صدرت حديثاً عن "دار ركلام" الألمانية الطبعة الثانية المُنقَّحة والمزيدة من كتاب المؤرخ اللغوي الألماني أندرياس أونغَر "من الجبر إلى السُكَّر". تضمّ هذه الموسوعة جميع الكلمات المستخدمة حالياً في اللغة الألمانية والتي تعود إلى جذرٍ أو أصلٍ عربي، أو أنها وصلت إليها عبر العربية.

الكتاب سفرٌ شيّق يتتبع ويؤرخ للطريق الذي سلَكته المفردات التي دخلت من لغات وحضارات الشرق إلى اللغات الأوروبية، ثم يرصد كيف استقرّت في اللغة الألمانية عبر العربية، موثقاً أسباب التغيرات التي طرأت على معانيها وأوجه استخداماتها، حتى استقرّت على ما هي عليه الآن من دلالات.

وهو بمعنىً ما يلفت إلى وجه من وجوه تأثر الحضارة الأوروبية واغتنائها وتلاقحها مع حضارات الشرق، لا سيما الهندية والفارسية والعربية، وكذلك الإغريقية الهيلينية، خلال فترة تزيد عن ألفي عام. يبدو واضحاً من الكتاب أن غالبية المفردات - التي يُخصّص المؤلف لكل منها مقالة مستفيضة من عدة صفحات - كانت قد دخلت إلى غرب أوروبا في القرون الوسطى.

وبالنظر إلى المفردات التي ضمّها الكتاب/ الموسوعة، يتبين أنها لم تقتصر على باب بحد ذاته، بل شملت مجالات العلوم والزراعة والتقنية والتَرَف وسواها مما نهل الأوروبيون واكتسبوا من معارف ساهمت في صياغة الثقافة الأوروبية الحديثة.

من المفردات التي يتابعها المؤلف بالدراسة: أدميرال، الكيمياء، الجبر، اللوغارتم، الكحول، الترسانة، الشليك، الباذنجان، البنزين، الأكسير، الغزال، الزرافة، القيثارة، الصقر، الياسمين، الجُبَّة، القاضي، القهوة، القيراط، المخزن، الموهير (قماش)، الببغاء، الزعفران، خشب الصندل، الشيك (البنكي)، التعريفة (التسعيرة)، الطاسة، سمت الرأس، الأصفر، السكّر... وقد جاءت مقدمة الكتاب أشبه ما تكون بدراسة أو لنقل مرافعة قيّمة في الدفاع عن الثقافة العربية والدور الحضاري الذي لعبته في وقت كانت أوروبا تغطّ في عصور الظلام والتخلف والاستبداد الديني. يصدر هذا الكتاب كما لو أنه ضوء صغير يذكّر القارئ الألماني بأن هذه الحضارة العربية والإسلامية كانت في يوم ما مصدراً للنور والمعرفة، في وقت تشهد فيه أوروبا الرسمية موجة إعلامية معادية للعرب، ترمي إلى شيطنتهم وتحميلهم مسؤولية كل الشرور التي تجري في المنطقة والعالم من دون تمييز. الكتاب يستأهل أيضاً أن تغتني المكتبة العربية بترجمته، لأنه يصلح أن يكون واحداً من المراجع الهامة في الدراسات الفيلولوجية المقارنة