تعز..حكايا غائبة لدهشة الانتصار

2016-03-15 11:33:50 تقرير خاص/ وليد عبد الواسع

بعيداً عن عدسات الكاميرا وأضواء الهالة الإعلامية التي صدرت شخصيات إلى واجهة المشهد في معارك انتصارات تعز، ظلت هناك بالمقابل صوراً بعيدة عن الضوء بينما تصنع حكايا فارقة لدهشة الانتصار..
شخصيات صهرت من معاناتها ووجعها أشياء لم تخطر على بال أحد.. لكنها العزيمة والوجع المنسل من أرواحهم ويقين إيمانهم الإنساني المتجذر إصرار وعزيمة لاتلين.. وبها صنعوا مفارقات مدهشة غيرت من مسار المعارك في جبهات التحرر وظلوا مع ذلك جنوداً مجهولين في مسيرة معارك تحرير تعز التي كان الدفاع عنها بالنسبة لهم أكبر تشريف..

الهاوزر العجوز وقائد مدفعيه اللواء 35 المسرح من الجيش منذ 94
الذراع الأقوى التي غيرت مسار الحرب في جبهة الأقروض
لبرهان وهاوزره العجوز حكاية شيقة في تحرير جبهة الأقروض- المسراخ.. فكان الذراع الأقوى التي غيرت مسار الحرب ضد مليشيا الحوثي وصالح في واحدة من أعتى الجبهات العصية على التحرير
ورغم أنه بلا آلات تنشين أو بانروما وعاري من أي وسيله من وسائل الضبط إلا انه تم التغلب على مشكلة التوجيه بالورقة والقلم فكان أبلغ رسالة لسدنه السرداب تقول لهم بان تعز لازالت تقاتل بالورقة والقلم وتصيب أكثر..
في العام 94 تم تسريحه من الجيش وقبل شهر التحق برهان بمعركة تحرير تعز وعين قائداً لمدفعية اللواء 35، وفي جبهة الأقروض خاض المعركة ببسالة واقتدار، وبإبداع أدهش الجميع..
قبلها، أي التحاقه بالمعركة، كان برهان الصهيبي يعمل في مجال المقاولات في سلطنة عمان، ومع سيطرة مليشيا الحوثي على تعز عاد المقاول إلى مدينته ملتحقاً بصفوف المقاومة.. ظل يعمل في أكثر من جبهة، كان أخرها الأقروض، بعد تعيينه قائداً لمدفعية اللواء 35 ميكا..
لحظة اختبار
حين اتصل مسول التسليح في التحالف العربي طالباً من مسئول التسليح بمقاومة تعز وبعض قادة المقاومة ترتيب مدافع جبهاتهم، كان برهان يضرب على كفيه ولا حيلة له إلا مدفعه العجوز..
المدفع الذي صرفته قوات التحالف لتعز ضمن خمسه أخرى صنع 53 وزعت على الجبهات.. وكانت كلها بدون شواخص أو بنوراما أو نواظير.. كانت المسألة في نظر الصهيبي أن التحالف وكأنه يقول لهم: العبوا ولاتهدفوا لشيء..
يعلل السبب في هذا البخل من قبل قوات التحالف بأنه ربما خوف من تسليم سلاح مدفعية ثقيلة باعتبار المدفعية آلهة الحرب، وربما لإطالة أمد الحرب- حد فهم الصهيبي.
وكعادته التي يتسم بها بأن الانهزام وإعلان الفشل لا وجود له في قاموس حياة هذا الشاب القادم من ريف المعافر غربي تعز، والتي عصرها براهين لتجارب خاضها في الجيش والقانون والصحافة والديكور والمقاولات..
ولأنه خاض كثير من المجالات، يوصفه أصدقاء أو يطلقون عليه الجندي المسرح والمحامي الذي لم يكمل دراسة القانون، والكاتب الصحفي المغاير، والمقاول المدهش..
التحق بالجيش وتم تسريحه في العام 94 م من القرن الماضي، ولم يكاد يكمل المستوى الثاني في دراسة الشريعة والقانون ليجد نفسه خارج قاعات الدرس غير مقتنعاً بما تلاقه من دروس في القانون..
وفي مجال الصحافة عمل لفترة وجيزة في إحدى الصحف الأهلية، تناول خلالها قضايا حقوقية أحدثت ضجة غير متوقعة، وكاد على إثرها أن يحوز على شهادة من إحدى المنظمات الدولية، لولا عراقيل وقفت حائلاً دون مواصلته مهنة أتقنها أكثر ممن درسوها..
ودون سابق إنذار انتقل للعمل في مجال المقاولات والبناء، ثم أعمال الديكور، ومشاريع خزانات النفط، فكان المقاول والمهندس والعامل والمشرف على ما ينفذ من أعمال.. وهي المهنة التي دفعت به للحصول على فيزة عمل في سلطنة عمان.. لكن هويته وانتماؤه لم تدعه يكمل المشوار هذا في السلطنة..
ذهول ورعب
ذات يوم وجد نفسه محارباً من جديد ومدافعاً عن مدينته، في صفوف المقاومة والجيش، ومن النافذة التي انسل إلى مجالات أخرى عاد برهان متقلداً منصب قائد المدفعية في اللواء 35..
"كنت أنا بلا حزب.. شغلت رأسي وقلبت الهاوزر أدق بالتهديف": قال برهان وأن ما حصل كان مرعباً أذهل الجميع.. فكل المتخصصين قالوا بأنه لايمكن استخدام المدافع من ذات الشاكلة لأنه يستحيل ضبطها والتحكم بها.
استخدم برهان للمدفع مسطره للزوايا الأفقية وأخرى للرأسية.. صارت اتجاهات المدفع تحدد إحداثيات، وتسقط على زوايا محددة بمؤشر على ورقه ملصقة بقاعدة المدفع.. والورقة المخططة بالقلم يعتمد عليها في ضرب الأهداف..
"تم التعامل مع المدفع وحرر أصعب جبهة في تلافيف الجبال وخلال ثلاث أسابيع تحررت المسراخ والأقروض وأخرق مدفع برهان أطقم وفردات وآليات ومركبات الحوثيين":قال برهان.
لكن ما أبهر المتخصصين هو سرعه الربط مع الأهداف المتحركة وبتحدي يحسب يربط ويضرب الهدف الجديد خلال30 ثانيه. مع أن الهاوزر يضرب بالحساب وليس مباشر ويضرب الاهداف المستورة ويبلغ مداه 12 كم.
"أغلب القادة يعرفون وحتى التحالف بأن هاوزر برهان شرس.. التحالف استغرب من عدم طلب الجبهة لطلعات طيران": قال الصهيبي في حديثه لـ"أخبار اليوم"، فخلال شهر لم يضرب في الجبهة إلا 4 مرات كانت ثلاث منها صباح اليوم الأخير من تحرير الجبهة يوم الخميس العاشر من مارس الجاري.
"كثير من القادة النزيهين قالوا: يا برهان لو كنت موجود كان الوضع اختلف من زمان": يضيف قائد مدفعية اللواء 35..
حكاية الشارع
انتصرت جبهة الأقروض- المسراخ بتعز وكانت أول جبهة تتحرر من أيدي المليشيا الحوثية وتنتصر فيها المقاومة الشعبية، رغم أنها يفترض أن تكون الأخيرة بحكم طبيعتها الجبلية التي تعد وكرأ وتحصين طبيعي لأي متمرد.
برهان والهاوزر العجوز صار حكاية الجبهة والشارع، الكل هناك يتحدثون عن إبداعات الجندي المسرح من الجيش منذ عام 94م.. ففي جبهة الأقروض تحققت بفعل المدفع انتصارات سريعة ومتتالية..
انتصر الرقم الصعب في تحرير الجبهة الأعتى.. وصباح اليوم التالي تحرك المدفع إلى جبهة حيفان وربما باتجاه الخلل والدمنة. لقد كانت هناك مهمة أخرى لابد ان يؤديها هذا الرقم في جبهة أخرى..
سدد الهاوزر ضربات موجعة اقتلعت الغطرسة المريضة وعزز الجبهة بنيران مؤثرة وصارت ضربات الطيران غير مطلوبة في الجبهة منذ أربعة أسابيع.. ولاينسى برهانر أن يردد: شكراً هاوزر 105.

مصمم الجرافيكس المقاتل في صفوف المقاومة
لم يكن يفكر أنه سيأتي يوم يفاخر بحمل الكلاشنكوف بدلا من برنامج أدوبي فلاش.. شاب مدني من تعز.. في تفاصيل حياته وجبهته تقرأ أوجه الحرب القاسية التي أجبرته على يترك جمال تصاميمه وبراعة فلاشاته المهنية باحتراف، ليحمل البندقية بدلاً الفارة..
"سلطان جلال مصمم الجرافيكس.. يبرع بالتصاميم الفنية للمناسبات وينقش بخياله نسيجاً من التكوينات الجمالية لتحسين العرض المرئي للنص، ويشكل بفكره وأنامله من الواقع رواية بصريه".. هكذا يعرف به الدكتور/ أحمد الدميني.
كان سلطان يفكر فقط بالرموز المنقوشة والوسائط المتعددة ويحلم بزيارة عمود تراجان الفني الشهير بروما، كانت فلاشاته أشبه بالمخطوطات المضيئة بالقرون الوسطى- حد تعبير الدميني.
لم يكن يفكر بحمل السلاح وتنظيف فوهته كل صباح.. كما لم يكن يفكر انه سيأتي يوم بدل أن يفاخر بآخر تحديث لبرنامج أدوبي فلاش سوف يتبختر بكلاشينكوف ورشاش.

مقاوم برتبة ثانوية عامة ونصف جسد
تخرج من الثانوية والمفترض أن يلتحق بالجامعة، لكن ظروف تعز الزمته الإلتحاق بالجبهة ومكث شهور في جبهة ثعبات، والده متقاعد كان يعمل بأحد مصانع بيت هائل، راتبه حاليا كمتقاعد 23ألف، لديه خمسة أخوة من الذكور، وثلاث إناث، وأسرته تعيش في ريف حذران.
الشاب محمد عبدالله المحمودي من منطقة حذران- مديرية التعزية ويوم 8/من شهر يناير 2016أي قبل شهرين تقريبا أصيب في الجبهة بقذيفة هاون سقطت بالقرب منه وسقط ضحيتها هو وثلاثة من رفاقه وكانت إصابته هو الأكثر خطورة..
ظل فاقدا للوعي لمدة ثلاثة أيام، ليفق من إصابته على جسد دون أقدام أو سيقان، ومنذ ذلك اليوم وهو في العناية المركزة ولم يخرج منها سوى منذ أيام قلائل.
وطوال شهرين في المستشفى لوحده فقط مع الألم والحزن ولم يزره أحد، ولم يتمكن من التواصل مع أهله نظرا للحصار ولانقطاع الطريق التي تصل أهله به كي يتمكنوا من زيارته والعناية به، ومع تلك المأساة يرافقه أيضا ظروف مادية خانقة، ويشكو الحاجة إلى كرسي متحرك.
بعد ما أفاق من غيبوبته لثلاث أيام عن الوعي، وبعد مابترت ساقيه، كان الأطباء يخشون عليه من وقع الصدمة على نفسه بواقعه الجديد، ولكن ماحدث حين نهض من غيابه عن وعيه نظر إلى جسده وقال: لا إله إلا الله، وحمد الله وأثنى عليه.

بنصف قدم يقاوم
"بطل من طراز مختلف، ورجل تزن أصابع قدمه كل وجوه العبيد، المنبطحين، الخانعين".. هكذا يصف أحد الناشطين في صفحته على الفيس بوك هذا الشاب الذي بترت قدمه بينما يقاوم مليشيا الانقلاب ويدافع عن مدينته التي انهكتها المليشيا القادمة من شمال الشمال وأثخنت من جراحاتها..
بترت قدمه في المواجهات مع المليشيا ، لكن إرادته لم تبتر.. كذلك كرامته.. ذهبت قدمه، فبقي يعبئ الذخيرة لرفاقه، وعلى وجهه شموخ يشبه شموخ تعز.. عزيمة تؤكد أنه بنصف قدم قادر على أن يقاوم، حتى بأصبع، المهم ألا يخضع..

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد