عمل الحراج .. من برد الشتاء إلى حر الصيف حياة على كف القدر ومقاولون يعدونهم قطع مستعملة ؟؟!

2008-05-01 11:42:40

يمر الشتاء وهم في كل صباحاته القارصة البرودة هنا يسلمهم كل مرة لفصل صيف شمسه حارقة وهم يمارسون دأبهم في سبيل البحث عن لقمة عيش باردة ببرودة الشتاء وساخنة بسخونة الصيف ( عمال الحراج )هكذا يعرفون مثل قطع غيار مستعمل تباع بثمن بخس في سوق حراج الصافية وهم في جولة حراج العمال بشارع تعز لا يعرفون نقابة عمال وليس لهم علاقة باتحاد عمال اليمن وصراعاته السياسية التي لن تمنح احدهم ثمن كوب شاي ساخن في صباح برودته تجمد الأطراف لكنهم قبيل مغرب كل يوم يتسامرون الحديث عن متاعب اليوم ومن وجد منهم عملاً يكفل له صباح الغد عدم الحضور إلى الجولة

تقدير تحتضن جولة تعز في أمانة العاصمة كل يوم بين صلاة الفجر والساعة السادسة والنصف مابين 3 إلي 4 آلاف مواطن يمني يتجمعون هناك عارضين أنفسهم للعمل بثمن بخس يتسلمونه يومياً كأجر تأكيداً لن يوازي كمية العرق المتصبب من جسد أحدهم وربما من السخف القول أن على أحدهم أن يعمل ثلاثة أسابيع متواصلة ليتمكن في نهاية الأسبوع الثالث من توفير ثمن كيس قمح بينما التوقف عن العمل يوماً واحداً من الأسابيع الثالثة الافتراضية يعني أن توفير ثمن كيس القمح مستحيلاً !!!

استطلاع / فاروق مقبل

الحاج قاسم في الخامسة والخمسين جاء من تعز للعمل في صنعاء العاصمة كون فرص العمل فيها حد قوله أكثر من مدينته التي ترك فيها أسرة مكونة من ثمانية أفراد بحاجة إلى مصاريف الدراسة ومصاريف البيت عندما لمح الكاميرا في يدي بادرني بقوله صحفي في هذا الوقت جاء عندنا والله خير!

كانت الساعة تشير إلى الخامسة صباحاً كثيرون كانوا يعتقدون أنني صاحب عمل أبحث عن عمال تسارعوا نحوي في محاولة يائسة للبحث عن عمل وحين تبين لهم أنني صحفي غادر كثيرون وبقي الحاج قاسم يحدثني عن معانة متواصلة لاتنتهي في فصل من فصول السنة كونها في حقيقة الأمر أكثر تجدداً .

يطلق الحاج قاسم تنهيدة حارة كانت بداية حديث ساخن ليس بسخونة أحاديث السياسيين في السلطة والمعارضة ولكن بسخونة سعر كيس قمح

وعلبة زيت على قاسم التفكير بتوفيرهما على الأقل نهاية كل شهر إلى جانب بضع مئات من الريالات ليرسلها إلى القرية أو ليحملها معه إذا كان ثمة مايستوجب السفر ، يقول الحاج قاسم: نحن لانطالب الحكومة بتوفير وظائف لنا لم نتعلم لكن من حقنا العيش بسلام في هذا العمر غير أنه ما في اليد حيلة !

حتى توفير فرص العمل غير موجود صحيح هناك مشاريع يجري العمل فيها في شوارع صنعاء لكن الأجر اليومي للعمل هناك يجعل من الجلوس هنا في هذا الرصيف البارد أرحم ؟

سبعمائة ريال في اليوم أجر العمل هناك في تلك الشركات وهناك الحوادث التي يتعرض لها العمال كثيرة ولا أحد يهتم للعمال هكذا ببساطة فتح الحاج قاسم موضوع عمالة يمنية تقطعت بهم الأسباب وهم اليوم بين خيارين القبول بالعمل مقابل أجر يومي زهيد وحياة معرضة للمخاطر

دون تأمين دون علاج دون رحمة فيما الشركات المقاولة في المشاريع تتسلم مستحقات العمل المنجز بعرق هؤلاء مئات وآلاف الدولارات وكلها قروض سيدفعها العامل اليمني الذي لاحول له ولاقوة بالتقسيط من عرقه وقوت أسرته التي تركها خلفه تعيش سنوات ضياع الخبر الأخير أن يظل قاسم ومئات اليمنيين أمثاله على رصيف بارد بات يعرف بحرج العمال في انتظار فرصة عمل التي تأتي يوم وتختفي أيام وسوف يكون عليهم كيمنيين أيضاً دفع فاتورة بل فواتير القروض كون ذلك قدرهم الذي لامفر منه كما يبدوا .

وبالحديث عن تأمين حياة العمال في مشاريع المقاولات الأكثر خطراً على حياة الإنسان أتذكر حديث جرى بيني وبين اثنين من رجال التأمين في اليمن الحاج يوسف عبد الودود الوطنية للتأمين - والشاب طارق عبد الواسع هائل سعيد - المتحدة للتأمين- عن تأمين المقولين حيث أكدا بشكل قاطع على غياب تأمين المقاولين على حياة العمال في اليمن بل وذهب الحاج يوسف للحديث عن مقاول انهار العمل الذي كان ينفذه على رؤوس العمال وتوفي منهم شخصيان حينها أخذ المقاول يطارد أسر الشخصين يريد منهما التنازل عن حقهم في التعويض كون ما حدث قضاء الله وقدره !!

أعود إلى قاسم الذي كان يتحدث عن العمل في مشاريع الطرقات والجسور وأثناء حديثنا فلم يكاد الشاب سعيد في الثلاثين من العمر وهو خريج جامعي علم اجتماع يسمعنا حتى قدم نحونا مدليا بدلوه في الحديث الذي لم يصل إلى نهاية ، حيث قال لقد عملت هناك شهراً كاملاً وكل يوم نتسلم سبعمائة ريال وأحياناً كنا نتسلمها على ثلاثة أيام وهي بالكاد تفي بمصاريف يومي وكنا نشتري القرص الرغيف بعشرة واليوم القرص بعشرين، المهم آخر الشهر جاء مشرف المقاول ( الشركة ) وأوقف خمسة منا كنت أحدهم وقال: (أنتم مفنشين) هكذا بكل بساطة ودون سبب بل إن خمسة آخرين كانوا معه أخذوا مواقعنا في العمل ونحن ذهبنا للحساب وغادرنا العمل نحو حراج العمال ؟؟

ربما يكون الوضع انعكاساً لعدم وجود دور نقابي يوفر لهؤلاء العمال ويحميهم من مزاج التسلط غيرذلك فإن الحديث عن مشاريع توفرفرص عمل يظل حديث نشرة الأنباء المحلية التي يتقنون متابعتها في البوفيات واللوكندات أما فعلياً فهذا أمر ملامسته يبدو مثل حلم الاستسلام له سيخلق أمراضاً نفسية مزمنة حسب قول سعيد الذي أردف بالقول: ونحن في حراج العمال لدينا التزامات ومسؤوليات عائلية وليس لدينا الوقت الكافي لشغل أنفسنا في مثل هذه الأمور.

سعيد كان أكثر بشاشة في صباح يجمد برده الأوصال وببديهية كان يصور حال عمال الحراج بقوله: نحن هنا نبيع أنفسنا للعمل بثمن بخس مثلنا مثل الأدوات المنزلية في حراج الصافية !!!!

وحين سألته إن كان ينوي أويفكر بالذهاب إلى السعودية للعمل هناك قال أنا أتابع الأخبار والعمل هناك للعمالة الماهرة لأن بلادنا لاتحتاج للعمالة الماهرة أساساً !!

- تقصد لايوجد استيعاب ؟

- لا لايوجد لهم حاجة هنا بلادنا مستكفي وعندها عمالة للتصدير والمصدر يجب أن يكون حسب المواصفات

ربما أن البرد القارص يولد الإبداع لدى عامل مثل سعيد ركن شهادته الجامعية في درج محكم الإقفال وغادر الجامعة إلى حراج العمال بتقدير جيد والذي خوله العمل على رصيف عمال الحراج وكم كنت أود لو طلبت منه تقديم قراءة اجتماعية للوضع الذي يعيشه كل يوم على الرصيف لكن البرد كان فوق قدرة جسدي النحيل فلم أتحمل المزيد وكان حرياً بي أن أذهب للنوم بعد سهر متواصل طيلة الساعات الأربع والعشرين الماضية .

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد