إستراتيجية أوباما الأفغانية.. نسخة سوفيتية جديدة

2009-12-05 04:46:45


مطيع الله تائب

بعد انتظار دام قرابة ثلاثة أشهر كشف الرئيس الأمريكي باراك أوباما الغطاء عن إستراتيجيته الجديدة لأفغانستان، ليعلن عن إرسال 30 ألف جندي إضافي إلى أرض المعركة، إلى جانب الإسراع في عملية تدريب وتجهيز الجيش والشرطة الأفغانيين تمهيدا لنقل مهام الدفاع والأمن إليهما مع بدء انسحاب القوات الأمريكية والدولية في منتصف العام 2011، حسب توقعات الرئيس أوباما.

لقد مهد الإعلان عن فوز الرئيس حامد كرزاي في الانتخابات الأفغانية الرئاسية الطريق إلى إعلان الرئيس أوباما عن إستراتيجيته الجديدة لأفغانستان؛ فتحديد الشريك الأفغاني كان خطوة ضرورية، وهو ما بدا واضحا في تأييد واشنطن والعواصم الأوروبية لنتائج الانتخابات رغم عمليات التزوير واسعة النطاق التي شابت تلك الانتخابات، واعتراف الجميع بمن فيهم أصدقاء الرئيس كرزاي، الأمريكيون والأوروبيون، بهذا التزوير.

ولأن الأمريكيين أوفر حظا في العراق إذ استطاعوا إيجاد شريك عراقي يمثل إلى حد كبير معظم شرائح الموزاييك العراقي، مما ساعدهم على اعتماد خطط الانسحاب بعد زيادة كبيرة في عدد الجنود وتحجيم القاعدة في المناطق السنية العربية عبر مشروع الصحوات؛ يبدو أن إدارة أوباما تسعى لاستنساخ التجربة العراقية في أفغانستان بعد إجراء عدد من التعديلات اللازمة. ولا شك في أن إيجاد شريك أفغاني قادر على تحمل مسئولياته في إدارة شئون البلد ومقبول لدى جميع فئات الشعب كان المقدمة الضرورية للإستراتيجية الجديدة.

وقد حظي الشريك الأفغاني باهتمام كبير في الإستراتيجية الجديدة من خلال الحديث عن رفع مستوى شفافيته الإدارية وقدراته الدفاعية. ومن الواضح أن أوباما رمى الكرة هذه المرة في ميدان نظام الرئيس كرزاي ليستعد للبقاء بنفسه بعد سنوات قليلة.

الانسحاب. . جديد أوباما

وتتمحور الإستراتيجية الأمريكية الجديدة بشأن أفغانستان حول ثلاثة محاور أساسية هي:

أولا: المحور العسكري:

وذلك عبر إرسال 30 ألف جندي إضافي يعملون في نفس الوقت على كسب المبادرة العسكرية من طالبان خصوصا في الجنوب الأفغاني، بالإضافة إلى الحفاظ على التجمعات السكانية وتدريب وتجهيز الجيش والشرطة الأفغانيين خلال العام ونصف العام القادمين، تمهيدا لنقل المهام الدفاعية والأمنية إليهما ليبدأ الانسحاب الأمريكي في منتصف عام 2011. وخلال هذه المدة تنوي الإستراتيجية الجديدة أيضا أن تتأكد من أن أفغانستان لن تكون مأوى آمنا للقاعدة وشل قدرتها على شن هجمات ضد الولايات المتحدة الأمريكية انطلاقا من أفغانستان.

ويشكل الإعلان عن تاريخ بدء الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان المفاجأة الأساسية في الإستراتيجية الجديدة، وهي خطوة اعتبرها المراقبون ذات استخدامات متعددة، حيث أراد أوباما أن يرسل رسالة واضحة للداخل الأمريكي المتململ من الحرب مفادها أن الحرب في أفغانستان لن تمضي إلى ما لا نهاية، وذلك بهدف كسب تأييده خطته بإقرار زيادة الجنود، كما أنها رسالة لشركاء واشنطن في حلف الناتو حتى يتعاونوا معها في المهمة الأفغانية بشكل أكثر وضوحا، وكذلك للشعوب الأوروبية التي بدأت تضغط على حكوماتها للعودة من أفغانستان.

ويعتبر الإعلان عن الانسحاب أيضا رسالة واضحة للحكومة الأفغانية بأن تتعامل بجدية أكثر مع الوضع وأن تسرع الخطى في جهود تدريب وتجهيز قواتها الأمنية والدفاعية، وهي رسالة واضحة كذلك للأفغان أنفسهم بأن الأمريكيين لا ينوون احتلال بلدهم، ما قد يدفعهم للتعاون مع الأمريكيين في المرحلة الراهنة وتخفيف وطأة الكراهية تجاههم. . والحديث عن الانسحاب يمثل رسالة أخرى للقوى الإقليمية التي تشكك في نيات واشنطن للبقاء طويلا في أفغانستان لأغراض غير معلنة.

ثانيا: المحور المدني:

وذلك عبر التعاون بين المؤسسات الدولية -وخصوصا الأمم المتحدة- والحكومة الأفغانية لاستغلال الظروف الموجودة لمحاربة الفساد وإيجاد إدارة فعالة ورفع مستوى المعيشة المواطن الأفغاني مع التركيز على المجال الزراعي. وكان تحذير الرئيس أوباما واضحا من أن أيام الشيكات البيضاء قد ولًت وأن الولايات المتحدة وشركاءها جادون في محاربة الفساد داخل نظام الرئيس كرزاي. وطالب أوباما الشعب الأفغاني بالتعاون في محاربة الفساد، وهو ما ظهر جليا كذلك في خطاب الرئيس كرزاي أثناء تأديته للقسم لفترة رئاسية ثانية، حيث أكد على أن محاربة الفساد تأتي على رأس أولوياته في الحكم خلال السنوات الخمس القادمة من حكمه، وهو أمر يشكك الكثير من الأفغان في تحقيقه خلال هذه الفترة الوجيزة.

ثالثا: المحور الإقليمي:

وذلك عبر التأكيد على الدور الباكستاني في محاربة الإرهاب والقاعدة وبناء علاقات أكثر متانة مع الحكومة الباكستانية ودعمها كشريك إستراتيجي في المنطقة. ويأتي الاهتمام بباكستان انطلاقا من رؤية الحزب الديمقراطي الأمريكي للحرب على القاعدة والتي تعتبر أفغانستان وباكستان مسرحا واحدا للعمليات.

ومن المتوقع أن يستمر هذا التوجه، وبشكل أعمق، مستقبلا بحيث تحظى باكستان بدور أكبر في إدارة الصراع في أفغانستان في ظل غياب الولايات المتحدة الأمريكية، وهو نفس السيناريو الذي حدث في عهد الرئيس كلينتون، غير أن واشنطن لن تولي ظهرها كليا للمنطقة هذه المرة ولن تعطي تفويضا أو وكالة مفتوحة لإسلام أباد.

مهمة مستحيلة

ونظرا للسقف الزمني الذي حدده الرئيس أوباما لتحقيق أهدافه العسكرية والمدنية في إستراتيجيته الجديدة، يبدو أن البيت الأبيض يتعامل مع مهمة مستحيلة في أفغانستان بسبب تعقيدات الوضع الأفغاني والإقليمي وعدم قدرة واشنطن وحلفاءها في حلف الناتو على احتواء المقاومة المسلحة ورفع كفاءة وعدد الجيش والشرطة الأفغانية قبل البدء بانسحاب القوات الدولية.

ففي ديسمبر 2001 كان عدد الجنود الأمريكيين في أفغانستان لا يتجاوز ألف جندي، وشهدت السنوات الثماني الماضية زيادة مطردة في القوات الأمريكية والدولية ليصل العدد اليوم إلى 108 ألف جندي، دون أن يجدي ذلك نفعا في احتواء العنف في أفغانستان أو يوقف عودة طالبان إلى المشهد الأفغاني من جديد.

وبموازاة الزيادة في قوات الناتو، شهدت صفوف المقاومة الأفغانية (طالبان والحزب الإسلامي ومجموعات صغيرة أخرى) زيادة في أعدادها. وطبقا لآخر تقديرات للبيت الأبيض، فقد تضاعف عدد المعارضين المسلحين إلى قرابة 4 أضعاف خلال السنوات الثلاث الأخيرة ليصل إلى 25 ألف مسلح بعد أن كان يقدر بنحو 7 آلاف مسلح فقط في عام 2006، حسب تقديرات صحيفة واشنطن تايمز الأمريكية.

وقد أثبتت سياسة زيادة القوات فشلها لجملة أسباب أهمها:

التركيز على القيام بعمليات واسعة تهدف لإعادة السيطرة على مناطق نفوذ طالبان وإحراز مكاسب ميدانية مؤقتة ثم الانسحاب منها وتركها لقوات أفغانية ضعيفة التدريب والتجهيزات لا تقوى على الحفاظ على تلك المكاسب.

الاستمرار في الاعتماد على النيران الكثيفة والاستخدام المفرط للسلاح والقصف الجوي لإحراز تقدم عسكري، مما يزيد من عدد الضحايا المدنيين ويصنع أعداء جددا للوجود الأجنبي مع سقوط كل ضحية جديدة.

وحسب هذه المعادلة يبدو من الصعب أن يكون بمقدور الجنرال ماكريستال، قائد القوات الأمريكية والدولية في أفغانستان، أن يحدث تغييرا كبيرا في أرض المعركة حتى بعد أن يصل عدد قواته إلى 150 ألف جندي، مع الإضافة المعلنة والمتوقعة من بقية أعضاء الناتو.

من جانب آخر تظهر خريطة العمليات العسكرية اتساعا كبيرا في رقعة المقاومة العسكرية تشمل الجنوب والجنوب الشرقي والجنوب الغربي ومناطق متفرقة في الشمال والغرب، كما أن الحدود الطويلة مع باكستان وإيران تتطلب العديد من القوات والعتاد لمنع التسلل والتسليح.

وما يتضح من الخطط العسكرية القادمة للناتو هو أن القوات الجديدة سوف تتركز في ولايتي هلمند وقندهار حيث المعاقل الأساسية لطالبان حيث يبدو أن القوات الأمريكية تعتبر تحقيق مكاسب في تلك المناطق مقدمة لكسب التقدم في المناطق الأخرى.

ويعول القادة الأمريكيون على قدرتهم على كسب ثقة المواطنين في تلك المناطق والاهتمام بمشكلاتهم ومساعدتهم كشرط أساسي لنجاح خطتهم في حصر نفوذ طالبان، مع زيادة القوات الأفغانية وتدريبها وتسليحها لتقوم بالمهام الدفاعية والأمنية بنفسها. ومن المتوقع أن تعتمد الخطة القيام باستهداف التجمعات الأساسية لطالبان وقياداتها العسكرية الميدانية مع تجنب الضحايا المدنيين والاستمرار في استهداف خطوط تموين طالبان.

ومع أن الإستراتيجية الجديدة لم تتضمن أية إشارة واضحة إلى الحل السياسي والتفاوض مع طالبان، لكن من المتوقع أن تتحرك جهود التفاوض مع طالبان وبقية أطراف المقاومة العسكرية خصوصا لو استطاعت واشنطن كسب المبادرة العسكرية في الميدان ومارست ضغوطا عسكرية حقيقية على طالبان وبقية المسلحين.

أما المهمة الأصعب جدا أمام القوات الدولية في الفترة القادمة تتمثل في تدريب وتجهيز الجيش الأفغاني والشرطة الأفغانية ورفع عددها لحوالي 400 ألف، وهي تبدو كذلك في ظل تدني الرواتب وضعف العقيدة القتالية، ويتحتم لتحقيق بعض النجاح لهذه المهمة زيادة الرواتب في الجيش والشرطة، إلى جانب التحرك لإيجاد دوافع نفسية وعقدية ترغب الشباب للانخراط في صفوف الجيش والشرطة لا سيما في المناطق الجنوبية والشرقية التي تشهد انتشار قوات طالبان وبقية المجموعات المقاومِة.

بين أوباما وجورباتشوف

لقد شهد الوجود العسكري السوفيتي في أفغانستان إضافة كبيرة في عام 1985 بعد تولي جورباتشوف رئاسة الاتحاد السوفيتي حيث وصل عدد القوات العاملة في أفغانستان قرابة 120 ألف جندي لكن العام نفسه أعنف سنوات القتال بين الجنود الروس والمجاهدين الأفغان.

وكان الغزو السوفيتي لأفغانستان قد مر بثلاثة مراحل أساسية هي: مرحلة الدعم والمحافظة على المرافق الحيوية (1980-1983)، ومرحلة الهجوم والعمليات العسكرية (1983-1986)، ومرحلة الانسحاب (1986-1989). وكان جورباتشوف الذي وضع التعامل مع الجرح الأفغاني في صدر أولوياته، أراد أن يوفر كل عناصر النجاح الممكنة للحل العسكري، ربما ليس للقضاء على المقاومة المسلحة لكن لكسب المبادرة في الميدان وكسب الوقت لتجهيز الحكومة الشيوعية لتحمل أعباء الدفاع والأمن بنفسها في حالة خروج السوفييت؛ وهو ما حدث بالفعل حيث وصل عدد عناصر الجيش والشرطة والأمن الأفغاني إلى أكثر من 300 ألف عنصر مع حلول عام 1986، حيث بدأت بوادر الانسحاب الروسي المبكر تلمح في الأفق، وهو ما اكتمل في فبراير 1989 بعد توقيع اتفاقيات جنيف في إبريل 1988.

وعلى الرغم من وجود خلافات كبيرة في المشهدين السوفيتي والأمريكي في أفغانستان، إلا أن هناك تشابها في الخطوط العريضة بين الإستراتيجية الجديدة التي أعلن عنها أوباما وبين إستراتيجية جورباتشوف في أفغانستان بعد تسلمه السلطة في الكريملين ورفعه شعار التغيير.

وتكمن أوجه الشبه في التوجه نحو تصعيد العمليات العسكرية عبر زيادة الجنود وتدريب وتجهيز الجيش وقوات الأمن الأفغانية (أفغنة الحرب) والقيام بتغييرات وإصلاحات في الوجوه والسياسات في نظام كابل وإطلاق المصالحة الوطنية والدخول في مفاوضات دولية وإقليمية لترتيب أوضاع ما بعد الانسحاب.

وقد سجل التاريخ أن الجيش السوفيتي لم يتمكن من القضاء على مقاومة المجاهدين الأفغان الذين وجدوا كل الدعم من المعسكر الغربي والإسلامي، ورضخ السوفييت لقرار الانسحاب قبل أن يتحملوا خسائر مادية وبشرية أكثر مما تحملوا، غير أنهم رفعوا من مستوى القدرات الدفاعية للحكومة الشيوعية في كابل بحيث صمدت أمام المجاهدين الأفغان ثلاث سنوات أخرى إلى أن سقطت في عام 1992.

وفيما رحبت حكومة الرئيس كرزاي بإستراتيجية أوباما الجديدة اعتبرتها طالبان استمرارا لسياسة بوش وأعلنت استعدادها لتصعيد عملياتها العسكرية مع زيادة القوات الأمريكية. . . فهل يتمكن الرئيس أوباما من تحقيق إستراتيجيته المعلنة في أفغانستان ويحققها أو جزءا منها؟، أم تتكرر التجربة السوفيتية وتدخل أفغانستان مرحلة جديدة من الفوضى والحروب الأهلية؟!

كاتب ومحلل سياسي أفغاني - الاسلام أونلاين

 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد