خارج تعز وأولادي يدرسون حيث نحن متواجدون لكن الإحباط والشعور باليأس يخيم عليهم كونهم بعيدين عن مدرستهم الحقيقية وعن زملائهم ومدرسيهم".
ويحذر الفهيدي من أن العملية التعليمية في تعز واليمن منهارة وتتجه نحو المجهول بعد أن تحولت كثير من المدارس إلى معسكرات تدريب وأخرى ثكنات عسكرية لطرفي الصراع وبعضها تعرضت لقصف ودمار، وهو ما يحتاج إلى تكاتف الجهود من أجل إنعاش العملية التعليمية وتحسينها.

إرادة تقهر الحصار
في تعز إرادة الحياة تتغلب على مشروع الموت والتخلف الذي يحمله القادمون من كهوف الظلام للمحافظة المسالمة..
ورغم كل ما تعيشه تعز من مأساة إنسانية متفاقمة، إلا أنها لم تستسلم لذلك، بل ستصادفك مشاهد كثيرة داخل المدينة المحاصرة لطلاب يؤدون امتحاناتهم على أرصفة الشوارع وتحت نيران الميليشيات..
وفيما آخرون يتلقون تعليمهم في مباني متواضعة وعلى الدرج، وهناك أطفال يذهبون بحثا عن الخبز والماء والحطب قبل أن يذهبون إلى مدرستهم وهم يحملون حقيبتهم المدرسية على ظهورهم..
مشاهد تحكي عن رغبة عارمة في التعليم لمدينة عرفت عبر تاريخها بمدينة العلم وعاصمة الثقافة.. رغبة تفوق بكثير ثقافة التجهيل التي تراد لأبناء تعز.
لا يزال البعض الآخر من الأطفال حتى الآن بعيدين عن مقاعد الدراسة التي يحلمون بالعودة إليها، وجل يومهم يقضونه في البحث عن مياه الشرب التي منعتها عنهم ميليشيات الحوثي وقوات المخلوع منذ أكثر من عشرة أشهر.

وتبنت مبادرات شبابية بمجهود ذاتي وبالتنسيق مع مكتب التربية والتعليم فتح مراكز تعليمية في بعض الأحياء وتم تزويدها بالمناهج..
وتعتمد هذه المراكز على وسائل بسيطة وبالإمكانات المتيسرة، حيث يتلقى الطلاب التعليم في أماكن متواضعة مع ضعف الإمكانات وبالوسائل المتاحة..
وتأتي تلك المبادرات بهدف سد الفجوة المعرفية التي تتسع يوما بعد آخر، وإبعاد الأطفال عن أجواء الخوف والقلق التي أفرزتها تلك الحرب المستمرة.

مشاهد من الحرمان
خلف مشاهد الحرب، صورة مؤلمة لملامح حياة طفولية تقاوم القتل والأمية، ومأساة فعلية يرزح التلاميذ تحتها، دون أن يلتفت لهم العالم..
الصورة والمشهد في تعز تلخصه الطفلة شهد، 11 سنة، بقولها:" أفتقد صديقاتي ومدرساتي..لا أدري كيف أحوالهم وما الذي حدث لهم بسبب الحرب.. أفتقد لطابور الصباح واللعب في المدرسة كل يوم. أفتقد كل شيء في مدرستي."

وتتحدث التقارير عن أن أطفال تعز يعانون من الحرمان من التعليم في ظل الحرب الدائرة في المدينة. وبالإضافة إلى أزيز الرصاص وأصوات الانفجارات، عانى الأطفال من انقطاع الكهرباء والمياه ونزوح عشرات الآلاف من الأسر إلى المدارس.
في وسط مدينة تعز، لم تعد المدارس كافية لإيواء النازحين، فأغلبها طالها قصف الحوثيين بينما اختنقت البقية بالأعداد المتزايدة فيها، وخصص بعضها لتوفير مواد الإغاثة. هذه المدارس أغلقت أبوابها أمام الطلاب بعد أن تحولت إلى مخيمات للنازحين. كما أن فرار الكثير من الأسر مع أطفالها خارج المدن تسبب في انقطاع الكثير من الأطفال عن مدارسهم.

في تحليلهم للوضع النفسي للأطفال في ظل الخوف والرعب التي تصيب الأطفال أثناء الحروب يوضح مختصون بالطفولة أن هذه الحالة تولد لديهم عملية صد ذهني، فتحدث حالة من عدم التركيز، وتقل قدرتهم على الحفظ والانتباه.
كما أن اطلاع الطفل على مشاهد القتل ومناظر الدماء- بحسب نفسانيين- تؤدي إلى فقدانه قيمه الداخلية، وبالتالي إلى اهتزاز قيم المجتمع لديه.

تحذيرات من مضاعفة الأمية
تعيش محافظة تعز أوضاعا إنسانية بالغة السوء منذ بدء الحرب عليها وانتهاء بالحصار الخانق المفروض عليها من قبل مليشيا الحوثي وصالح منذ قرابة عشرة أشهر.. وفي الواجهة تبرز العملية التعليمية، التي تضررت بشكل كبير..
وتؤكد منظمات حقوقية أنه بدلاً من المدارس ذهب الأطفال بفعل سياسة الحوثيين إلى المتارس، وهو ما يهدد العملية التعليمية في اليمن، حيث يفقد هؤلاء الأطفال حقهم في التعليم ما يجعلهم عرضة للاستغلال من مختلف الجماعات غير النظامية.

ضمن تقرير لها عن تعرض أطفال تعز لإبادة جماعية، منظمة فلذات الطفولة بتعز، صنفت إغلاق المدارس أمام الطلاب بسبب القصف الذي يطال المدارس وحرمان الطلاب من تعلمهم واكتساب مهارات القراءة والكتابة للأطفال في المراحل الدراسية الأولى، من بين الجرائم التي ترتكبها مليشيا الحوثي وصالح بحق أطفال تعز..
واعتبرت أن ذلك يتسبب معه بمضاعفة الجهل وازدياد الأمية ونشوء جيل أمي غير متعلم لايجيد القراءة والكتابة في محافظة كانت تحصل كل عام على المراكز الأولى في التعليم من بين محافظات الجمهورية اليمنية.
ويشير باحثون إلى أن التهديد الأكبر يبقى في زيادة نسب الأمية ما يصعب من توجه الجهات الرسمية نحو القضاء عليها.

أحمد القرشي، رئيس منظمة "سياج" لحماية الطفولة والمهتمة بحقوق الطفل في اليمن، أكد أن تجنيد وإشراك الأطفال في الصراعات المسلحة جريمة، داعياً إلى التضامن المطلق دون تمييز مع كل طفل يمني يتعرض للقصف والموت والحرمان والحصار".
وتوثق تقارير المنظمات حالات استُخدمت فيها مدارس لأغراض عسكرية. وتطالب منظمات دولية الجماعات المسلحة الامتناع عن استخدام المدارس لأغراض عسكرية أو العمل بالقرب منها، بما يجعل منها أهدافاً عسكرية قانونية وعرضة للهجوم، وبالتالي يعرِّض حياة المدنيين للخطر، ويُحدث آثاراً ضارة طويلة الأمد على إمكانية حصول الأطفال على التعليم.

ويدعو قرار مجلس الأمن رقم 2225 المتعلق بالأطفال في النزاع المسلح، الذي اعتُمد في وقت سابق من العام 2015م، يدعو جميع أطراف النزاع إلى "احترام الطابع المدني للمدارس".. ويعرب القرار عن القلق العميق من أن استخدام المدارس قد يجعل منها أهدافاً مشروعة للهجوم بموجب القانون الدولي، ومن شأنه أن يعرّض سلامة الأطفال للخطر.

بالأرقام 
في تقرير سابق لمركز الدراسات والإعلام التربوي بتعز كشف عن تعرض أكثر من 160 مدرسة للانتهاك بينها 60 مدرسة تعرضت للقصف المباشر وتضررت بشكل جزئي أو كلي..
ويشير التقرير إلى أن هناك قرابة 1000مدرسة داخل المحافظة غير جاهزة لبدء عام دراسي جديد، فيما نحو 62 مدرسة تحولت إلى مراكز لإيواء النازحين و38مدرسة استخدمت كثكنات عسكرية.
من جهته يقول رئيس مركز الدراسات والإعلام التربوي أحمد البحيري بأن الحرب في تعز تسببت بتشريد ونزوح أكثر من 300 ألف طالب وطالبة من أصل قرابة 800 ألف طالب يتركز 33% في مديريات المدينة الثلاث وهي: القاهرة وصالة والمظفر.

ويضيف البحيري: نحو 50 ألف طالب وطالبة حرموا من أداء امتحانات الشهادتين الثانوية العامة والأساسية، إضافة إلى تشريد آلاف المعلمين من منازلهم ونزوحهم إلى مناطق أكثر أمناً في البلاد..
وبحسب رئيس مركز الدراسات والإعلام التربوي فقد قُتل أكثر من 40 معلماً وجُرح العشرات، إضافة إلى تسريح مئات المعلمين من المدارس الأهلية والخاصة وفقدانهم لوظائفهم واعتقال آخرين".
ولفت إلى أن 92% من مدارس مدينة تعز لم تستكمل نتائج امتحانات طلاب النقل للعام الدراسي الماضي 2014- 2015م حيث أجلت الامتحانات في 7مديريات بمحافظة تعز لعدم توفر الأجواء الآمنة.
ويمثل طلاب هذه المديريات50% من إجمالي طلاب المحافظة، الذين يزيد عددهم على (100.000) ألف طالب وطالبة.
 وكان مكتب التربية قد أعلن عن فتح المدارس الواقعة داخل المدينة والتي يبلغ عددها أكثر من عشر مدارس موزعة على ثلاث مديريات لبدء العملية التعليمية فيها بعد مطالبات كثيرة بإعادة التعليم في مديريات المدينة المحررة.

مقاومة الأمية
لا غرابة أن ترى في اليمن، طفلا يتمنطق الكلاشنكوف بدلا عن القلم، أو أن يستبدل حقيبة كتبه المدرسية بجعبة مليئة بالذخيرة والقنابل.. لكن للطفلة إيلاف سمير، قصص مغايرة في حب مدينتها، كما هو حبها للحياة ومقاومة القتل والأمية..
ظلت إيلاف تتسلق جبال صبر ذهاباً وإياباً إلى الريف التعزي الذي يبعد مئات الكيلو مترات لأداء الامتحانات والعودة لحضن المدينة المحاصرة..
التحدي ليس له اسم أفضل من تعز.. وإرادة الحياة ومقاومة القتل والأمية لايتقنها أفضل من أطفال مدينة الحلم والعلم- حد تعبير والدتها إشراق المقطري..

تقول إشراق، وهي ناشطة حقوقية: إيلاف سمير ابنتي هي الأخرى لها قصة حب المدينة والبقاء بها برغم أدوات الموت..
وتضيف:" حتى أطفالنا كبروا خلال أشهر الحرب وتحملوا مسئوليات خلق فرص الحياة ومصطلحات مقاومة الموت".
ظروف حرب تدفع بالمئات من الأطفال إلى خلف متاريس القتال بدلا من فصول الدراسة، إما رغبة في الحصول على عائد مادي يلبي بعض الاحتياجات الأساسية أو طلبا للثأر من قاتل أبيه أو أخيه أو أحد أفراد قبيلته.
ويشير مختصون إلى أن عمليات الصراع المسلح تؤثر على شخصيات الأطفال وسلوكياتهم فيميلون للألعاب القتالية المليئة بمظاهر العنف والرعب.

في دراسة مبدئية حول الآثار النفسية والسلوكيات التي تركتها الحروب الحالية في اليمن وخصوصا تعز وجدت أن الحرب تسببت في حرمات أكثر من130000 ألف طفل خلال هذا العام.
وتشير البيانات أن أكثر من 70%من النازحين إلى المخيمات هم من الأطفال بينهم 1300 طفل دون سن الخامسة بسبب الحروب و الصراع الدائر في مدينة تعز.
ونتيجة للدمار الذي تشهده مدينة تعز اثر تبادل الضرب والقذائف أيضا وطيران التحالف أغلقت معظم مدارس مدينة تعز وتم حرمان الطلاب من التعليم لهذا العام.

وبحسب إحصاءات غير رسمية فإن عدد المدارس 1115 مدرسة مفتوحة في بعض المديريات المجاورة، 511 مدرسة تم إغلاقها تماما بعضها تم تدميرها إما بالقذائف الداخلية نتيجة تبادل إطلاق فيما بين طرفي الصراع أو نتيجة ضرب طيران التحالف.
وفي مديرية موزع جرت الامتحانات في 24 مدرسة بينما لاتزال 15 مدرسة مغلقة وبحسب التقرير التربوي قارن تصف مليون طالب حرموا هذا العام من دراستهم في مناطق الصراع مدينة تعز والمخأ وموزع والمسراخ وحيفان وصبر.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد