«أسطول الحرية» يعتقل إسرائيل

2010-06-08 04:17:30

د. صالح بن بكر الطيار

حفنة من النشطاء ينتمون إلى 32 دولة استطاعوا في رحلة بحرية بإتجاه غزة أن يوقظوا الضمير العالمي وأن يسجلوا في الذاكرة الحاضرة أن هناك أكثر من مليون ونصف المليون من الفلسطينيين محاصرون منذ سنوات دون ماء ولا كهرباء ولا غذاء، والبعض منهم دون مسكن ويفترش العراء.

حفنة من النشطاء ابتكروا طريقة جديدة للتعبير عن تضامنهم تختلف عن الطرق المعتمدة عادة والتي كانت تتكل فقط على إصدار البيانات أو إلقاء الخطب أو إرسال البرقيات أو الحديث عن مأساة إنسانية عبر وسائل الإعلام.

حفنة من النشطاء تمكنوا من كسر الحصار الذي تفرضه إسرائيل، وأربكوا كل عواصم العالم والمنظمات الدولية والإقليمية وأظهروا بشكل ملموس حقيقة إسرائيل المعادية لحقوق الإنسان والتي لا تحترم القوانين الدولية، ولا تلتزم بتشريعات الأمم المتحدة، والتي تسمح لنفسها بممارسة إرهاب الدولة دون أدنى محاسبة من القوى العظمى التي نصبت نفسها مثالاً يُحتذى في الديمقراطية وحرية التعبير. وكل ما فعله النشطاء أنهم ركبوا أمواج البحر الأبيض المتوسط على متن عدة سفن تحمل الغذاء والدواء، مجردين من أي سلاح سوى إيمانهم بأنهم يدافعون عن قضية إنسانية، وأبحروا بإتجاه شواطئ غزة حيث كان بإنتظارهم الشيوخ والنساء والأطفال والذين لم يتمكنوا من استقبالهم لأن القوات الإسرائيلية هاجمت السفن في المياه الدولية مستخدمة أقسى أساليب العنف والذخيرة الحية التي أودت بحياة أكثر من عشرة أشخاص وجرحت عشرات غيرهم.

ومن سوء حظ القيادة الإسرائيلية أن القتلى الذين سقطوا كانوا من الأتراك، أي من الدولة التي انقلبت منذ حرب غزة 2008- 2009 من موقع الحليف الإستراتيجي لإسرائيل إلى موقع الخصم السياسي الرافض لما قامت به تل أبيب، حيث لم تترك أنقرة منذ هذا التاريخ منبراً دولياً إلا وطلت من خلاله مدافعة عن الشعب الفلسطيني وعن حقه في تقرير مصيره لجهة إقامة دولة مستقلة ذات سيادة.

ومن سوء حظ إسرائيل أيضاً أن الجريمة التي ارتكبتها كانت أكبر من أن تتمكن أي جهة من لفلفتها نتيجة موجات الإحتجاج العارمة التي عمت كل عواصم العالم والتي أحرجت السلطات الرسمية التي كانت مضطرة إلى أن تماشي شعوبها لجهة المطالبة بفك الحصار عن غزة وتشكيل لجنة تحقيق دولية ومحاسبة المسؤولين.

وذهب البعض أبعد من ذلك، مثل جنوب إفريقيا والأكوادور التي استدعت سفيرها من تل أبيب. أما ردة الفعل الرسمية العربية فإنها كعادتها لم ترتق إلى مستوى الحدث، حيث اكتفى مجلس وزراء الخارجية بإصدار بيان دعا فيه إلى كسر الحصار دون أن يتبنى أي خطوات عملية من أجل ذلك، وإلى تكليف لبنان دعوة مجلس الأمن للإنعقاد من أجل إدانة إسرائيل، علماً أن مجلس الأمن سبق واجتمع بناء على دعوة من لبنان وتركيا واكتفى بإصدار بيان رئاسي أعرب فيه عن أسفه لمقتل بعض الناشطين، كما قرر وزراء الخارجية العرب تنسيق جهودهم لإثارة الجريمة الإسرائيلية أمام المحافل الدولية، وبعثوا أيضاً برسالة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما دون أن يعلنوا عن مضمونها.

وهذا الموقف العربي ليس بجديد إذا ما أعدنا التذكير بأن القمة العربية لم تنعقد عام 1982 إلا بعد مرور ثلاثة أشهر على اجتياح القوات الإسرائيلية لجزء كبير من الأراضي اللبنانية بما فيها العاصمة بيروت.

وأياً تكن ردود الفعل، سواء الخجولة أو الجريئة، فإن الناشطين قد حققوا إنجازاً مهماً وهو أن مسألة حصار غزة لم تعد قضية ذات شأن إسرائيلي، بل أصبحت قضية دولية، وأن إسرائيل لم تعد قادرة على ممارسة ما يحلو لها دون عقاب، بدليل ما أثير على مستويات المنظمات الأهلية العالمية، وأن إسرائيل أصبحت الآن هي المعتقلة لدى الناشطين الذين كانوا على متن سفن "أسطول الحرية" والذين لن يتوقفوا عن القيام بمثل ما قاموا به خاصة وأن هناك تحضيراً جارياً لإطلاق "أسطول الحرية- 2" إلى أن تستعيد غزة حريتها الحقيقية.<

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد