إصلاح الديمقراطية وتعميقها .. الحلقة الأولى

2007-12-04 05:34:14

صدام الشيباني

يلمس المتأمل ان الحدث السياسي يعطي مؤشرات متفاوتة، ويمكن قراءته واعتماد هذه القراءة من طرف سياسي ما، مع عدم مراعاة القراءات المتوازية لهذا الحدث ولأن الساحة السياسية اليمنية تشهد تحولات عملاقة على المستوى القرائي لأحداث متتالية فإنها تؤكد المناخ الديمقراطي الحقيقي، وتطرح مشاريع الدراسة والتحليل أمام المفكرين السياسيين ومادة الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني ومع اقتراب نهاية العقد الثاني منذ ولادة الديمقراطية اليمنية إلا ان هناك مفاهيم واتجاهات مازالت عالقة إلى اللحظة، بسبب تتالي الأحداث وعدم الوقوف عند بعضها من باب المساءلة والمراجعة مما ادى هذا الترحيل لبعض القضايا إلى ظهور بقع سوداء في الصفحة البيضاء ولابد من العمل الجماعي لمحاصرة هذه البقع وايجاد الحلول المبكرة، لها رغم ان أحاديث عن ديمقراطية اليمن يعد حالة انموذجية للديمقراطيات العربية ولعل هذه التجاوزات الحديثة التي تمت في فترة سابقة أوحت لنا بمراجعة المسار الديمقراطي وافعال شخصيات سياسية صنعت أزمات ما.

ونعني هنا ان الخطأ السياسي عاقبته وخيمة اذا ما تمت المعالجة بأسلوب جدي وتعي النخب السياسية ذلك ويجهل الشعب كثيراً بعض المصائر ومستلزماتها ولذا جاء جدل اليوم السياسي محملاً بما جهله الشعب واخفته النخب السياسية، بعيداً عن التداول والمناقشة إذ ان الديمقراطية لا يعني ان تسير كل الأحزاب السياسية كما يريد الحاكم ولا تعنى السكوت عن قضايا حاولت احزاب ما ان تمر عليها مرور الكرام حيث أن لكل حدث سياسي تبعات وآمال وجهات وقد يرتبط بمصير شعب كامل.

وفي حال محاسبة الأحزاب السياسية ستظهر العديد من السوءات والنتانة وروائح العفن السياسي والتصرفات الهوجاء واقصد تصرفات الحزب الحاكم وتبعية احزاب اللقاء المشترك لتلك التصرفات عن قصد منها أو عن غير قصد وكل مسؤول مسؤولية كاملة امام بقاء الديمقراطية إذ لا يمكن ان تقول في هذه الفترة ان الحزب الحاكم هو من يسيء إلى الديمقراطية بقدر ما تشير أصابع الاتهام إلى الأحزاب الأخرى.

وما قضية التحالفات مع الحاكم إلا لإيجاد الاتزان السياسي لبقاء الحاكم في وجود اختلالات سياسية طارئة ابتداءً من انتخابات 1993م وائتلاف المؤتمر مع الإصلاح ضد الاشتراكي، وانتهاء بأحداث اليوم والاعتصامات وبعد ان انكشفت كل الأوراق السياسية اليوم، لأن من العمل بجدية حتى لا يتسع خرق الديمقراطية وتدخل البلد في تجاذبات غير مرغوبة تؤثر سلباً على هذا النهج.

وان قرأنا اليوم خطابات السلطة حول الأزمة فإنها تنكر انكاراً بأئناً ان الازمات لا توجد على المستوى الواقعي، بل هي مختلفة ويعتبر النظر من هذه الوجهة مشروع تساؤل من مصالح الجميع السلطة والمعارضة ان نقر ان واقعنا يعيش ازمة سياسية لكن حولها تختلف عليها الأجندة حيث انكار ذلك، يعد خرقاً للديمقراطية اذ ان الديمقراطية تكون على طبقة شفافة جداً، وقد تسير الديمقراطية في الأطر المرسومة لكن لابد من النظر إلى هذه الرؤية بعين بصيرة ذات ابعاد مستقبلية.

كذلك مع نظر بوعي جمعي من كل الأطراف لتغيرات اليمن السياسية القديمة «ما بعد الثورة اليمنية» أو الحالية وطرح الرؤى المقصودة اما لاستفتاءات شعبية أو تصويت برلماني مهم اما ان يتحكم بمصير الوعي الجمعي عبر نخبة واحدة فقط، فهذه اشكالية خطيرة لأن الشعب هو من يقرر النموذج السياسي وراء الحدث ولا يمكن تجاهله وتغييب هذا الوعي عن اتخاذ القرار يترك المآثر والسلبيات الكثيرة وما يلاحظه المواطن من عجز حكومي في الموازنات والمبادئ الاقتصادية ناتج عن مثل هذه التصرفات حيث تمر المصادقة على قرار ما عبر البرلمان وتتخذ الاجراءات ويتم الاعتماد دون مناقشة أو اخذ اعتبار للتوجهات الشعبية والعضوية المناهظة لتلك التصرفات وهذا يجعل قضايا الديمقراطية تتكرس إلى أمر غير معلوم.

إلى ذلك أيضاً يمكن النظر إلى اللجنة العليا للانتخابات وتأثيرها على المسار الديمقراطي وهذا كائن للتجاذب والاختلاف بين القوى السياسية الداخلية، لكن ما معنى من عمل قامت به اللجنة العليا انصب نحو تأكيد حضور حزبي سياسي واحد، وصناعة الأطراف تؤثر سلباً على مسار الديمقراطية وهو ما جعل المعارضة تتحدث عن هشاشة الديمقراطية وعدم وجود شفافية في ذلك والوقت مازال متاحاً للتداول والأخذ والرد ولابد ان تقف كل الأحزاب السياسية موقفاً واحداً من هذه القضية حتى لا تتشوه الديمقراطية في المراحل المقبلة.

ونظراً لحساسية الموقف فإن اليمن تعتبر قضية اللجنة العليا بوابة الحفاظ على الديمقراطية الحقيقية وصناعتها، إصلاح ما فسد منها بفعل التصرفات الماضية من قبل اللجنة وديمقراطية المستقبل هي المشروع الانضج الذي يجب ان يوضع في اعتبارات كل التيارات السياسية ولا يمكن مغادرة هذه الرؤية إلا بإصلاحها وفق المتاح.

كذلك تتحدد إصلاحات الديمقراطية من مراعاة التغيرات السياسية الطارئة التي افرزت من 14 اكتوبر -30 نوفمبر وما حدث في جنوب اليمن من اعتصامات واحتجاجات ورفع حالات الاصلاحات وكذلك قرار عودة المعارضين وكلها تنقل لنا حساسية الموقف، ولا يمكن ان تبنى رؤى إلا بعد ايجاد هذا المناخ وفق قوانين ولوائح داخلية توقع عليها كل الاحزاب السياسية اليمنية.

وعلى المستوى الميداني لحركة السياسة اليمنية هناك بعض القضايا التي تقف امام كل النخب السياسي ويجب ان ينظر إليها بمصداقية من قبل الحزب الحاكم واحزاب المعارضة واقصد هنا الحزب الحاكم لأنه المعني باتخاذ القرار وبإمكانه ان يمتص كل الاحتقانات المسيطرة على الساحة، ومن هذه القضايا العالقة ما يلي:-

أولاً: معالجة آثار حرب صيف 1994م: لابد ان تتخذ القيادة السياسية كل الإجراءات الحقيقية التي تردم آثار الماضي، خاصة الصراعات والحروب لأن ذلك يعد حجر عثرة امام تطوير الديمقراطية اليمنية ومن خلال الاخلاص واصلاح النوايا، يتم الدخول مع الأحزاب المتضررة بصلح يشمل كل اطروحات الاختلاف في الماضي ويعيد الاعتبار لمن تضرر من تلك الحرب في مدة زمنية مرسومة وهذه المعالجة تتم من خلال:

رد حقوق سياسية لشخصيات ونخب سياسية:

وكانت قد تضررت من الحرب وصمتت كل الفترة الزمنية السابقة، وهي اليوم تحرك المشهد، رغبة في حصولها على حقها السياسي وسواءً كانت في الداخل أم في الخارج مع الوضع في الاعتبار ان الحصول على الحق مطلب شرعي واصلاح هذا الشأن يعد مكسباً حقيقياً كي يتسنى المشاركة السياسية المستقبلية لهذه الأحزاب أو الشخصيات أما ترك الأمور تسير إلى منطقة مجهولة فإن ذلك من المخاطر المستقبلية.

شراكة اقتصادية وسياسية

إذ ان كل التوجهات حينما تصب في قالب واحد فإن ذلك يؤثر بشكل كبير ومن الضروري ان يولي الحزب الحاكم وحكومته أهمية سياسية واقتصادية لبقية الأحزاب اليمنية لأن الشراكة السياسية تتضمن ايضاً شراكة على مستوى اتخاذ القرار في الأزمات الحادة وترك الأمر على ما هو عليه يبقي آثار الحرب ولذا يجب ان تشمل المعالجات هذه الأمور لأهميتها.

رد المظالم إلى أهلها

لابد من تنفيذ رد المظالم إلى أهلها قبل تفاقمها وقد وجهت الجهات الخاصة بذلك، إلا ان الاجراءات مازالت متشاقلة وان العديد من الناس في المحافظات الجنوبية والشرقية يشكون من اخذ الممتلكات والأراضي والأموال بفعل الغطرسة المنتصرة ولذا لابد من هذه المعالجة قبل ان تكثر المطالب وتصير اشكالية امام الحكومة اليمنية وتوجهها، كذلك لابد من توفير فرص عمل، وامكانات للحياة في وجه هذه الأزمة التي تفاقمت ولا يحتاج الواقع إلى المزيد من خرقها.

مراجعة تصور دولة الوحدة

والتركيز في هذا الشأن على تطبيق دولة 1990م اما ما حدث من تطبيق بعد 7 يوليو 92م فلابد ان يخضع للمراجعة والمساءلة والمناقشة وان هناك قطاعاً واسعاً يشعر ان الوحدة الوطنية ودولتها هي من عام 90م وما عدا ذلك فليس من الواقع المتفق عليه بين القوى السياسية وهذا يحتم علينا اخذه بعين الأعتبار، خاصة امام المرحلة المقبلة، وديمقراطية المستقبل لابد ن تتكئ على الأسس المعدة والمناقشة والجاهزة للتداول.

وكل هذه النقاط تدخل ضمن اطار معالجة آثار حرب صيف 1994م والعمل بجدية ومصداقية حيال ذلك، اما ما اشتمل عليه حوار السلطة والمعارضة في هذه القضية فإلى اللحظة مازال افكار تدور في ذهنية المحاورين وقد سعت قوى في الحاكم إلى تطنيش هذه الافكار والعمل على تناسيها رغم انها من اخطر الافكار وترحيلها ينذر بكارثة حقيقية ويوعد بمستقبل مجهول امام النخب السياسية اليمنية.

والشعور بمسؤولية اصلاح الديمقراطية محتم امام الجميع ويجب ان تكون ضمن اجندة المستقبل في العمل السياسي، لدى الحاكم والمعارضة وهناك نقاط أخرى يجب التحدث عنها بجانب هذه الأطروحة وسوف نتناولها في الحلقة الثانية.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد