حماس والمشاركة في السلطة.. هل كان القرار خاطئاً؟

2008-08-06 04:44:39 * بلال الشوبكي


حققت حماس في الخامس والعشرين من يناير عام 2006 فوزاً انتخابياً، دفعها لتكون في سدة الحكم بسرعة لم يتوقعها الكثيرون، وبانتخابات نزيهة وديمقراطية تمكنت تلك الحركة الفتية قياساً بعمر الحركات الأخرى أن تمتلك شرعية سياسيةً وقانونية لتقود المركب السياسي الرسمي الفلسطيني. وصول حماس السلمي للسلطة جاء متناغماً مع الأعراف والمواثيق الدولية، مخالفة بذلك ما هو رائج عالمياً من تشكيك في قدرة الحركات الإسلامية على التواؤم مع صيغة العمل السياسي الديمقراطي، انطلاقاً من جدلية الأيدولوجيا والديمقراطية.

حماس التي اختارت ولوج عالم السياسة من باب المؤسسات بعد أن بلغت من العمر ثمانية عشر ربيعاً، قوبلت بقراءات عديدة في مجملها كانت تؤشر على أن حماس لن تكون سوى أقلية برلمانية، مبررين استنتاجهم ذلك بأن حماس لا تنتظر إلا أن تكون في موقع المعارضة، كما أن عمرها السياسي لا يتيح لها أن تكون في موقع الحكم، مضافاً اليها قراءات رأت في قبول حماس تجربة الانتخابات استدراجاً لها من قبل بعض القوى الدولية ومعها اسرائيل، لاحتواء حماس وتحجيمها في قالب السلطة الفلسطينية.

نتائج الانتخابات كما أشرنا بداية لم تأت متوافقة مع القراءات التي رُوّج لها قبيل الانتخابات، فتحولت حماس بين ليلة وضحاها الى الفصيل رقم واحد في المشهد السياسي الفلسطيني. تبعات ذلك التطور فاقت عين الشمس وضوحاً، فالحصار المفروض على الشعب الفلسطيني منذ ما بعد الخامس والعشرين من يناير 2006، تتجلى مظاهره في كل بيت ومؤسسة فلسطينية، سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً.

بعد عامين أو زد قليلاً من وصول حماس إلى سدة الحكم وما تخلل تلك الحقبة الصغيرة من تطورات عظام، جاز لنا الادعاء بأن برنامج حماس الحكومي لم يعد تغييراً وإصلاحاً للسلطة الفلسطينية، فقد تحول برنامجها كرهاً إلى فك الحصار بل إلى تعزيز الصمود في أحيان كثيرة. تَحوُّل البرنامج عملياً، وبقائه نظرياً مكّن المراقبين من توجيه تساؤلاتهم لحماس، فأين هي من البرنامج الذي خطته لنفسها، وعلى أساسه أصبحت في الحكم؟ وهل يتحمل الشارع مسؤولية حصار العالم لها؟ أما كان متوقعاً لدى ساسة حماس أن يواجهوا بتلك الطريقة؟

أسئلة تحتاج البحر مداداً ووجه بها قادة حماس، كرّستها تلك المشاهد المؤلمة التي باتت تقض مضاجع الفلسطينيين، في غزة والضفة على حد سواء. اليوم وبعد أن أصبح حكم حماس لغزة واقعاً ملموساً، وفي ضوء أحداث غزة الأخيرة، أعيد إنتاج بعض التساؤلات ضمن إطار غزة الضيق، مضمونها يشير إلى جدوى السيطرة على القطاع، وهل سقطت حماس في مستنقع غزة؟ لتقود نهاية إلى سؤال عام، يمثل مراجعة لمجمل الوجود الحمساوي في السلطة، مفاده: هل أخطأت حماس حين شاركت في الانتخابات التشريعية؟

حماس.. وخطأ ما بعد المشاركة

باتباع نهج استنباطي في التحليل، سنحلل العام قبل الخاص، فنحاول الاجابة على آخر التساؤلات، فهل أخطأت حماس فعلاً بقرار المشاركة في الانتخابات؟

إجابة التساؤل تحمل ضمناً البحث في دوافع المشاركة وأسبابها، حينها يصبح الحكم على قرار المشاركة وفقاً لهذه الدوافع أمراً متاحاً. دوافع المشاركة وفقاً لحماس، وعلى لسان من أعلن قرار المشاركة حينها -الدكتور محمد غزال- تأتي كمحاولة من الحركة لتدعيم السلطة وإصلاحها كي تكون مؤهلة للوقوف في وجه الضغوط الأمريكية المطالبة بمزيد من التنازلات لإسرائيل خاصة بعد رحيل ياسر عرفات.

لحماس أن تعلن ما تشاء من تصريحات، ولنا كمراقبين أن نحلل معطيات الواقع فنخرج باستنتاجات غير تلك المعلنة من الساسة، إن كان قرار المشاركة بالنسبة لحماس يأتي في سياق تمكين مؤسسات السلطة من مواجهة الضغوط الخارجية، فلماذا لم تشارك في انتخابات عام 1996، ألم تعان السلطة ضغوطاً في تلك الفترة؟.

كمراقب لمتغيرات المشهد الفلسطينية وارتباطاته الإقليمية، لا يمكن أن يرى قرار مشاركة حماس في الانتخابات بعيدا عن متغيرات ثلاثة، يمكن إجمالها في الآتي:

أولا: متغير إقليمي أوسع من الدائرة الفلسطينية، حمل إشارات تقدم الاسلاميين في كثير من الدول العربية، بينها مصر والأردن ودول الخليج، فحين أصبح بروز الاخوان المسلمين في تلك البلدن قاسماً مشتركاً، شكل دافعاً لحركة حماس كامتداد فكري لتك الحركة أن تسير على درب الحركة الأم.

ثانيا: متغير فلسطيني، برهن أول المتغيرات حين أظهرت نتائج الانتخابات المحلية الفلسطينية، تقدم حركة حماس، وتقلص الوزن الشعبي لحركة فتح، بما يعطي حافزاً لحركة حماس كي تتقدم خطوات إلى الأمام على سلم إدارة الحياة السياسية الفلسطينية؟

ثالثا: مشهد إسرائيلي، ساهم في تغيير ملامح الوضع الفلسطيني الداخلي وإدخال عوامل جديدة مؤثرة في قرار الحركات الفلسطينية إجمالاً. المشهد اكتمل حين أكملت إسرائيل انسحابها من قطاع غزة. ذلك الانسحاب الذي جاء أحادي الجانب حرم السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن من الزعم بأنه إنجاز للمفاوض الفلسطيني، بما يعني تلقائياً أن حركات المقاومة وعلى رأسها حركة حماس من حقها الإعلان بأنه إنجاز لها.

حركة حماس تقول أن مقاومتها ساهمت في تحرير القطاع ولو جزئيا، وبناء على هذا القول توجب على حماس اتخاذ قرار حول ماهية العمل بعد تحرير القطاع، فإن كان لها الفضل في ذالك الإنجاز فعليها الآن مسئولية إدارة ما حررته من أراض.

إدارة الأراضي المحررة، لا يمكن أن تتم بمعزل عن المشاركة في السلطة، لذلك كان قرار المشاركة في الانتخابات، وبما أن مشاركتها لا يمكن أن تقتصر على غزة المحررة، ففي ذلك تكريس لتقسيم الوطن، كان القرار مشاركة كاملة في الانتخابات التشريعية.

هذا القرار، ووفقاً للمتغيرات سابقة الذكر لا يمكن اعتباره قراراً عفوياً، بل حكيماً، خاصة بعد انسحاب إسرائيل من القطاع، وسليماً حين كان قرار المشاركة وفق نهج ديمقراطي. لكن ما بعد قرار المشاركة أثار تساؤلات أخرى حول مرجعية المشاركة، والموقف من أوسلو؟

قوبلت حماس منذ لحظات الفوز الأولى، بأنها تشارك في سلطة أوسلو، وأن الانتخابات جرت وفقاً لمرجعية حددتها الاتفاقيات مع إسرائيل، وعليها أن تحترم بل تلتزم بكل ذلك. وهنا تجدر الإشارة إلى مايلي:

بالنسبة لمرجعية الانتخابات التشريعية الأخيرة والادعاء بأنها جرت وفقا لأوسلو، أمر يحتاج الى تدقيق، حين نقول أن هناك مرجعية ما لنشاط ما، فإن المنطق يشي بأن تكون تلك المرجعية عاملاً محدداً لذلك النشاط. بالنسبة للانتخابات التشريعية فإنها لم تتحدد وفقا لمرجعية أوسلو وإنما وفقاً لاتفاق فلسطيني داخلي تمثل في اتفاق القاهرة عام 2005. فقد خالفت الانتخابات التشريعية الأخيرة أوسلو وملاحقها حين تم تحديد نظام انتخابي جديد - نظام المناصفة (قوائم ودوائر) ، وحين تم زيادة عدد الأعضاء في المجلس إلى 132 عضواً.

أما بالنسبة لأسلو، فإن اعتبرناه عقداً قانونياً ملزماً، علينا اتباع لغة القانون حكماً بين المتخاصمين. لأي عقد قانوني عناصر وشروط، وبمخالفة أي منها يعتبر العقد لاغياً بما يعنيه ذلك من تبعات واستحقاقات، جزء من أوسلو كعقد عنصر الزمن الذي يقضي بإنشاء دولة فلسطينية بعد خمس سنوات من إنشاء سلطة الحكم الذاتي، وهو ما تم مخالفته، إضافة لكثير من البنود.

وإن اعتبرناه اتفاقاً سياسياً، علينا قراءة المشهد كي يتسنى الحكم على استمرارية أوسلو من عدمها, حين يخوض الشعب الفلسطيني انتفاضة لست سنوات ضد الاحتلال الإسرائيلي بعد أن وُقِّع أوسلو، وحين تدمر مؤسسات السلطة بآليات الاحتلال الإسرائيلي، وحين تعلن قيادات إسرائيل أن أوسلو قد مات، هل ما زال الحديث عن أوسلو كمرجعية أمر تدعمه الوقائع؟

وفقاً لهذه القراءة، فإن قرار المشاركة لا يأتي مخالفة لبرنامج حماس السياسي، وبما أن برنامج حماس مرفوض من قبل إسرائيل، والعديد من القوى الدولية، فإن محاربة حماس أمر متوقع، وبناء عليه وجه كثير من المراقبين اللوم لحماس أنها لم تتنبأ بالموقف الدولي مما بعد قرار المشاركة.

عودة لتصريح محمد غزال، حين أشار إلى أن المشاركة تأتي في سياق حماية السلطة من الضغوط، فإن في التصريح ما يشير إلى أن حماس تدرك حجم الضغوط على السلطة قبل دخولها، وهو ما يعني أن الادعاء بعدم تنبؤ حماس للموقف الدولي اللاحق لمشاركتها في الانتخابات، لا يجد مقومات الأخذ به.

الصورة الآن يمكن توضيحها في أن قرار المشاركة لم يكن خطأً حمساوياً، لكن الخطأ يكمن فيما اختارته حماس لنفسها من برنامج انتخابي مروس بالتغيير والإصلاح، في ضوء علمها بما ستؤول إليه الأوضاع حين تفوز. هنا خرج الكثيرون باستنتاج مفاده أن حماس لم تسع سوى لأن تكون معارضة، ساند هذا التحليل تصريحات من القيادة السياسية في حماس.

وهنا أخطأت حماس مرة أخرى، فبالإضافة إلى أن برنامجها مثقل بقضايا لا يمكن تحقيقها إلا في إطار نظام سياسي مستقر وسلطة مستقلة، فإن توقعها لأن تكون في موقع المعارضة لا يأتي منسجماً مع المتغير الثاني الذي طرحناه سابقاً حول تقدمها في الانتخابات المحلية، بما يعني أن فوزها في الانتخابات التشريعية أمر ممكن ومتوقع.

حماس ضيقت الخيارات

ثاني تساؤلات هذا التحليل، والمتعلق بسيطرة حماس على قطاع غزة، يمكن معالجته كالتالي:

لا يمكن بأي حال الدفاع عن استخدام القوة في حسم الخلافات الداخلية من قبل أي طرف، مهما كانت مصداقيته. السبب: أن الخلاف بين الفلسطينيين سياسي فقط، وبالتالي لا يمكن اعتبار هذا العامل مبرراً لاستخدام القوة، حتى وإن تمادى البعض في موقفهم السياسي، بشكل يثير التساؤلات حول وطنيتهم. فالعنف بين أبناء الدم الواحد لا يولد إلا الحقد الذي سيمهد لمرحلة من الكراهية والانفصام بين أبناء الشعب، وهي ما بدأت تتجلّى في كل حي وبيت فلسطيني.

أما الآن وقد تمت السيطرة على غزة، فإن التقييم، فيما بعد تلك السيطرة. إذا كان معيار التقييم هو استقرار الساحة السياسية، فإن حماس خاسرة وفق هذا التقييم، إذ أن مجرد مشاركتها في الانتخابات جلبت الحصار للفلسطينيين، فكيف بسيطرتها على جزء من أراضي السلطة؟ خطوة كهذه لن تجلب بل لم تجلب بحكم أنها أصبحت واقعاً، أي استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي، حتى فيما يخص الوضع الأمني الذي اتسم بالانضباط خلال سيطرة حماس، بدأ بالتهاوي مؤخراً، وآخرها أحداث الشجاعية.

أما إذا كان المعيار هو التخلص مما تراه حماس مجموعات الخارجين عن الصف الوطني (من وجهة نظر حماس) فهي حققت ذلك فعلاً، لكن ما أهمية هذه الخطوة وأين استفادت حماس منها؟ فالمقارنة ما بين وجود تلك الجماعات وزوالها لا تشير بتحسن الأوضاع بعدهم.

كما أن التقييم الشمولي للوضع الفلسطيني، بمعنى إدخال الضفة الغربية كعامل محدد في تقييمنا لخطوة حماس في السيطرة على غزة، تؤكد أن حماس لم تكن موفقة في تلك الخطوة، فإذا كنا سنفترض جدلا أن غزة تعيش حالة من الاستقرار، وبذلك تحسب نقطة لحماس، فما هو وضع حماس في الضفة، على صعيد فردي ومؤسساتي؟ فمقابل النفوذ الحمساوي في قطاع غزة، هناك ضمور مؤسساتي لحماس في الضفة، وتلاشي لصوتهم في كافة المناسبات، تحت مبرر يكاد يكون مقبولاً للجميع، أن ما يجري في الضفة لحماس يجري في غزة لفتح.

المشكلة التي واجهت حماس حين قوبلت بكل تلك الضغوط، أنها وضعت نفسها بين خيارين لا ثالث لهما، إما النجاح وتحقيق برنامجها، وإما المواجهة بشتى الطرق والبقاء في السلطة. لا أحد ينكر على حماس حقها في تولي السلطة بحكم أغلبيتها البرلمانية، لكن هناك من الخيارات وإن بدت للبعض انهزاماً أو هروباً، إلا أنها على المدى البعيد تعني حكمة وحلماً لم يعتد عليهما الشعب الفلسطيني. فتكون النتيجة التقاط للأنفاس وتعديل لمكامن الخطأ، ومنح الشارع لفرصة تأكيد خياره أو تعديله، في أقرب محطة انتخابية.

* باحث في المركز الفلسطيني للديمقراطية والدراسات والأبحاث

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد