في الذكرى الـ 1392 لخطبة الوداع.. نص خطبة الوداع للرسول صلى الله عليه وسلم

2024-03-06 23:28:49 أخبار اليوم/ متابعات

  

 تحل ذكرى خطبة الوداع التي ألقاها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في 6 مارس من عام 632 ميلادية بيوم عرفة من جبل الرحمة وقد نزلت فيها آيات "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً"، وكانت في 9 من شهر ذي الحجة سنة 10 هجرية.

تعتبر خطبة حجة الوداع التي ألقاها النبي ﷺ في حجته اليتيمة، من أعظم الوثائق التاريخية التي أرست ركائز المجتمع الإسلامي الوليد، وكانت نبراسا يستنير بتعاليمه المسلمون في سلمهم وحربهم ويستلهمون منها القيم الأخلاقية وأصول المعاملة المثالية، لاشتمالها على جوامع الكلم وأصول الأحكام في السياسة والاقتصاد والأسرة والأخلاق والعلاقات العامة والنظام الاجتماعي .

وتضمنت خطبة الوداع قيمًا دينية وأخلاقية عدة وسُميت حجة الوداع بهذا الاسم لأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها، وعلمهم في خطبته فيها أمر دينهم، وأوصاهم بتبليغ الشرع فيها إلى من غاب عنها.

 

من خلال هذه الخطبة الجامعة أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الكثير من القضايا المهمة كحرمة دماء المسلمين وأموالهم إلا بحقها، وهذا يؤكد مبدأ راسخاً في الإسلام وهو حرمة اعتداء المسلم على أخيه المسلم، سواء بالقتل أو الطعن أو الشتم، أو الإهانة وغيرها من الأمور المخلة بآداب الإسلام وتعاليمه.

 

وقد بدأت خطبة الوداع بقول النبي ﷺ: "الحمدُ لله نحمدُهُ وَنَسْتَعِينُه، ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَتُوبُ إليه، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنْفُسِنا ومِنْ سيّئآتِ أعْمَالِنَا مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضَلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ. وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحْده لا شريك له، وأنّ محمداً عبدُه ورسولُه. أوصيكُم عبادَ الله بتقوى الله، وأحثّكم على طاعته! وأستفتح بالذي هو خير. أَمَّا بعد، أيّهَا النّاس، اسْمَعُوا منّي أُبّينْ لَكُمْ، فَإنّيَ لاَ أَدْرِي، لعَليّ لاَ أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامي هَذَا، في مَوْقِفي هذا، أَيُهَا النَّاس، إنّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليكُمْ حَرَامٌ إلى أنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، كَحُرمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُم هَذَا وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانةٌ فليؤُدِّها إلى مَنْ ائْتمَنَهُ عَلَيها".

 

إلى قوله في نهاية الخطبة: "أيها النّاسُ إن رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وإنّ أَبَاكُمْ واحِدٌ، كُلكُّمْ لآدمَ وآدمُ من تُراب، إن أَكرمُكُمْ عندَ اللهِ أتْقَاكُمْ وليس لعربيّ فَضْلٌ على عجميّ إلاّ بالتّقْوىَ، أَلاَ هَلْ بلَّغْتُ، اللّهُمّ اشهد" قَالُوا: نَعَمْ قَال: فلْيُبَلِّغِ الشاهدُ الغائبَ والسلامُ عليكم ورحمة الله".

 
  • ظروف الخطبة ومناسبتها

- الظرف الزماني: ألقيت الخطبة في التاسع من ذي الحجة في السنة العاشرة للهجرة، وهو اليوم الذي يسمى (يوم عرفة) ويستحب صيامه لغير الحاج.

- الظرف المكاني: ألقيت الخطبة في صعيد عرفات فوق هضبة صغيرة تدعى: جبل الرحمة، ويَبعُد عن مكة حوالي 22 كلم، وتُقام عنده أَهم مناسك الحج.

- مناسبة الخطبة: هي حجة النبي ﷺ بالمسلمين في السنة 10 من الهجرة بعد فتح مكة في 20 رمضان السنة 8 للهجرة، وقد توفي بعد هذه الحجة بثلاثة أشهر تقريبا، فكانت أول وآخر حجة للنبي ﷺ، ولهذا سميت بخطبة حجة الوداع.

 

ملاحظة: حضر الخطبة آلاف الصحابة ومن بينهم مُسْلِمَةُ الفتح، وكان الصحابي الذي يكرر كلام النبي ﷺ في الخطبة هو: ربيعة بن أمية بن خلف وكان سِمِّيعًا جهوريا الصوت.

 
  • أهم بنود ومحاور الخطبة

شملت الخطبة أهم المعالم الحضارية للمجتمع الإسلامي، وأصول الإسلام ومقاصد الأنام، فكانت بحق بليغة المقال، جامعة لخَيْرَيْ الدنيا والمآل، فقد استفتحها النبي ﷺ بحمد الله والثناء عليه وأوصى أمته بتقوى الله وطاعته والاستكثار من فعل الخيرات، وأومأ إلى قرب أجله وفراقه لأحبته فقال: "الحمدُ لله نحمدُهُ وَنَسْتَعِينُه، ونَسْتَغْفِرُهُ.. أَيُّها النَّاس، اسمعوا قولي، فَإنّيَ لاَ أَدْرِي، لعَليّ لاَ أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامي هَذَا، بهذا الموقف أبدا".

 

ثم صَدَّرَ خطبته بالتأكيد على حرمة الدماء والأموال والأعراض ومبينا قدسيتها في الإسلام ومحذرا من الاعتداء عليها، فقال: "أيها الناس إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا (عرفة) فِي شَهْرِكُمْ (ذوالحجة) هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا (البلد الحرام) أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ". ثم ذكر المؤمنين باليوم الآخر ومحاسبة الله للخلائق أجمعين، وضرورة إعظام شأن الأمانة وأدائها لأصحابها والتحذير من تضييعها، ومن أداء الأمانة: الحفاظ على الفرائض والأحكام الشرعية، إتقان العمل، حفظ ممتلكات الناس وأعراضهم…الخ، فقال: "وإنكم سَتَلْقَوْنَ ربكم فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أعمالكم وقد بَلّغْتُ، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانةٌ فلْيُؤُدِّها إلى مَنْ ائْتمَنَهُ عَلَيها".

 

بعدها انتقل ﷺ إلى تحذير المسلمين من العودة لعادات الجاهلية وأخلاقها السيئة، مذكرا بأبرزها: كالثأر والربا والعصبية والتلاعب بالأحكام واحتقار النساء…إلخ، وأعلن القطيعة البَاتَّةَ مع العهد الجاهلي قائلا: "ألا وإنَّ كلَّ شيْءٍ من أَمْرِ الجاهلية تحت قَدَمَيّ مَوْضوعٌ ودماء الجاهلية مَوْضُوَعةٌ.. وإنَّ رِبَا الجَاهِليّة مَوضوعٌ". وموضوع: بمعنى باطل وملغي. ثم عرج إلى التحذير من كيد الشيطان واتباع خطواته، ومن أخطرها احتقار الذنوب والإصرار عليها. فقال: "أيها الناس: إن الشيطان قد يَئِسَ مِن أَن يُعبَد بأرضكم هذه أبدا، ولكنَّه إن يُطَعْ فيما سِوَى ذلك فقد رَضِيَ به بما تَحْقِرُونَ من أعمالكم فاحْذَرُوهُ على دينكم". أي قد يئس من إعادة الشرك إلى مكة بعد فتحها ولكنه سَاعٍ بينكم بالنميمة والتحريش والعداوات.

 

ثم تطرق ﷺ إلى ظاهرة النسيء التي كانت في الجاهلية، لينبه المسلمين إلى تحريم التلاعب بأحكام الله وتغيير معناها وأسمائها، لاستحلال ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله، كتسمية الربا بالفائدة والرشوة بالهدية تمهيدا لاستحلالها، فقال: "أَيُّها النَّاس، إِنَّمَا النَّسيءُ زِيادةٌ في الكُفرِ، يُضَلُّ به الذينَ كَفَروا…"، ثم ذكر ﷺ بالأشهر الحرم وأحكامها الشرعية، وهي الأشهر التي كانت تعظمها العرب وتحرم فيها القتل والاعتداء، فقال: "وإن عِدَّةَ الشُّهُور عند الله اثنا عَشَرَ شهرا، منها أربعة حُرُمٌ ثلاثة مُتَوَالِيَةٌ ورَجَبُ مُضَرَ، الذي بين جمادى وشعبان".

 

كما حظيت المرأة بالنصيب الأوفر من خطة الوداع، فبين ﷺ منزلتها في الإسلام وطالب الرجال أن يتواصوا بها خيرا، وذَكَّر بحقوقها وواجباتها وعلى ضرورة الإحسان إليها باعتبارها شريكا في العشرة الزوجية، مبطلا بذلك النظرة الجاهلية للمرأة، ومؤكدا على دورها الأسري والمجتمعي، فقال: "أَيُّها النَّاس، اتقوا الله في النساء، فإنّكم إنما أَخَذْتُمُوهُنَّ بأمانة الله واسْتَحْلَلْتُ فُرُوجَهُنَّ بِكَلَماتِ الله، واسْتَوْصُوا بالنساء خَيْرِا، فإنَّهُنَّ عِنْدَكُم عَوَانٌ لا يَمْلِكْنَ لِأَنْفُسِهِنَّ شيْئا".

 

لينتقل بعدها إلى بيان أهمية ووجوب الإعتصام بكتاب الله وسنة نبيه والعمل بما فيهما من أحكام ومقاصد جليلة، لأنهما سبيل العصمة من الضلال. فقال: "وقد تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فلن تَضِلُّوا أَبَدًا، أَمْرًا بَيِّنًا، كتاب الله وسنة نبيّه". ثم أكد ﷺ على مبدأ الأخوة بين المسلمين وحذر من انتهاك الحرمات وأكل أموال الناس بالباطل والعودة إلى العصبية والتقاتل ونكران نعم الله. فقال: "أَيُّها النَّاس، اسمعوا قولي واعْقِلُوهُ، تَعْلَمُنَّ أَنَّ كل مسلم أخٌ للمسلمِ وأَنَّ المسلمين إخوةٌ، فَلاَ يَحِلُّ لامْرِىءٍ مَالُ أَخيهِ إلاّ عَنْ طِيبِ نفْسٍ منهُ، فلا تَظْلِمُنَّ أنفسكم اللّهمَّ هَلْ بَلّغْتُ؟ وسَتَلْقَوْنَ ربكم فلا تَرْجِعُنّ بَعْدِي كُفاراً يَضرِبُ بَعْضُكُمْ رقابَ بَعْض".

 

بعدها ذكّر ﷺ المسلمين بعقيدة التوحيد وأصلهم الأول وأكد على "وحدة الجنس البشري"، وحذر من الموازين المجتمعية الظالمة كالتفاضل على أسس لغوية وطائفية وعرقية، فالتفاضل بين الناس يكون بالتقوى والعلم والعمل الصالح. فقال: "أيها النّاسُ إن رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وإنّ أَبَاكُمْ واحِدٌ، كُلكُّمْ لآدمَ، وآدمُ من تُراب، أَكرمُكُمْ عندَ اللهِ أتْقَاكُمْ وليس لعربيّ فَضْلٌ على عجميّ إلاّ بالتّقْوىَ، أَلاَ هَلْ بلَّغْتُ، اللّهُمّ اشْهَدْ".

 

وفي الختام أشارت الخطبة إلى بعض أحكام الميراث والوصية والنسب الشرعي وتحريم التبني، فقال: "إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، فلا وصية لوارث.. الولد للفراش وللعَاهِرِ الحَجَرُ،من ادَّعَى إلى غير أبيه أو تَوَلَّى غير مَوَالِيهِ فعليه لعنة الله…" تلكم كانت أهم محاور هذه الخطبة العظيمة.

  • أهم الحقوق التي تضمنتها الخطبة

  - حق الحياة: نصت الخطبة على حرمة الدماء وأبطلت عادة الثأر، فالأصل في الأنفس العصمة، ويحرم الاعتداء عليها بغير حق كالانتحار والإجهاض.

  - حق الأمن: ويشمل الأمن على النفس والمال والعرض، والأمن الفردي والجماعي (فلا تَرْجِعُنّ بَعْدِي كُفاراً يَضرِبُ بَعْضُكُمْ رقابَ بَعْض) فالكل متساوٍ في حق الأمن بلا تمييز.

  - الحقوق الزوجية: فالعلاقة الزوجية مبنية على الشراكة والمعاشرة بالمعروف والتكافل الأسري والمودة والرحمة.

   - الحق في المساواة والعدالة: فلا يجوز التفريق بين الناس وظلمهم بسبب اختلاف الجنس أو العرق أو اللون أو الدين، سواء في الحقوق والواجبات المدنية والشرعية أو في التقاضي.

 
  • القيم الحضارية للخطبة

  - القيمة التاريخية: فالخطبة أشارت حقوق الإنسان قبل 14 قرنا، من وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948م.

   - القيمة التشريعية: بينت الخطبة المصادر الأصلية للتشريع الإسلامي (القرآن والسنة) وفصلت أصول الحلال والحرام في المعاملات والعبادات والعقائد.

   القيمة الإنسانية: لقد أرست الخطبة حقوق الإنسان والمرأة وأكدت وحدة الجنس البشري والكرامة الإنسانية من خلال تحريم الدماء والأعراض.

  - القيم القيادية: فقد جسد النبي ﷺ شخصية القائد الملهِم والقدوة، الذي يبدأ بإصلاح نفسه وأسرته وحاشيته أولا قبل إلزام رعيته، فعندما تحدث عن إبطال دماء الجاهلية (الثأر) بدأ بدماء بني عمومته فقال: "وإنَّ أَوَّلَ دِمائِكم أَضَعُ دَمَ ابنِ ربيعةَ بنِ الحارث بنِ عبد المطلب، وكان مُسْتَرْضَعا في بني لَيْثِ فقتلته هذيل…" ولما تحدث عن إبطال الربا قال: "وإنّ أَوّلَ رباً أَبْدأُ بِهِ رِبَا عَمّي العباسُ بن عبد المطلب". وكذلك يكون ولاة العدل.

  - القيم الاقتصادية: نصت الخطبة على تحريم الربا كأبرز علل فساد العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وحرمت كل صور غصب المال وأخذه بغير طيب نفس، ويشمل ذلك كل صور الغش والتدليس والاحتكار…الخ.

* الجزيرة + وكالات

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد