تحذيرات من تفاقم الوضع في ظل سيطرة جماعة الحوثي على الدولة

الأمن الغذائي..شبح اليمن المعقد

2016-10-31 11:43:55 تقرير/ وليد عبد الواسع

يعيش اليمنيون حالة معقدة من الأوضاع الإنسانية المتردية وانعدام الأمن الغذائي، ولم تكن الحرب وحدها من تحصد أرواح اليمنيين بل إن الجوع والمرض يحصدان أرواح الكثير.

فانعدام الأمن الغذائي بات يهدد حياة 14.1 مليون نسمة وفقاً لبيانات رسمية، وبما نسبته 51% من إجمالي السكان، وهذه النسبة لا تستطيع الوصول إلى الغذاء الكافي والسليم.

وفي ظل استمرار الحرب، فإن ذلك يزيد من تفاقم هذه الأوضاع، ويهدد بكارثة إنسانية يصعب معالجتها، الأمر الذي يتطلب موقفاً دولياً جاداً لإنهاء الصراع وإيجاد حكومة مسئولة عن توفير الخدمات للمواطنين.

تقرير الجوع العالمي الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية لعام 2016، يصنف اليمن ضمن أفقر 6 دول من أصل 118 دولة في العالم..

إذ تزيد أزمة السيولة والأزمات الاقتصادية والسياسية المختلفة من تفاقم الأوضاع الإنسانية وتقويض السلم الاجتماعي في البلاد.

مسألة معقدة

انعدام الأمن الغذائي في اليمن مسألة معقدة لم تجد اهتماماً من قبل السلطة منذ عقود، ووفقاً لتقرير المستجدات الاقتصادية الصادر عن وزارة التخطيط اليمنية، فقد بلغت نسبة انعدام الأمن الغذائي 22 % من السكان في العام 2003..

وارتفعت إلى الضعف في العام 2008 وبما نسبته %44 بسبب الأزمة الثلاثية المتمثلة في ارتفاع الأسعار العالمية للوقود والغذاء والأزمة المالية العالمية..

ويشير التقرير الرسمي الصادر نهاية سبتمبر 2016 إلى أن هذه النسبة انخفضت إلى 32 % عام 2009، وعاودت الارتفاع في العام 2011، وبما نسبته 44.5 % بسبب التداعيات السلبية التي رافقت عملية التغيير السياسي..

ويقول التقرير الرسمي إن الفترة ما بين مارس- أبريل 2014 شهدت انخفاضاً في نسبة انعدام الأمن الغذائي إلى 41.1% من السكان..

ويتركز انعدام الأمن الغذائي بدرجة أكبر في المناطق الريفية بنسبة 48% من سكان الريف مقابل 26 % في المناطق الحضرية.

أزمات غير مسبوقة

بعد سيطرة جماعة الحوثي على الدولة اليمنية وإدخال البلد في حرب لا تُعرف نهايتها زادت نسبة انعدام الأمن الغذائي..

ووفقاً لتقرير وزارة التخطيط، فقد تفاقم وضع الأمن الغذائي بصورة غير مسبوقة خلال عامي 2015 - 2016.

ويشير التقرير الرسمي إلى أن الحرب التي تعيشها البلاد وما رافقها من أزمات خاصة كأزمة الوقود التي بلغت ذروتها في الربع الثاني من عام 2015، وأزمة السيولة منذ بداية النصف الثاني من عام 2016، أسهمت في حدة انعدام الأمن الغذائي..

ووفقاً للتصنيف المرحلي المتكامل لشهر يونيو 2016، تقدر نسبة انعدام الأمن الغذائي بحوالي 51 % من السكان، أي أن 14.1 مليون نسمة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وبزيادة 33 % مقارنة بعام 2014.

ويفند التقرير الرسمي انعدام الأمن الغذائي بخمس مراحل، حيث أن 26% من إجمالي السكان يفندون في المرحلة الثالثة "الأزمة"، بينما يقع 25 % في المرحلة الرابعة "الطوارئ"..

ويقول إن اليمن لم يدخل المرحلة الخامسة "مرحلة المجاعة"، إلا أن هناك جيوب انعدام أمن غذائي حاد في مديريتي "التحيتا والخوخة" في محافظة الحديدة يمكن أن يقود إلى مجاعة.

نسب متفاوتة

تتفاوت نسبة انعدام الأمن الغذائي من محافظة إلى أخرى حسب تقرير وزارة التخطيط، وتصنف 9 محافظات في مرحلة الطوارئ التي تُعد المرحلة الرابعة من مراحل انعدام الأمن الغذائي..

ويشير التقرير إلى محافظات: الضالع، لحج، تعز، أبين ، صعدة، حجة، الحديدة، البيضاء وشبوة، باعتبارها الأكثر تضرراً بانعدام الأمن الغذائي وتحتاج إلى معونات طارئة منقذة للحياة وسبل المعيشة.

في حين تدخل 10 محافظات مرحلة الأزمة وهي المرحلة الثالثة لانعدام الأمن الغذائي "عدن، عمران، ذمار، صنعاء المحافظة، الأمانة، إب، مأرب، ريمة، المحويت والجوف" وتحتاج إلى معونات عاجلة للحد من فجوات استهلاك الغذاء وسوء التغذية الحاد.

ويشير التقرير إلى أن 3 محافظات "حضرموت، المهرة وسقطرة" تعيش في مرحلة الشدة وهي المرحلة الثانية من انعدام الأمن الغذائي، وتعد الأقل تضرراً مقارنة بالمحافظات الأخرى.

فاتورة الفقراء

وزارة التخطيط والتعاون الدولي تقول، في تقرير المستجدات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن، سبتمبر 2016- إن 1.25 مليون موظف في مؤسسات الدولة بانتظار مرتباتهم..

وتُقدّر وزارة التخطيط في بياناتها عدد من يعتمدون على موظفي الدولة في إعالتهم بـ 6.9 ملايين نسمة، منهم 3.3 مليون طفل..

وتشير الوزارة إلى أن 1.5 مليون حالة فقيرة بانتظار الإعانات النقدية لصندوق الرعاية الاجتماعية منذ بداية 2015.

وتقول وزارة التخطيط إن تأخر صرف مرتبات موظفي الدولة يوّلد صعوبة وصول هذه الشريحة إلى السلع والخدمات الغذائية وغير الغذائية..

خاصة أن 31.8% منهم يعانون أصلاً من انعدام الأمن الغذائي، مبينة أن فاتورة المرتبات والأجور تبلغ حوالي 75 مليار ريال شهرياً.

مصدر في الاتحاد العام لنقابات عمال اليمن يشير على إن التقديرات الخاصة بمن فقدوا أعمالهم في القطاع الخاص تصل إلى حوالي 1.8 مليون عامل وعاملة سواء في الشركات المحلية أو الأجنبية أو العاملين في المشاريع المتوسطة والصغيرة والأصغر.

مؤشرات المخاطر

ويشهد الاقتصاد اليمني أزمة سيولة حادة في العملة المحلية وكذلك شحة في النقد الأجنبي، وتقول وزارة التخطيط إن أزمة السيولة أدت إلى تعليق مرتبات موظفي الدولة، وكذلك أيضاً تعليق نفقات الموازنة العامة للدولة بوجه عام..

مما يترتب على ذلك مخاطر كبيرة على المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية ومزيد من تفاقم انعدام الأمن الغذائي.

وتبدو الأيام القادمة أكثر قتامة في ظل تزايد حالات الفقر والعوز، وتعيش سوق السلع والخدمات في اليمن مرحلة التضخم الركودي..

حيث ترتفع الأسعار نتيجة ارتفاع تكاليف التأمين على الواردات، وشحة النقد الأجنبي وارتفاع سعر الصرف للدولار مقابل الريال الذي يعاني أيضاً من أزمة سيولة حادة، يقابل ذلك عجز المواطنين عن شراء احتياجاتهم بفعل انعدام وشحة مداخيلهم.

أسباب الأزمة

يرجع تقرير لوزارة التخطيط صدر بتاريخ 19 أكتوبر 2016م أبرز أسباب أزمة السيولة إلى تفاقم عجز الموازنة العامة للدولة الذي بلغ 1451 مليار ريال (حوالي 6 مليار دولار ) خلال الفترة يناير -2015 يونيو 2016.

وذلك بسبب جفاف الإيرادات الضريبية وتوقف صادرات النفط والغاز وتعليق دعم المانحين. ولذلك، تم الاعتماد على السيولة المتوفرة لدى البنك المركزي الذي ساهم بتمويل 80.6% من قيمة عجز الموازنة لنفس الفترة ( 1170 مليار ريال). وبالتالي، استنفدت السيولة المتاحة للبنك المركزي.

ويذكر التقرير أن من الأسباب انقطاع دورة النقد، ففي السابق كان البنك المركزي يضخ إيرادات الموازنة العامة من العملة الصعبة في السوق المحلي دوريا مقابل سحب العملة المحلية من السوق واستخدامها في تمويل نفقات الموازنة. أما الآن فقد انقطعت هذه الحلقة.

وكذا تآكل الاحتياطيات الخارجية من 4.7 مليار دولار في ديسمبر 2014 إلى 0.987 مليار دولار (شاملة ودائع البنوك) في سبتمبر 2016. بسبب توقف تدفق معظم مصادر النقد الأجنبي إلى اليمن، وتمويل واردات السلع الأساسية وتسديد خدمة الدين الخارجي وتهدئة أزمة سعر الصرف.

إلى جانب صعوبة الاستمرار في سياسة الإصدار النقدي الجديد الذي بلغ حوالي 498 مليار ريال خلال الفترة يناير -2015 يونيو 2016، بسبب صعوبة طباعة نقود جديدة. فضلا عن أن الإصدار النقدي الجديد بقي في التداول خارج البنوك.

فضلاً عن اهتزاز الثقة في الجهاز المصرفي خاصة والوضع الاقتصادي عامة بسبب ضيق أفق الحل السياسي والنظرة التشاؤمية لمستقبل التنمية.

مبررات اقتصادية

يوضح الخبير الاقتصادي طارق عبد الرشيد أن السبب الأول من أسباب أزمة السيولة جاء نتيجة لضعف أداء السياسة المالية، وأن هذا الضعف مبرر بظروف الحرب..

لكن الأسباب الأخرى المذكورة؛ وفقاً للخبير الاقتصادي، جميعها جاءت كنتيجة للسبب الرئيسي المتمثل بسوء إدارة السياسة النقدية؛ الذي أدى إلى تبديد الثقة بالقطاع المصرفي..

فضلا عن إخراجه من إطاره الصحيح وبات- هذا القطاع- يشكل وعاء فقط لحشد الأموال وإعادة ضخها أو مراكمتها ضمن الدين العام (سندات حكومية) من جهة، وقيام المركزي بسحب باقي مكونات السيولة المصرفية (احتياطيات قانونية وأرصدة حرة ليه) بل سيولة مكونات السوق النقدي برمته وفق طريقة السحب على المكشوف.

يقول عبد الرشيد: إذن السياسة النقدية أقعدت البنوك عن تأدية دورها في منح الائتمان المصرفي المباشر خصوصا ولو بالحدود الدنيا مما أسهم سلبا باتجاه تبديد ثقة التجار خصوصا بالبنوك..

مؤكداً أن هذا الموقف تعزز بإجراءات أخرى صدرت بصورة عملية عن البنوك مثل: تعليمات المركزي بحجب المعلومات النقدية عن الجميع بشكل مطلق، تقييد حرية المودعين في التعامل مع حسباتهم وفقا لمقتضي حاجاتهم التجارية أو الشخصية وبما يفي بالتزاماتهم على أقل تقدير، فضلا عن قيود أخر لايسمح المقام لذكرها وجميعها تأتي وفقا لموافقة البنك المركزي.

وأشار إلى أنه ترتب عن أمر تبديد الثقة بالقطاع المصرفي تسرب مبلغ 1.3 ترليون ريال خارج أطر الدورة الطبيعية للنقود، وهذا المبلغ لاشك يشكل أبرز الأسباب نشوء أزمة السيولة رغم أنه جاء نتيجة لنتيجة..

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد