قِصةْ قَصيرةْ..

2015-02-13 15:05:47 إيمان القاضي

 
في إحدى الطرق المزدحمة بالمارة, في مساء ذات يوم, لمحتها من بعيد تجلس القرفصاء بجانب إحدى اعمدة الكهرباء.. قادني الفضول لأقترب منها وأتحقق عن أمرها, كان الظلام شبه حالك. و الأمطار تهطل بغزارة, بخطى متلعثمة   افتربت, فرأيتها امرأة بدت و كأنها في العقد الخامس من عمرها, كانت حسناء جداً رغم تلك التجاعيد التي قد أُسدلت تحت عينيها, وتلك الخصلات البيضاء التي قد تدلت على وجنتيها, شعرت بالأمان فور نظري الى عينيها الدافئتين فقد بعثتا الدفء في رغم برودة ذلك الجو, و رغم الدموع التي كانت على خديها إلّا انها بدت اجمل في بُكائها.

جلت بنظري في انحائها قبل أن أسألها من تكون وظلت هي ترقبني دون أن تحرك ساكناً.. كانت تلك الثياب الرثة والقديمة تحكي معاناتها, وكانت قدماها العاريتان تجيبان على الكثير من أسئلتي..

بصوت هادئ سألتها:"من أنتِ؟ و لِم تجلسين هنا وحيدة تحت المطر وفي هذا الوقت المتأخر من الليل؟ اليس لديكِ مأوى؟!

لم تجبني بل اكتفت بأن أشاحت بنظرها عني..

-"هل بإمكاني أن أساعدكِ؟؟ سألتها فلم تجب!

اقتربت لأمد يدي إليها فأكتفت بأن مدت عينيها إلي شاكرة..

-"من أنتِ.. أعدت السؤال وأردفت:"هل أوصلك إلى منزلك؟ هل أنتِ ضالة؟! أين أولادك؟

انحدرت من عينيها دموعاً غزيرة وأجابت بصوت يكاد يُسمع:"سؤالك الأخير يجيب عن كل الأسئلة!!

قُلت باستغراب:"أولادكِ تقصدين؟"

هزت رأسها بإيجاب, فاستدركتُ أنا:"حسناً يا خالة تعالي معي الى المنزل, هناك ستجدين زوجتي وستساعدكِ في البحث عنهم.."

فقالت:"أولادي هم التائهون يا ولدي لا أنا.. أنا لست تائهة..أنا فقط حزينة, مجروحة, ومكبلة كما ترى يا ولدي لا أستطيع الحراك., "حين قالت مكبلة., التفت الى قدميها وكانتا حقاً مقيدتان على ذلك العمود الذي كانت تتكئ عليه.

قلت دهشاً:"من قيدكِ؟!!"

-"هُم"..

-"أولادكِ؟"

-نعم, قيدوني وقالوا لي إنهم سيعودون قريباً لفك هذا الغل عني.. ولكنهم لم يعودوا إلى اليوم.

-"ولكن لِم قيدوكِ"؟ ومنذ متى أنت هنا؟

أجابتني بصوت متحشرج بالبكاء"لا أدري .. لازلت مذ قيدوني قبل سنين إلى اليوم أتساءل ما ذنبي انا؟!ا هكذا بر الامهات؟!

لوحت بيدي بحركة تعبر عن حزني وغضبي بنفس الوقت:

-"وهؤلاءِ!و كنت أشير إلى المارة وأضفت:"ألم يحاول أحد منهم مساعدتكِ؟هذا ضرب من الجنون.. وماذا تأكلين وتشربين وكيف تنامين؟.

قالت باستغراب:"من هؤلاءِ؟؟!" أنا لا أرى غيرك هنا!"

-" ماذا الشارع مكتظ بالناس انظري,."

-"أؤكد لك أن لا أحد غيرك هنا"

-أنتِ مجنونة!

إغرورقت عيناها بالدموع وقالت:"صفني كما تشاء.. أنت لا تعي شيئاً عن عالمي، و لا تدري ماذا تقول"

يومها قلتُ ساخراً:"عالمك؟! هذا هراء..

-ليس هراء.. فأنا لا احد يراني, ولا أرى أحدا..

-إذاً كيف رأيتك ورأيتني؟!

ضحكت وهي تجيبني قائلة:"أنا لا أرى أحداً غير أولادي.. ولا أحد يراني غيرهم."

علامات استفهام كثيرة حاصرتني, و شعور بالخوف انتابني, وكنت استمع إليها بصمت ولا أشك بأنها مختلة؟. قلت في نفسي ربما قيدوها لمحاولتها قتل احدهم.. ولكن براءة عينيها ترجعانني عن ذلك القول.. كنت التفت حولي و الناس من حولي تمر وكأن لاشيء يحصل فوجهت إليها عينين صارمتين وقلت:"و ماذا تقدين؟"

-"أنت واحد من أولادي الذين رحلوا"

-"ماذا, أنت تهذين!!"

-"وقد تكون حفيدي أو أحد أولادي الصالحين.. فعندما رأيتك ابتهجت وحزنت في نفس الوقت, و عرفتك قبل أن تراني لأني لا أرى شيئاً غير أولادي وهذه الأرض"

-"ما اسمكِ؟ اخبريني علني أعرف أهلكِ أو من أين أتيتِ.. حالتكِ سيئة جداً.."

-"أحقاً تريد أن تعرف من أنا؟"

-"......"

-"أنا أمك... ويحك يا ولدي أهكذا تعامل الأمهات؟"

-"هه.. أمي ماتت رحمها الله"

-"لا لم تمت بل هي مقيدة ومفقودة إلى اليوم"

-"سأفك قيدكِ إذاً.. فأنت بحاجة ماسة إلى المساعدة"

وجهت إلي عينين ملؤهما الدموع واستطردت:" لكم عشت على إمل هذا اليوم.. كنت إعرف أنني سأحرر من هذا القيد يوماً من أحد أولادي الصالحين رغم قسوة جو هذا اليوم.."

لم أجبها واستمررت بمحاولة فتح قيدها ولكنني لم أستطع فقد كان ضخما وشديد الصلادة.. حاولت و حاولت ولم أستطع فقالت:"اتريد فتحة."

أجبت:"أكيد"

قالت:"خذ هذا الكيس الذي بجانبي وافتحه, ستجد بداخله مصحفا أخرجه واحلف بأنك لن تؤذيني ما حييت.."

كنت أسخر منها في أعماقي وأقول في نفسي:"مسكينة لقد فقدت عقلها حقاً" أخرجت المصحف و حلفت ولكنني لم أستطع فك القيد فرأيتها تبكي بشدة,, سألتها:"ما بكِ؟؟"

أجابت :"لم تحلف وأنت صادق أنك تظنني أهذي "..

حزنت لرؤيتها تبكي بتلك الحرقة فحاولت أن أصدُق في يميني وحين حلفت فزعت حين فتح القيد دون أي محاولة مني في فتحه.. فنهضت وقد تغيرت ملامحها, كانت حسناء للغاية وقد اختفت منها تلك التجاعيد التي كانت تغطيها.. هلعت وشعرت بأني أنا من كان يهذي.. وأنني إما أني جننت أو أنني في كابوس!! حاولت الهرب ولكنها أمسكتني من ذراعي وضمتني بشدة وأخذتني في حضنها وهي تقول:"ولدي حبيبي أنا أمك..أنا "اليمن"..!ٍ

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد