اليمن الطبيعي إقليم كبير في جزيرة العرب من الناحية التاريخية والجغرافية والاجتماعية؛ وسياسياً؛ تشكل الجمهورية اليمنية جزءاً من ذلك الإقليم، وتنتشر القبائل اليمنية في شمال الجزيرة العربية وفي شرقها، وفي الشام، وفي صعيد مصر وشمال أفريقيا؛ وحيث لا توجد تحسسات وهواجس وعقد، يعبر الناس في مناطق كثيرة في الوطن العربي عن اعتزازهم بأصولهم اليمنية ويبادؤونك بفخر ومودة: أصولنا من اليمن!
وحيث تتغلب الهواجس والعقد، قد يضطر الناس، للتنكر لهذا الانتماء العريق وتحاشيه، إن لم يكن التهجم عليه ومحاولة النيل منه، وقد يحدث ذلك بسبب ما يسمونها العقدة المضادة inticomplex، وإثبات الولاء، ولا يُستغرَب أن تجد في أيامنا يمنياً، من الخفيفين، قد يتنكر لوحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه ويناصر مشروع التجزئة، أو يسكت عنه، مقابل فتات، وقد يبالغ في ولائه لآخرين، حتى ممن قد يضرون باليمن. لكن ذلك ليس القاعدة بطبيعة الحال، واليمنيون يعتزون بيمنيتهم عبر العصور، منذ ما قبل عمرو بن معد يكرب الزُبيدي الذي قاوم الضيم والظلم مع طلائع اليمن في وقته حتى أتُّهِموا بالردة، والحسن بن أحمد الهمداني الذي كان يعتز بيمنيته وقحطانيته وينافح في سبيلهما بلا هوادة، في كل الظروف، وخاصة عندما تدلهم الخطوب ويتجاوز الظالمون المدى، مثل الآن. وحكاية الجنوب العربي الذي تبنته سياسة بريطانيا الماكرة، وما يتبناه أنصار الجنوب العربي، من تجديف باليمن وتنكر طفولي لها، تأتي في سياقات استهداف اليمن ووحدته واستقلاله وسيادته وكرامته.
خلال الألف والأربعمائة عاماً الماضية، كانت اليمن، إما ضمن الإمبراطوريات العربية، والإسلامية الكبيرة، أو شكلت دولاً أو دويلات، مستقرة أحياناً، ومتصارعة، أحياناً أخرى. وكان مشروع الإمامة معيقاً، وعامل اضطراب وفوضى، في المجمل، وما يزال.
وقبل الإسلام قامت دول عديدة وحضارات مزدهرة في إقليم اليمن، وتجاوز بعضها جزيرة العرب، وكانت اليمن مرادفة لجزيرة العرب، أحياناً. وتحدث التاريخ كثيرا عن اليمن السعيد أو العربية السعيدة Arabian Flex.
وعند الحديث الآن مع غير المتابعين في الغرب، فإن Arabia قد تكون مرادفاً للسعودية (Saudi Arabia )، باعتبارها أكبر وأبرز دول الجزيرة العربية في وقتنا.
وكثيرا ما تحدث الأمير نايف، بعمق عن طبيعة العلاقات، بين اليمن والسعودية، وقال في مقابلة مع صحيفة 26 سبتمبر اليمنية في 2002، السعودية ليست دولة خليجية، واليمن أقرب لنا، من كل الآخرين، مع احترامنا للأشقاء في الخليج، حسب الأمير، وعند لقائنا به في الرياض في 2012، سمعته، وكان ولياً للعهد، يثني على اليمنيين، وقال إن اليمنيين الذين يعملون عنده، مثل السعوديين، وأحسن، وكرر كلامه الذي كان قد تحدث به لصحيفة 26 سبتمبر قبل أكثر من عشر سنوات من لقائنا به، وكتبت معلقاً على كلام الأمير، الذي كنت أشعر أنه يعني ما يقول، عند عودتي إلى اليمن، بعد زيارة رسمية مع رئيس الوزراء؛ الأستاذ محمد باسندوه، متفائلاً بمستقل العلاقات بين البلدين.
ولذلك، وبسبب تلك الخصوصية، من الطبيعي أن يتحسس اليمنيون والسعوديون من بعض، إذا حدث ما يعكر أو يريب؛ فالزعل على قدر المودة، وفي سياق ذلك، كان غضب الكويتيين والسعوديين كبيراً من اليمن، عند غزو العراق للكويت، الذي كان خطأ تاريخياً فادحاً بالفعل، مع أن الظروف هي التي جعلت اليمن بعيدة، عن موقف أهل الجزيرة، في ذلك الزمن، فقد كانت اليمن، عضواً في مجلس التعاون العربي، البعيد عنها في الجغرافيا، ومستبعدة من عضوية دول مجلس التعاون الخليجي القريب منها، وحيث مكانها الطبيعي، وقدم العراق دعماً سياسياً قوياً للوحدة اليمنية. ويأتي في ذلك السياق، تحسس اليمنيين، من أي موقف سعودي غير متوقع، مثل السكوت على العبث في سقطرى، أو السكوت عن دعم الانفصاليين، أو تبنيهم في مجلس الرئاسة والحكومة، الذي لم يتضمن سوى محاولة الاعتراف بهم، ولم يتحقق أي شيء إيجابي مما تم الاتفاق عليه والوعد به لمصلحة اليمن جراء الاتفاقات مع الانتقالي وضمه في الحكومة والرئاسة، سوى خضوع الرئاسة والحكومة للانفصاليين في عدن. ومؤخراً، قال عيدروس الزبيدي لولا التحالف العربي لما استطعنا توفير هذه الإمكانات العسكرية لعشرات السنين، ويقصد القوات الداعمة لمشروع الانفصال!
على إثر انهيار الدولة العثمانية، وتوغل الدولتين الاستعماريتين، فرنسا وبريطانيا في شئون العرب، وقيام العديد من الدول الوطنية القطرية، في المنطقة العربية، وبعد حروبه مع العثمانيين؛ طالب الإمام يحيى بوحدة الأراضي اليمنية، ودخل في حرب مع الأدارسة والسعوديين، والبريطانيين، وخاض حروب أخرى مع جهات وأمراء آخرين في اليمن، واقترب في حروبه من تخوم عدن، لكنه انكفأ بعد ذلك، حيث تغلبت قوات بريطانيا العظمى، المتفوقة كثيراً، على قواته.
(يتبع)..