مبروك كرشيد: تونس لم تكن بعيدة عن حكم العسكريين وتواضع التجربة السياسية لسعيّد أثر سلبا على الدولة

2021-06-15 23:14:02 أخبار اليوم/وكالات

  

قال الوزير السابق ومساعد رئيس البرلمان التونسي، مبروك كرشيد، إن تونس لم تكن بعيدة عن حكم العسكريين، مشيراً إلى أن الجنرال حكموا البلاد لربع قرن خلال عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، كما انتقد -من جهة أخرى- تواضع التجربة السياسية للرئيس قيس سعيد والذي اعتبر أنه هدد الدولة، مشيراً إلى أن الأخلاق ونظافة اليد لا تكفي لإدارة شؤون البلاد.
وانتقد أيضاً حكومة هشام المشيشي الذي قال إنها لم تحقق أي إنجازات وباتت “عبئاً” على البلاد، وعبر عن تأييده إجراء انتخابات برلمانية مبكرة على اعتبار أن البرلمان الحالي لم ينتج سوى “الضجيج”، لكن قال إن ذلك يجب أن يأتي بعد تعديل النظام السياسي والقانون الانتخابي في البلاد.
وقال النائب مبروك كرشيد، في حوار خاص مع “القدس العربي”: “تونس لم تكن بعيدة عن حكم العسكريين إطلاقاً، فبن علي كان جنرالاً وحكم 23 سنة كاملة، ولم يكن الجنرال الوحيد الذي حكم تونس، حيث رافقه عدد كبير من الجنرالات والقيادات العسكرية وخاصة في السنة الأولى، وكانت جل الوزارات الحساسة في تونس محكومة بعسكريين على غرار الحبيب عمار وزير الداخلية ومصطفى بوعزيز وزير أملاك الدولة ووزيري الخارجية والعدل أيضاً، بالتالي كان الجنرالات موجودين في السلطة طيلة حكم بن علي. وفي عهد بورقيبة، كان بن علي العسكري الوحيد الموجود في السلطة، والذي وصل في الأمر في نهاية المطاف إلى رئاسة الجمهورية”.
وأضاف: “لا مشكلة في وجود عسكريين سابقين في الساحة السياسية، فطالما أنهم يريدون المساهمة -بعد تقاعدهم- في الحياة السياسية باعتبارهم مدنيين -وإن كانت لهم خلفية عسكرية سابقة- فهذا أمر عادي، فكولن باول، وزير الخارجية الأمريكي السابق، كان عسكرياً ودخل الحياة السياسية بعد ذلك، والكثير من الجنرالات في العالم تقاعدوا من الحياة العسكرية للدخول في الحياة المدنية، وبالتالي الحديث عن عسكرة السياسة غير صحيح، فالعسكريون هم مواطنون تونسيون ومن حقهم -بعد تقاعدهم- المساهمة في بناء بلادهم من مواقهم”.
وفيما يتعلق بتقييمه لأداء الرئيس قيس سعيد، قال كرشيد: “يرى البعض أن نقص تجربة الرئيس قيس سعيد في الحياة السياسية وقدومه من ميدان بعيد عن السياسة هو نقطة قوته وأنا أعتقد أنه نقطة ضعفه، فالإنسان الذي يأتي من عالم التدريس والمحفظة -دون المرور ببعض المراحل التمهيدية- يكون اصطدامه بالواقع شديداً، وهذا ما وقع مع سعيد الذي لم يعرف كيف يدير العملية السياسية، وجاء برئيسي حكومة مُنيا خلال ظرف وجيز بفشل ذريع، كما أن الوزراء الذين أتى بهم للحكومة، هم الأضعف في حكومتي الفخفاخ والمشيشي، وهذا كله يأتي نتيجة عدم فهم الرئيس للعملية السياسية وعدم وجود كادر سياسي إلى جانبه، وبالتالي أداء رئيس الجمهورية الذي يفترض أن يكون موحداً كان بالعكس مفرقاً وتنقصه الحنكة”. وأضاف: “عندما أقارن أداء قيس سعيد بأداء الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي أجد أن قائد السبسي كان يستطيع أن يتعالى على المراكز الصغيرة من أجل وحدة تونس، وهو الأمر الذي فقدناه في هذه المرحلة ونتأسف أن رجلاً بالثقة التي حظى بها قيس سعيد وبمستوى أخلاقه (والتي أحترمه من أجلها) تخونه التجربة إلى هذا الحد ويهدد الدولة بعدم وجود تجربة عميقة في جرابه يستطيع من خلالها إدارة شؤون البلاد بصفته الرجل الأول الضامن لوحدتها ودستورها”.
وكان مجلس القضاء العدلي قرر إنهاء إلحاق القضاة برئاستي الجمهورية والحكومة وهو ما اعتبره البعض بمثابة “انتفاضة” لممثلي العدالة ضد الطبقة الحاكمة في البلاد، فيما اعتبر آخرون أنه محاولة للاصطفاف خلف أحد طرفي “الصراع” بين رأسي السلطة التنفيذية، وخاصة أنه يأتي بعد إقالة رئيس هيئة مكافحة الفساد.
وعلق كرشيد على ذلك بقوله: “هو قرار جريء وسليم ويجب تثمينه لأن القاضي مجبور على الحياد، وعندما يتجه إلى السلطة التنفيذية فهو يصبح شخصاً محل تجاذبات ويفقد حياديته، ورؤيته الحيادية للمواضيع التي يعيشها التونسيون، بمعنى أنه يفقد زاوية الحياد والاستقلالية لينخرط في عملية سياسية تبنى على التناقضات والجدل والاختلاف والعداء، وبعد ذلك لا يمكنه العودة للعمل في القضاء دون أن يكون محملاً بأعباء فترة منهكة في العمل السياسي وسيضمر -ككل البشر- أشياء قد تؤثر على نزاهته، وبالتالي إما أن يبقى القاضي قاضيا أو يغادر هذه المهنة إلى غير رجعة. وقد طالبت بهذا الأمر منذ ثلاث سنوات، وكنت أرفض التصويت لكل وزير أتى من خلفية قضائية، على اعتبار أنه سيفقد حياده ولن يفيد السلطة التنفيذية في شيء ولن يفيد القضاء بعد ذلك في شيء”. وحول تقييمه لأداء حكومة هشام المشيشي، قال كرشيد: “هي حكومة مشلولة وحكومة عبء على نفسها وتونس، لأنها تشتغل بنصف إمكانياتها، كما أنها لم تستطع أن توفق بتوحيد السلطة حولها وتجميعها، سواء كانت سلطة تشريعية أو تنفيذية (رئاستا الجمهورية والحكومة)، وهي أول حكومة تتعرض لنقد لاذع منذ تأسيسها، وخرجت في مشهد مشوه، سواء من خلال رئيس الجمهورية الذي طالب المقربين منه بمنع التصويت لها، أو بالصورة المسيئة لهذه الحكومة عندما ظهر الائتلاف الذي يقف خلفها يوم التصويت، وهي صورة صادمة لنا جميعها وجعلت الانطباع حول هذه الحكومة سيئاً”.
وأضاف: “الحكومة جاءت على ميزانية تكاد تكون مفلسة ووضع اقتصادي متردٍ وكورونا تعصف بالبلاد كما لم يعصف بها وباء من قبل. وبالتالي هي حكومة لم تأتِ بحلول للوباء وللمالية العمومية والآن هناك تداعيات أمنية خطيرة للبلاد، هي حكومة لم تستطع أن تنجز شيئاً ولم يوفر لها المجتمع مناخ الإنجاز، بالتالي أصبح عبئاً ثقيلاً على تونس ويجب تخفيف هذا العبء مهما كانت الظروف”.
كما عبّر عن تأييده للدعوات المطالبة بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، مشيراً إلى أن البرلمان الحالي “لم يعد منتجاً، وهو -برئاسته وكُتله الموجودة حالياً- هو برلمان ضجيج ولا ينتج لا قوانين ولا غيرها، وهو الأكثر إثارة لغضب التونسيين منذ أن وجدت البرلمانات في البلاد، وهذا البرلمان يجب أن يُعاد انتخاب أعضائه من جديد، ولكن على قاعدة جديدة هي قاعدة تغيير النظام السياسي وتغيير القوانين التي تنظم وجود وحياة البرلمان، ماذا يعني أن نجري انتخابات جديدة بنفس القوانين الحالية، يعني سنعيد إنتاج نفس المشكلة ولن نجد حلولاً. لا بد من الدخول في حوار وطني حقيقي وجدي لحل المشكلة السياسية، فمشكلة تونس بالأساس هي مشكلة نجاعة حكم، فالحكم ديمقراطي ولكنه ليس ناجعاً، يجب أن نضيف للديمقراطية النجاعة، حتى يصبح لدينا حكم قادر على حل مشاكل التونسيين”.
وأثار اقتحام نواب من حزب قلب تونس لمكتب قاضي التحقيق بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي، أخيراً، ومطالبتهم بإطلاق سراح رئيس الحزب نبيل القروي، جدلاً واسعاً في تونس، حيث اعتبر البعض أنه محاولة من قبل السياسيين للضغط على القضاة والتدخل في عملهم.
وعلق كرشيد على ذلك بالقول: “توجه نواب قلب تونس للقضاء والمطالبة بإطلاق سراح نبيل القروي هو حمّال أوجه، فإذا نظرنا له من زاوية أن الغاية منه هي تبليغ صوت نبيل القروي للقضاء من خلال القول بأنها عملية سياسية، فربما يُفهم هذا في إطار الانضباط الحزبي، وإذا فُهم منه الضغط على القاضي وتخويفه فهذا أمر مرفوض. عموماً أعتقد أن القاضي التونسي له من وسائل الحماية من الضغوط (وخاصة استقلاليته المحفوظة ضمن القانون الأساسي للقضاة) ما يجعل رفع أي شعارات أمام مكتبه من قبل نواب وغيرهم لا تخيفه، والقضاء التونسي لا يخضع لهذه الضغوط، ولكننا نخشى على القضاء التونسي من الضغوط السياسية المستترة غير الظاهرة والتي تأتي من “غرف مظلمة” تقود الأبحاث القضائية في بعض الأحيان نحو اتجاه معين”.
وكان القضاء التونسي قرر، الثلاثاء، الإفراج عن نبيل القروي، والذي يقضي عقوبة السجن بتهمة تبييض الأموال والتهرب الضريبي، وهو ما قوبل بردود فعل متفاوتة داخل الطبقة السياسية.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد