استياء شعبي جراء تأخر صرف رواتب موظفي الدولة وسط تحذيرات من كارثة إنسانية وشيكة

تعز..تدشين ثورة الجياع

2016-10-26 13:27:26 تقرير خاص/ آفاق الحاج- محمد القدسي


حالة من الغليان والسخط الشعبي تعم الشارع اليمني عموما والشارع التعزي على وجه الخصوص جراء تأخر صرف رواتب الموظفين الدولة من المدنيين والعسكريين الذين لم يتسلموا رواتبهم على مدى شهرين متوالين وسط اتهامات متبادلة بين طرفي الانقلاب والشرعية وتحميل كل منهما الآخر المسئولية.

لكن المسئولية الأبرز، بحسب مراقبين، تتحملها ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية التي قامت بإفراغ الاحتياطي النقدي ونهب البنك المركزي في صنعاء، بالإضافة إلى رفضها تسليم قاعدة بيانات الموظفين بعد قرار الحكومة نقل البنك من صنعاء إلى عدن..

بيد أن ذلك لا يعفِ الحكومة الشرعية- كما يرى المراقبون- من تحمل مسئولياتها في صرف رواتب الموظفين بحسب ما وعدت به بعد نقل البنك على اعتبار أنها تمثل الدولة و السلطة الشرعية في البلاد.

تساؤلات ومخاوف

تأتي حالة الاستياء والغليان هذه وسط تحذيرات من مجاعة قادمة إذا ما استمرت حالة التدهور الاقتصادي والمعيشي على ما هي عليه اليوم..

وقد بدأت ملامح هذه المجاعة تظهر بشكل واضح ومخيف في محافظة الحديدة الساحلية كما تظهر الصور القادمة من هناك نتيجة لسوء التغذية التي تسببت بحالات وفيات في أوساط الأطفال.

مئات الآلاف من الموظفين ينتظرون حلا لمشكلة الراتب الذي يعد أساسا ومتطلبا معيشيا للكثير من الأسر، فيما اضطر البعض إلى الانصراف للعمل في مهام أخرى لم يعتد عليها أو يمارسها من قبل..

لكن الوضع المعيشي الصعب والمزري دفعه إلى ذلك من أجل الحصول على ما يسد به رمقه ورمق أسرته..

ذلك الوضع هو ما دفع بأستاذ جامعي إلى اللجوء إلى بيع القات بعد تأخر صرف الرواتب بينما زميل له لجأ إلى نقل الأحجار وموظف آخر وجد نفسه يعمل كبائع متجول.

تأخير الرواتب تسبب بتعقيد الوضع المعيشي المعقد أصلا، في ظل ما يعيشه البلد من حرب وانعدام لأبسط الخدمات والحقوق من صحة وكهرباء وتعليم وأمن وغيرها..

في ظل تساؤلا كثيرة ومثيرة للقلق تسود الشارع ولا تفارق أذهان الموظفين، لعل أبرزها: من سيدفع لنا الراتب هذا الشهر؟ وآخرون يتعجبون بسخرية وعلامات الحيرة تطغى على ملامحهم: لدينا بنكان مركزيان، والموظفون بلا رواتب!.

كارثة كبرى

  يصف محمد الشرعبي، وهو موظف حكومي، تأخر صرف الرواتب بالكارثة الكبرى، مشيرا إلى أن الراتب يمثل بالنسبة له مصدر دخل وحيد لأسرته وهو حال الكثيرين غيره..

ويحمل الميليشيات الانقلابية المسئولية الكبرى في الوضع الكارثي الذي وصل إليه البلد..

ويرى الشرعبي أن الحكومة الشرعية تتحمل جزءا من المسئولية على خلفية قرارها بنقل البنك المركزي إلى عدن وعدم تحمل مسئوليتها في الالتزام بصرف رواتب الموظفين في الوقت المحدد كما وعدت بذلك، حسب قوله. 

ويقول:" نعيش في تعز تحت القصف والحصار منذ عامين، في ظل أوضاع معيشية صعبة لتزيد المعاناة بعدم صرف الراتب"..

ويضيف:" مع أن الراتب صار لا يكفي أصلا لدفع إيجار السكن أو تسديد ديون صاحب البقالة في الأوضاع الطبيعية فما بالك في أوضاع الحرب التي نعيشها اليوم".

  ويحذر الشرعبي من أن عدم صرف الرواتب قد يمثل دفعا متعمدا لفتح باب الجريمة تحت طائلة الجوع والفقر.

المواطن هو الضحية

الناشطة الحقوقية أروى الشميري، وهي إحدى الموظفات الحكوميات تشير إلى أن شهرين مرا دون أن يتسلم الموظفين رواتبهم الذين يعتمدون عليه بشكل أساسي، بعد أن كان الناس قد استبشروا خيرا بقرار الحكومة الشرعية نقل البنك المركزي من صنعاء إلى محافظة عدن وتفاءلوا به كثيرا وأحسوا ببعض الأمان وأنهم سيستلمون رواتبهم في وقتها..

وتضيف:" لكن مع الأسف لم تكن الحكومة على قدر المسئولية التي تحملتها ولم تف بوعدها في صرف رواتب الموظفين بالموعد المحدد".

وتطالب الشميري الجهات المعنية تحمل مسئولياتها ممثلة بالحكومة الشرعية وبسلطة الأمر الواقع في صنعاء والعمل على تدارس الأمر بطريقة صحيحة وإبعاده عن الصراعات القائمة لان الضحية في الأخير- كما تقول- هو المواطن البسيط الذي سيتحمل كل تبعات هذا الصراع.

وتقول الشميري: بعد أن كان المواطن يطالب بالصحة والتعليم والأمن أصبح اليوم يطالب براتبه الذي لا يملك معظم اليمنيين مصادر دخل غيره ويعتمد عليه في معيشته ومعيشة أسرته..

داعية جميع المتضررين بالاستمرار في المطالبة بحقوقهم بما فيها الراتب الذي هو حق شرعي وفقدانه يعني التسبب في معاناة كبيرة لمئات الآلاف من الموظفين، حسب تعبيرها.

صرخة الأفواه الجائعة

تحت شعار "راتبي مطلبي" خرج العشرات من الناشطين والموظفين الحكوميين يوم أمس الثلاثاء في وقفة احتجاجية في وسط مدينة تعز للمطالبة بصرف رواتب الموظفين بعد تأخير صرفها لشهرين متواصلين..

وهذا ما انعكس تداعياته ليس فقط على قطاع الموظفين فقط بل انعكست على مئات الأسر والأفراد الذين يعيلها هؤلاء والتي تعتمد بشكل كلي على هذا الراتب الذي يمنح هذه الأسر هامشا من صبر وقدرة على مواجهة متطلبات العيش ومحاولة لاستمرار الحياة في ظل تردي للأوضاع وصلت إلى حد مأساوي.

  وكان المحتجون قد طالبوا بإبقاء موضوع الرواتب بعيدا عن أي تصادمات أو مناكفات وعدم تسييسه واستخدامه في الصراع الحاصل..

معتبرين أن المتضرر من ذلك سيكون المواطن البسيط المثقل بالهموم والمعاناة، وقد حذر المحتجون من اتخاذ خطوات تصعيدية في حال عدم الاستجابة لمطالبهم.

مؤكدين أن الراتب حق شرعي لا يسقط بالتقادم أو التخاصم ويمثل مصدر دخل وحيد لمليون ونصف مواطن وانعدامه سيقود إلى ثورة جياع تجتاح اليمن، حسب تعبيرهم.

ويأملون أن يتم تدارك الأمر سريعا من قبل الحكومة الشرعية واتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة للإسراع في صرف مرتبات الموظفين والعمل على تحسين الأوضاع المعيشية وفك الحصار عن مدينة تعز واستكمال عمليات التحرير في المحافظات التي لا تزال تخضع لسيطرة الميليشيات.

بحسب بيان صادر عن الوقفة فقد تابع التكتل الوطني المستقل بقلق بالغ تداعيات عدم صرف الرواتب لموظفي الوطن هذه التداعيات التي لم تطال قطاع الموظفين فقط وإنما انعكست هما وغما على ملايين الأفراد المشكلين لأسر هؤلاء..

وقال البيان: ولاشك أن ملايين الأفواه الجائعة تعتمد على هذا الراتب الذي يمنح هذه الأسر هامشا من صبر وقدرة على مواجهات متطلبات العيش ومحاولة استمرار الحياة في ظل تردي للأوضاع وصلت حدا مأساوي.

وأضاف:" وعليه جاءت دعوة التكتل الوطني المستقل_توق للخروج والاحتشاد تحت شعار "مطلبي راتبي" لتوجيه هذا الاحتقان الكبير في نفسية كل من وجدوا أنفسهم بلا راتب للخروج والمطالبة برواتبهم بالطرق السلمية ووفق رؤية مدرُوسة تنتمي للأهداف الوطنية التي التزم التكتل الوطني المستقل "توق" بالسعي لتحقيقها بالطرق والنهج السلمي الذي اعتنقه التكتل وآمن به كل أعضاءه"..

وطالب المحتجون بسرعة صرف الرواتب من قبل الجهات المعنية بصرف، وبإجراءات إدارية وأخلاقية ووطنية تمنع تكرار ماسبق رحمة بالوطن والمواطنين

وأكد تكتل توق، الجهة المنظمة للوقفة، من أن عدم صرف الراتب هو دفع متعمد لفتح باب الجريمة تحت طائلة الجوع والفق، وصوملة ممنهجة لأبناء هذا الشعب الصابر الصامد.

وحذر من أنه في حالة عدم الاستجابة لهذه المطالب وصرف الرواتب فان التكتل سيسعى لخطوات تصعيدية سيعلن عنها لاحقا وبالتنسيق مع كل هيئات المجتمع المدني ومع جموع المتضررين.

مليشيا وحصار وغلاء أسعار

في ظل الحرب والحصار الذي تفرضه مليشيا الحوثي وقوات المخلوع صالح تشهد مدينة تعز، ارتفاعا جنونيا في أسعار المواد المرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين، منذ أكثر من عام.

ويشكو سكان محليون من الارتفاع المتواصل للأسعار، دون قوانين ورقابة، تحد من هذه الظاهرة التي تزيد من معاناة المواطنين، خصوصا أنها ترتبط بالحاجيات المعيشية التي لا غنى للمواطن عنها، كالغذاء والدواء، وغيرها.

الجانب الغذائي، من السلع الأساسية الضرورية، هو أكثر ما يهم المواطن، في تعز، خصوصا في ظل الارتفاع المستمر للأسعار، والتي بلغت مستويات خيالية، بسبب الحرب ومحاصرة المليشيات للمدينة منذ أكثر من عام..

وكذا بسبب تلاعب التجار، وعجز الحكومة عن ضبط الأسعار، ما تسبب في تفاقم معاناة المواطنين الذين يعيشون أوضاعا مأساوية بسبب الفقر والحصار، وتوقف مصادر دخلهم بسبب الحرب.

وتؤكد منظمات محلية، أن ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية، تسيطر على جميع منافذ مدينة تعز، بالإضافة إلى عدد من المناطق داخل المدينة، ولا تزال تخوض قتال عنيف، مع المقاومة والجيش الوطني، سعيا للسيطرة على مناطق جديدة داخل المدينة.

وأشارت تلك المنظمات، أن المليشيات تمنع دخول أي سلع غذائية أو إغاثية منذ أكثر من عام، إلى الأحياء السكانية المحاصرة داخل مدينة تعز، الأمر الذي تسبب في تفاقم معاناة المواطنين.

وشدّدت ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية حصارها على مدينة تعز، الأمر الذي فاقم معاناة السكان معيشياً..

وفي ظل انقطاع التيار الكهربائي والمياه، وانعدام المتطلبات الأساسية من مواد غذائية وخضار من الأسواق المدينة، فإن المدينة باتت على شفير كارثة إنسانية وشيكة، وفقاً لتحذيرات مراقبين.

وإلى جانب معاناة السكان داخل المدينة، ثمة آلاف الأسر، التي نزحت من المدينة، والتي تعاني معاناة كبيرة، بسبب تدهور الوضع المعيشي والإنساني، إذ أنها تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الضرورية من غذاء ودواء ومياه نظيفة.

تحذيرات من كارثة إنسانية

في ظل الحرب والحصار الذي تعيشه مدينة تعز، تأتي مشكلة تأخر صرف الرواتب لتضاعف من معاناة المواطن التعزي، وتجعله على شفا كارثة إنسانية باتت وشيكة، كما هو لبقية محافظات اليمن..

ويحذّر خبراء اقتصادي، من كارثة إنسانية تنتظر مدينة تعز خصوصاً، واليمن عموماً، بعد ظهور مؤشرات مجاعة حقيقية، في عدد من المحافظات اليمنية؛ بسبب الحرب التي تشهدها البلاد منذ عامين.

وقال مصطفى نصر، رئيس المركز اليمني للدراسات والإعلام الاقتصادي، إن تقريرًا أعده المركز، استهدف محافظات صنعاء، والحديدة، وحجة ومأرب، وتعز وعدن، وحضرموت، كشف عن ظهور مؤشرات مجاعة حقيقية لا سيما بمحافظتي الحديدة وحجة.

وأشار نصر في مقابلة صحافية، إلى أن مؤشرات المجاعة تتسع رقعتها يومًا بعد الآخر، ما ينذر بكارثة إنسانية تنتظر البلاد خلال الفترة المقبلة.

وكان البنك الدولي حذر، في يوليو/تموز الماضي، من أن نسبة الفقر في البلاد تجاوزت حاجز 85% من السكان، الذين يقدر عددهم بـ26 مليون نسمة، جرّاء تداعيات الحرب.

وأرجع نصر اتساع رقعة مؤشرات المجاعة، إلى إصابة معظم جوانب الحياة في البلاد بالشلل جراء استمرار الحرب.

وزاد:"الحرب دفعت إلى توقف معظم مصادر دخل اليمنيين، خاصة الشرائح الفقيرة التي تعتمد في معيشتها على الدخل اليومي الضئيل".

وأشار تقرير البنك الدولي، إلى أن نصيب الفرد من الاستهلاك الخاص، انخفض من 392 دولارًا إلى 208 دولارات، بتراجع تصل نسبته إلى 47%.

بينما فقد 3 ملايين شخص أعمالهم، نتيجة مغادرة الشركات الأجنبية، وتوقف أعمال الكثير من الشركات؛ بسبب انعدام الأمن، وشح الوقود لفترات طويلة، وتدمير محطات وشبكة الكهرباء.

ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن مخصصات الرعاية الاجتماعية التي كانت تصرف لقرابة مليون ونصف المليون مواطن يمني من الفئات الأشد فقرًا، وتغطّي الحد الأدنى من احتياجاتهم الضرورية، توقفت منذ بدء الحرب في مارس/ آذار 2015.

وحذر من أن قطع رواتب الموظفين الحكوميين، البالغ عددهم أكثر من 8 ملايين شخص، للشهر الثاني على التوالي سيدفع بأفواج أخرى من اليمنيين نحو المجاعة، وفقًا لـ"الأناضول".

ومنذ شهرين، لم يتلق موظفو الدولة في اليمن رواتبهم؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية خانقة في السوق، مع الاعتماد الكلي عليها كمصدر للرزق..

كما وجد غالبية موظفي الدولة أنفسهم عاجزين عن تسديد إيجارات مساكنهم والإيفاء بأبسط متطلبات الحياة.

ووفق تصريحات سابقة لمحافظ البنك المركزي السابق، محمد بن همام، فإن الدولة كانت تدفع 75 مليار ريال (300 مليون دولار) شهريًا كمرتبات، من بينها 25 مليار ريال (نحو 100 مليون دولار)، لمنتسبي الجيش والأمن فقط.

ودعا نصر إلى تدخل عاجل من الدول العربية والمجتمع الدولي، عبر إيصال المساعدات الإنسانية بصورة عاجلة إلى اليمن..

مطالبًا بضرورة إيجاد بدائل اقتصادية تديرها الحكومة اليمنية، لصرف مرتبات موظفي الدولة ومساعدة النازحين وإيوائهم.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد