غور الأردن وعمليات التهويد الجديدة

2008-08-04 05:07:33

علي بدوان

كشفت مصادر إسرائيلية مسؤولة مؤخرا، عن نية الحكومة الإسرائيلية العودة لتنشيط وإحياء مشاريع الاستيطان الاستعماري التوسعي التهويدي في منطقة غور الأردن، وعلى طول امتداد الشريط الفاصل بين فلسطين والأردن. وأشارت المصادر نفسها إلى أن وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك بصدد إعطاء الضوء الأخضر لبناء (20) مسكناً جديداً في موقع مستعمرة »ماسكيوت« في غور الأردن، وأن مئات المستعمرين اليهود الذين غادروا مستعمرات قطاع غزة عقب تفكيكها عام 2005، سيكونون من رواد مستعمرات غور الأردن القادمة خلال فترة قد لا تكون بعيدة.

ومن الواضح أن مشاريع الاستيطان التوسعي التهويدي الصهيوني، تأتي مترافقة ومتكاملة مع عمليات الاستيطان التوسعي الناشطة في قلب مدينة القدس الشرقية وفي أحيائها العربية المجاورة لوسط المدينة، وفي المناطق المحيطة بها. فحملة الاستيطان الصهيونية تشهد الآن في مناطق القدس زخماً كبيراً في البناء لم تعهده منذ سنين طويلة، حيث سجل مؤخراً ارتفاع بنسبة تربو على (400%) في شراء الشقق الاستيطانية، فضلا عن مناطق الجولان السوري المحتل.

حيث تجري أيضاً عمليات استيطان وتهويد خافتة، ضمن خطة تعزيز ما يسمى ب»الاستيطان اليهودي« في الجولان فوق أراض جديدة بمساحة (80) دونما في منطقة البطيحة في أقصى جنوب هضبة الجولان، على ملتقى الحدود الأردنية السورية الفلسطينية، من أجل بناء قرية سياحية في منطقة تل الصيادين على الساحل الشرقي لبحيرة طبريا، إضافة إلى البدء ببناء قرية سياحية على أنقاض بلدة بانياس السورية المحتلة والواقعة شمال الهضبة، وقرية سياحية أخرى على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا في منطقة الكرسي من الأراضي السورية المحتلة.

وفي الخطوة الإسرائيلية الجديدة بالنسبة لغور الأردن، فقد استدارت عمليات التهويد لتندفع الآن لتنشيط عمليات التوسع التهويدي في مناطق الأغوار، في خطوات إسرائيلية محسوبة لأغراض بعيدة، يقع على رأسها منع قيام كيان فلسطيني مشاطئ للبحر الميت.

ومنعه أيضاً من التماس الجغرافي مع أي رقعة أرض عربية، والاحتفاظ بشريط طويل وعريض على امتداد غور الأردن من أقصى الشمال عند بلدة الشونة وصولاً إلى شرق مدينة إيلات، مع السيطرة الكاملة على الشاطئ الغربي للبحر الميت ووضع اليد على ثرواته الطبيعية.

وانطلاقاً من هذا المعطى فإن الحالة القائمة راهناً على امتداد غربي غور الأردن، تشي بأن المساعي الإسرائيلية تتكرس يومياً على الأرض لتنفيذ التصور الإسرائيلي حيال أي خطوات قادمة في مسار التسوية.

وهو ما أفصح عنه إيهود أولمرت منذ إعلان برنامجه الذي جاء به إلى موقعه في قيادة الائتلاف الحكومي، معلناً تمسكه بالإرث الذي خلفه الجنرال أرييل شارون، الراقد في موته البيولوجي والدماغي، متمسكاً برؤيته للتسوية النهائية التي تشكل مساحة التقاطع والإجماع المشترك بين مكونات الخريطة السياسية الإسرائيلية. . وفيها تبقي إسرائيل سيطرتها على مناطق تصل مساحتها إلى حوالي (200) كيلومتر مربع (أي ما نسبته 3% من مساحة الضفة الغربية)، والمقصود قطعاً هو الضفة الغربية دون القدس الكبرى التي لا يحسبها الإسرائيليون جزءاً من الضفة الغربية والمناطق المحتلة عام 1967، مع تطويق الكيان الفلسطيني المفترض من كل الجهات، والاحتفاظ بشريط غور الأردن بشكل نهائي وتام.

ومن حيث البعد الاستراتيجي بالنسبة للدولة الصهيونية، فان لغور الأردن مكانة هامة في الرؤية السياسية الإسرائيلية، باعتبار أن المساعي الإسرائيلية صبت دوماً في اتجاه منع أي تواصل جغرافي بين الكيان الفلسطيني المفترض وأي من الدول العربية المجاورة وتطويقه كلياً. وبالتالي فإن مسألة السيطرة على غور الأردن.

واعتباره بمثابة الحدود الشرقية الطبيعية للدولة العبرية الصهيونية، تقع على سلم أولويات التوافق والإجماع الصهيوني، فضلا عن أن حدود كهذه ستمنع بالضرورة وجود أي شكل من أشكال التواصل بين الكيان الفلسطيني المفترض والدولة العربية الشقيقة المجاورة لفلسطين، وهو ما يحرم الفلسطينيين أيضاً بعدهم القومي، ويجعل من كيانهم المنتظر أشبه بالمعازل التي كانت سائدة إبان حكم التمييز العنصري في جنوب إفريقيا.

وعليه، فإن المصادر الإسرائيلية تكرر القول دوماً بأن مصير غور الأردن سيكون باعتباره: »حدودنا الأمنية والآمنة على امتداد النهر. ولهذه المسألة اعتبارات استراتيجية لا نستطيع التنازل عنها«. . أما من حيث المعطيات على الأرض، فيبلغ عدد المستعمرات الإسرائيلية المقامة على امتداد غور الأردن (26) مستوطنة، تضم في ثناياها بضعة آلاف من اليهود المستوطنين، وسط (150) ألف مواطن فلسطيني يقطنون في (20) تجمعاً دائماً، وعدة آلاف يعيشون في تجمعات متحركة، حيث تعتبر منطقة الأغوار وأراضيها ذات المياه الوفيرة نسبياً، منطقة رزق للفلسطينيين.

ومصدرا هام للزراعة والإنتاج الحيواني الذي يسد رمق عشرات الآلاف من الأسر والعائلات التي تعتاش على العمل المباشر فوق الأرض الفلسطينية هناك، فضلاً عما تشكله منطقة الأغوار من رافد جيد للاقتصاد الوطني الفلسطيني ولسكان الضفة الغربية بشكل عام.

في الوقت الذي سعت فيه حكومات إسرائيل المتعاقبة لتوسيع حدود مستوطنات الغور وإيجاد اتصال مباشر بينها وبين الكتل الكبرى للاستيطان التهويدي شرقي مدينة القدس، وتحديداً بينها وبين كتل استيطان »معاليه أدوميم« و»جفعات زئيف« حتى البحر الميت، فضلاً عن توسيع مستعمرة »غوش عصيون« على تخوم مدينة الخليل حتى الأغوار الجنوبية.

وفي هذا السياق، كانت الحكومات الإسرائيلية السابقة قد خصصت للمستوطنات الإسرائيلية في غور الأردن أراضي فلسطينية واسعة بغرض استيطانها، وتركتها تنهب على يد أحزاب الاستيطان واليمين التوراتي، بذريعة »الأسباب الأمنية« والعسكرية، وفق استراتيجية »السور والبرج«، أي المستعمرة والموقع العسكري. فأغلبية مستوطنات غور الأردن ومعسكرات جيش الاحتلال، أقيمت على أراضي من تسميهم المصادر الإسرائيلية »الغائبين«، بما في ذلك الأملاك العامة من أراضي الغور.

وفي مطلق الأحوال، تنظر القيادة العسكرية والأمنية الإسرائيلية في تقاريرها التي سبق وأن قدمتها للجنرال شارون قيل موته السريري، ووفق الخطة التي طرحها إيهود أولمرت في إطار التقارير المشار إليها، ضم شريط طوله (120) كيلومترا، وعرضه الأقصى (15) كيلومترا على امتداد الخط الفاصل بين الأردن وحدود فلسطين المعروفة منذ العام 1916، خصوصاً.

وأن غور الأردن يقع في المنطقة (ج) من خارطة »بقع جلد النمر« في اتفاق أوسلو، وهي المناطق الواقعة تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية الكاملة، باستثناء جيب مدينة أريحا الواقعة تحت السيطرة المدنية والأمنية الفلسطينية، وفق اتفاق أوسلو الأول وتطبيقاته. <

* كاتب فلسطيني

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد