نهوض من بين أطلال التاريخ الغابر وركام الحرب يعيد لعاصمة سبأ مجدها..

مأرب.. وجه اليمن الاتحادي الجديد

2017-08-17 18:46:20 ملف أعده/ وليد عبد الواسع

على مدى ثلاثة عقود من حكم علي عبد الله صالح عانت مدينة مأرب تهميش متعمد من قبل نظامه، رغم ما كانت تدره من خيرات كبيرة تعود للخزينة العامة من إيرادات النفط والغاز التي يعود خيرها على عموم أبناء الشعب اليمني.
لكن المدينة التي تحتضن تاريخ عريق تبدو اليوم أمام زائريها كأنها مدينة جديدة الإنشاء.. حيث بدأت مظاهر الحياة تعود إليها، والمؤشرات تدلل على أن مأرب قادرة على استعادة ألقها ودورها الحضاري، لتؤكد أنها الماضي والحاضر والمستقبل ضمن خارطة اليمن الذي كانت السباقة في ترجمة مشروع دولته الاتحادية.

الزائر لمدينة مأرب يشعر بالحركة غير المسبوقة، فمشاريع البناء في كل مكان والأعمال الإنشائية المختلفة تزيد من جذب الناس إليها. ويلحظ القادم إليها قيادة المحافظة وسلطتها المحلية يسابقون الزمن، بهدف جعل مأرب مدينة كبيرة ورئيسية ومؤثرة.
وتعيش مأرب، التي تبعد عن العاصمة صنعاء حوالي 170 كيلو، طفرة تنموية لم تشهدها منذ أكثر من أربعة عقود، بعد أن كان نظام الرئيس المخلوع علي صالح عمد على إبقائها مدينة صغيرة وهامشية طوال فترة حكمة..
وتشهد المحافظة نشاطا اقتصاديا كبير ونموا سكانيا، حيث أصبحت مأرب ملجأ للنازحين من جحيم الحرب وسوقا رائجا لأصحاب الأموال. ويرجع مراقبون النجاحات الجزئية والنسبية في مأرب، كواحدة من المناطق المحررة، لعوامل خاصة وسياقات لم تكن الحكومة شريك في صناعتها.
كما تشهد مدينة مأرب استقرارا أمنيا واقتصاديا نسبيا انعكس إيجابا على توسيع أنشطة التجارة وحركة المشاريع الحكومية ومظاهر البناء العمران وتفعيل مؤسسات الدولة الأمنية والخدمية، فمعظم الخدمات متوفر فيها كالكهرباء والمياه.

خطوة سباقة نحو اليمن الاتحادي
كانت قيادة محافظة مأرب هي السباقة لترجمة مشروع الدولة الاتحادية التي نصت عليها مخرجات الحوار الوطني الشامل على أرض الواقع، بإعلان إقليم سبأ في السابع عشر من أكتوبر العام 2016م. وأقر محافظو محافظات مأرب والبيضاء والجوف تكليف محافظ مأرب اللواء سلطان العرادة، حاكما لإقليم سبأ يقوم بمهام رئاسة الإقليم لمتابعة شؤون الإقليم حتى يتم الاستفتاء على الدستور الجديد واختيار حاكم جديد للإقليم.
جاء ذلك في اجتماع ضم محافظي مأرب والبيضاء والجوف سلطان العرادة ونايف القيسي وأمين العكيمي على الترتيب، بحضور نائب رئيس الوزراء وزير الخدمة المدنية عبد العزيز جباري.
وإقليم سبأ هو أحد أقاليم اليمن الاتحادي الستة التي تم الإعلان عنها في يوم الاثنين الموافق 10 فبراير 2014 حسب مخرجات الحوار الوطني، ليكون منطقة حكم ذاتي فيدرالي في شمال اليمن. ويضم "إقليم سبأ" ثلاث محافظات يمنية وهي مأرب والجوف والبيضاء وعاصمتها مدينة مأرب.
يشار إلى أن هذه الأقاليم تأتي في إطار الدولة الاتحادية التي نصت عليها مخرجات الحوار الوطني الشامل الذي توافق عليه اليمنيون، قبل أن تنقلب مليشيا الحوثي على الدولة وتنسف كل تلك المخرجات بقوة السلاح.

طفرة اقتصادية وتنموية غير مسبوقة
تشهد مدينة مأرب المحررة شمال شرق اليمن نمواً اقتصادياً مثيراً منذ عامين، حيث شهدت المدينة افتتاح العديد من المشاريع التجارية والصناعية الجديدة. وجعل محافظ المحافظة- اللواء/ سلطان العرادة مشاريع تنمية المحافظة واستكمال الخدمات الأساسية همّه الأول ويعمل على مدار اليوم في سبيل إنجاح ذلك.
وكانت المدينة قد شهدت انطلاقة اقتصادية حقيقية بعد أن حررتها قوات الحكومة الشرعية مسنودة بقوات التحالف العربي في أكتوبر 2015م؛ حيث تحولت المدينة بعدها إلى عاصمة عسكرية للحكومة الشرعية يتواجد فيها غالبية قيادات الجيش الوطني، وهو ما جعل المدينة تشهد استقراراً أمنياً دفع الملايين من اليمنيين إليها، وذلك ما أدى بدوره إلى ارتفاع النشاط التجاري في المحافظة التي عانت طويلاً من التهميش الذي مارسه النظام السابق عليها.
وبحسب مدير عام الغرفة التجارية في مأرب عبد الحق منيف فقد تم افتتاح ما يزيد عن 800 مشروعاً تجارياً وصناعياً جديداً، مشيراً إلى أنه بعد إعلان محافظ المحافظة عن إنشاء مطار مأرب الدولي ومدينة مأرب الصناعية ارتفع النشاط التجاري بشكل أكبر، خاصة مع الاستقرار الأمني في المحافظة وزيادة عدد المواطنين بسبب النزوح، والذي أجبر تجار المحافظة على توسيع أنشطتهم لتلبية الاحتياج الذي ازداد بالزيادة السكانية، وهو ما ساهم أيضا في توافد المستثمرين سواء من أبناء المحافظة المغتربين أو من المحافظات الأخرى.
وحول الوضع الاقتصادي في مأرب قبل التحرير وبعده قال منيف أن الوضع الاقتصادي في مأرب ارتفع بدرجة كبيرة بعد التحرير خاصة في المجال المصرفي. وفيما أشار إلى تزايد شركات الصرافة. أكد منيف أن العديد من البنوك قدمت طلبات للحصول على تراخيص لفتح فروع لها في المدينة، وأن توجيهات صدرت من محافظ المحافظة بمنحها كافة التسهيلات اللازمة. وأفاد أن أول بنك سيفتتح فرع له في مأرب قريبا هو بنك اليمن الدولي.
وحول توجهات السلطة المحلية في إطار التنمية الاقتصادية في المحافظة أوضح مدير عام الغرفة التجارية أنه تم عمل العديد من دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع الاستثمارية في المحافظة، وقريباً سيصدر عدداً خاصا من مجلة الاستثمار لمحافظة مأرب لإبراز العديد من المجالات الاستثمارية المتواجدة في مأرب، كما أننا نعمل على الأعداد لإقامة مؤتمر للتنمية المستدامة في المحافظة. وفيما يخص المدينة الصناعية التي أعلن عنها محافظ المحافظة أكد أنه يتم حالياً عمل الدراسات اللازمة للبدء بإنشائها في المنطقة التي حددت لها خارج المدينة باتجاه خط صنعاء.
وعن ابرز المشاريع التجارية التي سجلت في المحافظة قال منيف أن أهمها: مصنع مياه ومدينة سبأ السكنية التي ستكون على مساحة824 ألف متر مربع تتبع مجموعة شركات زبين وشركائه وتتكون من مساكن خاصة ونظام الفلل بعدة درجات ونظام الشقق السكنية في منطقة الروضة والتي تتضمن جميع الخدمات وسيكون من ضمنها 120 إلى 150 فلة ومن 12- 16 عمارة كل عمارة ستضم 20 شقة مما سيسهم في تخفيض أسعار الإيجارات.
وسبق لمصادر في السلطة المحلية الكشف عن أن البدء في إنشاء مطار مأرب الدولي ليكون مركز حركة انطلاق وعودة المسافرين من وإلى إقليم "سبأ". وأن الدراسات الأولية لإنشاء المطار شارفت على الانتهاء لم يتبق سوى عرض تلك الدراسات على الجهات المسؤولة ليتم اعتماد المشروع وتمويله. وفي الحديث عن إنشاء جامعة إقليم "سبأ" أشار المصدر إلى أن إدارة الأشغال العامة والطرق سلمت المشروع والمخطط والأرض للمقاول الذي من المقرر أن يبدأ في المسح الميداني للأرضية المحددة بمحيط المدينة.

قبلة الباحثين عن الأرزاق
تشهد مدينة مأرب نموا عمرانيا متزايدا نتج عن حركة سكانية كبيرة قدمت إلى هذه المدينة لعدة أسباب أبرزها توفر الأمن والخدمات العامة مقارنة بالمدن المحررة الأخرى التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية الشرعية. تسبب النشاط العمراني في زيادة في فرص العمل وخلق فرصاً متعددة، ما دفع الكثير من الباحثين عن عمل للقدوم إلى مدينة مأرب.
مشاريع خدمية وتنموية متسارعة تشهدها المدينة، رغم الازدحام السكاني الكثيف واحتوائها لعشرات الآلاف من أسر النازحين من مناطق سيطرة الحوثيين. وتتمثل تلك المشاريع في حركة أشغال عامة وطرق متسارعة في أكثر من اتجاه على صعيد شق ورصف وسفلتة الطرقات إضافة إلى مشاريع المياه والكهرباء والتشجير.
وتشهد محافظة مأرب نشاط اقتصادي كبير بمختلف المجالات وفي مقدمتها قطاع البناء والإعمار، فمأرب التي فتحت أبوابها لكافة اليمنيين. لتصبح ملاذ آمن للفارين من بطش جماعة الحوثي وقبلة للراغبين بالانخراط في صفوف "الجيش الوطني" والبيئة الخصبة لعشرات الآلاف من العمال العاملين في مختلف المجالات الخدمية والتنموية والتجارية ليتجاوز عدد الوافدين إلى مأرب مليون ونصف المليون شخص خلال عامين بحسب تقديرات شبه رسمية.
هذا التدافع البشري على المدينة، وفقاً للصحفي حمود هزاع، انعكس إيجاباً على حركة الاقتصاد بشكل عام وعلى قطاع العقارات والوحدات السكنية بدرجة رئيسية. لتشهد المدنية نمواً عمرانياً كبيراً بهدف تلبية احتياجات القادمون إليها، فبرزت أحياء بأكملها خلال فترة وجيزة وتحولت مدينة مأرب من مدينة صغيرة وهامشية إلى مدينة رئيسية وكبيرة.

التعليم الجامعي.. بدايات طموحة
لم تكن محافظة مأرب، شرق العاصمة صنعاء المحافظة الوحيدة التي تعرضت للتهميش، الذي اعتاده وببراعة نظام الحكم السابق في كل مختلف المدن اليمنية. لكن حرمان مأرب من جامعة تضم أبنائها وتمنحهم تعليما جيدا يبنون به مدينتهم كان الظلم الأكثر فداحة في حقها، فالنظام الذي افتتح كلية في منطقة خمر الصغيرة لم يمنح محافظة مأرب التي يزيد عدد سكانها عن 300 ألف نسمة أكثر من كلية صغيرة بلا مبان ومعامل.
بعد تحرير المحافظة من جماعة الحوثي سعت الحكومة الشرعية إلى تحقيق ذلك الحلم الذي ظلت تنتظره المحافظة وكأنه من ضروب الخيال، حيث افتتحت رسميا جامعة إقليم سبأ، وهو ما ظهرت آثاره بشكل متسارع، حيث شهدت إحصائيات التعليم في مأرب زيادة ملحوظة، ووصل عدد الطلاب المسجلين في الجامعة هذا العام إلى قرابة 600 طالب وطالبة، فيما لوحظ زيادة كبيرة في عدد الفتيات المقبلات على التعليم الجامعي. وساهم الدعم الحكومي الذي حصلت عليه الجامعة في تطوير مستوى التعليم الذي تقدمه لمنتسبيها حيث تم توفير كادر أكاديمي ومعامل تطبيقية والكثير من احتياجات الجامعة بما ساهم في صنع الفارق في جودة التعليم عن الأعوام السابقة.
ويشيد طلاب في جامعة إقليم سبأ بجودة التعليم هذا العام الذي بدا أفضل من السابق، كون أشياء كثيرة تغيرت وتطورت، حيث توفر كادر ومعامل وبيئة تعليمية. مؤكدين أن التعليم في الجامعة هذا العام تطور بشكل أفضل من السابق، حيث وجد كادر قوي جدا رغم المعاناة التي تمر بها البلاد وتم تهيئة الجو المناسب. كما أشاد طلاب بوجود البيئة التعليمية التي كانوا يفتقدونها خلال سنوات دراستهم السابقة، إلى جانب وجود كادر مميز ومؤهل تعاقدت معه إدارة الجامعة.
وفي منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني العام 2016م نجحت مأرب في الحصول على قرار جمهوري قضي بإنشاء جامعة مستقلة في المحافظة بدلا من إلحاقها بجامعة صنعاء طيلة السنوات الماضية، بصدور القرار الجمهوري رقم 145 لسنة 2016م الخاص بإنشاء جامعة في محافظة مأرب تسمى (جامعة إقليم سبأ). وكان رئيس مجلس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر، قام ، بوضع حجر الأساس لإنشاء جامعة مأرب في أراضي الجامعة الواقعة في منطقة الروضة بمدينة مأرب، وذلك تنفيذاً لتوجيهات فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية.
وأكد محافظ مأرب/ سلطان العرادة والمسؤولين المعنيين أن التعليم العالي هو الحجر الأساس في التطور الحضاري، وحاجة مأرب والمحافظات المجاورة لها إلى صرح تعليمي جاد ومتميز في مناهجه وملبي لاحتياجات سوق العمل والتطور والتنمية المحلية. وأشار محافظ مأرب إلى اعتماد 153 مليون ريال شهرياً موازنة تشغيلية للكليات القائمة حتى استكمال إنشاء جامعة مأرب واعتماد موازنتها. 
وتشهد مأرب ازدهاراً تنموياً يدعوا للفخر وتنتظر البدء بمشروع بناء كليات جديدة لجامعتها، لكن البطء في المعاملات مازال يؤخر الصبح عن أجيال مأربية تحلم بمستقبل مشرق، حد تعبير صحفي. وظلت جامعة مأرب حلماً يراود أبناء مأرب وحاجة ملحة لدفع عجلة التنمية والاستفادة المثلى من الموارد التي تمتلكها المحافظة وإقليم سبأ بشكل عام..

نموذج مشرق في النهوض مايزال بحاجة لمقومات
شجعت حالة الاستقرار التي تعيشها مأرب بالإضافة إلى عوامل أخرى كتواجد الخدمات العامة كالكهرباء كثير من أصحاب الورش والمصانع إلى الانتقال إلى مدينة مأرب. ويؤكد العاملون في مجالات البناء المختلفة كتجار الاسمنت والحديد وأصحاب ورش النجارة ورش صناعة الأبواب الحديدة وخزانات المياه ومناشير قطع الأحجار على ازدهار سوقهم وتضاعف أعمالهم رغم ارتفاع أسعار كافة أدوات البناء نتيجة تراجع الريال اليمني أمام الدولار والريال السعودي.
يقول الصحفي حمود هزاع أن مأرب أصبحت نموذج مشرق في النهوض والبناء بعد أن ظلت لعصور تتوارى خلف المشهد، فمأرب اليوم تشهد مشاريع تنموية عديدة من مدارس وطرق وغيرها. وبحسب مراقبين فإن نجاح إقليم سبأ يعود بدرجة أساسية لكونه إقليم نفطي يحضا برعاية كبيرة من التحالف، كما أن خصوصية التوافق السياسي بين المكونات الحزبية وقوة ترابط النسيج الاجتماعي قد أتاح لمحافظة مأرب ميزة السيطرة على الصراعات التي تشهدها مدن أخرى كعدن وتعز التي تعاني من صراعات داخلية تشل قدرتها على الحركة.
ويرى مراقبون أن قوات التحالف حرصت منذ بداية الحرب على تجنيب هذا الإقليم النفطي ويلات الحرب والصراع، حيث اتخذت من مأرب مقرا ومنطلقا لعملياتها العسكرية بما يقتضي ذلك من ضرورة خلق سلطة متماسكة فيها وتزويدها بما يلزم. معتبرين ذلك بأنه أحد أهم العوامل التي ساعدت المحافظة على تجاوز أسباب الصراع وتلافي نتائجه المدمرة التي تشهدها مدن ومحافظات أخرى.
ويرى مختصون أن مأرب تحتاج لعدد من المقومات الأساسية التي عليها النظر في بنائها بشكل متوازٍ مع أي مشروع تنموي آخر. ويذكر المختصون أن من هذه المقومات البنية التحتية الأساسية والمعلوماتية والتعليم المهاراتي والتدريب المهني وغيرها من العلوم. ويشير المختصون إلى أن البناء المؤسسي والتشريعي يعد جزء مهم من تلك المقومات التي تحتاجها مأرب اليوم، فضلاً عن رسم السياسات العامة والميزانيات، وخدمات الدعم التقني، وتعزيز الحكم الرشيد والأمن الداخلي والعدالة وتطبيق القانون.

معالم تعاني الانطمار وسد يواجه مخاطر الانهيار
تعاني أغلب المعالم الأثرية بمحافظة مأرب من مخاطر الاندثار الوشيك، بعد أن غابت عنها وسائل الحماية والصيانة بشكل كامل من جهة، وتعرض الكثير من قطعها الأثرية الهامة لأعمال نهب وتشويه واسعة أدت إلى طمس ملامحها وأهميتها من جهة أخرى.
مصادر وصفت بالمسئولة في السلطة المحلية في مدينة مأرب عاصمة المحافظة صرحت أن محافظة مأرب ظلت طول السنين السابقة بعيدة عن أعين الحكومات المتعاقبة، وبالتالي لم تتمكن المحافظة من توفير ما تحتاجه في مختلف المجالات ومنها المجال التاريخي والأثري فيها، لكنها ستعمل على توفير كافة احتياجات المحافظة في مختلف المحالات. ويؤكد سكان محليون ممن يقطنون بالقرب من بعض المعالم الأثرية كالعرش ومعبد أوام أنهم شهدوا أكثر من مرة خلال السنوات الماضية أعمال نهب طالت قطعا أثرية كثيرة، وقالوا أن الدولة لم تحرك ساكنا ولم تقم بواجب الحماية تجاه كل المواقع التاريخية.
وفي الوقت الذي تتعرض فيه مواقع مأرب الأثرية منذ عشرات السنوات لأعمال نهب منظمة وغير منظمة، يحذر عدد من الباحثين التاريخيين من اندثار تلك المواقع بسبب غياب الصيانة لها ومنها معبد أوام ومعبد مقة ومدينة مأرب القديمة التاريخية وما تبقى من السد القديم وعرش بلقيس. ويؤكد باحثون في علم الآثار حصولهم على معلومات مؤكدة تفيد بوجود آثار كثيرة مطمورة في معبد أوام وفي الداخل أحجار المعبد متناثرة هنا وهناك بشكل يبعث على الحزن. مشيرين إلى أن المشكلة ليست منحصرة في الآثار المطمورة بالكثبان الرملية، فهناك مشاكل أخرى كثيرة أبرزها عدم وجود حراسة حقيقية لحماية المعالم من النهب أو العبث، وبالتالي تعرضت الكثير من المواقع الأثرية بالمحافظة لعمليات نهب منظمة وغير منظمة كما تعرضت للعبث والتشويه من قبل بعض السكان وربما الزوار نظرا لجهلهم بأهمية تلك المعالم. وبحسب مصادر وصلت الكثير من المعالم التاريخية بمحافظة مأرب إلى حافة الانهيار والاندثار، وهو ما دفع باحثون إلى إلزام الحكومة الشرعية والسلطة المحلية بالمحافظة بوجوب التحرك بشكل عاجل لحماية كل المواقع الأثرية من النهب أو التشويه وكذا القيام بأعمال الصيانة لحمايتها من الاندثار.
من جانب ثاني تنبه مصادر من أن سد مأرب العظيم الذي يعتبره الباحثون معجزة تاريخ شبه الجزيرة العربية وأبرز انجازات الإنسان القديم يواجه مخاطر انهيار محتمل. وبحسب المصادر يعاني السد من تراكم الترسبات والطمي وغياب الصيانة خصوصا صيانة القنوات الرئيسية أيضا بتوقف المرحلة الثانية وتعثر مشروع القنوات الفرعية حرمت الأراضي الزراعية بمحافظة مأرب من نعمة. وأطلقت نداءات استغاثة لإنقاذه من الانهيار رغم أن مشروع إعادة بناءه- كمصدر دخل استراتيجي نظرا للأهمية الكبيرة التي يتمتع بها لم تنته بعد، حيث توقفت المرحلة الثانية- المتمثلة بعدة مشاريع أبرزها القنوات الفرعية في العام 2007م.
في العام 1986م بدأت الحكومة اليمنية بمشروع بناء سد مأرب الجديد الذي يقع على بعد «11»كيلو متراً غرب مدينة مأرب القديمة وثلاثة كيلو مترات عن السد القديم، بتكلفة إجمالية بلغت 107 مليون دولار تبرع بها الرئيس الراحل لدولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان، قدمت على مرحلتين الأولى 83 مليون دولار لبناء بحيرة السد بمساحة تصل إلى 30 كيلو مترا مربع، وسعة 400 مليون متر مكعب من الماء، بالإضافة إلى قنواته الرئيسية، أما المرحلة الثانية وتكلفتها 24 مليون دولار فكانت لبناء عدة مشاريع مكملة للمشروع العام وأهمها بناء القنوات الفرعية، وقد انتهى عمل المرحلة الأولى في العام 2003 م، وبناء على ما أفاد به مكتب الزراعة بالمحافظة فإنه منذ إنجاز المرحلة الأولى لسد مأرب حدث تحول كبير في حياة سكان المنطقة الاقتصادية والاجتماعية فقد شجع ذلك المزارعين على استصلاح أكثر من 20 ألف هكتار مما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في إنتاج المحاصيل الزراعية المختلفة.. لكن ورغم استكمال المرحلة الأولى وحدوث هذا التطور الملحوظ إلا ثمة مشاكل كبيرة يعاني منها السد منذ بناءه قبل أكثر من 30 عاما حيث تعرض لعمليات فساد متكررة وإهمال متراكم وسوء للاستخدام- حد تعبير مصدر مسئول- حرمته من عمليات الصيانة والتحديث، الأمر الذي يجعل السد تحت الخطر المتنامي مع مرور الوقت.
وبناء على تقارير وملاحظات عدد من المختصين في بناء الحواجز والسدود من المطلعين عن كثب على وضع سد مأرب فإن السد يعاني من مشاكل كثيرة تعمل على تهديد حياته وبقاءه، إذ يؤكد هؤلاء ومعهم مدير عام مكتب الزراعة بالمحافظة أن انهيار السد- إذا لم يتم معالجة مشاكله- أصبح أمرا مؤكدا وحتميا وسيكون ذلك خلال الثلاثة العقود القادمة وقد يتعجل الانهيار بحسب زيادة الإهمال مع ارتفاع نسبة السيول الواردة إليه، إذ تشير التقديرات الرسمية إلى ارتفاع نسبة الترسبات والطمي في بحيرته من 27 مليون متر مكعب مائي في العام 1997م إلى قرابة 80 مليون من أصل 400 مليون في العام الحالي.

صرواح.. المهمة الصعبة لتحقيق حلم الخلاص
أكثر من عامين ومديرية صرواح- إحدى مديريات محافظة مأرب- ظلت منطقة صراع بين القوات الحكومية ومليشيا الانقلاب، فيما سكانها مشردون ونازحون في أكثر من مديرية، داخل مأرب وخارجها يعانون الأمرين. وباستعادة معظم مناطق مديرية "صرواح" غربي مأرب، وسط اليمن، كانت القوات الحكومية اليمنية، بقيادة قائد المنطقة العسكرية الثالثة- اللواء/ عبد الرب الشدادي فتحت بوابة جديدة نحو تحرير العاصمة صنعاء من قبضة مليشيات الحوثي والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح..
لكن بعد استشهاد اللواء الشدادي في السابع من أكتوبر العام 2016م، توقفت المعارك في مديرية صرواح تحديداً ومحافظة مأرب على وجه العموم. ويشدد خبراء عسكريون على أنه يتطلب على قيادة الجيش الإسراع في عملية تحرير المديرية واليمن بشكل عام لإنهاء معاناة هذا الشعب.
ومنذ أن سيطرت جماعة الحوثي عليها بعيد الانقلاب في سبتمبر من العام 2014م ظلت مديرية صرواح منطقة صراع بين الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من جهة ومليشيا الحوثي وصالح من جهة أخرى، رغم توافر الإمكانيات التي لا تمتلكها جبهات أخرى تمكنت من طرد الانقلابيين من مناطقها، وقد ولد تأخر استكمال تحرير الجيش الوطني والمقاومة الشعبية لمديرية صرواح تساؤلات كثيرة لدى المتابعين و المواطنين في مختلف المحافظات.
بعد أن سيطرت جماعة الحوثي وصالح على مديرية صرواح مارسوا بحقها أبشع الجرائم من قتل وتنكيل وتشريد لسكانها باستثناء القليل منهم، الأمر الذي حتم على المقاومة الشعبية ومعهم الجيش الوطني الوقوف ضد هذا العدوان حتى اندحاره . وخلال عامين من المعارك لم تتمكن المقاومة الشعبية ومعهم وحدات الجيش الوطني من استعادة المديرية كاملة ، إذ تصل مساحة ما تم تحريره منها- حسب إفادات قيادات ميدانية هناك- إلى 30 بالمائة، تكبد العدو خلال معاركها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، كما تمكن الجيش الوطني من تحييد 30 بالمائة أخرى من أراضي المديرية عن المعارك، حيث تخلو هذه المساحة من تواجد قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية أو من مسلحي المليشيا الانقلابية، لكنها تعتبر خاضعة لسيطرة الشرعية- حسب ذات المصادر- لتسييرها لمختلف نواحي الحياة فيها من جهة وولاء سكانها لها من جهة أخرى، وتبقى ثلث مساحة المديرية ساحة مفتوحة للمعارك.
في حديثه عن طبيعة معركة الشرعية ضد مليشيا الحوثي وأسباب تأخر الحسم فيها، يقول القيادي في الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في جبهة صرواح ربيع الحمجري بأن الجيش الوطني في صرواح ليس عاجزا عن حسم المعركة، فنحن بإمكاننا طرد المليشيا وتحرير المديرية بأكملها خلال يوم واحد فقط لكن هناك أسباب تحول دون ذلك. ويذكر أن من أبرز تلك الأسباب هو أنها تعتبر جبهة استنزاف مفتوحة، استطاعت أن تكبد الحوثيين خسائر كبيرة في العتاد والأرواح..
وخلال عامين من المعارك بين قوات الجيش الوطني ورجال المقاومة الشعبية من جهة وجماعة الحوثي وصالح من جهة أخرى تم إنهاك قوى العدو وإلحاق خسائر جسيمة به في العتاد والأرواح. وحسب مصادر ميدانية في الجبهة، تجاوز عدد قتلى المليشيا حتى منتصف مايو ألفي قتيل على الأقل وآلاف الجرحى، من جهة أخرى خسر الانقلابيون في معاركهم بصرواح مئات الآليات العسكرية وكم هائل من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة.
قيادات ميدانية بالجيش الوطني والمقاومة بصرواح تحدثوا عن حجم الخسائر التي لحقت بالحوثي خلال الأيام الأولى للمعركة، مشيرين إلى أنه خلال الإثني عشر يوما الأولى للمعركة سقط من المليشيا أكثر من 800 مقاتل بين قتيل وجريح نصف هؤلاء قتلى، فيما يصل إجمالي عدد القتلى خلال عامين إلى أكثر من ألفي قتيل وأضعاف هؤلاء سقطوا جرحى، فضلاً عن عشرات الأسرى من الحوثيين بيد الجيش الوطني. ويؤكد يحي العامري، وهو أحد أفراد الجيش الوطني المقاتل في صرواح أن الجبهة أغرقت الحوثيين في مستنقع الخسارة، إذ يسقط عدد من أتباعهم كل يوم بين قتيل أو جريح أو أسير، حد قوله. ويفيد أن أفراد الجيش الوطني والمقاومة استطاعوا تدمير كل التعزيزات التي تدفع بها المليشيا سواء كانت أسلحة أو آليات عسكرية أو قوة بشرية.
قرابة العام من جمود التحرك العسكري، ومراوحة المعارك مكانها دون تقدم يذكر. ويتساءل مراقبون عن أسباب توقفت المعارك في صرواح؟. من الناحية العملية تبدو محافظة مأرب النفطية، في نظر مراقبين، كما لو أنها العاصمة الشمالية للحكومة المعترف بها دوليا، لكن الخطر لا يتوقف مع احتفاظ الحوثيين والرئيس السابق بنفوذ عسكري مؤثر في مديرية صرواح غربي المحافظة. وتكمن أهمية مديرية "صرواح"، في أنها آخر معاقل المتمردين الحوثيين غربي محافظة مأرب، وفقاً لمراقبين، يوضحون أنه بتحريرها تكون القوات الحكومية قد تجاوزت المحافظة، باتجاه "خولان" أولى مديريات العاصمة صنعاء، المحاذية لمأرب من جهة الشرق..
كما أن "صرواح" كانت معقلاً مهماً لـ"الحوثيين" بعد تهجير سكانها وتحويلها لمنطقة عسكرية، ومستودعاً لإمداد المقاتلين في مناطق "هيلان" و"المشجح" (غربي مأرب)، وبالتالي من يسيطر عليها يستطيع التحكم بخطوط إمداد "الحوثيين"، وفقا لخبراء عسكريين.
وقبيل مغادرة مناطق واسعة في "صرواح"، لجأ الحوثيون إلى زراعتها بمئات الألغام، الأمر الذي حد من التقدم بوتيرة أسرع للقوات الحكومية ، غير أن فرقا متخصصة أزالت وفككت العديد من هذه الألغام خلال الأيام الماضية.ومطلع سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلن الجيش اليمني بدء عملية عسكرية واسعة أطلق عليها اسم "نصر2" لتحرير "صرواح"، بمساندة من قوات "التحالف العربي".
واستطاعت القوات الحكومية، السيطرة على العديد من المواقع في "صرواح" بينها المطار العسكري للمدينة وسلسلة جبال "أتياس"، وغيرها، وهي مواقع مهمة كان الحوثيون يتمركزون فيها. وبدأت حينها ترتفع وتيرة مخاوف الحوثيين من الجبهة الجديدة التي شهدت قتالا أشد ضراوة من حيث القوة والتخطيط من جبهات سابقة، حيث تمكنت القوات الحكومية من استعادة عدة مناطق مهمة في صرواح خلال ساعات قليلة فقط. وتولي القيادات العسكرية اليمنية جبهة "صرواح" اهتمام كبيرا، فتشهد المنطقة زيارات مكثفة من تلك القيادات إضافة إلى أن وحدات عسكرية حديثة التدريب التحقت بها.
ويعتبر اللواء الركن عبدالرب الشدادي من أبرز القيادات العسكرية الرفيعة وأشجعها حيث ساهم بفعالية بالمعارك في تحرير مأرب. وقاد الشدادي المعارك في مأرب، وبحنكته وفقاً لشهادات مقربين منه، استطاع أن يصد أشرس الزحوفات العسكرية للحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق "صالح"، على المحافظة النفطية شرقي البلاد.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد