من أوكرانيا الى اليمن... مفارقة سياسية تكشف صدق الوفاء للقضية

2022-03-10 02:18:21 اخبار اليوم/ تقرير خاص

 

 

 

في الوقت الذي يتقاسم فيه الرئيس الأوكراني السلاح مع أعضاء البرلمان الأوكراني وحكومته، ليرتصونا في خندق واحد الى جانب جيش بلادهم برفقة السياسيين والوزراء وكل من له القدرة على حمل السلاح، تستقبل الحكومة اليمنية هذه المشاهد من فنادق الرياض والقاهرة وواشنطن، بعد أن حسبوا أنفسهم ضمن قائمة النازحين اليمنيين.

أي خيبة هذه التي يعيشها الشعب اليمني الذي خرج في الـ11 من فبراير بحثًا عن حكومة مواطنة منصفة تخرجه من غياهب الضياع الى واقع يصون حقوقه ويضمن له حياة كريمة، ليجد نفسه يقضي عامه الثامن في حرب هي الأخرى تبحث عن حكومة صالحة لتحقيق مطالب الناس، الا أنها حكومة غابت عن المشهد في وقت يقاتل فيه اليمنيين بحثًا عنها.

مفارقة كبيرة بين حكومة ترفض مغادرة بلادها لتحافظ على أراضيها وسيادة وطنها، ولتحفظ تطلعات شعبها وتصون حقه وأراضيه، وحكومة ضائعة انقضت أعوام وشعبها يحاول اقناعها بالعودة الى أرض الوطن ليحسوا أن لهم دولة حقيقة يقاتلون لأجل الحفاظ عليها، فيما آثرت عوضًا عن ذلك ما تعيشه من حياة مترفة في غربة همجية.

خيبة يمنية

مازال اليمنيون يتذكرون خيبتهم بتصريحات الرئيس المغترب هادي بداية الانقلاب الحوثي وتحديدًا بعد مقتل اللواء القشيبي على أيدي المتمردين الحوثيين، حين خرج ليخبر الناس أن عمران عادت لتوها الى أحضان الدولة، دون أن يكترث الرجل بسقوط المحافظة ومقتل أحد أبرز قادته العسكريين حينها.

ماتزال الذاكرة اليمنية تحتفظ بمشاهد تسليم معسكرات الدولة ومؤسساتها لميليشيات سلالية لا تعترف بغير بندقيتها، ثم ماذا...؟ ثم سقطت العاصمة صنعاء دون أدنى محاولة للحفاظ عليها من قبل الحكومة، ولكنها اكتفت بالفرار الى خارج أرض الوطن، لتترك بذلك اليمنيين ومختلف المكونات السياسية في الداخل اليمني ليواجهوا مصيرهم مع مليشيات الموت الظلامية.

أعادت الحرب الأوكرانية لدى اليمنيين أحداث الانقلاب الحوثي وهم يقرأون الأحداث أوكرانية ويرون بأم العين رئيس البلاد بنخبه السياسية وأعضاء حكومته وقد حملوا أسلحتهم وتوجهوا للقتال كغيرهم من أفراد الجيش الأوكراني يسندهم في معركتهم وعي المجتمع الأوكراني الرافض للغزو الروسي، ليقف الجميع في جبهات القتال صفاً واحداً تحت راية أوكرانية وأهداف وطنية نبيلة.

ثمانية أعوام من الخيبة يعيشها الشارع اليمني وكذا الجيش الوطني الذي وجد نفسه محاطًا بالخذلان الحكومي، ليظل التساؤل القائم في الوقت الحالي والذي يبحث له الجميع عن إجابة مرضية، وهو كيف تقبل الحكومة اليمنية أن تشهد مأساة الشعب من على الشاشات متفرقين في مختلف بلدان العالم؟.

وفي سياق متصل يعتقد السياسي والكاتب الصحفي صدام الحريبي، أن المقارنة بين الحكومة الشرعية في اليمن وحكومة أوكرانيا غير موفقة ولا منطقية نهائياً.

وأضاف الحريبي في حديثه لـ"أخبار اليوم" بالقول "في أوكرانيا نتحدث عن حكومة لم يغادر أدنى مسؤول فيها بسبب الحرب، بل الجميع صمدوا وخرجوا إلى القتال، فالرئيس يطمئن الشعب بين الحين والآخر ويخاطب العالم ويحاول كسب تأييد الجميع سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وإنسانياً، بينما حكومته تتحرك كالنحل من أجل إنقاذ وطنهم".

وتابع "فيما حكومة اليمن أصبح موضوع النقاش ليست العودة إلى أرض الوطن، بل أي دولة أخرى غير الرياض أفضل للعيش والاستقرار النهائي فيها، ولذلك النتائج تقاس على جدية القادة وتحركهم ووجودهم على الأرض من عدمه".

نزوح الحكومة.

دخلت الحرب اليمنية عامها الثامن دون بوادر لبناء دولة وطنية صادقة، بل إن الأزمة ماتزال تمد أشرعتها من عام لآخر وما تزال ميليشيات الحوثيين تتمركز في مختلف جبهات القتال في صراع قد يقضي على حلم الناس، بينما تنعم الحكومة بحياة مترفة في غربة طال أمدها، وهي التي إذ لم تعد الحكومة الشرعية لتثبت صدقها مع الشعب اليمني.

رئيس البرلمان اليمني في واشنطن، ورئيس مجلس النواب اليمني في القاهرة، أوضاع معيشية صعبة، بينما يرى الناس حال الجيش الوطني المهمل والذي لم يعد من نصيبه سوى الحسرة في جبهات القتال وقد أمسى وحيدًا دونما حكومة منصفة تصدق في مواقفها.

لا ينتظر اليمنيين من الرئيس هادي أو رئيس مجلس النواب ورئيس البرلمان الخروج الى جبهات القتال، ولكن يتساءل الجميع حول السبب الذي جعل الحكومة تغفل عن واجبها الوطني في هذا التوقيت الحرج، ما الذي قدمته الحكومة الشرعية للجيش الوطني.

على النقيض.

في الوقت الذي تقدمت فيه الولايات المتحدة الأمريكية للرئيس الأوكراني بتأمين خروجه ونقله الى بلد آخر، خرج ليجيب على هذا العرض "نحن هنا بحاجة للسلاح ولسنا بحاجة للتنزه والرحلات".

بينما تستلذ قيادة الحكومة الشرعية اليمنية بنومة باردة في فنادق الرياض ومختلف الفنادق في أنحاء العالم، دون وفاء للقضية ولا تمسك بالثوابت الوطنية التي أقسموا جميعهم على الحفاظ عليها، إلا أن الأزمة أكدت حقيقة هذا القسم لتكشف عن خيبة اليمنيين بحكومته العجوزة.

ما بين الرئيس هادي والرئيس الأوكراني، معادلة صعبة ومقارنة مؤلمة بين حربين، وقائدين اختار أحدهم العزلة في عاصمة بلد مجاور، فيما الآخر فضّل البقاء مع شعبه، رغم آلة الحرب المدمّرة التي تطال مدنه.

مثّل غياب الرئيس هادي عن المشهد سياسياً وعسكرياً انتكاسة كبيرة في معركة اليمنيين، عوضاً عن تسليمه قرار البلاد إلى القادة الإماراتيين والسعوديين الذين يعتقدون أن اليمن ليست سوى حديقة خلفية مهملة للرياض، كما سلمها لبعض المتنفعين حوله، وعلى رأسهم أولاده. 

معركة كشفت عن شخصية الرئيس وغياب القيادة الوازنة في إدارة المعركة، وضعف دور رجال الدولة، والنخب السياسية والبرلمانية والدبلوماسية ممن يمثلون الدولة.

مفارقة مؤلمة.

وفي السياق، يرى الدبلوماسي السابق، مصطفى النعمان، أنه "من الصعب إيجاد مقارنة بين ما يحدث في أوكرانيا وما يحدث في اليمن".

وأضاف النعمان، خلال حديثه لبرنامج "المساء اليمني" على قناة "بلقيس"، مساء أمس، أن "المقاربات بين ما يحدث في أوكرانيا وما حدث ويحدث في اليمن صعبة".

ويوضح أن "الشيء، الذي أثار عند اليمنيين هذه المقارنة بين ما يحدث في أوكرانيا وبين ما يحدث في اليمن، هو المقارنة بين القيادات".

ويرى أن "المقارنة بين الرئيس هادي والرئيس الأوكراني فيها نوع من القسوة على هادي"، مؤكداً ألا مجال هناك للمقارنة بين الرجلين.

وتساءل النعمان عن عدد المرات التي ظهر بها الرئيس هادي للشعب يشرح لهم ما يحدث وعن المرات التي ظهر بها أمامهم في المواقف الصعبة والحرجة التي يحتاج فيها المواطن أن يسمع ما يدور وما يجب أن يكون.

ويؤكد أن "المشكلة الخطيرة في اليمن -منذ 2015 وما قبلها وحتى الآن- هي أزمة القائد وأزمة القيادة"، مضيفاً أن "أزمة القائد أو القيادة لا تنحصر في الرئيس هادي وحده بل في كل مسؤولي الدولة".

ويوضح النعمان أن "الشعب اليمني لم يسمع من هؤلاء المسؤولين أي شيء بخصوص ما يحدث في البلد أو شيء يدل على أنهم يشعرون بمسؤولية أخلاقية ووطنية تجاه الناس، سوى بيانات ووعود وقرارات لا تؤدي إلى شيء يفيد المواطن".

ويؤكد أن "الفارق بين قيادات الدولة اليمنية والقيادات الأوكرانية هو المستوى الأخلاقي والوطني"، مشيرا إلى أن "الرئيس الأوكراني لم يترك شعبه، ولم يغب عنهم يوما".

نقاط التشابه.

وعن أوجه التشابه والاختلاف في الحالة الأوكرانية واليمنية من حيث القرارات الرئاسية، يعتقد وكيل وزارة الثقافة عبدالهادي العزعزي، أن "المسألة تختلف كثيراً من حيث الأداء".

ويضيف أنه "في الرئاسة الأوكرانية هناك أداء أكثر من نشط في الرئيس الأوكراني الذي استطاع أن يجلب الغرب بشكل عام، واستطاع أيضا أن يجلب المساعدات، ويتواصل مع الجميع طلبا للسلاح".

ويوضح أن "أداء الرئاسة الأوكرانية كبير جداً، مقارنة مع أداء الرئاسة اليمنية منذ سبع سنوات، والتي نادراً ما نسمع خطابا لها".

وعن دور التحالف وعجزه عن تقديم الحماية للرئيس هادي لعودته للبلد، يعتقد العزعزي أن "التحالف سوف يكون فاعلا وأكثر فاعلية لو كان المعني الأول أكثر فاعلية".

ويضيف أنه "لو أن السلطة تواجدت على أرض الواقع لوجدت المكان الأنسب لها، وليس الأمر مقتصرا على عدن".

ويلفت إلى أن "الحكومة الشرعية لديها إمكانيات وتستطيع أن تتحرك وتلعب على المتناقضات والمصالح الدولية، وبالتالي سوف تخلق فاعلية، وتخلق للتحالف فاعلية أكثر متى ما كانت فاعلة على الأرض".

من جهته، يقول رئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية، عبدالكريم السعدي: "إن الفارق بين الرئاسة الأوكرانية واليمنية هو في حضور القيادة وتأثيرها الإيجابي والعكس".

ويؤكد السعدي أن "غياب القيادة في أي معركة لها تأثير سلبي كبير على المقاتلين، وعلى سير المعارك، وما يدور على الأرض".

ويرى أنه "كان يتوجب أن تتواجد الحكومة على الأقل في الميدان، لو افترضنا أن بعض مؤسسات الدولة العليا يتعذر تواجدها، نتيجة لمواقف وسياسة الإقليم وصراعه على أرضنا".

ويزيد: "كان يفترض بمجلسي النواب والشورى والوزراء التواجد على الأرض، طالما والإقليم يرى ضرورة وجود رمز التدخل، أو رمز الدولة في مكان آمن". 

ويستدرك حديثه، ويوضح أنه "حتى عند تواجد الحكومة، كانت فاقدة القدرة على العمل وكان وجودها مشلولاً، لأنها بُنيت على أساس المراضاة".


الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد