السياسي الانتهازي.. خطورة خطابه.. ومكامن الأزمة فيه

الخطاب التأزيمي الإلغائي المستند في حضوره إلى الماضوية السلبية.. إنما يعبر عن نزوع مريض لإسقاط القيم الوطنية

2010-12-25 14:56:42 الشموع/خاص



لا بد للفعاليات السياسية ان تدين بجرأة وقوة كل خطاب إقصائي يعتمد الطائفية في منطقه مستغلاً حالة التخلف والأمية والفقر لإبقاء خارج دائرة الإبداع والانتاج

تحتاج الفعاليات السياسية إلى ان تتقارب مع الواقع وان تتصالح مع ذاتها أولاً ثم مع الآخر لتقيم علاقة انتماء مع الوطن وتجنيبه احتمالات الكارثة القادمة التي يشتغل عليها اليوم كل من يدعو إلى الضدية ولا يقدم تنازلاً حقيقياً من أجل تجاوز الاحباطات التي يرسم ملامحها أعداء الوطن في الداخل والخارج ويقبل بها الساسة دونما وعي إلى أين تؤدي وما الذي ستفعله في الهوية الوطنية إذا ما استمرت اللغة الاقصائية والمكايدات السياسية هي بطاقة المستقبل الذي ترفضه قطعياً الجماهير ما دام يبنى على نظرة أحادية إلغائية ولا يشترك فيه الآخرون لإنجاز ما هو مستقبلي حقيقي وليس مزيفاً مبنياً على الادعاء والبطولات الوهمية واختلاق المبررات والأكاذيب ليبقى الراهن سلبياً ويوصد بقوة أبواب النجاة تحفظ للوطن وحدته وقوته ومنعته، ولعل اللجوء لبعض الشخصيات السياسية إلى الحرب الكلامية واشعال فتيل الأزمة تلو الأزمة أكان في مجلس النواب أو عبر الخطابات الحماسية أو الكلمة الإعلامية التي تركن إلى نبش الماضي واستحضاره بدلاً عن المستقبل وتريده مؤسساً على الواقع الذي لا يتطابق ولا يتصالح معه كونه ماضوياً منتهياً لم يبق منه إلا ما يشكل تاريخاً ينبغي تدوينه وليس العمل به، ويبدو أن الاستخذاء الجميل لدى بعض الذين يراهنون على المناطقية والطائفية ويروجون للوقيعة هم الذين يقعون أسرى الماضوية بامتياز ويطرحون الخطاب التأزيمي في مواجهة خطاب الحداثوية التي تبنى في الأساس على الروح الحضارية والوعي بالمستقبل وهو الابن الصلب للحاضر..
صحيح أن ثمة نسبة عالية من الأمية تصل إلى 70% لدى الإنسان اليمني وهي تفعل الكثير من الظلامي لكن ان يشتغل عليها أرباب السياسة من رؤية عرجاء للتاريخ فتلك أشبه بخيانة وطنية سيما وان ثمة من يريد القول صراحة وضمناً ان الصراع السياسي في اليمن هو ديني بين قوى أصولية وأخرى غير أصولية، وهذه الأخرى يريد ان يضعها بين قوسين "الزيدية" في حين ان الأمر ليس كذلك ويعرفه جيداً من يشتغل على هذه المعزوفة النشاز، وكأن ثمة دينياً قهرياً سلطوياً الغائياً يتقاطع مع الديمقراطية ويذهب إلى حد طمس "الزيدية" كمذهب رغم وجودها مئات السنين على هذه الأرض..
هذه المقاربة الخطرة هي التي تنجز المأساة وتصنع المعاناة وتفعل الكراهية بين أبناء الوطن الواحد، وهذه النظرة التاريخية ذات القصدية المريضة التي تستهدف الوقيعة بين أبناء الوطن الواحد هي التي لا بد من فهم مكوناتها السياسية والاقتصادية والثقافية لتجاوزها باعتبار أن خلق مناخ خصومه في الإطار الديني ذاته عبر صناعة التمذهب ربما يراد له ان يتشكل في محصلته سلبياً ليحدث الفوضى الخلاقة التي ينادي بها وتعمل من أجلها قوى ليبرالية لها ارتباطاتها مع الأوروأمريكي ولا تقبل بالوطني مستقلاً على الإطلاق.. هذا على الأقل ما أوضحته التجارب في تعامل هؤلاء الساسة مع القضايا الوطنية التي لم يخلص لها أبداً من يريدون الطائفية سائدة ويدفعون بها إلى مستوى التناحر في حين يدرك هؤلاء الذين يشتغلون على الماضي سلبياً أن ما يحدث من مواجهة هو بين الدولة والتمرد الحوثي الاثني عشري وان الخارجين على القانون لا بد ان يجدوا رادعاً لهم وان على القوى الوطنية ان تكشف هذا المعطى بموضوعية بدلاً من استغلاله بشكل انتهازي وروح تعادي الإنسان في ثقافته وجوهر انتمائه الديني، وتصدير لغة اتهامية تحريضية مزيفة كالقول ان الأصولية تريد محق الزيدية وشطبها وذلك مستحيل إذ كيف يشطب مذهب له مئات السنين..
والواقع أننا أمام تزييف للعقل واشتغال سلبي على العاطفة وكل ذلك من أجل ان ينظر إلى الديني بأنه العدو الأول للوحدة الوطنية.. وكان من حق أمثال هؤلاء الساسة الانتهازيين ان ينادوا بوضوح بالعلمانية فذلك أخف ضرراً وأقرب إلى المنطق الذي يستندون إليه ولكن بالمغالطات، من حقهم ان يقولوا بضرورة العلمانية للدولة اليمنية المدينية الحديثة ولكن ليس من باب اتهام ديني بالعنف ودفعه إلى المواجهة إذ كيف يمكن التوفيق في هذه الحال بين من يريد العلمانية للدولة اليمنية ولكنه في المحصلة يعمل على تزييف التاريخ ويشتغل على المواجهة بين أبناء الوطن.. إن مثل هذا ليس خيانة للوطن ولكن للضمير الإنساني، للروح المنادية بالعلمانية كأيديولوجيا رغم إدراكنا سلفاً ان هؤلاء العلمانيين ديمقراطيون جداً حين يكون الراهن لصالحهم لكنهم لا يقبلون الديمقراطية ومخرجاتها حين يرونها قوة حقيقية في يد الآخرين من أجل ذلك يفعلون الكثير من السلبي ويدخلون إلى ميادين الديمقراطية ليشطبوا منها حرية الرأي والرأي الآخر لتبقى حرية واحدة لهم فقط، ومثل هكذا ثقافة تأزيمية تعنون للخراب وتعمل على الإقصاء وتمارس سياسة القهر والتزييف بكل تأكيد هي انهزامية قبل أي قوى أخرى تناصبها الكراهية.
وهي في المحصلة لا يمكن ان تقدم أي نجاح يذكر في ميادين العمل والانجاز لأنها تركن إلى ثقافة العنف والغلط واستحضار التاريخ بأسلوب براجماتي ذاتي بحيث يدفعه ليس للإبداع وتجسيد الهوية الحضارية ولكن لمزيد من الاحتقانات والتمظهر بالديمقراطية في جانبها السلبي وليس الجانب المهم وهي أسلوب حياة ممنهجة واعية تشرك الكل وتؤمن بحقوق الآخرين وتتعهد برعاية الآخرين ما داموا أصحاب فكر سلمي يتعايش مع الآخر ويدفع به إلى ان يكون منتجاً وليس مستهلكا.
ويبدو ان من يقعون في فخ التمذهب من استحضار الماضوية المرهقة والمراهنة عليها هم الذين يريدون الأمية فعلاً انهزامياً مدعماً بالمغالطات التاريخية وتزييف الحاضر، هم الذين يرفضون حتى وهم علمانيون من هذا الباب ان يكون الوطني منتجاً ومبدعاً قدر ما يريدونه إنساناً يستورد الانهزامي ويعيش ويتعايش معه، أي أنهم يريدون الإنسان مجرد تابع خاضع يتقبل الوافد الماضوي ويبقى مستهلكاً غير قادر على الإبداع والتميز والفرادة من أجل الوطن بناء وتقدماً، وهنا تكمن الخطورة الحقيقية لمن يعملون على إحداث قطيعة بين أبناء الوطن الواحد بإثارة الطائفية الدينية وإثارة العاطفة لدى الإنسان البسيط وتحفيزه لأن يكون قابلاً للعنف.. هنا مكمن الخطر الكبير حيث التآمر على الإنسان من بُعده الديني الذي ينبغي الحفاظ على إيقاعاته كما هي ما دامت تنتج حباً وسلاماً واستقراراً.
هذا على الأقل ما يجب الإيمان به والعمل من أجله في ظل ظروف يواجهها الوطن في غاية من التعقيد فالفعاليات السياسية تأخذ منحىً عدمياً يضاف إلى ثقافة الكراهية والعنف وإلى الفساد المالي الإداري، وحالة الاحتقان المجتمعي التي نراها في التمرد الحوثي في الشمال والحراك الانفصالي في الجنوب والقاعدة الإرهابية التي يريد ذات مثقف وسياسي انتهازي ان يضيف إليها أو يلحق بها الأصولي السلفي ووسمه بالإرهابي وبأن الحوثية كتمرد اثني عشري صفوي إيراني هي زيدية يعمل على قهرها وشطبها الأصولي. 
مغالطات تاريخية تضاف إلى تداعياتٍ أتينا على ذكرها والنتيجة موت وطن فيه بذور الفتن والانقسام والتجزئة وكلها قابلة لأن تتبلور عملياً إذا ما استمرت هكذا ثقافة تسلطية لا تؤمن بالآخر وتدفعه لأن يكون محاصراً في زاوية اسمها الأصولية المتطرفة ذات التشظي الذي يريد السياسي الانتهازي ان يمتد إلى ما بعد الحدود اليمنية وكأنه وافد أو كأن دولاً شقيقة تعمل على تناميه، وتلك أزمة أخرى يشتغل عليها من لا يريدون للوطن السلامة والنجاة ويسعون في الأرض فساداً من خلال تحريك ثقافة لا وجود لها على الواقع سوى ما هو قائم على "الانثربولوجي" الاستخباراتي الذي يقدمه الأجنبي لساسة لم يعد يرون الوطن غير حالة استلابية ويبحثون عن قهرية الآخر ويستنجدون من أجل هذا بالأعداء يدفعون بهم إلى إلحاق أكبر الأذى بالوطن أرضاً وإنساناً.. وما لا بد من فهمه جيداً هو ان على الديني بأن يتجاوز هذه التهمة ويعمل على تخطئتها بالممارسة العملية وان تبقى أحزاب المشترك في حالة توحد بهموم الوطن وقراءة الآخر وما يريد الوصول إليه قراءة تكشف أزمة الضمير والأخلاق والوطنية بشفافية ودونما انصراف إلى السهل البسيط ودفن الرأس في الرمال كالنعامة فالأولى للمشترك ان يدافع بحماس وذكاء وفطنة لما يريد الآخر تصديره أياً كان هذا الآخر.
كما ان على الشعبي العام وأحزاب المشترك ان تدين بقوة وبوضوح وجرأة كل ما من شأنه إثارة المناطقية أو الطائفية بأي شكل من الاشكال واعتبار ذلك أقرب إلى ثقافة كراهية ونزوع نحو العنف لا يمكن القبول به.. هذا على الأقل من أجل تجاوز السياسي الانتهازي ومؤامراته..
 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد