يتوجّب إلغاء مجلس الأمن

2010-06-19 04:55:49

* تشكلت العضوية الدائمة في مجلس الأمن على أساس معادلة دولية أنتجتها نهاية الحرب العالمية الثانية, وقد أعطت هذه الدول لكل دولة منها حق النقض (الفيتو),

الأمر الذي يوجب لتمرير أي قرار يحظى بأغلبية الثلثين ألا تستخدم إحدى الدول الخمس المحظية هذا الحق

* أثبت مجلس الأمن بأن كل قراراته السياسية تشكلت ضمن صفقة مساومات بين الدول الخمس الدائمة العضوية وضمن عمليات ضغوط وإغراءات غير أخلاقية مورست على الأعضاء الآخرين

منير شفيق

أعاد القرار 1929 الصادر عن مجلس الأمن، بإنزال عقوبات جديدة على إيران، ضرورة وضع مجلس الأمن وأعضائه الخمس الدائمي العضوية أمام النقاش من جديد. وذلك أولاً من حيث المبدأ، وثانياً من ناحية الآثار العملية لقراراته على العالم والعلاقات الدولية.

بالنسبة إلى وجود مجلس الأمن من حيث المبدأ فأمرٌ مطعونٌ بعدالته إذ يُنصّب خمس دول لتتحكم في مصائر دول العالم الأخرى. مما يزيد تبعية التابعين. ويحاصر الدول الاستقلالية التي تراعي مصالح شعوبها ولا تخضع لهيمنة الدول الكبرى. فقد تشكّل مجلس الأمن من أميركا وبريطانيا وفرنسا إلى جانب الإتحاد السوفيتي الذي ورثته روسيا الآن، وصين تشان كاي تشيك الذي ورثته الصين الشعبية بعد الإطاحة به، ثم الصين الحالية.

وبكلمة أخرى تشكلت العضوية الدائمة في مجلس الأمن على أساس معادلة دولية أنتجتها نهاية الحرب العالمية الثانية أي قبل 55 سنة. وقد أعطت هذه الدول لكل دولة منها حق النقض (الفيتو) بإلغاء أي مشروع قرار من أن يتحوّل إلى قرار دولي حتى لو اجتمع عليه أغلب أعضاء مجلس الأمن الدائمين. والأعضاء غير الدائمين عدا الدولة المعنية التي ستستخدم "حقها" في نقض القرار. الأمر الذي يوجب لتمرير أي قرار يحظى بأغلبية الثلثين بأن لا تستخدم إحدى الدول الخمس المحظية حق الفيتو.

وبهذا يكون لدينا في هيئة الأمم نظام لا يعكس حتى حالة الوضع الدولي الراهن بسبب تشكّله في ظروف دولية استثنائية كانت فيها غالبية شعوب العالم تحت الاستعمار، أو بلا دولة عضوية في هيئة الأمم المتحدة. الأمر الذي يكشف الوجود الظالم من حيث المبدأ لمجلس الأمن. وهذه حقيقة راحت تتبناها غالبية كبيرة من شعوب العالم منذ نشوء حركة عدم الانحياز وحتى اليوم.

ولهذا يجب أن يُدان وجود مجلس الأمن من حيث أتى، وبصورة مبدئية، ويُنظر إلى قراراته باعتبارها سطواً على الإرادة الدولية، التي يُفترض بالجمعية العامة بأن تعبّر عنها وحدها.

أما من الناحية العملية فيتضح أن من غير الممكن اتخاذ قرار في مجلس الأمن تعترض عليه واحدة من الدول الخمس. الأمر الذي يعطّل إرادة غالبية دول العالم. وأصبح الآن يُشكل خطراً على حياة الإنسانية كلها حين تعدّى هذا التعطيل القضايا السياسية ليمتدّ إلى تعطيل أي قرار يتعلق بالبيئة ووقف الكارثة البشرية الشاملة الآتية من التلوث ومن إفساد المناخ واستنفاذ المواد الطبيعية الأساسية بسبب نظام استهلاكي لا عقلاني مدمّر.

هذه النقطة الأخيرة تفرض إدانة مجلس الأمن، ومن ثم رفض مبدأ إعطاء حق النقض لخمس دول فقط من دون أن تكون حتى مجتمعة وإنما لأيّة دولة منها.

ولهذا إذا قمنا بجردة لقرارات مجلس الأمن فسوف يصعب التحدّث عن قرار واحد صدر عنه يحمل عدالة، أو يقوم على أساس الحق. فكل قرارات مجلس الأمن صدرت بداية ضمن مساومات في ما بين أعضاء مجلس الأمن دائمي العضوية أولاً، ثم ثانياً ضمن ممارسة ألوان من الضغوط والتهديدات التي مورست على الأعضاء غير الدائمين لتأمين أغلبية الثلثين في حالة عدم وجود أي فيتو على الطاولة.

فكل ما صدر من قرارات مجلس الأمن مشبوهة ولا تتسّم بالعدالة، ولهذا قاسى العالم منذ تأسيسه وضعاً تتحكم فيه قبضة من الدول. الأمر الذي كان يولّد دائماً أنماطاً من الحروب والفوضى. فمجلس الأمن يمثل نظاماً مُداناً ومشبوهاً ولا يستحق البقاء. وذلك بإعادة ما يمتلكه من صلاحيات إلى الجمعية العامّة.

في المرحلة الراهنة بعد انتهاء الحرب الباردة أثبت مجلس الأمن أنه معطِّل لأي قرار مُلزِم يتعلق بقضايا البيئة وحياة البشر، بل لم يُسمح لهذه القضايا ذات الأولوية الوجودية حتى بأن تُطرح على بساط البحث فيه. فمجلس الأمن غائب عن موضوع يهمّ حياة البشر كافة.

وأثبت مجلس الأمن بأن كل قراراته السياسية تشكلت ضمن صفقة مساومات في ما بين الدول الخمس دائمة العضوية وضمن عمليات ضغوط وإغراءات غير أخلاقية مورست على الأعضاء الآخرين.

وحتى في الحالات التي تعرّض فيها الأمن والسلام العالميين لأشدّ الأخطار بسبب إستراتيجية وسياسات إدارة جورج دبليو بوش في عهدها الأول لم يكن بمقدور مجلس الأمن بالرغم من أغلبية ساحقة فيه ضدّها على اتخاذ قرار في منعها، أو حتى في إدانتها فقد وقف مشلولاً معطلاً. والطريف أن أميركا، في حينه، راحت تشكك بضرورة وجود هيئة الأمم المتحدة.

أما بالأمس القريب فإن مجلس الأمن أبى ألاّ يكرّر مرّة أخرى كل سلبياته في قراره الأخير ضدّ إيران بإنزال عقوبات جديدة عليها، وفي قضيّة تمسّ حقاً لها يمنحه ميثاق الوكالة الدولية للطاقة النووية. وهو حق الاستخدام السلمي للطاقة النووية. فوراء القرار تقف سياسة صهيونية وإمبريالية من الدرجة الأولى. وهو نفس الذي تعاني منه قضيّة فلسطين الأمّريْن. بل ذات المشكلة التي راحت تغطي ما ارتكبت أميركا من جرائم حرب في العراق وأفغانستان وباكستان، وما اقترفه الجيش الصهيوني في فلسطين ولبنان ومؤخراً بحق أسطول الحريّة وهو في طريقه لكسر الحصار الإجرامي على قطاع غزة.

على أن المهم إلى جانب الإدانة المبدئية لمجلس الأمن أن تُلاحَظ آليات التوصّل إلى قراره، أولاً في ما بين دوله دائمة العضوية، وأساساً "إقناع" روسيا والصين بالموافقة على قرار العقوبات، وثانياً التعاطي مع الأعضاء غير الدائمين.

منذ مجيء باراك أوباما إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية راحت إدارته تسعى لإصدار قرار عقوبات ضدّ إيران وقد حددّت موعداً لذلك قبل نهاية العام 2009. ولم تنجح في تحقيق هذا الهدف إلاّ قبل بضعة أيام. الأمر الذي يعني أن عملية معقدّة من المساومات دارت في الخفاء مع كل من روسيا والصين لكي تتراجعا عن موقفهما من العقوبات الجديدة. وبالفعل دفعت أميركا في المقابل تنازلات كبيرة لكلّ من الدولتين لتمررّا القرار مع تعديلات تخفف من غلوائه.

وهذا يمكن ملاحظته من خلال سياساتها التي تراجعت عنها في العلاقة مع كل من روسيا والصين. ذلك ابتداء من جورجيا والدرع الصاروخية وصولاً إلى تمرير اتفاق سيفاستوبول (القاعدة البحرية العسكرية، لروسيا في المياه الأوكرانية) بالنسبة إلى روسيا، كما ابتداء من وقف صفقة الأسلحة لتايوان وتمييع الموقف من كورية الشمالية، أو من المطالبة بتعديل معادل "اليوان" بالنسبة إلى الصين. ثم قس التعاطي من خلال الهيمنة مع عدد من الدول غير الأعضاء. ولم يفلت غير تركيا والبرازيل اللتين عارضتا، ثم امتناع لبنان عن التصويت.

إذاً يكون قرار مجلس الأمن ولد نتيجة مساومات غير أخلاقية في ما بين الكبار في أحجامهم وقوتهّم والصغار في مواقفهم وسياساتهم، كما نتيجة ضغوط وهيمنة على صغار أصغار.

من هنا يكون قرار العقوبات، الرقم 1929 على إيران يفتقر إلى المبدئية ولا يستحق الاحترام، كما يصبح من الضروري الكفاح لتعديل نظام هيئة الأمم المتحدة باتجاه إلغاء مجلس الأمن وتحويل صلاحياته إلى الجمعية العامّة حيث يمكن الحديث، عندئذ، عن إرادة دولية تعبّر عن أغلبية الدول، وعن مجتمع دولي يستحق أن يحمل اسمه.<

 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد