كيف يكون الفشل ايجابيا؟

2011-01-18 00:15:10 ندى قنبر


 كلما رأيت طفلا يدرس في مدرسة أهلية، اخبرني أو أخبرتني أمه بأنه الأول على الصف، و في
حالات نادرة الثاني، لدرجة انه خيل إلي أن عدد الأطفال بالصفوف في المدارس الأهلية لا يتجاوز الطفلين، أحدهم يحصل على المركز الأول، و الآخر على الثاني! ظل الموضوع عالقا بذهني حتى التقيت مديرة في احد المدارس الأهلية ذائعة الصيت ،وفهمت أن ما يحدث هو الاستسلام لرغبة أولياء الأمور الذين لا يقبلون أبدا أن يتجاوز أبناءهم المركز الثاني بغض النظر عن قدراتهم و أهليتهم، و بغض النظر عن تجاوز الأطفال الناجحين و المتفوقين حقا و الذين حرموا من فرحة التميز بسبب أنانية الكبار.
 بدت المديرة مقتنعة جدا بوجهة النظر هذه و دافعت عنها موقنة بأن حصول بعض الأطفال على مراكز متأخرة أو درجات قليلة مقارنة بأطفال آخرين سيولد عندهم عقدة قد تحول بينهم و بين المدرسة إلى الأبد ، و الأفضل أن يكون الجميع على قدم المساواة في الدرجات و "مافيش حد أحسن من حد". طبعا بالنسبة للقائمين على المدارس "للموضوع بعد تجاري لا يخفى على احد و لكن لسنا بصدده الآن".
المقلق في الموضوع هو انه إذا كانت هذه هي العقلية التي يتم التعامل بها مع أبنائنا من قبل التربويين و أولياء الأمور، فعلينا ألا ننتظر الكثير من الجيل القادم.
 جميع الآباء يخافون من تعثر أطفالهم في المدرسة، و كأنه لزاما على كل أب أن يكون أبناؤه من العباقرة.
و هذا حق مشروع مادام يتخذ الشكل الصحيح. يجب أن يتعلم أطفالنا منذ الصغر و يدركوا جيدا بأن النجاح يُصنع و لا يُوهب، و أن الوصول إلى الهدف هو خيار يتحمل مسئولية تحقيقه الطفل، و أن كل ما يزرعه يجنيه، فإذا زرع جد و مثابرة حصد نجاحا و ألقا، و إن زرع كسلا و لهوا جنى فشلا و ألما. هذه قيمة أخلاقية و تربوية مهمة ينبغي ألا يغفلها المربون لأنها سوف تؤثر على كل مجال سيخوض غماره الطفل في المستقبل.
الإفراط في حماية الأبناء من تجارب الحياة و الخوف عليهم من الفشل و التعثر تحت مبرر تفادي الألم عند الطفل، أو الإحالة دون تطور العقد النفسية لن يقود إلا إلى رجل أو امرأة ذو شخصية ضعيفة سلبية غير قادرة على مواجهة الحياة و مصاعبها. وقد أثبتت الدراسات أن الكثير من الأشخاص ذوي الشخصيات الانطوائية يعزو السبب في معظم حالاتهم إلى حماية زائدة من الأهل و إفراط في التدليل في فترة الطفولة المبكرة.
و بدلا من أن يعمل المربون على الهروب من المشكلة وإرسال رسائل خاطئة إلى الطفل بأنه سينجح سواء اجتهد أم لا، و أن جميع القدرات متكافئة، عليهم تحويل عجز أبنائهم أو فشلهم إلى طاقة ايجابية عن طريق خلق الدافعية عندهم، و استثارة مواطن الإبداع لديهم، و معرفة نقاط ضعفهم و العمل عليها،و خلق فرص تساعد الطفل في إدراك مكامن قوته و نقاط ضعفه، و يجب تشجيع الطفل على المنافسة الشريفة التي تخلق التحدي و تعزز الثقة بالنفس، و تعويده إدراك الفروقات الفردية و الاختلافات بينه و بين نظرائه. و هذا ما يقلب المعادلة و ينقلب الفشل و التعثر إلى نجاح، و هذا هو الفشل الايجابي. وربما يؤدي إخفاق الطفل إلى وقوف الوالدين عند السبب الحقيقي وراءه و الذي قد يكون مرده إلى مشاكل عقلية عند الطفل كعسر القراءة، أو التوحد، أو النشاط الزائد.
 التجارب الذي يمر بها الطفل سواء في المدرسة أو المنزل التي يعتقد الآباء و المربون أنها تجارب أليمة أو محبطة للطفل و من ثم يحاولون علاجها بالتهرب منها هي جزء لا يتجزأ من عملية النمو الذاتي عند الأطفال و التي تجعل منهم أشخاصا أكثر نضجا و قوة و ثقة بالنفس وأدرى بقدراتهم الحقيقية و بالمدى الذي يمكن أن يوصلوا إليه في المستقبل. ليس القصد من هذا هو معاملة الأطفال بقسوة كما قد يفهم أو إهمالهم تحت دعوى بان عليهم أن يتعلموا من أخطائهم، لكن المعنى يكمن في أن على الطفل أن يعي جيدا بان النجاح قيمة بحد ذاته ، وحق مكتسب و ليس حق طبيعي و لذا عليه أن يعمل جاهدا حتى يستحقه.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد