مسؤولية المستهلك

2010-03-15 03:51:03

لا تقل
مسؤوليتنا نحن المستهلكون في ظاهرة الغلاء عن مسؤولية التجار الجشعين.
ففي الأثر
أن أناسا شكوا إلى عمر بن الخطاب صلى الله عليه وآله وسلم غلاء شيء ما فنصحهم بأن
يرخصوه بالامتناع عن شرائه وقد قيل للشافعي إن اللحم غالي الثمن.
قال دعوه فيرخص
وتلك نظرية اقتصادية تحكم أسعار كل السلع والخدمات في كل زمان، فأنماط استهلاكنا هي
التي تغلي السلع أو
ترخصها..
ومنذ
أن أصبح الاستهلاك ثقافة وليس مجرد تلبية لحاجة أصبحنا ضحايا لموجات من الغلاء
والاستغلال ولعبة في أيدي التجار والمنتجين فكيف حدث ذلك؟ الثقافة هي أساليب حياة
تتضمن معاني ودلالات يعيش بمقتضاها الناس، ويتشبثون بها ويتواصلون من خلالها أمام
الاستهلاك فيعني استخداما نهائياً للسلع.
مما يعني أن مفهومي الثقافي والاستهلاك
يسيران في طريقين متباعدين.
فالأول يشير إلى جانب رمزي من السلوك، بينما يشير
الثاني إلى جانب مادي.
التقاء المفهومين في مفهوم واحد جاء محصلة لتغيرات
اجتماعية واقتصادية جعلت من السلوك الاستهلاكي تعبيرا عن دلالات، ومعان تتجاوز مجرد
استخدام السلعة.
لقد دفعت الوفرة الإنتاجية وقوى رأس المال جهوداً علمية في
العلوم الإنسانية وقوى مؤسسية أخرى في مجالات الإعلام والدعاية إلى أحداث تطورات في
اتجاة الإغواء الاستهلاكي.
وبالتالي أصبحت هناك ثقافة استهلاكية سائدة في
المجتمعات الغربية، انتقلت إلى كافة المجتمعات الأخرى أي أن الاستهلاك لم يعد ينظر
إليه باعتباره سلوكا اقتصاديا، بل أصبح ذا أبعاد ثقافية أي أصبح مرتبطا بمعان
ودلالات رمزية.
تتسم الثقافة الاستهلاكية بالتحول السريع، وتحول العناصر
التقليدية، وإعطائها معاني جديدة كما تتسم بالطابع القهري لأنها تدفع الناس إلى
الاستهلاك لتقليد غيرهم تحاشياً للشعور بالنقص.
بالإضافة إلى التناقض الذي تخلقه
هذه الثقافة بين الواقع والأحلام الوردية التي تعد بها الناس من خلال شرائهم
للسلع.
وتشير الدراسات إلى ما أحدثته الثقافة الاستهلاكية من تأثيرات على كثير
من مظاهر اللحياة اليومية في المجتمع الحديث.
يتمثل ذلك في خلق معايير طبقية
جديدة تميز أسلوب الحياة العصري وتضافرت لتحفيز هذا الاتجاه وتشجيعه عشرات من
المؤسسات والتخصصات كأنشطة الإعلان والتسويق والترويج وتصميم الأزياء والتصميم
الداخلي والتدريب، وغيرها من الأنشطة التي تستهدف تشكيل أو تعديل الذوق العام في
أساليب الحياة المعاصرة.
وبفعل تقنيات الصور وفنون المحاكاة فإن هيمنة الثقافة
الاستهلاكية تجعلنا نشعر وكأننا نعيش في واقع زائف يبدو فيه كل شيء نسخة من واقع،
أو نسخة من نسخة أخرى، وقد تختفي الحدود الفاصلة بين ما هو واقعي وما هو
زائف.
ويشير بعض الباحثين إلى أن الاستهلاك في ظل الثقافة الاستهلاكية يكتسب
طابعاً طقوسيا لا علاقة له بالحاجة التي هي الدافع الرئيسي للاستهلاك وهو ما نراه
مثلا في احتفالات الناس في الأفراح، إذ يصاحب عملية الاستهلاك كثير من الترتيبات
والتفاصيل الدقيقة وعادات السلوك التي تنطوي على التكلفة والأبهة مما يجعل مناسبات
البهجة مليئة بالمعاناة.
فبدلاً من أن تكون المناسبة مصدراً للبهجة تصبح مرتبطة
بأعباء وتوترات ومسؤوليات مادية كثيرة قد تؤثر في مجرى أحداث المناسبة، وربما يمتد
تأثيرها السلبي بعدها شهوراً وسنوات في سداد الديون الناتجة عنها.
إن السلوك
الاستهلاكي لدى الكثيرين لم يعد قائما على معادلة الحاجات والموارد ونظرية التكيف
التي يقول بها الاقتصاديون ومفادها أن السلوك الاستهلاكي للإنسان محكوم باختيارات
رشيدة.
فإذا أراد الحصول على سلعة ما فبحسب موارده ولديه في هذا الصدد اختيار
بين أن يزيد موارده ليشتري ما كان يرغبه، أو يتخلى عن رغبته ليتسق مع موارده
المتاحة.
هذه الفكرة التي روجت لها نظريات الاختيار العقلاني تفتقد المصداقية في
فهم السلوك الاستهلاكي للإنسان الذي أصبح الآن موجها بقوة خارجة عن ذاته وعن إرادته
تدفعه إلى عالم مليء بالاحلام والأوهام، وقد كثر الحديث عن الشركات متعدية الجنيسية
وأجهزة الإعلام والإعلانات، وكافة قوى السوق باعتبارها القوى الطاغية التي ارتبط
فيها الاقتصاد بالثقافة، بحيث لم يعد هناك فصل بينهما.
وبفضل هذه القوى تحالف
المال مع المعنى ليجعلا من الاستهلاك ثقافة يكتسبها المرء ويعيش بمقتضاها ولا
يستطيع التخلي عنها أو مقاومتها، وهذا يفسر لنا سلوك بعض الأسر الفقيرة التي تدخر
لشراء جهاز تلفاز أو جهاز جوال بدلا من شراء حاجات أساسية تنقصها لأنها وجدت في هذا
النوع من الاستهلاك متعة وتنفيسا للحرمان.
إنها قوة الثقافة الاستهلاكية التي
تسلب العقول القدرة على المواءمة بين الحاجات والموارد، وهي التي تزداد فعاليتها
يوماً بعد يوم وتزداد قوة انتشارها بين مختلف الفئات الاجتماعية.
لقد خلقت أنماط
الاستهلاك الحديثة وضعاً جديداً ينطوي على مفارقة، فبقدر ما ارتبطت بتحسين نوعية
الحياة، وإدخال قدر من السعادة في نفوس المستهلكين من الفئات المتوسطة، وتخفيف نار
الحرمان لدى بعض الفقراء، فإنها فرضت أوضاعا جديدة من البؤس إنه البؤس الاستهلاكي
الذي يجعل ثمن متعة الاستهلاك السير في شقاء لا ينتهي أملاً في تدبير نفقات تتزايد
باستمرار واحتياجات متجددة دائماً وانصرافاً عن الحياة الإنسانية
الطبيعية.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد