المشترك/ الشعبي العام.. بين خيارات الوطني وتحديات المستقبل

2011-01-11 03:23:41 اخباراليوم /تقارير


عمق الثقة والمصداقية والعلاقة لدى المشترك هي القوة الحقيقية لاحترام الحقوق والحريات والتداول السلمي للسلطة
بمقدور الشعبي العام أن يغتنم الفرصة لشراكة وطنية مع الآخر اليوم قبل أن تفرضها الوقائع والأحداث غداً
الشفافية والمراجعة النقدية من يحمي المشترك من أية اختراقات تستهدف تفكيكه من قبل الشعبي العام
حين يفكر الشعبي العام في صياغة علاقة مع أي من أحزاب المشترك بانفراد، فإنه ينطلق من استحضار المستقبل بخلفية الحاضر فيها.
لذلك تكون هذه الصياغة برجماتية بحتة، ومجرد علاقة وقتية، تتغير بتغير الظرف، أي أنها قابلة للتحول من لقاء إلى قطيعة ومن حوار إلى مكايدات سياسية، ومن تناغم وانسجام إلى علاقة نشاز ونتوءات متعددة، ويبدو أن الشعبي العام وفق هذا التعامل الوقتي ومع أكثر من طرف وتعدد التجارب مع الآخرين، فقد قدراً كبيراً من الصدقية، وصار لا يؤمن التعايش معه.. لذلك فإن العلاقة وإن تمت صياغتها برجماتياً تبقى في حالة ريبة وتوجس واستدعاء التجارب السابقة لأي قادم.. ووفق هذا المعطى فإن الانجذاب إلى أي حوار مع الشعبي العام ليس له أن يكون مبنياً على الثقة الكاملة أكثر من أنه يبقى مفتوحاً على احتمالات إضافية فيها أسوأ الاحتمالات.
ويبدو أن هذه الاستحضارات الماضوية بكل إيقاعاتها السلبية، هي التي تبدو أكثر فاعلية من أي شيء آخر، وهي التي تجعل أحزاب المشترك كلاً على حده يعيشون مخاوف ما قد يصدره لهم الشعبي العام من مكائد للإيقاع بهم، كحلف تكمن قوته وفاعليته وتأثيره داخلياً وخارجياً، في الوفاق والاتفاق داخل المشترك والتي وصلت فيها الثقة إلى مستوى غير مسبوق في التاريخ السياسي المعاصر للوطن اليمني.. ولعل هذا الوعي العميق بأهمية الشراكة الوطنية بين الفعاليات السياسية قد خلق أزمات عديدة، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، لدى الشعبي العام الذي وجد نفسه منفرداً في الساحة، غير موثوق به ولا يقدر على صياغة علاقة بنيوية فاعلة مع الآخر، تنطلق من روح وطنية وحاجيات الوطن إلى الشراكة الكاملة الغير منقوصة.. لذلك يسعى إلى ذات المحرك الأول لبناء العلاقات وهو طرح المزيد من المغرى لكل حزب على حده، باعتبار أن ذلك هو المجال الذي يقدر على تحريك مربع السياسة إلى الأمام بما يكفل له ـ أي الشعبي العام ـ من أن يكون قابضاً على مفردات الواقع وعلى المضي في الاتجاه الذي يريده من تغييرات لم تعد تنبني على حاجيات الواقع ومن أجل المستقبل، قدر كونها تلبية رغبات نظام يقبل بأن يمنح هامشاً من سلطته إلى الآخر في حدود ما يحقق المصلحة، أي أن البرجماتية هي الأبرز في كل مساره وتوجهاته السياسية وهي محكومة بتقلبات الواقع ومتغيراته، وبين سياسة تلبي الذاتية السلطوية، وسياسة تبحث عن علاقة شراكة من أجل المستقبل، يحدث التعامل الحذر بين أطياف المشهد السياسي، ويحدث ومن واقع الخبرة والتجربة لأحزاب المشترك أن تزيد من تمتين حضورها بمزيد من الثقة والرؤية الوطنية بشفافية لا تقبل مطلقاً سوء الظن واحتمالات الذي قد يحدث.
لأن هذا السؤال التوجسي الإرتيابي لم يعد أحد يستخدمه في إطار المشترك بمختلف أيديولوجيتهم، قدر ما هو أداة وعي حصيف رشيد في التعامل به مع الشعبي العام، الذي لم يكن في كل حواراته وشراكته مع الآخرين إلا متربصاً، يسعى إلى الوقيعة ويستخدم الفعاليات السياسية مجرد كروت قابلة لأن تنتهي الصلاحية، ومن ذات المنهج يشتغل المشترك لأن تبقى هذه الكروت غير قابلة للاستخدام الوقتي، وصالحة للمستقبل بكل إيقاعاته ولا تقبل بأن تسخر في أغراض ذاتية أو برجماتية ولا يمكن ذلك وضمن هذا الفهم الدقيق للشعبي العام ومساره.
 من هنا يقدم المشترك الصياغة الواقعية لشراكة وطنية وبمحددات واضحة غير مبهمة وهي في ذات الذهنية لدى الإصلاح والاشتراكي والوحدوي الناصري، تحمل ذات المعنى وذات البعد وأي تأويل يريد الآخر تحقيقه فإنه يفشل تماماً، لأن المراجعة النقدية المستمرة تلغي التأويلي، تجعله مقصياً وغير قابل لأن يحقق أبسط غرض للشعبي العام على سبيل المثال.
من هنا يحدث للشعبي العام أن يقدم بعض محاولات لاختراق المشترك وتفكيكه تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب وثالثة بالتأويل، غير أن محصلة كل ذلك يتلاشى، لأن ثمة مراجعات مستمرة بشفافية ومصداقية وباستحضار كل الاحتمالات التي قد تجعل الشعبي العام يتسرب منها، ليتم وضعها بين هلالين من خلال الوضوح الكامل والقصدية الوطنية.. على هذا الأساس فإن الشعبي العام، يجد نفسه وقد تحول من لاعب كروت قابلة للاحتراق، إلى كرت حارق مادام ينطلق في علاقاته من البرجماتية.
 من هنا فإن فقدان القيمة الأخلاقية والاحتمالية الظنية في أن الآخر قابل لأن يتعثر بعد أن يتحقق منه الغرض المطلوب، بات غير مقبول على أرض الواقع وفي صياغة العلاقات السياسية، لأن المشترك أولاً يستحضر التعامل مع الشعبي العام ماضوياً.. وثانياً لأنه ينطلق في صياغة شراكته من قيم الانتماء الوطني بوضوح وشفافية لا تقبل أي انتهازية أو بحث عن مكسب آني ذاتي.
هذا وحده عطل مشروع الشعبي العام في خلخلة أحزاب المشترك ليبقى في الساحة الوطنية منفرداً غير موثوق به، ومطالباً بضمانات قوية، يركن إليها المتحاور معه بأنها لا تقبل فض الشراكة والتنصل من الالتزام في مسيرة البناء الوطني، وبأنه سيبقى في ذات الالتزام بشفافية ويتحمل كامل المسؤولية في أي إخفاقات لهذه الشراكة الوطنية، يأتي عليها أو يعمل على التلكؤ في المضي إلى حيث المتفق.
 من هنا وجد الشعبي نفسه أمام خيارات صعبة ومريرة، فإما أن تكون العلاقة هي القطيعة وبالتالي فإن للواقع أجندته السياسية التي تخلق أزمة تلو أزمة لم يعد الواقع يقبل بها ولم يعد المجتمع قادراً على تحملها.
وبالتالي تتحول إلى أزمة في البنية الحزبية للشعبي العام وتتحول الصراعات من مرحلة المواجهة مع المشترك إلى مرحلة مواجهة للشعبي العام، بمعنى أن التفرد بالسلطة وغياب الشراكة الوطنية مع الآخرين ومناقشة المشكلات المجتمعية هي الكفيلة باحتدام الصراع داخل الشعبي العام بين قوى إقصائية وأخرى متفتحة مع الآخر ولعل هذا الصراع قد يصل في مستوياته إلى تسهيل مهمة المشترك في التداول السلمي للسلطة، حينما يقع الشعبي العام في فشل إدارته للواقع وهو معطل من الشراكة مع الآخرين، ويعمل بتفرد وبدون رؤية منهجية واضحة وإصلاح مالي وإداري.. إلخ ، متطلبات البناء المستقبلي الذي لا يمكن أن يكون فعلاً وطنياً، إلا من خلال الإيمان بالآخر وصياغة علاقة معه متطورة وصادقة تعير للقيم الوطنية المعنى الأكبر والأهم.
ضمن هذا السياق المبني على التناقض والصراع الداخلي للشعبي العام، فإن الكثير من السلطوي قابل للاهتزاز والتعثر، لذلك تبقى احتمالات تصدير الأزمة من داخل الشعبي العام إلى أحزاب المشترك مجرد محاولة، أخيرة، الإخفاق فيها يشير إلى بوصلة وطن جديد، البديل فيه للأكثر نفاذاً إلى بواطن الأمور والأكثر قدرة على التعامل مع الجميع ضمن مواطنة متساوية والأكثر إخلاصاً في أن يكون الكل شركاء بناء وتنمية.
ولعل ما هو سائد اليوم من تذبذبات في العلاقة بين الشعبي العام وأحزاب المشترك تدعو الشعبي العام على وجه التحديد إلى أن يدرس خيارات الأفضلية له كحزب حاكم أولاً، وللوطن ثانيا.. وفي تقديرنا إن الأفضلية هو التعاطي مع الواقعي بصدق وشفافية ودعوة للآخر بأن يتحمل المسؤولية والشراكة الوطنية، وليس بمقدور الشعبي العام إلا أن يمضي في هذا الاتجاه الإجباري كاستحقاق وطني وخيار مستقبلي يحقق حتى المصالح الذاتية لسلطة الشعبي العام، سيما وأن كل ما هو قائم اليوم لا يساعد على التفرد والإقصاء، فالحراك الانفصالي في الجنوب والتمرد الحوثي في الشمال وإرهاب القاعدة في الوطن والفساد بكل أشكاله ولسالبيه وحياة المواطن بكل ما فيها في الشمال، وإرهاب القاعدة في الوطن والفساد بكل أشكاله وأساليبه وحياة المواطن بكل ما فيها من ضيق وشقاء وغلاء أسعار وبطالة وأمية إلخ، كل هذا كفيل بأن يشكل قوة تدمير هائلة لكل مكاسب الثورة والوحدة، وهو ما تراهن عليه القوى الظلامية التي تجد في القطيعة بين الشعبي العام وأحزاب المشترك البوابة الأبرز للدخول إلى تحشيد لأزمة جماهيرية ومن ثم وضع الوطن على مفترق طرق وخيارات صعبة يفقد الجميع عنصر وجودهم وتواجدهم، كما يفقدون كل مكاسبهم.
وإذا ما ألقينا نظرة على مساحة الانهيار اليوم وعلى كافة الصُعد، سنجد أننا أمام نظام بات غير قادر على المحافظة على مكتسبات النصر العظيم "الوحدة الوطنية" والتي تشهد تراجعاً حقيقياً يتحمل الشعبي العام ـ باعتباره الحزب الحاكم ـ مسؤولية ما قد يترتب على ذلك من إخفاقات تعمل على تفكيك الوطن وتشظيه وتدفع به إلى حالة اللا أمن واللاإستقرار.
وفي تقديرنا الكبير إن مواجهة كل هذه الاحتمالات مازالت ممكنة وقوية لدى الشعبي العام لو أنه تجرد من الذاتية وسعى إلى خلق شراكة وطنية قوية وعمل على تطبيق النظام والقانون والمواطنة المتساوية.. إن هذا وحده هو الكفيل بأن يمضي الجميع نحو المستقبل بخيارات البناء والتنمية وليس الهدم، وبخيارات التعددية السياسية وليس الشمولية وباحترام حقوق وحريات الإنسان، وليس بالإقصاء والتسلط ومصادرة الحريات والحقوق المدنية.
لا مندوحة إذاً من أن على الشعبي العام تقع دراسة الخيار الوطني الأفضل، ليكون الحوار مع أحزاب المشترك مثمراً وقابلاً لأن يترجم إلى لحمة وطنية تسد فجوة من يريدون الوطن قابلاًً للدمار.
وفي المقابل لا بد لأحزاب المشترك أن تبقى في جوهر علاقاتها ذات إيمان عميق بالآخر والثقة في أن القدرة على صياغة مستقبل أفضل تكمن في قوة وقدرة أحزاب المشترك على المزيد من توطيد الثقة التي لا تقبل أي علامة استفهام أخرى يريد الآخر الوصول من خلالها لإفشال وطن بأسره من أن يصنع مستقبله.
قوة أحزاب المشترك في حواراتها الراسخة والمتينة والصادقة التي تؤكد عمق الوعي بالتلاحم والشراكة وصعوبة أن يقبل أي منها بأي مغرى، يحاول أن يجرها إليه الشعبي العام، ليحقق سيادته وتسلطه على وطن بأسره إن كان ثمة تداعيات في أحزاب المشترك.
 لقد آمنت هذه القوى الوطنية بالشراكة من أجل المستقبل ولديها تجربة غنية وثرية مع الشعبي العام، وعليها أن تستفيد بأقصى ما تستطيع في تشكيل قوة وطنية، تعنى بالسلم والاستقرار والسيادة الوطنية والتداول السلمي للسلطة، وتسقط أي حسابات أو رهانات تحاول أن تحدث خرقاً في هذه الشراكة.
من هنا فقط لا بد للشعبي العام أن يدرك بأن أحزاب المشترك هي صمام أمان لوطن امتلك ثورة ومبادئ وأنجز وحدة، قادر على النأي بها من الوقوع في فخ المصالح الذاتية، لأن ثمة وطناً لا بد للشعبي العام أن يأتي إليه إجبارياً وخير له أن يبدأ اليوم قبل أن يخسر غداً، فلا يملك غير الاتجاه الإجباري مجبراً.
 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد