الأسرة.. مودة ورحمة

2011-01-18 00:05:04 د.رضوان احمد شمسان الشيباني


   خلق الله عز وجل هذا الكون بنظام دقيق أساسه التركيبة الثنائية (الذكر و الأنثى) و لذا نجد الزوجية في كل شيء و قد تختلف كيفيتها باختلاف المخلوقات و ما خلقت له، لكن غايتها واحدة و هي تحقيق التوافق و الانسجام بين كل منهما فيحدث التأثير و التأثر. 
كل ذلك ضروري لانتظام الحياة.. و الإنسان أحد أهم الصور الزوجية التي خلقها الله عز وجل، حيث زوده بالعقل وجعل توافقه لا يقتصر على غريزة حب البقاء والتوالد فقط كبقية الأزواج الحيوانية و إنما جعل التوافق إمكانية الاستمرار حتى عندما تخبو جذوة الرغبات الغرائزية، فترى الأزواج من كبار السن أكثر قرباً من بعض فقد ولَّدت العشرة الطويلة بينهما رباط يجعل كل منهما مرآة للأخر حتى أنك لتشعر انك أمام إنسان واحد في تفكيره و عاداته و طريقة حياته.
  كل ذلك لتحقيق رسالة سامية و عظيمة تتمثل في تحقيق العبودية الصادقة للخالق و التي منها عمارة الأرض و بناؤها لذا فقد كانت الأسرة الأساس الأهم لبناء المجتمع أي انه إذا كان الأساس قوياً كان البناء قوياً وصامداً.
لكي تكون الأسرة سعيدة:
  و لذلك اهتم الإسلام بالأسرة اهتماماً بالغاً و حدد بدقة بالغة دور كل من الذكر والأنثى في هذا البناء وجعل دور كل منها أساساً لاستمرار وانتظام حياة الأسرة و أبرز هذا الدور بشكل حقوق وواجبات متبادلة و لا تقف هذه الحقوق عند أطراف العلاقة الزوجية و إنما تنسحب بكل تبعاتها على الأبناء.
 أيضاً فقد أوجب على الزوج حسن الاختيار لبعضهما، فلا يختار الزوج أماً لأولاده يعيرونهم بها أو تنقل لهم صفات وراثية تحد أو تعرقل التقدم في حياتهم و كذا على الزوجة و أهلها أن يختاروا أباً يحسن القيام بمهمة الأبوة و حتى تسمية الأولاد لابد أن تختار بعناية، فقد جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين إن ابني هذا عقني فالتفت عمر إلى الابن وسأله لم تعق أباك ؟ فقال الابن : اسمع منى يا أمير المؤمنين، إن أبي هذا عمد إلى أخس جارية و أولدني منها ثم سماني "جُعل" و الجُعل دابة صغيرة لا تعيش الإ في القاذورات و إذا مسها الطيب ماتت ، و فيها يقول الشاعر: إن طيب المسك يؤدي ذي بالجعل ـ ثم استطرد الابن قائلا: و لم يعلمن شيئاً من كتاب الله ولا من سنة رسوله ولا القراءة والكتابة ، فألتفت عمر رضي الله عنه إلى الأب و قال : لقد عققت ولدك قبل أن يعقك.
وتتمثل خلاصة هذه الواجبات في:
1) توفير المرأة لزوجها في نفسها و بيتها كل ما يجذبه إليها، أولها أنوثتها و رقتها و حياؤها و عطفها و حنوها، فتكون له خير متاع الدنيا و إذا نظر إليها سرته و تبسمت له و إن غاب عنها حفظته ـ بحيث تغنيه و تعفه من البحث عن علاقات خارج نطاق الزوجية، فتكون له مسكنه و سكنه وراحته في نفسه و جسده.
2) توفير الرجل لزوجته في نفسه كل ما يرضي ويوافق خصائصها و طباعها الأنثوية مع الاحترام لأدميتها و إشعارها بالقدرة على حمايتها و توفير أسباب الأمن لها، فالزوج الأمثل كما قال احدهم هو الذي يغني المرأة عن الحاجة إلى أهلها فضلا عن غيرهم، و أن يقدم كل ما يكفي لاعفافها حتى يصير سكنها و مسكنها و راحتها في نفسها و جسدها .
كل يكمل الآخر:
و حتى يتحقق ذلك لابد من احترام كل منهما لدور الآخر فلا يتعدى احدهما على خصائص الآخر ودوره، فإذا ترجلت المرأة و تأنث الرجل فلا فائدة من هذا البناء لأن الأساس أشرف على الانقضاء و لن يقيمه شيء. فخصائص الذكورة يجب أن تحفظ في الرجل و خصائص الأنوثة تحفظ في المرأة و يجب نقل هذه الخصائص إلى الأبناء ذكوراً و إناثاً، حتى يصير بناء الأسرة قوياً شامخاً، فالعلاقة بين الاثنين علاقة تكاملية لا علاقة تضاد أو تناقض ـ كما قد يتصورها البعض ـ فهي كعلاقة الليل والنهار اللذين يكونان اليوم كاملاً، فلا تضاد أو تناقض.. فلا يعمل القفل دون المفتاح و كذا مفاتيح البيانو لها لونان ابيض واسود فإذا عزف العازف على احد اللونين فقط صار اللحن نشازا سمجاً لا ترتاح إليه الآذان.
و قد كان أحد أشهر العازفين السود في أمريكا أحسن من يعزف السلام الوطني فطلب منه مسؤول كبير في البيت الأبيض أن يعزف السلام الوطني ـ وكان المسؤول من العنصريين الذين يحتقرون السود ـ فقام العازف وعزف بالمفاتيح البيضاء فقط فصار اللحن نشازا، فاستغرب المسؤول كيف وأنت المشهور بعزف النشيد الوطني فقال العازف الأسود يا سيدي لقد عزفت على المفاتيح البيضاء فقط لأني لم أحب أن أضايقك بسماع صوت المفاتيح السوداء.
و عندها اعتذر المسؤول و فهم الرسالة.
لابد من الاحترام:
هكذا الحياة الزوجية و هكذا يجب أن تفهم فلا قيمة و لا معنى لقيام أسرة يحتقر الرجل فيها المرأة ويشعرها بالدونية ولا قيمة أيضا لأسرة لا تحترم فيها المرأة زوجها و أبرز مظاهر الاحترام التعامل بين طرفي الأسرة بمعيار موضوعي و بأن كل منهما إنسان غير معصوم لذا لابد من السماح بوجود هامش للخطأ الإنساني المعتاد، فالمعاملة المثالية (الطوباوية) تحتاج إلى ملائكة، و قد أوجز القرآن ببلاغة لا ترام هذه العلاقة فقال تعالى: (و جعل بينكم مودة ورحمة).
فإذا كانت العلاقة تقوم على المودة و الرحمة بين الزوجين كان الأساس قوياً و أمكن قيام الأسرة السعيدة و استمرارها. 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد