إلى جانب إتحاد الجنوب العربي، الذي شمل المحميات الغربية، قررت بريطانيا، إبقاء المحميات الشرقية (الكثيري والقعيطي والمهرة) خارج ذلك الاتحاد، بحجة رفضهم، وكان الهدف هو إبقاؤها دولاً مستقلة، لكن ثوار الجبهة القومية وحدوا تلك السلطنات بالقوة عام 1967، وتبنوا أيضاً توحيد اليمن كاملة، مثلما نص دستور الدولة في الجنوب في مادته الأولى والثانية، كما سيأتي.
وعلى إثر قيام الثورة في الشمال سبتمبر1962، قامت حرب التحرير في الجنوب أكتوبر1963، ونشأت دولة مستقلة هناك في 1967، وصنعاء في حالة حرب، ومطوقة بحصار السبعين يوماً.
وقال القاضي الإرياني في الجزء الثالث من مذكراته، أنه بعد 25 يوماً على ما أسماها الحركة التصحيحة، ويقصد إنقلاب 5 نوفمبر 1967 على الرئيس السلال، تم إعلان استقلال الجنوب، بناء على الإتفاق الذي تم بين بريطانيا والجبهة القومية، وقد جاء ذلك وصنعاء محاصرة، والناس يموتون في الشوارع والمساجد، جراء قصف المدافع المعادية، واجتمعت القيادة في صنعاء، وأخبرهم، بما قال له الأستاذ عبدالفتاح إسماعيل ورفاقه عند زيارتهم له في القاهرة، إن أول قرار سيتخذونه، هو قرار الوحدة.. وأضاف أن عدم الإعلان له عدة دوافع منها أن الجمهورية اليوم في الشمال على كف عفريت، ومصيرها مجهول، وصنعاء محاصرة، وهم (في الجنوب) لا يريدون أن يرتبطوا بمصير مجهول!
وأضاف : رأينا أن من الحكمة أن لا نفتح خلافاً مع الإخوة في الجنوب، والحرب على جبهتين، وصنعاء محاصرة ومهددة بالسقوط، وإن علينا الإعتراف بهم، والوحدة يومها آت لا ريب فيه، حسب الرئيس الإرياني.
ويجدر التساؤل، هنا، هل هناك من رتب تزامن حصار صنعاء، مع توقيت إعلان إستقلال الجنوب ، لصرف النظر عن التفكير في الوحدة في ذلك الزمن؛وتلك الظروف، هذا التساؤل، طرحه الرئيس علي ناصر أيضاً.
تفاقم الصراع بين الشطرين، وهناك من سعى في الجنوب لفرض الوحدة بالقوة، خاصة مع اغتيال الرئيس الغشمي، وخلال حرب 1979، وقال الرئيس علي ناصر، الذي كان رئيس الوزراء في الجنوب حينذاك، أن صالح مصالح (وزير الداخلية) حاول إقناعه بفكرة إغتيال الغشمي من أجل تحقيق الوحدة (وأنه شرح له الترتيبات المزمعة لقلب كل الوضع في الشمال) ولكنه رفض، غير أن مصلح أقنع الرئيس سالمين، بالفكرة، وقام الرئيس سالم ربيع علي بالإتصال بالرئيس أحمد الغشمي، وأبلغه أن رسولاً سيصل من جانبه حاملاً رسالة عاجلة! وقال إن صالح مصلح مؤمن بالوحدة، ولكن على طريقته (بالسلم.. بالحرب.. بالاغتيال.. لم تكن تهم الوسيلة .. المهم الغاية) .. وقال إن الرئيس سالم ربيع علي كان يؤمن بالوحدة، وناضل ومات من أجلها. وأن صالح مصلح سعى للإستفادة من حماسة سالمين، وعفويته وسائر صفاته. وفي شهادة جار الله عمر التي أوردها الرئيس علي ناصر محمد في مذكراته، يقول جار الله عمر (إن سالمين عاد من حضور جنازة الحمدي وأنه أقسم على الانتقام له.. وفي 24 يونيو 1978 أمر سالمين بخط يده وبقلمه بأن يرسلوا حقيبة ملغومة، إلى الغشمي، في صنعاء.. وأنه اتصل بالغشمي وقال له: سوف يصلك مني رسول وسأعيد الجنود الذين هربوا إلى الجنوب).
وقال الرئيس علي ناصر إن صالح مصلح وزير الداخلية، استطاع إقناع الرئيس سالم ربيع علي، بنقل النزاع والصراع إلى صنعاء، من أجل هدف أسمى وهو وحدة اليمن، وليصبح سالمين رئيسا لليمن كله، مدعوماً بكافة القوى الوطنية شمالاً وجنوباً، وإن اغتيال الغشمي سيوفر فرصة ثمينة لقطاعات من الشمال مؤيدة لنهج الجنوب، لتزحف نحو العاصمة صنعاء وتحقق الإرادة الوطنية والأمل المرتجى.
تبنى كل شطر المناوئين للشطر الآخر، وانفجرت حروب 1972 و1979 وتم التوقيع بعدها على إتفاقيات تمهد للوحدة، نتج عنها، صياغة دستور للدولة اليمنية الموحدة في 30 سبتمبر 1981، أي منذ 43 عاماً، في عهد الرئيسين علي ناصر وعلي عبدالله صالح، وفي عام 1989 قام الرئيس صالح ومعه وفد عالي المستوى من الشمال في زيارة إلى عدن، وكان الغرض، هو المشاركة في الاحتفال بعيد الإستقلال، في عدن، والتباحث حول تحقيق الوحدة..
وقال الرئيس علي ناصر إن تلك الزيارة كانت باقتراح منه؛ بعد إبلاغه بزيارة وفد سعودي عالي المستوى برئاسة سعود الفيصل، والخشية أن تسفر تلك الزيارة إلى عرقلة مساعي الوحدة.. وبسبب قضايا الحدود، كان لدى السعوديين هواجس من موضوع الوحدة، غير أن قضايا الحدود مع الأشقاء إنتهت مع الدولة اليمنية الواحدة، أما التشطير، أو حالة الضعف في اليمن، فإنه مجال خصب للمناكافات والمفاجئات، واستغلال القوى المتربصة بالمنطقة.
وقال الرئيس علي ناصر، في كتابه ذاكرة وطن؛ إن الرئيس صالح أخبره إنه طرح كل الخيارات أمام الأشقاء في الجنوب؛ كونفدرلاية أو فيدرالاية أو مجلس أعلى، وأن الاستاذ علي سالم البيض إقترح على الرئيس صالح الوحدة الاندماجية، ووافق عليها صالح.