تركيا وإسرائيل وانفراط عقد الشراكة

2010-06-20 03:55:41

صباح جاسم

فيما تدرس تركيا إلغاء كافة الاتفاقيات المعقودة مع إسرائيل، وبدأت تبحث عن شريك جديد في المشاريع الدفاعية، أصدرت رئاسة الأركان العامة الإسرائيلية تعميماً على العسكريين الإسرائيليين بحظر السفر أو السياحة إلى تركيا.

وتأتي هذه التطورات وسط رفض إسرائيلي للاعتذار للجانب التركي عن العملية التي استهدفت سفن المساعدات التركية، وخصوصاً السفينة مرمرة، أثناء توجهها إلى غزة في محاولة لفك الحصار عن القطاع المحاصر منذ سنوات.

وكانت تركيا قد وضعت عدة شروط لعودة العلاقات مع إسرائيل لطبيعتها، وهي الشروط الثلاثة التي حددها لاحقاً السفير التركي لدى واشنطن، نامق طان، وهي أن على إسرائيل أن تعتذر أولاً عن تصرفاتها تجاه سفن المساعدات الإنسانية ثم تقبل إجراء تحقيقات مستقلة وأخيراً، أن ترفع الحصار الذي تفرضه على قطاع غزة، وفقاً لوكالة جيهان التركية للأنباء.

ونقلت صحيفة أخبار العالم التركية الناطقة بالعربية عن وكالة جيهان التركية للأنباء أن الجانب التركي يعتزم إلغاء كافة اتفاقياته المعقودة مع إسرائيل.

ففي مقابلة تلفزيونية حول الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية، التي كانت تنقل مساعدات إنسانية إلى غزة واغتيال تسعة نشطاء أتراك، أكد نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، عمر تشليك، أن تركيا ستفسخ جميع الاتفاقيات المعقودة بينها وبين إسرائيل بما فيها الاتفاقيات العسكرية.

وحول المطالبات الشعبية التركية باتخاذ إجراءات رادعة أكثر ضد إسرائيل، بيّن تشليك أن السياسات الخارجية لتركيا تستند إلى المواثيق والقوانين الدولية وإلى صوت الشارع التركي الذي لا تستطيع أن تكون بمنأى عنه، وتقوم مؤسسات الدولة بصياغة مواقفها وسياساتها الرسمية وفق هذه العوامل جميعاً.

ونفى تشليك احتمال نشوب حرب بين تركيا وإسرائيل مشيراً إلى أن "الحروب ليست مسائل بسيطة وأن تركيا لا تحبذ انتشار مثل هذه الأقاويل والشائعات"، محدداً السبل القانونية التي تؤدي إلى إنزال عقوبات على الطرف المذنب.

وفي الأثناء، أفادت صحيفة "الصاندي تايمز" اللندنية، نقلاً عن مصادر أمنية إسرائيلية، أن هناك مخاوف جدية لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من قيام تركيا بإغلاق محطة استخبارية إسرائيلية في موقع غير بعيد عن الحدود التركية الإيرانية، وتعتبر مهمة جدا بالنسبة لإسرائيل في مواجهة إيران، وفقاً للإذاعة الإسرائيلية.

ونسبت الصحيفة البريطانية إلى مصدر إسرائيلي مطلع قوله إنه إذا ما حدث ذلك فإن إسرائيل ستفقد "أذنيها وأنفها" التي تراقب الأوضاع في الساحة الخلفية لإيران، وقال الرئيس التركي عبد الله جول لصحيفة لو موند الفرنسية اليومية ان اسرائيل اذا أرادت الصفح عنها يجب ان تصلح ما أفسدته بالهجوم الذي شنته قواتها الخاصة على أسطول مساعدات كان في طريقه الى غزة بما في ذلك تقديم اعتذار عن الهجوم ودفع تعويضات.

وأضاف جول انه اذا لم تتخذ اسرائيل أي خطوات لرأب الصدع فان الأمر يمكن ان يصل بتركيا الى اتخاذ قرار بقطع العلاقات الدبلوماسية.

وفي حديث وصف جول الهجوم الاسرائيلي الذي وقع في نهاية مايو ايار وأسفر عن مقتل تسعة ناشطين بأنه "جريمة" ربما كان من الممكن أن يقوم بها من هم على شاكلة تنظيم القاعدة وليست دولة ذات سيادة.

ونقلت صحيفة لو موند عن جول قوله "يبدو من المستحيل بالنسبة لي الصفح او النسيان ما لم تكن هناك بعض المبادرات التي قد تغير الوضع."

وسُئل عما يمكن ان تشمله مثل هذه المبادرات فقال "أولا طلب العفو وتقديم نوع من التعويض."وأضاف انه يريد أيضا إجراء تحقيق مستقل في الهجوم ومناقشة رفع الحصار الاسرائيلي عن غزة. وسُئل عما اذا كانت تركيا قد تقطع العلاقات مع اسرائيل اذا لم تفعل شيئا فقال جول "أي شيء ممكن".

وقتل جنود اسرائيليون تسعة مواطنين أتراك يوم 31 مايو ايار بعدما صعد الجنود على متن سفينة محملة بالمساعدات الانسانية كانت تنوي كسر الحصار المفروض على قطاع غزة. بحسب رويترز.

واستدعت تركيا التي كانت ذات يوم حليفا وثيقا لاسرائيل سفيرها لدى تل أبيب بعد الحادث وألغت مناورات عسكرية مشتركة وقالت انها ستخفض صفقات تجارية ودفاعية قيمتها مليارات الدولارات الى أدنى حد ممكن.

ومن ناحية أخرى قال فيليب الستون مقرر الامم المتحدة الخاص بعمليات القتل خارج نطاق القضاء ان أي لجنة تحقيق تشكلها اسرائيل بشأن الهجوم على اسطول المساعدات الذي كان متجها الى غزة "يجب ان تتوافر لها مقدرة حقيقية للتوصل الى الحقائق" والا فانها لن تكون ذات مصداقية.

وقال ان هذه اللجنة لكي تفي بالمعايير الدولية يجب ان تكون مستقلة عن الحكومة وان تحظى بالسلطة القانونية الكاملة للوصول بشكل مباشر الى كافة الادلة المعنية بما يشمل العسكريين الذين شاركوا في العملية.

وتجاهلت اسرائيل مطلبا للامم المتحدة باجراء تحقيق دولي ووافقت بدلا من ذلك على اقتراح أمريكي باجراء تحقيق اسرائيلي بمشاركة مراقبين من الخارج.

وأفاد استطلاع للرأي نشرت نتائجه، أن أكثر من ثلاثة أرباع اليهود الإسرائيليين يعتبرون تركيا، الحليف الاستراتيجي السابق لإسرائيل، دولة معادية، على إثر الأزمة بين البلدين الناجمة عن الهجوم الإسرائيلي على أسطول بحري كان ينقل مساعدات انسانية الى غزة.

وردا على سؤال هل تعتقد في ضوء الأحداث الاخيرة، ان تركيا أصبحت دولة معادية؟ أجاب 78 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع بنعم، فيما أعرب 22 في المائة منهم عن رأي مخالف.

ولم يأخذ هذا الاستطلاع الذي نشرته صحيفة إسرائيل هايوم اليمينية المجانية في الاعتبار الأقلية من عرب إسرائيل التي تعد 3.1 مليون شخص يشكلون نحو 20 في المائة من مجموع السكان.

من جهة أخرى، أعلن 13 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع تأييدهم تشكيل لجنة إجراء تحقيق دولي حول الهجوم الذي شنته في 31 مايو البحرية الاسرائيلية على سفينة تركية كانت ضمن أسطول المساعدات المتجه الى غزة.

وأورد الاستطلاع ان 71 في المائة من الإسرائيليين اليهود يؤيدون اجراء تحقيق داخلي. وجاء في الاستطلاع ان 91 في المائة من الأشخاص يؤيدون اعتراض أساطيل تحاول في المستقبل كسر الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة.

من جهة اخرى، اعتبر 73 في المائة أنه يجب عدم رفع الحصار عن غزة، مقابل 16 في المائة رافقوا على رفعه، فيما لم يبد الآخرون رأيا.

وأجرى الاستطلاع معهد نيو وايف ريسرتش غروب على عينة من 561 شخصا يمثلون السكان اليهود في اسرائيل, مع هامش خطأ يبلغ 4 في المائة.

من جانب آخر تظاهر حوالى عشرة آلاف شخص في اسطنبول احتجاجا على الهجوم الاسرائيلي الدامي على اسطول الحرية الذي كان متوجها الى قطاع غزة، مرددين شعارات مؤيدة لحركة حماس، على ما افاد مصور في وكالة فرانس برس.

وتجمع المتظاهرون في باحة مسجد بايزيد الكبير لدى خروجهم من صلاة الجمعة، ورددوا "فلتسقط اسرائيل!" و"اخرجوا من فلسطين" و"تحيا الانتفاضة الشاملة".

وقد صلى المؤمنون الذين رددوا "الله اكبر" ولوحوا بأعلام الاسلام الخضراء والاعلام التركية والفلسطينية، من اجل احد القتلى التسعة الذين سقطوا في الهجوم الاسرائيلي على اسطول المساعدات الدولي الاثنين. ولف نعش الصحافي جودت كيليجلار بالعلمين الفلسطيني والتركي.

وكان ما بين 15 و20 الف شخص تجمعوا الخميس امام مسجد آخر في المدينة، مرددين شعارات معادية لاسرائيل ومؤيدة لحماس التي تسيطر على قطاع غزة.

وخاطب النائب البريطاني السابق جورج غالاواي، السياسي المثير للجدل والناشط في سبيل القضية الفلسطينية، المحتشدين وقال "سنذهب من جديد الى غزة، عن طريق البر والبحر".

وقتل ثمانية اتراك واميركي تركي الاصل الاثنين خلال الهجوم الذي شنه الجيش الاسرائيلي على السفينة التركية، كبرى سفن اسطول المساعدات الانسانية الى غزة.

واكد الاطباء الشرعيون ان جميع الضحايا قتلوا بالرصاص. واعلن الرئيس التركي عبد الله غول الخميس ان "العلاقات بين تركيا واسرائيل لن تبقى كما كانت" على اثر عملية الجيش الاسرائيلي. واستدعت تركيا التي كانت تقيم حتى السنوات الاخيرة علاقات وثيقة مع اسرائيل، سفيرها من تل ابيب.

وذكر رئيس سابق لوكالة المخابرات الخارجية الاسرائيلية "الموساد" أن كلا من اسرائيل وتركيا لها مصلحة في إعادة بناء العلاقات رغم أن ذلك ربما يستغرق شهورا من العمل المكثف وذلك في أعقاب الهجوم الاسرائيلي على قافلة المساعدات التي كانت في طريقها الى غزة.

وقال افرايم هاليفي الذي شغل منصب مدير الموساد بين عامي 1998 و2002 وكان مستشارا رفيع المستوى لسلسلة متعاقبة من رؤساء الحكومات في اسرائيل ان الهجوم على القافلة الذي قتلت خلاله القوات الاسرائيلية تسعة رجال أتراك ألحق ضررا بالغا بالعلاقات.

لكنه ذكر أن العلاقات بين البلدين لا تقوم على المشاعر فحسب وان كليهما يدرك أن تاريخهما ومصالحهما المشتركة تستحق الحماية وإعادة البناء حتى رغم احتمال أن يستغرق ذلك وقتا ويحتاج الى جهود دبلوماسية شاقة لتحقيقه.

وقال هاليفي للصحفيين في بروكسل حيث ألقى كلمة عن تهديدات ارهابية في أوروبا "العلاقات بين تركيا واسرائيل شهدت أعواما كثيرة جدا من التعاون الصادق والوثيق."وأضاف أن ثمة "تفهم قوي" في اسرائيل لأهمية تركيا في الشرق الأوسط.

وقال "هناك جهد.. جهد شاق جدا لكن يتعين أن يبذله الجانبان.. وأود أن أقول أيضا من جانبنا.. الجانب الاسرائيلي.. لنفعل كل ما يمكن للحفاظ على تلك العلاقات التي خدمت كلا البلدين على مدى فترة طويلة من الزمن."

وترجع العلاقات بين اسرائيل وتركيا التي يغلب المسلمون على سكانها رسميا الى عام 1949 لكنها أصبحت أكثر دفئا بصفة خاصة منذ منتصف التسعينات. واسرائيل مورد رئيسي للسلاح لتركيا كما اضطلعت تركيا بدور الوسيط في مناقشات السلام الاسرائيلية العربية.

وتوترت العلاقات بسبب الحرب التي شنتها اسرائيل على غزة على مدى ثلاثة أسابيع في نهاية عام 2008 ومطلع عام 2009. ثم لحق بها المزيد من الضرر بسبب الهجوم في 31 مايو أيار الماضي الذي اعتلت خلاله قوات بحرية اسرائيلية متن سفن قافلة مساعدات كانت تحاول كسر الحصار الاسرائيلي لغزة.

ومن بين المواضيع التي تناولتها الصحافة العربية بإلحاح على خلفية الهجوم الإسرائيلي ضد "أسطول الحرية" في المياه الدولية، الدور المتنامي لتركيا في الشرق الأوسط وتنافسها الشديد مع إيران على من يفرض نفوذه في المنطقة.

وكتبت جريدة "السفير" اللبنانية أن تركيا كرست نفسها المدافع الأول عن القضية الفلسطينية، في مقابل التخاذل العربي الرسمي الذي تجلت صورته مجددا في القرارات الخجولة التي اتخذها وزراء الخارجية العرب في القاهرة وخلافاتهم حول مبدأ التفاوض مع إسرائيل الذي تمسكت به سلطة محمود عباس.

ومن جهتها، ترى يومية "الوقت" البحرينية أن السياسة التركية الخارجية شهدت تغيّرات عدة في التوجهات والتحركات، خصوصاً منذ وصول حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي إلى الحكم في 2002. وقالت الصحيفة إن تركيا باتت تعتمد على تعدد العلاقات وعدم حصرها في محور واحد، ما حوّل هذا البلد إلى مركز مهم في رسم السياسات الإقليمية والدولية.

ويضيف عبد الرحمان تركماني كاتب المقال أنّ التحرك التركي تجاه غزة قد منحها فرصة التدخل المباشر على خط إقليمي ساخن، يحمل لها فرصة الدور الفاعل في الساحة الإقليمية، ويمكّنها من حل كثير من قضاياها العالقة مع كثير من اللاعبين المحليين والإقليميين، ويسهّل عليها جمع مزيد من النقاط لصالح دبلوماسيتها النشطة، من خلال المشاركة التركية في أية قوات دولية، والمساهمة في إعادة إعمار غزة

وفي هذه الأثناء يسود قلق في جهاز الأمن الإسرائيلي من تعيين هاكان فيدان، مساعد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، رئيسا للاستخبارات العامة التركية، نظراً لأن تل أبيب تعتبره مقرباً من إيران.

وذكرت صحيفة هآرتس ان مسؤولين في جهاز الأمن الإسرائيلي عبروا في الاسابيع الأخيرة عن قلق من الانعكاسات، التي قد تكون لتعيين فيدان في المنصب، على العلاقات بين تركيا وإسرائيل وبين تركيا وإيران.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين قولهم ان قضية السفينة "مرمرة" التي كانت ضمن قافلة الحرية وهاجمتها القوات الإسرائيلية الأسبوع الماضي تعكس التحول المتعمد في السياسة التركية التي يقودها أردوغان بمساعدة فيدان ووزير الخارجية أحمد داوود أوغلو. بحسب يو بي أي.

وأشار مسؤولون كبار في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية خلال مداولات مع مسؤولين سياسيين وأمنيين الى ان فيدان مقرب من "الحزب الاسلامي" الذي ينتمي اليه اردوغان، أي "العدالة والتنمية"، وشغل خلال العام الأخير منصب مساعد مستشار رئاسة الوزراء، وأنه في هذا المنصب أدى فيدان دورا مركزيا في توثيق العلاقات بين تركيا وإيران، وبخاصة في المجال النووي.<

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد