القيمة اللاأخلاقية في الدبلوماسية الأميركية والعلاقات مع الأنظمة

2010-12-11 20:00:32 الشموع /تحليلات


موقع ويكليكس يقدم صورة للامبريالية التي تخون تحالفاتها من أجل أن تعم الفوضى وتدعم المشروع الفارسي الصهيوني


الأولى للأنظمة أن تتصالح مع شعوبها بدلاً من أن تذهب إلى المؤامرة مع المسؤولين الأمريكيين لتجد ذاتها بين ناري الخيانة الوطنية وغضبة الشعوب.. وتفريط أمريكا.

الانتهازية الأمريكية عبر استخباراتها أكدت أنها غير جديرة بالثقة وأنها تضحي بحلفائها في أقرب فرصة سانحة.

قدمت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها من خلال تسريبات ويكليكس أنها دولة بوليسية باحتراف شديد وأن دبلوماسييها في جميع أنحاء العالم ليس لهم من عملٍ سوى جمع قصاصات الصحف ونقل كامل المحادثات بأدق التفاصيل إلى الاستخبارات الأميركية، وهي بهذا تكشف عن أزمة أخلاق حقيقية في سلوكياتها إزاء التعامل مع الآخرين.. ومن البدهي أن الوثائق التي يطرحها ويكليكس على الانترنت للتعاطي معها يُراد منها تقديم رسائل محددة إلى البلدان الشرق أوسطية تستهدف في الأساس ايجاد علاقة ارتيابية بين الأنظمة والشعوب، وإبراز السلطات أنها تمارس الدور الخياني في تقديم كامل ولائها للبيت الأبيض، كما أنها تقايض الأوروأمريكي بالوطن مقابل السلطة والوقوف معها.. بمعنى أنها أنظمة فقدت المصداقية مع شعوبها وأنها ارتهانية تبحث عن وجودها وتواجدها من خلال تقديم الطاعة للبيت الأبيض، علاوة على أنها تمارس دور المؤامرة على مفاصل الحكم.. هذا على الأقل ما تريده أمريكا من خلال الوثائق التي يطرحها ويكليكس، والتي أيضاً تؤكد أن ثمّة تآمراً على القضية العربية "فلسطين" إلى جانب وجود علاقات عربية عربية قائمة على الطعن في الظهر وعلى البحث مع المستعمر عن تآمرات جديدة ليغدو الأمر الواقع منسياً لدى المواطن العربي هو القبول بهذا الواقع المؤلم وتدجينه عليه بمجرد تصديقه لهذا الموقع الذي يمنح شرف التميز إلى الكيان الصهيوني الذي لم يقدم بخصوصه وثيقة واحدة..

وإذا كانت أغلب الوثائق التي باتت في متناول يد المواطن العربي هي من الأمور المعروفة أو من المسلّم بها، إلا أنها ترمي في المحصلة إلى تسييد ثقافة الاستلاب وسحب هوية الأمة المقاومة لنقل المعركة من موقعها المقاوم إلى بلدان عربية عربية وإلى داخل كل قطر بين الشعب والسلطة..

على هذا الأساس تدخل الولايات المتحدة الأمريكية عبر استخدامها ميادين جديدة هي أقرب إلى وضع السيناريوهات لإبراز قضية ما من خلال تقديمها بوثيقة. وبغضِّ النظر عن هذا الاتجاه إلا أننا نرى إلى ما يقدمه ويكليكس من وثائق هي تحصيل حاصل بعضها تم الحصول عليها من المتابعة للصحافة العربية وما تتناوله من تحليلات، والبعض الآخر من خلال محادثات دبلوماسية مع قيادات في الدولة ربما قدموا آراءً تخصهم، ولكن التعاطي الأمريكي اللاأخلاقي يحولها إلى معلوماتية ويبني عليها مواقف ويحدد النتائج، وهو ما يعني أننا أمام دولة بوليسية من طرازٍ فريد أو لا نظير لها في العالم..

وإذا كان موقع ويكليكس الذي يطرح الوثائق الأميركية في متناول الجميع فإن الكثير من دول العالم اليوم لم تعد مستعدة مطلقاً لأن تأمن جانب البيت الأبيض الذي لا يخلو من سوء النية حتى مع من تربطه بهم علاقات حميمة من الدول الشرق أوسطية وعلى وجه الخصوص العربية..

وإذا كانت المحصلة هي النشر لكل ما يقال وما لا يقال فمن أين إذاً يمكن لأي من رجالات الدولة أن يقدم وجهة نظر أو معلومة أو تحليل عن قضية ما مادامت قابلة للنشر وتحويلها من حالة عادية إلى خطرة لكونها فقط تسمى بالوثيقة.. وهي رسالة يراد أن يصدقها الآخرون إذ أن مسمى الوثيقة يمنحها المصداقية كأسلوب جديد في متناول الاستخبارات الأميركية في حين أن الكثير مما نعرفه سابقاً وجرى تناوله في الصحافة تم تسريبه كوثائق تريد أن تخبرنا أنها الحقيقة..

صحيح أن الكثير منها هو كذلك لكن في المقابل فإن ثمّة معنىً خفي يقف وراء التسريبات وثمّة مكاشفة ضرورية للمسكوت عنه كرسالة مؤادها تدجين الإنسان العربي على الخصوص بالتعامل السلبي مع السلطة وسلبه حق التفكير المستقل وإبقائه متأثراً بالتدفق الإعلامي الكبير الذي يصور الوثائق أنها الطاقة الكبرى وأنها الإحراج كله للبيت الأبيض كما أنها كارثية بالنسبة للوجود الأمريكي في العديد من البلدان وقد يعرضها للأخطار. هذا في حد ذاته يقدم رسالة مفادها تأكيد الانتباه الشديد لوثائق ويكليكس بما تقدمه في مضامينها.. ولاشك أن هذا هو المؤامرة الكبرى حين يريد الأميركي الاستخباراتي وضع كل الأنظمة بين هلالين "...." متواطئة، وباحثة عن ذاتها على حساب الجماهير.

وفي كل الأحوال فإن الحيطة والحذر من قبل الدوائر الحكومية في العديد من بلدان العالم الثالث هو الذي يبرز بعد وثائق ويكليكس إذ أن هذه التسريبات جعلت كل مسؤول يضع يده على قلبه، فالكثير منهم قدم نفسه مخلص ومتفانٍ للأميركي الذي لا يؤمن بالسرية ويرغب في تدمير العلاقة بين الشعب والسلطة لخلق فوضى بلا حدود وبعناوين أجنبية أو لنقل صهيوأميركية.. وهو أمر بدا في أحد أهم مستوياته لا أخلاقي وبالقدر الذي يشكل تقاطعاً بين الشعب والسلطة، بذات القدر يقدم أميركا دولة انتهازية بلا أخلاق وتكشف عن روح عدائية صاخبة حتى مع الخلص للمشروع الصهيوأميركي ، وهو ما يعني أن الكثير من الأنظمة والدوائر الحكومية لم تعد تثق بالأميركي الاستخباراتي والدبلوماسي والممثل للبيت الأبيض فجميعهم يعانون من أزمة لا أخلاقية ولا يعني مطلقاً الوثوق بهم وثمة تحايل يريد إبراز فعل المؤامرة وإن كان مجرد قول ساذج ربما في ساعة صفاء تم البوح به على غير قصد في الارتهان، ومع ذلك يقدمه ويكليكس وثيقة أقرب إلى أن تكون فضيحة.

على هذا الأساس فإن أياً من الأنظمة العربية وأجهزة الدولة في ذات الأنظمة لم تعد ترى ضرورة في التعاون السري وهو قابل للكشف والتعرية، ويبدو أن الخلل في الاستخبارات الأميركية التي سمحت لهكذا تسريبات أن تتم ثم الإدعاء بأن ذلك قد جرى خارجاً عن الإرادة وأن من يدير ذات الموقع يجب أن يسجن أو يقتل..إلخ.

تلك التسريبات التي لا تصدق والتي تريد التمويه على حقيقة أن أميركا كنظام في محصلته استخباراتي بقوة وليس فيه أي حضور أخلاقي يراعي على الأقل الطرف الآخر من الناحية الإنسانية، إذ أن رغبة الفوضى والهدم وإعادة البناء كفلسفة تفكيكية يقدمها الغرب الأمبرياليون "الكونيالي" هي التي تطغى على ما سواها ولا يهم وفق نظرة برجماتية صرفة، ما الذي يمكن أن تؤول إليه الأمور "فأنا ومن بعدي الطوفان" هو الشعار الأميركي الكبير الذي لا يعنيه إلا استلاب الإنسان وقهره وتدمير نظام الحياة الاجتماعية على حساب مصالح الأيديولوجيا الأمبريالية.. من هنا فإن ما تقدمه الولايات المتحدة الأميركية من وثائق لها أهدافها لابد وأن تضع علامة استفهام كبيرة في المستقبل إزاء أي مباحثات رسمية أو غير رسمية مع مسؤولين أميركان، أي أن التحفظ هو سيد الموقف، وهنا فقط فإن العلاقة بين البلدان الشرق أوسطية وعلى وجه الخصوص العربية والنظام الأميركي سيكون فاقد الثقة وقابلاً للمراوغة وعدم التعاطي معه بجدية، وفي أحسن الأحوال التحفظ أمام المخطط الأميركي الذي كان قابلاً لتسريبه إلى الشعوب وهو الآن أكثر صعوبة إلا إذا كانت هناك نقلة أخرى في السياسة الأميركية تبدأ من ويكليكس ، أي أن كاشفة الواقع وتقديمه هو العنوان الأبرز والانتقال من المسكوت عنه إلى المنطوق به هو الجديد الأمبريالي القادم، ووضع الجماهير أمام الصورة كاملة بمثابة تدجين لقادم يريد أن يتموضع، لكن هذا في كل الأحوال يقدم معه سؤالاً مهماً.. وهو هل ينجح هذا الأسلوب؟! وهل وصل الحال بالإنسان العربي إلى حالة اللامبالاة؟! أم أنه سيراهن على خيارته التاريخية ويقاوم الأنظمة وتحالفاتها الصهيوأميركية؟!

أسئلة في كل الأحوال أميركا تطرحها خيارات على الطاولة فإما الرضا بتمرير المخطط الصهيوأميركي على العلن أو الفوضى الماحقة بخلق علاقة ارتيابية بين الشعب والسلطة.

وفي كل الأحوال كلا الأمرين يؤديان إلى طموح صهيوأميركي يسمح بتمرير المخطط المعادي للأمة وهويتها الحضارية وتطلعاتها للسيادة والاستقلال.

وما يمكن أن يبقى في حالة الوعي بهذا التسريب السيء للوثائق عبر ويكليكس وتناوله إعلامياًُ باعتباره الدمار الجديد يفرض على مفاصل الدولة ورجالاتها.

إنتهاج رؤية جديدة في التعاطي مع المسؤولين الأميركيين بعدم التفريط في السيادة والاستقلال واعتبار ذلك هو الذي يحافظ على كسب ثقة الشعوب والبقاء في الحكم متى ما وجدت الشعوب القدرة لدى الحاكم في مواجهة أعداء الأمة على الأقل البقاء في الاستقلال والسيادة الوطنية.

هذا الوعي لابد أن يقدم نفسه كخيار منهجي في ظل دولة استخباراتية بجميع تكويناتها تعجز عن أن تكون مسؤولة لعشر سنوات، وتبحث عن خراب بيوت ودول ثم تتباكى وهي في أقصى حالات النزوع العدواني واللاأخلاقي الذي يبرهن وبقوة أن البقاء هنا للدولة وأجهزتها يكمن في التوازن وإعلاء القيمة الأخلاقية لمعنى الانتماء الوطني والتعهد لخيار السيادة والاستقلال.. هذا وحده الذي يحاصر المشروع الاستعماري ويغلق أمامه أي تناولات تستهدف خلق علاقة ارتيابية بين الشعوب والأنظمة.

ويبدو أن الراهن الاستعماري وهو ينمو باتجاه تمرير المشروع الأخطر على الأمة وهويتها قدم خدمة من حيث لا يدري حين كشف عن أخلاقياته المأزومة وتآمراته في النيل من الشعوب والأنظمة على السواء، وهو ما يعني أن المستقبل لابد وأن ينبني على المزيد من الاحتراز إزاء أي مباحثات مع المسؤولين الأميركيين واعتبار أي تسريبات وإن كانت بسيطة وتمس المصالح الوطنية ستبقى في المحصلة إدانة لأيٍ كان، على الأقل إن لم يحاسب عليها في الحاضر فإنها تحسب تاريخياً وهو مالا يمكن القبول به أو الرضوخ له.

من هنا يغدو موقع ويكليكس بكل ما يطرحه من عناوين تكشف عن مؤامرات وخيانات وتواطؤ مع الصهيوأميركي وتآمر بين الأشقاء بالقدر الذي يضع أكثر من علامة استفهام على الأنظمة فإنه بالمقابل يخلق مناخاً آخر تغدو فيه مراجعة الذات الحاكمة لذاتها أمراً على غاية من الأهمية لتعرف أن السبيل الوحيد للحفاظ على مصالحها كذات حاكمة يكمن في بناء علاقات قوية وثقة متبادلة مع الجماهير بالتعبير عن مصالحها الحقيقية والانحياز لقضاياها والتعبير عن هويتها في سياقها التاريخي الحضاري، وبدون ذلك فإنها تفقد مشروعيتها وتغدو مناهضتها مقاومة ضرورية للمشروع الصهيوأميركي.. هذا على الأقل ما يمكن أن تؤدي إليه وثائق ويكليكس المنشورة على الانترنت والتي يراقبها العديد من المسؤولين في الأنظمة العربية بقلق بالغ وخوف شديد فلربما تقدم جديداً يتناول مسؤولاً طالما زايد على القضايا الوطنية ووضع نفسه مناضلاً، ولكنه مع المسؤولين الأميركيين ارتهاني ولديه كامل الاستعداد لأن يغامر بكل شيء من أجل أن يجد مصالحه الذاتية، هذا لأن هو المربك للعديد من المسؤولين ويخشون الوقوع فيه ولكنهم بالمقابل من الآن فصاعداً غير مستعدين لأن يذهبوا إلى أبعد من الدولة الوطنية ومصالحها من أجل المشروع الصهيوأميركي ، وإذا كانوا قد سلموا أخلاقياً من تسريبات ويكليكس هذه المرة فإنهم حتماً لن يسلموا من الثانية، وهنا فقط لابد أن يكتسبوا أخلاقيات التعامل مع قضايا الوطن المصيرية فهي الضمان الحقيقي لأن يكونوا الأكثر قدرة على السيادة والاستقلال والبناء الوطني والدولة بهويتها الحضارية.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد