أ. محمد احمد نعمان
بينما تسعى الأمة إلى التوحد ونبذ الفرقة والشتات فإذا بظاهرة سلبية تطغوا على سطح مجتمعنا اليمني والغريب في هذا أن منبع هذه الظاهرة السلبية هم بعض الأئمة والدعاة، وكان الأولى بهم أن يعملوا جاهدين إلى جمع شمل الأمة وتوحيد صفوفها ونبذ مظاهر الفرقة والشتات.
إن هذه الظاهرة هي ظاهرة بناء المساجد المتقاربة والتي قد تكون في حي واحد بحيث لا يفصل كل مسجد عن المسجد الآخر سوى مسافات بسيطة جدا، وان سبب هذه الظاهرة وان كان بعض الأئمة يخفون هذا السبب هو أن كل إمام مسجد وكل داعية لديه فكر يخالف فكر الداعية الآخر وقد يكون هذا الخلاف خلافا لا يستوجب كل هذه التفرقة والتشتت، واليوم أصبحنا نرى في بعض الحارات مساجد متقاربة من بعضها البعض ولا يفصلها عن بعضها سوى خطوات محدودة.
وأحاول هنا أن أتجنب ذكر أسماء المساجد والقائمين عليها وسبب الخلاف بينهم وبين أصحاب المساجد المجاورة، فهذه ظاهرة لا تخفى على احد فالجميع يشاهدها، فلا داعي لذكر الأسماء حتى لا يظن البعض أنني متحيز لفئة أو جماعة من هذه الجماعات التي أصبحت إذا اختلفت مع الجماعة الأخرى سارع للبحث عن تاجر فاعل خير لكي يبني لهم مسجدا يصلون فيه ويقيمون فيه دروسهم وحلقاتهم، وينشروا فكرهم وفكر علمائهم، وأنني لست بعالم ولا أريد أن أهاجم العلماء والدعاة، ولكن أود أن أضع بعض الأسئلة على سماحة هؤلاء العلماء والدعاة والأئمة، هل تناسى هؤلاء العلماء والأئمة والدعاة أن من أهمية الصلاة في المسجد جمع القلوب ورص الصفوف تحت سقف واحد ونحو قبلة واحدة، وهل تناسى دعاتنا وأئمتنا ما يقولونه قبل البدء في الصلاة " أستوا استقيموا اعتدلوا وساووا صفوفكم ولا تفرقوا" فيفرق الله بين قلوبكم، فلماذا لا ندعو أبناء الحي الواحد على أن يجتمعوا تحت سقف واحد لتجتمع القلوب، وهل تناسى دعاة الأمة أن التوحد مطلب شرعي في كل مظاهر الحياة سياسيا واقتصاديا وثقافيا ودينياً، وهذا هو الأهم وقبل كل شيء أن تتوحد الأمة دينياً لان ربنا واحد ونبينا واحد وكتابنا واحد وقبلتنا واحدة وحتى الغاية من أركان الإسلام الخمسة هي تحقيق الوحدة وجمع الشمل ونبذ الاختلاف.
فإذا جئنا إلى الركن الأول من أركان الإسلام وهو الشهادتان فالغاية منه توحيد الأمة على أن تؤمن برب واحد، وتشهد أن نبيها واحد، فالجميع متحدون في هذا الركن أن الرب واحد وان النبي واحد، وإذا جئنا إلى الركن الثاني وهو الصلاة فالهدف منها توحيد الناس وتعلمهم على الاجتماع للصلاة في وقت واحد وخلف إمام واحد وفي مسجد واحد ونحو قبلة واحدة فتحقيق الوحدة هو الغاية من الصلاة.
وكذا إذا نظرنا إلى الزكاة فالهدف منها التعاون والتكافل والتراحم وبقاء هذه الأمة متماسكة موحدة، وكذا الهدف من الصيام يعودنا أن نمسك عن الطعام بوقت واحد ونفطر بوقت واحد بغض النظر عن الاختلاف الزمني للبلدان، فهنا الأمر مختلف ولكن تركيزي عن أبناء المنطقة الواحدة.
وفي الحج يبلس الحجاج ثياب واحدة ويتوجهون نحو كعبة واحدة ويناجون رب واحد في مظهر وحدوي رائع وجميل ، فإذا كانت هذه الأركان الخمسة تعلمنا الوحدة واجتماع القلوب فلماذا أصبحنا في هذا الزمان نتبع الهوى ونفرق الأمة في ابرز مظهر وابرز معلم إلا وهو المسجد ذلك الرمز الإسلامي العظيم الذي لمع اسمه منذ عهد بناء الدولة الإسلامية الحديثة وأول عمل للرسول صلى الله عليه وسلم عند قدومه للمدينة قام ببناء مسجد واحد وهو مسجد قباء وأمر بهدم المسجد الآخر الذي بناه المنافقون الذين كانوا يسعون لنشر ثقافة التمزق والشتات، فقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن بناء ذلك المسجد كارثة ودعوة لنشر التمزق بين صفوف المسلمين وتمزيق وحدتهم رغم أن المنافقون كانوا يقولون أن الهدف من بناء المسجد هو إقامة الصلاة لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن هذا يضر بالأمة أكثر مما ينفعها فأين علمائنا اليوم وأين دعاتنا من هذه الظاهرة الخطيرة فإذا أوصل بناء الأمر إلى بناء مساجد لأسباب عنصرية ومذهبية فأخشى أن يفتح هذا شهية البعض بأن يفتحوا مساجد لأسباب أخرى يعلم بها الله فأخشى أن نجد غدا مساجد لهؤلاء دعاة الفتنة، فإذا كان نسمع اليوم أن اتباع العالم فلان لا يصلون في مسجد اتباع العالم فلان وان هؤلاء الدعاة والعلماء الذين يتبعهم مؤيديهم لا ينهوهم ولا يستنكرون تعدد المساجد رغم ضرورة النهي والاستنكار لان هذا واجب علماء الدين فأخشى أن يحدث غدا مثلما يحدث اليوم ولكن بطريقة وأسس أخرى.
فإذا كان بعض العلماء والدعاة لم يهتموا بجانب توحيد الأمة في أمورها الدينية وفي توحيد الناس على الصلاة في مسجد واحد بالنسبة لأبناء الحي الواحد وعدم بناء مساجد لا أهمية لها سوى نشر الفتنة ونشر التمزق والشتات، فاعتقد بأنهم لن يستطيعوا توحيد الأمة ودعوتهم للحفاظ على وحدتهم بشكل عام.
وأخيراً.. أتساءل أين دور وزارة الأوقاف وما موقفها من هذه الظاهرة وهل هناك شروط وقواعد لدى الأوقاف لتنظيم عملية بناء المساجد.
