رمضـــان : أهــــــــلاً شهرالخير .. مرحباً سيد الشهور

2010-08-11 02:54:54


رمضان. . ذلك الشهر العظيم الذي ينتظره المسلمون بشغف ولهفة ،وينتظره المؤمنون بشوقٍ ودمعة ،دموع فرح باستقبال أغلى وأكرم الشهور على قلوبهم. . إنه شهر الخير والرحمة ،شهر النقاء والعفة ،شهر الطهر والصفاء. . فيه تصفو القلوب ،وتسمو النفوس ،وترقى الأرواح.

فهنيئاً لكم أيها المسلمون بقدوم شهر الخيرات ،شهر المبرات ،شهر المسرات ،يباهي الله بكم ملائكته ،وينظر إلى تنافسكم فيه. . مرحباً بك أيها الضيف الكريم والشهر العظيم ،مرحباً بك يا شهر الإحسان، يا نبع الغفران ،يا حبيب الرحمن. . ها هي مواسم العطر جاءت بشذاها تنشره بين الناس ،مواسم لجني الحسنات ،والتخفيف من السيئات ،فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر. . يقول معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم : ( إذا كانت أول ليلة من رمضان فتّحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ،وغلّقت أبواب جهنم فلم يفتح منها باب ،وصفّدت الشياطين ،وينادي منادٍ : يا باغي الخير أقبل ،ويا باغي الشر أقصر ،ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ) أخرجه البخاري ومسلم.

إخوتي في الله. .

رمضان كان أمنية حبيبكم محمد صلى الله عليه وسلم ،حيث كان يقول :( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان) وقد كان السلف رحمهم الله يدعون ربهم ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان الماضي ،ويدعونه ستة أشهر أخرى أن يبلغهم رمضان الحالي ،فأين نحن من الرعيل الأول رضوان الله عليهم.

مرحباً يا سيد الشهور. .

يقول المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه : ( أتاكم شهر رمضان ،شهر بركة ،يغشاكم الله فيه برحمته ،ويحط الخطايا ،ويستجيب الدعاء ،ينظر إلى تنافسكم فيه ،ويباهي بكم ملائكته ،فأروا الله من أنفسكم خيراً ،فإن الشقي من حرم رحمة الله) أخرجه الطبراني.

وفي الناس صنفان :

صنف يستقبل رمضان بالموائد والمطاعم والمشارب ،يقضي معظم النهار نائماً ،ويقطع معظم ليله هائماً.

والصنف الثاني يستقبل رمضان بالعودة إلى الله والتوبة والاستغفار وترك ما نهى الله عنه من العصيان لا سيما في شهر الرحمة والغفران والعتق من النيران. .

والحكمة من الصيام ،الحكمة التي من أجلها شرع الصيام هي التقوى( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كم كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)

ألسنة صائمة عن الفحش والسباب والرفث ،وآذان صائمة عن سماع الفحش من القول ،وأعين لا تنظر إلى حرام ،قلوب مخبتة إلى الله ناظرة.

والخسران العظيم أن نخرج من رمضان ولم نزدد فيه حسنة ،ولم نرقى فيه عند الله درجة ذلك وربي هو الخسران المبين.

يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب ٍ

حتى عصى ربّه في شهر شعبان ِ

لقد أظلك شهر الصوم بعدهما

فلا تصيّرهُ أيضاً شهر عصيان ِ

والفائز والرابح بإذن الله هو من صام امتثالاً لأمر الله ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى فتكون المكافأة كبيرة والعطية جزيلة.

أخرج ابن أبي الدنيا وغيره بسند حسن من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ،يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوة ،فشفعني فيه ،ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه ،قال فيشفعان ) فاجتهدوا أحبتي بتلاوة الذكر الحكيم آناء الليل وأطراف النهار فالقرآن إما شاهدٌ لك أو عليك.

فيجب علينا استقبال الخير والإحسان بالخير والإحسان ،بهجر المنكرات ،وترك الموبقات وعلينا بصلة الأرحام وبر الوالدين فإنها ترضي الرحمن وتدخل بها الجنان برفقة المصطفى العدنان.

إنه شهر الخير والعطاء والبر والنماء ،إنه شهر الإحسان والجود والكرم والبذل في سبيل الله ،فلا تنسوا أحبتي إخوانكم الفقراء والمساكين ،والأرامل والأيتام المحتاجين ،والله من الناس من تمر عليهم الليالي ولا يجدوا لقمة يفطروا عليها ،أو شربة يمسك بها ،وأنتم تنعمون بالخيرات والعطايا والهبات ،فأروا الله من أنفسكم خيراً.

يقول خالد القسري : إن أكرم الناس بذلاً من أعطى من لا يرجوه وأعظم الناس عفواً من عفا عن قدرة ،وأوصل الناس رحماً من وصل عن قطيعة.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ،قالوا يا رسول الله : ما منا أحد إلا ماله أحب إليه ،قال : فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر ) أخرجه البخاري.

وكان الربيع بن خيثمة لا يعطي السائل كسرة خبز ولا شيئاً مكسوراً ولا ثوباً مرقعاً ويقول : أستحي أن تقرأ صحيفتي على الله وفيها الأشياء التافهة التي أعطيتها لأجله.

- اعمل من خيرٍ وتصدق كي تفتح أبواب الجنة

- ما ينقص مالٌ من صدقة قولٌ من أزهار السنة

استقبال رمضان بقلب سليم

- القلب السليم: هو الذي سَلِم من كل شر، بدءاً بالشرك بالله تعالى مروراً بالشبهات والشهوات، ومن كلِ خصلةٍ مذمومةٍ في كتابِ الله تعالى وسنةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم كالغلِ والحقدِ والحسدِ والشحِ والكبرِ وحب الدنيا، والقلب السليم كذلك هو الذي خلصت عبوديته لله تعالى، فيعرف حقوق الله عز وجل ويؤديها على أكمل وجه.

- القلب السليم عليه المدار يوم القيامة، قال تعالى: ( يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ، إلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) الشعراء : 88 ، 89.

- صلاح هذا العضو يعني صلاح حال العبد وبفساده يفسد، قال صلى الله عليه وسلم : « ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله؛ وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب » البخاري ومسلم.

- ولأن ما في القلب لا يطلع عليه أحدٌ سوى الله تعالى كان عمل القلب أفضل من عمل الجوارح، لذا كان الصالحون من سلف الأمة يعتنون بصلاح قلوبهم قبل كل شيء، يقول الحسن البصري: " ابن آدم، لك قول وعمل، وعملك أولى بك من قولك، ولك سريرةٌ وعلانية، وسريرتك أولى بك من علانيتك " انظر: المدارج لابن القيم، و يقول عبد الله بن المبارك واصفاً حال الإمام مالك: " ما رأيتُ أحدًا ارتفع مثل مالك، ليس لهُ كثيرُ صلاة ولا صيام، إلا أن تكون له سريرة " انظر: سير أعلام النبلاء.

- ومع حلول شهر رمضان كان من المناسب تذكير النفس بهذا الأمر العظيم، وهو تهيئة القلب ومجاهدته لأن يكون سليماً، وليس هذا بالأمر الهين اليسير، ولكنه في الوقت ذاته ليس بالمستحيل، بل مَن جاهد قلبه في سبيل الله وصل وانتصر، يقول تعالى: ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) العنكبوت: 69.

- فإذا استطاع العبد أن يصل بقلبه إلى درجة القلب السليم أو ما يقاربه فإنه بذلك يظفر ببركات الشهر الكريم، منها أن القلب السليم أقرب من غيره بالمغفرة والرحمة، لأن الله عز وجل يطلع على قلوب العباد، فأجدر تلك القلوب بمغفرة الله تعالى هي القلوب السليمة، ومنها أن صاحب القلب السليم يجد لذةً في قلبه لا مثيل لها عند تأديته العبادات ومناجاته لرب الأرض والسموات، بخلاف أصحاب القلوب الأخرى فإنهم لا يجدون تلك اللذة، وكذلك يظهر الأثر عند قراءة القرآن الكريم، فكل الناس يقرأون القرآن في هذا الشهر، ولكنهم ليسوا كلهم ينتفعون منه وينالون من خيراته وبركاته، فأصحاب القلوب السليمة لهم شأنٌ مع القرآن الكريم بسبب نقاء قلوبهم وإخلاصهم لله تعالى، فهم يقرأون القرآن بتدبر وتفهم وتعقل، فيستشعرون بذلك حلاوة القرآن الكريم، ومن تلك الآثار أن الناس في رمضان يبحثون عن القلب الرحيم، وعن اللسان العفيف، وعن اليد الباذلة، وعن الوجه الطليق، ولا توجد هذه الصفات مجتمعةً إلا عند أصحاب القلوب السليمة، ومن ذلك أيضاً أن شهر رمضان شهر العتق من النار، وأولى الناس بالعتق وأقربهم هم أصحاب القلوب السليمة، فالله عز وجل أرحم من أن يُدخِلَ النارَ عبداً سليمَ القلب نقيَ السريرة.

وغير ذلك من الخيرات والبركات التي ينالها القلب السليم في هذا الشهر الكريم، فهذه دعوةٌ لكي نستقبل رمضان والقلوب سليمة نقية، لا شِرْك فيها ولا حقد ولا حسد ولا عداوة ولا خصومة ولا أية آفةٍ من آفات القلوب ومفسداتها، فمن وجد في قلبه شيئاً من ذلك فعليه بالمجاهدة، وأجزم أن من استقبل هذا الشهر الكريم بمثل هذا القلب السليم أنه سيجد شعوراً وأثراً لم يجده في حياته قبل ذلك قط.

لحظة لقاء

أعلن خبر رمضان. . وذهب الأطفال في الشوارع والأزقة يعبرون عن فرحتهم ، ويكتبون أمانيهم في لقاء ذكرياتهم من جديد. . امتلأت شوارع قريتي بأفراح الصغار ، وتعالت في مسمعي أصوات ألعابهم يعبرون فيها عن لقاء حبيبهم بعد الفراق. . !

ها هي أمي تملأ قلبي سعادة وفرحاً ! وها هو أبي ركن بيته وفخر أبنائه قاعد في أفراحه. . وها هم إخوتي يؤلّف بينهم رمضان لحظة وصول خبره. . فيذكرهم روح ما هم فيه من نعمة !

خرجت من بيتي. . أخرجني لهو الصغار ، وفرح الصغار ، وأخرجتني لحظات فرح تعانق قلبي من جديد. . وتدفع بي إلى الخارج دون ترتيب أو إعداد للخروج

ليل كالفجر في حس ناظره ، ليل أرى فيه كل شيء. . وليل أشعر فيه بكل شيء. . إنها لحظات الحب تدفع بصاحبها إلى البكاء من الأفراح. .

جلست على بابي. . وفتحت جوالي على تهنئة مسموعة أرسلها إلىّ محب في لحظات استقبال الشهر. . رمضان. . يارمضان. . يارمضان. . له الكتاب تلاوة وقيام.

تذكرت بهذه الكلمات رمضان في كل شيء. . وذهبت عيني تدفع بالدموع لا تسعها الأفراح !

وذهبت أتأمل. . فتاهت بي الذكريات إلى إنسان عاش معي ليل رمضان في عامه المنصرم وطوته الذكريات بعد أن رحل من عالم الأرض فلا أثر اليوم لقدمه ، ولا سماع لصوته ، ولا أحاديث تديرها الأيام في لقائه. . وإنما هي الذكريات. .

ذهبت أتأمل وأنا على بوابة بيتي. . وإذا بمسجدي يحدثني عن من عَمَرَه في كل أسبوع في حضوره لدرسه الأسبوعي ، يسوقني في هذه اللحظات إلى تأمل صورته داخل المسجد وهو يقرأ الدرس ، ويناقش مسألة ، ويحاور يستفهم عن دليل ، ويسوقني كذلك لجنبات المسجد يريني في تلك الزوايا أحاديث ود دارت وهو يرتّب فيها للقاء ، ويعد لبرنامج ، ويشاور في قضية خاصة. . يحدثني مسجدي لحظات ( إبراهيم ) لحظة لحظة في همه وحرصه وأدبه وذوق أخلاقه وقد رحل قبل أن يعانق شهر رمضان هذا العام بثلاثة أيام ، رحل هو وزوجه وابنه الوحيد ، فيا لله ما أقسى فراق الأحبة. . !

تسوقني اللحظات إلى أرض فلسطين. . إلى جوار المسجد الأقصى. . إلى غزة منه بالذات. . فتحدثني عن ليل رمضان بيت مهدم ، وشمل ممزّق ، ورحلة عناء لم يستوقفهم من ليل رمضان شيء. . ولم يتغيّر عليهم من الحرب والدمار والأسى شيء. فيا لله ما أقسى هذه اللحظات !

تسوقني الذكريات إلى أرض الرافدين. . إلى العراق. . طفل يصرخ لم يجد أسرته بعد ! وشيخ كبير مسن يجلس على الأرض ويلتحف السماء لا يجد شربة ماء ينتظر قدوم الموت ولحظات الفراق. . !

في كل لحظة تذهب أنفس صوت مدفع وقنبلة. . وفي كل لحظة أنين عجوز وأرملة مقعدة. . !

وتسوقني الذكريات إلى إفغانستان والصومال ، وأرض للمسلمين منكوبة في مشارق الأرض ومغاربها لم يستوقفها عن رمضان إلا الذكريات الغابرة في طيات الزمن تذكرهم بأيام خلت ، وتاريخ جميل محته الأيام.

طال ليلي وقد ذهبت بي ذاكرتي إلى كل بقعة لم يجد فيها أهلها لرمضان ذات المعنى الذي أجده. . وعادت هنا في مجتمعاتها وإذا بها تقلّب لي مواجع تذكرني بها من جديد ، أسرة سمعت بأخبار رمضان فبكت مجتمعة في لحظات اللقاء تذكرت بهذا القدوم لحظات معيلها وهو بينها العام الماضي ، جاء رمضان ليذكرها به وقد غادر إلى غياهب السجون ، وأسرة تبكي معيلها الآخر وهو مشلول على سريرها تقلبه الأيدي بعد إن كان نور الظلمة ونجدة المحتاج ، وعون الأسرة في جمع شتاتها ، وهي في كل لحظة تنقلني إلى ذكرى تضطرني للبكاء من جديد.

وتسير بي الذكريات إلى معالم جميلة وذكريات رائعة تنقلني فيها إلى رؤية شاب تجدد فيه الأمل من جديد ، فعاد مستقيماً بعد انحراف ، ومهتدياً بعد ضلال ، وهاهو يبكي لأول وهلة في حياته في لقاء رمضان ، يقول ما كنت أعرف لرمضان هذه الأفراح ، وأجد له اليوم في قلبي ما لا يمكنني التعبير عنه وتسوقني إلى أسرة اجتمع شملها بعد فراق ، وتعانقت قلوبها بعد أن ذاقت حرارة القطيعة ومرارة الهجر ، فتآلفت من جديد ، وهاهي تجتمع لأول وهلة في رمضان منذ سنوات.

وتسوقني اللحظات إلى كل لحظة حب جمعت بين زوجين ، وآلفت بين صديقين ، وسكنت بيتاً فعمرته بالأفراح. .

وعدت إلى نفسي ، فذكرتها بما هي فيه من نعمة ، وقد عاد عليها رمضان وهي تعيش لذة الإيمان ، ولذة الاجتماع ، ولذة الأمن والسعادة في بيتها ومجتمعها وأمتها. . فكفكفت دمعي ، وعدت إلى بيتي ، وأخذت على نفسي وعداً صادقاً بأن استثمر في رمضان كل فرصة ، وأبادر كل لحظة ، وأعيش رمضان أجمل ما يعيش إنسان. والله المسؤول أن يعين ويوفق ويسدد ويكتب التوفيق لكل من يأمله. وهو المستعان وعليه التكلان. <

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد