خيارات أمريكا الصعبة في عراق ما بعد الانتخابات

2010-03-18 03:36:31

إعداد - محمود عبده علي

تحمل انتخابات السابع من مارس في العراق، ومرحلة تشكيل الحكومة التي ستعقبها، الكثير من التداعيات على مستقبل العراق وسياسة الولايات المتحدة الأمريكية هناك. ومن الواضح أن الانتخابات لن تحل نقاط الجدل الرئيسية التي قد تعيد العراق إلى الطائفية والعنف.

وإذا كان الأمر كذلك، فقد يجد الرئيس باراك أوباما نفسه مرة أخرى مضطرا إلى أن يكسر أحد وعود حملته الانتخابية بشأن العراق، وأن يبقي على عشرات الآلاف من القوات لعدة سنوات أخرى وربما حتى نهاية ولايته. ومن المثير للدهشة أن هذا الخيار يعد المسار الأفضل الذي يجب على أوباما والقادة العراقيون إتباعه.

وفي وقت كان فيه الاهتمام الأمريكي قد تحول إلى أفغانستان، قد تجد إدارة أوباما نفسها في غضون بضعة أشهر أخرى، مضطرة إلى التعامل مع قرارات كبرى حول مستويات القوات الأمريكية في العراق، والمدى الذي ينبغي على حكومة الولايات المتحدة الأمريكية أن تتدخل في الشئون السياسية والأمنية العراقية.

وبغض النظر عما إذا كانت الانتخابات الوطنية العراقية ستحقق تقدما سياسيا طال انتظاره من أجل إنهاء القتال هناك، من المرجح أن يكون العام الجاري (2010) بمثابة "نقطة تحول" في الحرب في العراق، تماما كما كان الحال في عامي 2003 (عندما أدركت الولايات المتحدة أنها تواجه تمردا) و2006 (عندما تحول "التمرد" إلى حرب أهلية مدمرة، ووصلت سياسة الولايات المتحدة إلى طريق مسدود). وبشكل أو بآخر، من المرجح أن يكشف عام 2010 عن الخطوط العريضة لعراق ما بعد الاحتلال، وخصوصا ما يتعلق بدور الولايات المتحدة هناك.

ورغم الجدل بين المراقبين حول مدى نجاح إستراتيجية زيادة عدد القوات أو فشلها، فإنه في حقيقة الأمر لا أحد يعرف حقا ما هي نتائجها حتى الآن. فالوضع الأمني تحسن، ولكن لم يتضح ما إذا كان الهدف الأكبر وراء تحسين الوضع الأمني- المتمثل في تحقيق تقدم على صعيد العملية السياسية- قد حدث فعلا.

ومن المحتمل أن يظهر الأثر الدائم للتحسن الأمني خلال الأشهر القادمة مع إجراء الانتخابات البرلمانية وما يعقبها من تشكيل حكومة عراقية جديدة. ومع ذلك فإن المؤشرات الأولية ليست جيدة، فالوضع السياسي أقل وضوحا واستقرارا مما يعتقد كثير من الأمريكيين، وهناك تضارب في تقييم الموقف في العراق بين المسئولين الأمريكيين.

فقد توقع الكولونيل المتقاعد "جراي أندرسون"، الذي عاد لتوه من العراق، اندلاع حرب أهلية أو انقلاب عسكري بحلول سبتمبر 2010، في حين جزم الكاتب "نير روزين" بأن العراق يسير على خطى الاستقرار وتثبيت المسيرة السلمية. وتكمن المفارقة في أن كل من الرجلين يعرف العراق جيدا، كما أمضيا سنوات في العمل بين صفوف العراقيين هناك.

تغير الرؤية الأمريكية

لقد أسئ تفسير خطة زيادة عدد القوات الأمريكية، فلم يكن الأمر يتعلق بمجرد إرسال 30 ألف جنديا إضافيا إلى العراق، ولكنه كان يتعلق باستخدام القوات بشكل مختلف، وتحريك القوات خارج القواعد الكبيرة للعمل مع وحدات الجيش العراقي والعيش بين الناس. وربما الأهم من ذلك أن الخطة كانت تعبر عن تغيير في الرؤية الأمريكية في التعامل مع العراق، مع قدر أكبر من التواضع حول ما يمكن تحقيقه واستعداد أكبر للاستماع إلى العراقيين.

فالرؤية الأصلية لإدارة بوش- المتمثلة في تحويل العراق إلى منارة للديمقراطية بوسعها تغيير الشرق الأوسط وتجفيف مستنقعات الإرهاب- تم الاستعاضة عنها بهدف أكثر واقعية يتمثل في إمكانية إخراج القوات الأمريكية من العراق والعمل على تحقيق عراق "مستقر" وربما "ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان".

وكجزء من عملية التحول في المنظور الأمريكي للتعامل مع الوضع في العراق، وضع الجنرال ديفيد بتريوس "التمرد السني" على "جدول الرواتب" الأمريكية، من خلال سلسلة من اتفاقات وقف إطلاق النار دفعت الولايات المتحدة بموجبها نحو 30 مليون دولار شهريا.

ورغم أن زيادة القوات كانت الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله- فقد أدت زيادة القوات إلى تحسين الأمن- فإن الهدف الأكبر من زيادة القوات- المتمثل في تحقيق انفراجة سياسية- لم يحدث فعلا. كما أن كل الأسئلة المصيرية التي ابتلي بها منها العراق قبل زيادة عدد القوات- من قبيل: كيف سيتم تقاسم عائدات النفط بين المجموعات الرئيسية في البلاد؟، ما شكل العلاقة بين الشيعة والسنة والأكراد؟ هل سيتحول العراق إلى دولة مركزية قوية أم مجرد اتحاد كونفيدرالي فضفاض؟ وما طبيعة الدور الذي ستلعبه إيران- الفائز الأكبر في الحرب على العراق حتى الآن؟- لا تزال دون إجابة.

وإذا كان الوضع في العراق ظل مستقرا لمدة عام فإن ذلك يعد تطورا إيجابيا لكنه ما زال معزولا. وليس من الواضح بعد ما إذا كان استقرار الوضع الأمني سيستمر لفترة طويلة أم أن الفصائل العراقية محافظة على ضبط النفس حتى خروج القوات الأمريكية.

وأكثر ما يثير القلق هو أن الجدول الزمني لإدارة أوباما يمكن أن يؤدي إلى سحب القوات الأمريكية من المناطق التي هي أبعد ما تكون عن الهدوء، في وقت سيشهد ظهور توترات جديدة نتيجة الانتخابات. ودعونا لا ننسى أن تدخل الولايات المتحدة في عام 2007 كان عاملا رئيسيا في إنهاء الحرب الأهلية الصغيرة في وسط العراق. والشيء الوحيد الذي سيتغير في المعادلة الأمنية في العراق هو الخطة الأمريكية لتخفيض عدد القوات بشكل جذري في الأشهر المقبلة.

وتوقيت سحب القوات الأمريكية هو أمر مثير للقلق، فخطة الانسحاب الأصلية تم صياغتها في ظل الافتراض بأن الانتخابات العراقية ستجرى في أواخر عام 2009 أو في وقت مبكر من هذا العام، ووفق هذا الافتراض كان سيتم الإبقاء على مستوى القوات ثابتا حتى تشكيل حكومة جديدة، حيث أن الفترة السابقة على تشكيل الحكومة سيكون الوضع الأمني فيها معرضا للتدهور خاصة إذا كانت السنة يشعرون بأن العملية الانتخابية لم تكن عادلة أو أنهم لم يحصلوا على دور في الحكومة الجديدة بما يتناسب مع نجاحهم في الانتخابات.

لكن ما تحقق كان خلاف ذلك، فبينما سيخوض الزعماء العراقيون كفاحا من أجل تشكيل حكومة جديدة، سيكون القادة العسكريون الأمريكيون مشغولون بالإشراف على انسحاب القوات الكبيرة. وكلما تزيد عدد القوات المنسحبة، زادت احتمالية تزعزع الاستقرار.

وبحلول يونيو القادم، فإن القوات الأمريكية ستغادر مناطق هي أبعد ما تكون عن الهدوء، بينما ستظهر توترات جديدة نتيجة الانتخابات. ومرة أخرى فإن الولايات المتحدة سوف تواجه الفشل في العراق- كما حدث ذلك في كثير من الأحيان في ظل إدارة الرئيس جورج بوش الابن- أثناء محاولتها تمرير المسؤوليات إلى المسئولين العراقيين والمؤسسات العراقية قبل أن يكونوا مستعدين للقيام بهذه المهمة.

الحل في الإبقاء على القوات

وبحلول نهاية الصيف الجاري، قد تجد إدارة أوباما نفسها في موقف غير مريح يدفعها لإعادة النظر في وعودها حول سحب القوات بحلول نهاية عام 2011. وسيكون هذا صعب من الناحية السياسية بالنسبة للرئيس، لكنه أبدى مرونة مثيرة للإعجاب في طريقة تعامله مع العراق. واعتمادا على سلسلة من المناقشات التي أجريتها في جميع أنحاء البلاد في الآونة الأخيرة، من ولاية كاليفورنيا مرورا بولاية كنتاكي وانتهاء بولاية كارولينا الجنوبية، فإن الشعب الأمريكي يتمنى لو أن الولايات المتحدة لم تتورط في العراق، لكنه يتفهم مدى خطورة الوضع ويبدو على استعداد أن يبدي قدرا مدهشا من المرونة.

وسيكون تمديد الوجود العسكري الأمريكي في العراق أكثر صعوبة بالنسبة للعراقيين، ولهذا السبب فإنه من الأفضل أن يقوم القادة العراقيون باتخاذ الخطوة الأولى لإعادة فتح ملف اتفاقية القوات. وفي هذا الإطار يتوقع قليل من المراقبين أن تكون القوات العراقية قادرة على الوقوف بمفردها تماما بحلول نهاية العام المقبل، ومن ثم يجب إعادة النظر في اتفاقية "سوفا"، لكن السؤال هو متى وكيف؟.

وقد يصل الزعماء في البلدين إلى قناعة مفادها أن أفضل طريقة لمنع العراق من العودة إلى الحرب الأهلية هو إيجاد وسيلة لإبقاء من 30 ألف: 50 ألف جنديا أمريكيا في العراق لسنوات عديدة قادمة، تتمثل مهمتها الأساسية في التدريب وتقديم المشورة لقوات الأمن العراقية والقيام بمهام مكافحة الإرهاب. ومن الصعب جدا أن يقوم بهذا المهام قوات يق عددها عن 30 ألف جنديا، فهناك حاجة ماسة لأعداد كبيرة من القوات للقيام بمهام الخدمات الطبية والاستخبارات والاتصالات والأعمال اللوجستية.

ورغم أن مثل هذه القوة الصغيرة نسبيا لن تكون كافية لشن حرب، فإنها ستكون كافية لمنع اندلاع حرب جديدة. وربما يكون بقاء القوات الأمريكية في العراق مجرد كسب الوقت. ولكن بالإبقاء على هذه القوات، يمكن للولايات المتحدة مساعدة العراق على تجنب الانزلاق إلى حرب أهلية، وهي حرب يمكن أن تتحول على إلى حرب إقليمية. فالقوى المجاورة مثل تركيا وإيران هي بالفعل منخرطة في العراق، كما أنه من غير المرجح أن تقف الدول العربية مكتوفة الأيدي أمام نظام عراقي يسيطر عليه الشيعة في بغداد ويقوم بقتل وتهجير الأقلية السنية. ومن شأن اندلاع حرب إقليمية في قلب أكبر منطقة منتجة للنفط في العالم أن يهز الاقتصاد العالمي.

وبالإضافة لذلك يمكن للوجود العسكري الأمريكي مساعدة العراق على المضي قدما في العملية السياسية، فرغم أن عدد قليل من العراقيين يرحب بهذا الوجود العسكري، فإن كثير من الفصائل العراقية على ثقة بأن أمريكا "وسيطا نزيها". كما يقول المسئولون العسكريون إن وجودهم كان عاملا رئيسيا من منع وقوع اقتتال بين الفصائل العراقية خلال عدة مرات في السنوات الأخيرة، وخاصة بين الأكراد والعرب.

وأخيرا، هناك فائدة أخلاقية وإنسانية وسياسية لبقاء القوات الأمريكية في العراق، فوجود الأمريكيين بين أفراد الجيش العراقي ووحدات الشرطة قد يحسن سلوك القوات العراقية، ويحول دون إمكانية ارتكابها للتجاوزات التي كانت ترتكب في عهد صدام حسين واستخدام القوة لتحقيق غايات خاصة. فالمستشارون الأمريكيون لا يقومون فقط بإرشاد القادة العراقيين، بل يقومون أيضا بمراقبتهم.

وباعتباري من أشد منتقدي الغزو الأمريكي للعراق- فقد ألفت كتابا بعنوان "فياسكو" حول غزو العراق، اعتبرت فيه أن غزو العراق هو أكبر خطأ في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية- فإنني لست راضيا عن الدعوة إلى استمرار الوجود العسكري هناك.

لكن، وكما قال خبير مكافحة الإرهاب ديفيد كيلكولن،: "فإن قيامك بغزو بلد ما بغباء لا يعني أنك يجب أن تغادر بغباء". وبسبب الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في العراق، فإنها تدين بما فيه الكفاية للشعب العراقي للنظر في الإبقاء على بعض الجنود هناك. ولن تفعل الولايات المتحدة ذلك من أجل المكاسب التي من أن تحققها من وراء الإبقاء على القوات بل لتفادي العواقب الرهيبة التي يمكن أن تنتج إذا خرجت القوات الأمريكية.

والحجة الرئيسية للداعين إلى الانسحاب تتمثل في أن اندلاع الحرب الأهلية أمر لا مفر منه وكل ما تفعله القوات الأمريكية هو تأجيل هذه الحرب. وقد تكون هذه الحجة صحيحة لكن الأمر لا يستحق المقامرة لمعرفة ذلك. فالآثار المترتبة على تجدد الحرب الأهلية في العراق سوف يتردد صداها إقليميا وعالميا، مع الإضرار البالغ بالمصالح الأمريكية.

الإسلام أونلاين

 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد