«إيباك» تخوض معركة حياة أو موت

2010-11-25 03:53:52 بقلم :د.منار الشوربجي


 تخوض «إيباك» أقوى المنظمات المناصرة لإسرائيل في واشنطن معركة حياة أو موت هذه الأيام ستؤثر نتيجتها في مستقبلها كله. فلو خسرت إيباك تلك المعركة فسيتغير للأبد وجه العلاقة بين المنظمات المناصرة لإسرائيل والمؤسسات السياسية الأميركية.

و«اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة» المعروفة اختصاراً باسم «إيباك» هي اللوبي الرسمي المناصر لإسرائيل والمسجل قانوناً للدفاع عن مصالحها. وهي مسجلة قانوناً ليس كلوبي أجنبي وإنما كلوبي أميركي. وهناك فارق ضخم بين الاثنين من حيث المسموح وغير المسموح بممارسته من أنشطة.
فعلى عكس جماعات اللوبي الأجنبية، فإن إيباك قانوناً لا تمثل الحكومة الإسرائيلية فهي لا تتحدث باسمها، ولا تتلقى أموالاً منها مقابل الدفاع عنها في واشنطن، وإنما هي منظمة يقوم عليها أميركيون بأموال أميركية. والدستور والقانون الأميركي يعطى الأميركيين الحق في تنظيم أنفسهم من أجل دعم أو تغيير أية سياسة داخلية أو خارجية. ومن ثم فإن التكييف القانوني للمنظمة هي أنها جماعة من المواطنين الأميركيين الذين يؤمنون بأن من مصلحة بلادهم إقامة علاقات وثيقة مع إسرائيل.
ويعطي هذا الوضع القانوني لإيباك حرية حركة واسعة. فما هو مسموح لجماعات المصالح الوطنية أكبر بكثير من الجماعات الأجنبية. فإيباك من حقها أن تنشط في الانتخابات العامة سواء بحشد الأصوات أو تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين وهو المحظور على اللوبي الأجنبي.
وإيباك واحدة من أعتى جماعات اللوبي في أميركا وأكثرها نفوذاً. وهي بميزانيتها التي تبلغ نحو 70 مليون دولار وفريق عملها الذي يزيد على المائة والأربعين، صاحبة علاقات ممتدة مع كل مؤسسات الدولة ومع المسؤولين السياسيين من الحزبين. وهي تستخدم كل وسائل الضغط السياسي المتعارف عليها في واشنطن والتي لو استخدمت إحدى المنظمات واحدة أو اثنتين منها صارت صاحبة نفوذ معتبر.
 ومن المعروف أيضاً عن إيباك أنها من أكثر جماعات اللوبي ميلاً للسرية. فهي تفرض تعتيماً على عملها وما يدور في كواليسها ولا توجد معلومات عما تقوم به إلا ما تتيحه هي بنفسها. ومن هنا تأتي خطورة المعركة الدائرة اليوم. وتعود بداية القصة إلى عام 2004 حين تم القبض على لورانس فرانكلين الذي كان يعمل في وزارة الدفاع الأميركية وقتها واتهم بتمرير معلومات سرية أميركية إلى اثنين من العاملين في منظمة إيباك هما ستيفن روزين وكيث وايسمان اللذين أرسلا تلك المعلومات بدورهما إلى دبلوماسيين ومسؤولين إسرائيليين.
 وقد أدين فرانكلين بالفعل وأعدت هيئة التحقيقات الفيدرالية ملفاً يدين كل من روزين ووايسمان تمهيداً لمحاكمتهما. إلا أن إحالة القضية للمحكمة ظل يتأجل لسنوات إلى أن قرر الإدعاء في 2009 عدم إحالة القضية للمحكمة من أساسه. وكان السبب الحقيقي وراء ذلك هو أن دفاع المتهمين كان يؤسس دفاعه على ركيزة أساسية مؤداها أن ما فعله الرجلان من تلقٍ لمعلومات سرية ثم نقلها للحكومة الإسرائيلية كان أمراً روتينياً ومعتاداً في العمل داخل إيباك.
 وبدأ الدفاع فعلاً في تنفيذ تلك الخطة فانتزع من المحكمة قراراً يسمح للدفاع باستخدام معلومات سرية فى المحاكمة. وكان من الواضح أن تلك المعلومات كانت ستستخدم كدليل على ما تم تسريبه للحكومة الإسرائيلية عبر إيباك طوال سنوات طويلة. ويبدو أن الادعاء الذي كان يناهض بشدة استخدام تلك المعلومات السرية في المحاكمة قد آثر السلامة فقرر حفظ القضية!
 وحفظ القضية كان في مصلحة إيباك بالقطع، فرغم أن إيباك كانت قد فصلت الرجلين بمجرد صدور قرار الاتهام ضدهما ونأت بنفسها تماماً عنهما إلا أنه لم يكن من مصلحتها على الإطلاق أن تتم محاكمتهما لأن تلك المحاكمة كان من شأنها أن تفتح ملف إيباك وتجعله عرضة طوال فترة المحاكمة - التي قد تستمر سنوات - لتمحيص الإعلام والحقوقيين.
 غير أن إيباك لم تفصل الرجلين فقط وإنما صدر عن رموزها تصريحات اعتبرها روزين تشهيراً به فتقدم لمحكمة مدنية يتهم المنظمة بطرده من وظيفته دون وجه حق والتشهير به ويطالب بتعويض قدره 21 مليون دولار.
 ولأن إيباك تعرف جيداً تبعات قبول المحكمة للقضية، فقد تقدمت للمحكمة الأسبوع الماضي بطلب يدعوها لرفض نظر القضية أصلاً وقدمت لها ملفاً ضخماً يقع في 260 صفحة سعت من خلاله المنظمة لأن تثبت للمحكمة أنها كانت محقة فى فصل روزين على أساس أنه أخل بالمعايير المهنية. وزعمت أنه حين تداول معلومات سرية فإنه كان يخرق تلك المعايير ولا يعمل باسم المنظمة. بل أكثر من ذلك، اتهمت إيباك الرجل بانتهاك المعايير الأخلاقية حيث قدمت ما يثبت أنه كان يستخدم كمبيوتر المؤسسة لمشاهدة مواد إباحية بل وللاتصال بأشخاص بغرض إقامة علاقات جنسية.
 والهدف الأساسي من الملف وما جاء فيه هو إقناع المحكمة برفض القضية قبل أن يقدم روزين دفوعه. فدفاع روزين مبني - مرة أخرى - على أن ما فعله عندما حصل على المعلومات السرية ثم سربها للمسؤولين الإسرائيليين كان القاعدة في عمل إيباك. وهو قال إنه سيقدم 180 وثيقة داخلية من وثائق إيباك تثبت ذلك. ومن هنا، فإذا قبلت المحكمة القضية وتقدم الرجل بالوثائق فعلاً ستكون فضيحة مدوية لإيباك تضعها أمام الرأي العام الأميركي في صورة لم تعتدها تكون فيها متهمة بتعريض أمن أميركا للخطر من أجل إسرائيل وتفتح من جديد ملف الولاء المزدوج.
 اللافت للانتباه أنه بينما غطت الصحافة الإسرائيلية الموضوع برمته، فإنك لا تكاد تجد ذكراً للموضوع في الصحف الأميركية الرئيسية، وغياب الموضوع من الإعلام هو في حد ذاته أحد تجليات نفوذ إيباك. والسؤال الرئيسي اليوم هو هل سيظل نفوذ إيباك كما هو أم تقرر المحكمة الاستماع لروزين؟
 
 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد