كل يوم يمرُّ في عمر الانقلاب الحوثي تتضخم الضريبة التي تتحملها البلاد أرضاً وشعباً ، وتشمل مختلف جوانب الحياة ، ومن ذلك الآثار التي تعدُّ جزءً أصيلاً من هوية البلد والشعب ، وشاهدة على حُقب تاريخية صنع فيها الإنسان اليمني القديم ما يلفت به إعجاب البشرية على مرّ العصور ، ومن ذلك "صنعاء القديمة" التي تحوي على عدد كبير من المباني التي يمتد عمرها لقرون أُدرجت ضمن قائمة التراث العالمي قبل 38 عاماً ،ثم بسبب الإهمال تحولت إلى قائمة التراث العالمي "المعرّض للخطر" ، وها هي اليوم تفقد كثيراً من معالمها على يد مليشيات الحوثي الانقلابية ، وهو أمر ستكون نتيجته أن يتم إسقاطها من هذه القائمة الدولية الهامة التي تتسابق الشعوب والبلدان لنيل شرف التواجد فيها .
في كل دول العالم تعتبر الدول آثارها ثروة قومية إنسانية، وتعمل كل ما بوسعها للحفاظ عليها في أبهى صورة، وهذا السلوك هو الوضع الطبيعي لكل الحكومات في العالم، أما حين تسيطر المليشيات وتتحكم فإن ذلك يمثل نكبة لكل المكتسبات التي تحققت قبلها، وهذا ما حصل ويحصل في اليمن منذ تمكن الحوثي من السيطرة على جزء من البلد فحول آثاره التي صمدت لقرون عديدة الى ساحة مفتوحة للتدمير والنهب والسلب.
التساؤل الأهم هنا هو لماذا يصرّ الحوثيون على طمس كل معالم التراث سواء في صنعاء القديمة أو في سواها؟
وللإجابة على هذا التساؤل من المهم الإدراك أن الحوثية ومن قبلها الإمامة بنسخها المختلفة دخلاء على اليمن أشخاصاً وأفكاراً ومعتقدات ، ولذا يسعون بكل قوتهم إلى محاولة فصل اليمنيين عن تاريخهم ، ومحاولة إيهام الأجيال أن اليمن لا شيء قبل أن يحلّون فيها ، ناسين أو متناسين أن اليمن تعجُّ بالشواهد على حضارة وتاريخ امتد لقرون طويلة عاش فيها اليمنيون أزهي عصورهم قبل أن تحل عليهم نبتة الإمامة الخبيثة التي لازالت حتى اليوم تنشر البؤس وتصنع الوجع كلما عادت للواجهة مستغلة حالات الضعف التي يصاب بها الجسد اليمني بين فينة وأخرى .
يعتبر الحوثي أن ارتباطه فقط بمشروعه وفكره الطارئ على اليمن واليمنيين، وأن الامتداد التاريخي لليمنيين يقف حجرة عثرة أمام أحلامه وطموحاته الخبيثة، وبهذه العقلية يحول الآثار بأشكالها المختلفة إلى سلعة مادية تدرُّ عليه وعلى قياداته المال، وهذا ما يحصل مؤخراً في صنعاء القديمة التي تشهد عمليات هدم للمباني التاريخية وبناء عمارات مكانها باستخدام الخرسانة المسلحة والأحجار، وبما يخالف تماماً الطراز المعماري التاريخي للمدينة شكلاً ومضموناً.
كل هذه الأفعال التي ينفذها الانقلابيون الحوثيون تتصادم مع القانون اليمني الذي يجرّمها ، ويمنع منعاً باتاً المساس بأي من الآثار تحويلاً أو هدماً أو بيعاً ، كما أن هناك تحذيرات صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (اليونسكو) من هذه التجاوزات، ومع هذا كله استمروا في صرف تراخيص هدم وتشييد خلافاً لمعايير البناء وأدواته التي يجب ان تلتزم باستخدام مواد مطابقة لما تم استخدامه في المباني التاريخية إذا لزم الأمر ، ولم يدرك هؤلاء الطارئون أن الآثار هي ثروة قومية ولايحق لجماعة أو سلالة بعينها أو أي جهة مهما كانت سلطتها التصرف فيها بموجب القوانين المحلية والدولية.
إن الجرائم التي يرتكبها الانقلابيون الحوثيون بحق "صنعاء القديمة" تجعل المدينة تذرف "الدموع" قهراً ووجعاً وهي تجد نفسها وحيدة أمام فكر حوثي شاذ لا يؤمن بأي من القيم والقوانين والأخلاق، ويعتبر البلاد وما تحوي ملكاً لسلالته فقط، فلا يتورعون عن العبث بكل ما تصل إليه أيديهم من مبانٍ تاريخية أو أثار أو مخطوطات مادامت تحقق لهم الإثراء المالي على حساب البلد وتاريخه، ومن الحكمة أن يتوقف هذا العبث كون هذه الآثار لا تخص بلد بعينه لكن تخص الحضارة الإنسانية بشكل عام .
دمتم سالمين ..