هل تقوم في العراق حكومة ملالي كإيران؟

2010-03-16 03:57:12

محمد قبرطاي

في آخر انتخابات آجريت في العهد البعثي في العراق كان عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم حوالي 99 في المئة من المواطنين المسجلين وكانت نسبة الذين صوتوا لبقاء صدام حسين رئيسا للجمهورية لمدة سبع سنوات حوالي 99 في المئة أيضا.

وعندما استفسر بعض الصحفيين الأجانب عن صحة إجراء انتخابات علي أساس مرشح واحد فقط، أجاب نائب الرئيس عزت إبراهيم الدوري الذي نظم عملية الانتخابات أن أسلوب الانتخابات العربية يختلف عن الأسلوب الغربي. فالشعب شعب واحد والرئيس رئيس واحد.. وهذا الشعب يبايع رئيسه، فيقبل الرئيس البيعة ويتولي مهام الرئاسة. نفس الطريقة التي اتبعها النازيون في ألمانيا "اَين رايخ. اَين فولك. اَين فوهور".

الانتخابات العراقية الأخيرة جاءت في الاَونة التي فقد فيها العراق استقلاله وسيادته وأصبح خاضعا لأهواء الصهيونية المسيحية الأمريكية المسماة "الأصولية المحافظة الجديدة"? التي ما زال لها نفوذ عظيم في أمريكا بالرغم من انتقال الرئاسة من المجرم جورج دبليو بوش إلي باراك حسين أوباما الذي- جازاه الله خيرا- وعد بسحب نصف قواته بحلول شهر أغسطس والباقين "50.000 جندي" قبل نهاية العام القادم "2011" وقد بدأوا بالانسحاب بمعدل عشرة آلاف جندي في الشهر.

الانتخابات الأخيرة جاءت لتحقيق الديمقراطية المزعومة التي همشت حزب البعث الذي كان طامحا إلي وحدة عربية شاملة من الخليج إلي المحيط فحلت مكانه كتل وأحزاب تدل كثرتها علي أن العراق الذي وقف كرجل واحد أمام تهديد الملالي الإيرانيين? لم يعد رجلاً واحداً وقلباً واحداً? بل أصبح عدة رجال لهم عدة قلوب? وكل قلب له أهواؤه وغاياته التي لا تنسجم مع الصالح العام. وفي الوقت نفسه جري منع ترشيح مئات، فاستقر الأمر علي ستة آلاف مرشح.

لم تبلغ نسبة الإقبال علي الاقتراع الذي جري يوم الأحد "7 مارس 2010" 99 في المئة كما حصل في عهد البعث بل بلغت حوالي 60 في المئة فقط، ولم يجمع هؤلاء بعد علي خلفٍ لكيس التبن الضخم الذي ظل كرسي الرئاسة يشكو من ثقله سبع سنوات عجاف جاع العراقيون خلالها وظمئوا ولم يجدوا نظاما يحميهم أو يؤمنهم من خوف. وفضلا عن ذلك الجوع والظمأ ودمار مقومات الحياة لم يخلُ بيتٌ في العراق من ضحايا العدوان الأمريكي والشقاق الطائفي.

إعلام المالكي والطالباني "طنطن" ومعه الإعلام الغربي بأن نتائج الانتخابات كانت أحسن مما توقع الناس ووصفها بعضهم بأنها كانت معجزة، ورأوا أن الديمقراطية أينعت وحان قطف ثمارها، وأن سبع سنين سمان ستأتي لتنسي العراقيين عذاب السنوات السبع العجاف التي سبقتها سبع سنوات حصار بموجب الفصل السابع من عقوبات مجلس الظلم الدولي وسبقتها كذلك الحرب مع إيران التي دامت عشر سنوات.

ويدعي هؤلاء أن الفوز لم يكن لجانب دون آخر. بل كان فوزا للجميع فكلهم، فائزون غانمون وكلهم سيتشاركون في الحكم لأنه لم يفز أي حزب بالأغلبية ولذا لا بد من تشكيل حكومة تتحالف فيها بعض الأحزاب مثلما حدث إثر انتخابات سنة 2005 حيث تحالف الشيعة والأكراد ضد السنة والأقليات. وليس التكرار من المحال بل هو متوقع. فالمسيحيون والتركمان والأقليات في شمال العراق يشكون من اعتداءات الأكراد، وفي الجنوب يستمر الصراع بين السنة والشيعة. فيود كثيرون أن يتحول العراق الجديد إلي دولة علمانية "أي إلي ما كانت عليه في العهد البعثي" القائل "الدين لله والوطن للجميع". ولكن الدعايات الانتخابية في مناطق الشيعة كانت تدعو إلي انتخاب المرشحين المتمسكين بالدين "أي بالمذهب الشيعي". ولذا فإن من المتوقع أن يقوم نوري المالكي الشيعي أو شيعي اَخر مثله بتشكيل الحكومة الجديدة علي نفس نمط الحكومة التي تتأهب للانصراف. وقد يستغرق تشكيلها بضعة أسابيع، ولا ندري متي ينجلي الغبار، أتحتها فرس أم حمار؟!.

يقال إنه لم يجر أي تزوير "أو قليلا من التزوير فقط" في العملية الانتخابية. ولكن التزوير الكبير سيتم عندما تقوم الحكومة الشيعية المقبلة بتجاهل وإهمال الاختلاسات الهائلة التي ارتكبها أركان الحكومة المنصرمة.

فهذه الاختلاسات تقدر بالمليارات التي تمس لها حاجة العراقيين الذين لا يجدون الكفاية من الماء والغذاء أو الكهرباء والمرافق الصحية والطبية والتعليمية وكافة أنواع اللوازم الضرورية التي لم يكن العراقيون يفتقرون لها في العهد البعثي.

طبعا الأمريكيون الذين جاؤوا لجلب الوهم المسمي الديمقراطية هم أكبر أساتذة العالم في النصب والاحتيال والاختلاسات. للدلالة يكفي أن اليهودي الأمريكي مادوف سرق 50 مليار دولار، وغيره اختلس أو سرق أكثر من ذلك. لذا فإنهم لم يبذلوا أي جهد لوأد الفساد المالي الذي استشري في عهدهم في العراق بينما كان لصوص الأموال العامة يعدمون في عهد صدام.

لقد ساهم الأمريكيون أنفسهم في السرقات وملؤوا جيوبهم بالمال الحرام.. فقد اكتفوا بجلب الديمقراطية وقتل كل من وقف في وجه تلك الديمقراطية الإجبارية. وبالتأكيد كان عدد العراقيين الذين قتلهم الأمريكيون من أجل الديمقراطية أكثر بكثير ممن قتلهم صدام حسين من أجل الحركة البعثية.

ولكن الدعاية الأمريكية تستطيع قلب الحقائق رأسا علي عقب. فأعداؤهم هم الأشرار وهم "الأمريكيون" هم الأبرار. هذه الدعاية المضللة لم يكبحها أحد، لا إعلام الاتحاد السوفييتي ولا أي إعلام آخر ناهيك عن الإعلام العربي التعيس. ولكنها تكبح نفسها بنفسها. فالإعلام الأمريكي الحر لا يتواني عن كشف الحقائق ولا تفوته إلا حقيقة واحد. وهي أنه لا حق لإسرائيل في أرض فلسطين.

من عادة الغربيين "وعلي الأخص الإنجليز" أن يضعوا أية قضية عويصة علي الرف "أو يجعلوها مخلل طرشي في مرطبان" لبضع سنوات حتي يظن كل من تورط فيها أنها أصبحت نسيا منسيا. ثم يفاجئون المذنب بطرح القضية من جديد. ولذا نجد لجنة عليا تحقق في لندن مع المسؤولين عن حرب العراق التي لم يكن لها لزوم وعلي الأخص مع رئيس الوزراء السابق توني بلير واللاحق غوردون براون.

أما في البلدان العربية "حيث تقضي عادة القبائل أن تثأر للقتلي من أبنائها حتي ولو بعد أربعين عاما" فإن الذي فات قد مات. لذا أصبحت جرائم الذين جلبوا الأمريكان "أمثال أحمد الجلبي" في طي النسيان وهم يكافؤون بمناصب عالية بدلا من إيداعهم سجن أبوغريب الرهيب. ولكن هل سينسي مدونو التاريخ ما رأت أعينهم وسمعت اَذانهم؟

ختامها لم يكن مسكاً ولا عنبرا، بل رائحة كريهة وبيوتاً وشوارع مضرجة بدماء العراقيين الذين ادعي أغبياء واشنطن ولندن "الواهمون بأن بأيديهم عصا سحرية تصحح كل ما هو أعوج في الدنيا" بأنهم جاؤوا لكسب قلوب وعقول أهل العراق فما أفلحوا إلا في تأجيج الأحقاد والشقاق. ولم يكسبوا إلي جانبهم إلا العملاء الذين عادوا إلي بغداد علي متن دبابات "أبرامز" دون خجل أو وجل وعمدوا علي الفور إلي فتح مكاتب لهم في تل أبيب ومكاتب لمحامين وسماسرة إسرائيليين في بغداد ليتقاسموا معهم الكعكة التي حُرم منها العراقيون.

ينفطر القلب من كمد عندما يري المرء في شوارع بغداد أرامل شابات جالسات علي أرصفة الشوارع وفي أحضانهن أطفال رضع يمصون الأثداء التي لم يعد يتدفق منها الحليب من شح الغذاء، وحولهن أطفال صغار أيتام في أسمال بالية وأقدام حافية.

هل هؤلاء الأرامل والأيتام هم الذين كسب الأحمق بوش وجروه بلير قلوبهم بعد أن قتلوا أزواجهن وآباءهن؟ يا لقصر النظر وموت الضمير!! تري كيف سيبرر بلير في كتابه الجديد المعنون "المشوار" الجريمة الشنيعة التي اشترك فيها مع بوش؟. ما هو مستقبل هؤلاء الشابات وهؤلاء الأطفال؟

حقا لقد وفي نيرون بوش بوعده أنه سيعيد العراق ذي التاريخ التليد إلي العصر الحجري. هل أخذ الناخبون العراقيون هذه الحقيقة بعين الاعتبار عندما منحوا أصواتهم للمرشحين بعد أن استُبعد ترشيح كل وطني غيور؟ مع الأسف لم يأت الغربال الذي فرز المرشحين إلا بالحصي والزوان. "أوّاه غرناطة وأوّاه بغداد!!"، لمثل هذا فلتذرف الدموع? فما هذه الانتخابات ونتائجها فرحة للقلوب بل امتدادا للمصيبة.

شخصيا لا أدري سبب المجادلات المذهبية. فالأمويون الذين قتلوا الحسين اندثروا ولم يعد لهم وجود. فممن سينتقم شيعته إذن بعد زوال قاتليه من الوجود؟ هذا موضوع يجب أن يفكر فيه أبناء المذهب الشيعي جديا. ففي أوروبا مثلا أهلك النازيون الحرث والنسل لمعظم شعوب القارة ولكنهم هلكوا هم أنفسهم عندما تجمعت الدنيا كلها ضدهم، فحوكم وأعدم أو سجن من بقي علي قيد الحياة من زعمائهم، وطبق الروس والأمريكيون والانجليز سياسة اجتثاث النازية التي تطبق نسخة طبق الأصل عنها في العراق لاجتثاث حزب البعث. أفلا يحق لمن لم يشتركوا في كفاح البعث أن يقولوا نحن أبرياء من أفعال حزب البعث، كما قالت الشبيبة الألمانية نحن أبرياء من ذنوب النازية؟ وها هي ألمانيا الآن دولة ديمقراطية سكانها متآلفون تحت حكم القانون لا حكم الأهواء.

فهل سيفلح العراقيون في إعادة تعمير بلادهم وتصفية قلوبهم مثلما فعل الألمان بعد الحرب. أم سيظل ما دمره الغزو الأمريكي خرابا لآجال طوال؟ نتمني لهم كل النجاح.

الموضوع الهام الآخر هو: هل سيتآلف ويتوحد السنة والشيعة والأكراد "وقد أصبحوا الآن 86 حزبا" أم سيقطعون أوصال العراق إلي كيان للشيعة في الجنوب وكيان للأكراد في الشمال، فلا تبقي للسنة سوي الأراضي الجرداء التي لا يوجد فيها نفط ولا غاز والتي أصبح الماء فيها شحيحاً بعد أن خفضت تركيا وسوريا كميات المياه الواردة؟ ومتي سيتوقف الاقتتال إذا جري تقطيع الأوصال علي الشكل المذكور؟

لقد أخطأ الأمريكيون "عمداً" عندما أخرجوا شياطين الشقاق من القمقم وارتد كيدهم إلي نحرهم إذ مالت إلي إيران الكفة "التي كانوا يريدون ميلها لأنفسهم". فليصفعوا أنفسهم إذا لم يكن هناك من يصفعهم. فقد اعترفوا بفشلهم وأقروا بإنه لا يستطيع أن يحكم العراق إلا جبار كصدام حسين. ولكن بعد فوات الأوان وفوات السبت علي اليهود.. علي كل حال سيترك الأمريكيون وراءهم جيشاً عراقيا قوامه 416 ألف جندي، وشرطة تضم 255 ألفا.

يشكو العراقيون من تدخلات بعض الجيران? خاصة إيران وتركيا والسعودية. فإيران نجحت في التغلغل في العراق بدون سلاح أكثر مما تغلغل الأمريكيون بما لديهم من أسلحة. وتركيا تريد أن تصفي حساباتها مع أكراد العراق الذين يحمون أكراد تركيا عندما يهربون إليهم من عقوبات الحكومة التركية. أما السعودية فإنه لا يطيب لها أن تسيطر إيران علي العراق? وأما مصر فيبدو أن مرض الرئيس مبارك قد حال دون اتخاذ قرار بشأن علاقتها بالموضوع.

هناك أخيراً إسرائيل. لقد حارب اللوبي الصهيوني في أمريكا صدام حسين حربا لا هوادة فيها. وقد دمرت إسرائيل مفاعل أوزيراك النووي العراقي سنة 1980 فكافأها صدام في وقت لاحق بضرب تل أبيب ب-39 صاروخا? وقد انتقل الصراع مع إسرائيل الآن إلي إيران. فهل دعايتها صادقة أم جوفاء إذ تشهر أنها مصممة "كما كان المرحوم الملك فيصل بن عبد العزيز" علي إزالة إسرائيل من الوجود؟ تتوقف أهمية كبيرة علي الشخص الذي سيرسو الاتفاق عليه رئيساً جديداً للوزراء.

جميع المرشحين من الشيعة وهم: نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي، وإياد علاوي الذي كان يشغل ذلك المنصب قبله، وإبراهيم الجعفري الذي جاء إلي رئاسة الحكومة، بعد العلاوي وقبل المالكي.

ومن المرشحين أيضا بيان جبر الذي شغل منصبي وزير المالية ووزير الداخلية، وعادل عبد المهدي الذي تقلب بين البعثية والشيوعية والشيعية، وجواد البولاني وزير الداخلية الحالي الذي قد يتحالف مع المالكي إذا لم ينجح هو نفسه في نيل منصب رئيس الوزراء.

أخيراً وليس اَخراً الرجل الذي جلب الأمريكيين: أحمد الجلبي الذي ليست له قاعدة سياسية كبيرة ولكنه يحاول تلافي ذلك النقص بالانضمام إلي أقوي منظمة شيعية.

خروقات

- عدم السماح لمراقبين دوليين بدخول المراكز الانتخابية قبل دخول الناخبين اليها.

- بث دعاية لبعض المرشحين عبر ماَذن الجوامع وداخل المساجد.

- قوات الأمن حالت دون التغطية الإعلامية لبعض المراكز الانتخابية? واعتدت بالضرب علي بعض الصحفيين.

- توزيع الدعاية الانتخابية للمرشحين عند مداخل مراكز الاقتراع.

- رئيس إحدي الكتل السياسية في ذي قار "عبد الرزاق عبد الظاهر" دعا أنصاره للاحتفال بنجاحه مسبقا أي قبل ظهور نتائج فرز الأصوات.

- حظر ترشيح شخصيات بارزة مثل صالح المطلك.

- قوات الأمن منعت بعض الناخبين من الوصول إلي مراكز الاقتراع فحرم 500 شخص في ناحية خان بني سعد والوجيهية من التصويت.

- جرت انفجارات يوم السبت أسفرت عن 38 قتيلا وأكثر من مئة جريح.

- قتلت عناصر أمنية أفرادا للاشتباه بكونهم انتحاريين.

- في الموصل حاول مسلحون اغتيال قصي عباس ممثل طائفة الشبك فأصيب برصاصة في رأسه وأخري في صدره وأصيب اثنان من مرافقيه.

- في بعض المناطق حُذفت أسماء ناخبين من القوائم? خاصة بعض المسيحيين الذين طردهم الأكراد من الموصل. لهذا السبب حُرم 50 ألف ناخب، لكونهم مهجرين، من الإدلاء بأصواتهم..

- تعذر وصول بعض الناخبين بسبب حظر التجول المفروض علي حركة السير.

- وجهت إلي السلطات تهمة التلاعب بأصوات غالبية كبار السن واستغلال جهلهم وعجزهم عن تمييز أرقام القوائم التي يريدون التصويت لها وبذريعة مساعدتهم يجعلونهم يصوتون لقوائم أخري.<

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد