لماذا تصمت اليمن حيال الصناديق السيادية ؟ وكيف تستثمر احتياطها من النقد الأجنبي ؟

2008-08-10 04:37:59 تقرير : فاروق مقبل الكمالي


في مارس الماضي أعلن صندوق النقد الدولي تكثيف عملة المعني بصناديق الثروة السيادية وهي مجموعة من صناديق الاستثمار الحكومية وقد أعلن صندوق النقد حينها في نشرته الخاصة أن أصول الصناديق السيادية قد تتراوح بين 6 و 10 تريليون دولار أمريكي في غضون خمس سنوات وانه سيواصل التقدم على مختلف الأصعدة فيما يخص صناديق الثروة السيادية ويتعاون مع صناديق الثروة السيادية لصياغة رؤية متفق عليها بشأن أفضل الممارسات موضحا أن صناديق الثروة السيادية تكتسب أهمية متزايدة في النظام النقدي والمالي الدولي وأن ذلك دفعه إلى تكثيف الجهود في مختلف القضايا المتعلقة بهذه الصناديق الحكومية، و تأثيرها على الاستقرار المالي والتدفقات الرأسمالية في جميع أنحاء العالم .

بعد ذلك بوقت قصير أعلنت الحكومة السعودية رفضها القاطع تأسيس صندوق سيادي للاستثمار الخارجي الرفض السعودي جاء على لسان وزير ماليتها، الدكتور إبراهيم عبد العزيز العساف، الذي نفى قطعياً أية نية لدى الحكومة السعودية لتأسيس صندوق سيادي للاستثمار الخارجي.

وقال الدكتور العساف: إن الحكومة السعودية غير مطمئنة حتى الآن للدخول في استثمارات ذات آجال طويلة ومخاطر عالية في الخارج فضلاً عن وجود فرص استثمارية كبيرة داخل المملكة العربية السعودية تحقق عوائد مجزية. مبررات الرفض بحسب العساف أنهم يفضلون الاستثمار في أصول ذات عوائد مناسبة ودرجة مخاطر منخفضة خاصة وأن الأمر يتعلق باستثمارات موارد لنا شركاء فيها وهم الأجيال القادمة.

الحكومة اليمنية ممثلة بوزارة المالية لم تعلن رفضها تأسيس صندوق سيادي لاستثمار احتياطها النقدي من العملات الصعبة ولم تعلن القبول بمبادرة صندوق النقد الدولي بهذا الخصوص بل وكما هو الحال دائما يبدو أنه لم يحن الوقت لدى الحكومة اليمنية للقبول أو الاعتراض العلني على أي شي يقدم من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي لكنها في النهاية غالبا ما تظهر وقد قبلت بأشياء توجع الرأس وتدمي الجسد ولم يعد مهما لديها أن يكون الأمر متعلق بإدارة واستثمار موارد لها فيها شركاء أكانوا من الجيل الحاضر أو الأجيال القادمة (وهنا من المهم أن ندرك أنه لاعلاقة بين الصناديق السيادية والصناديق التي توجد في اليمن وتتبع بعض الوزارات والهيئات فهذه الأخيرة شأن يمني يشبه تماما حصالات الجمعيات الخيرية ومراكز السرطان الموضوعة في بعض البقالات ودكاكين الصرافة ولا تستثمر إلا عواطف محبي الصدقة والمحسنين. )

ولكن الحكومة اليمنية أيضاء لم تقرر حتى السير على منوال جارتها الكبرى في إعلان تأسيس شركة استثمارية لتولى هذا الأمر وهذا غير معقول حتى الآن فقد أشار وزير المالية السعودي إلى إن حكومة المملكة ستمضي في تأسيس شركة استثمارية برأسمال قدره 20 مليار ريال سعودي، لتكون شركة مساهمة مملوكة في البداية لصندوق الاستثمارات العامة، وقابلة لدخول مساهمين آخرين من القطاع الخاص في مرحلة لاحقة. مكتفيا بخصوص الصناديق السيادية بالدعوة إلى عدم وضع قيود على التدفقات المالية بين دول العالم، وهو ما يشمل استثمارات الصناديق السيادية، والاستثمار المؤسسي سواءً كانت التدفقات من الاقتصادات الناشئة أو النامية للدول المتقدمة أو العكس، لاسيما في الظروف الحالية التي يحتاج فيها النظام المالي العالمي إلى هذه التدفقات أكثر من أي وقت آخر. . وتعد وجهة النظر السعودية هذه منطقية كثيرا إزاء المخاوف التي يفرضها تزايد صناديق الثروة السيادية والتي منها ما يتعلق بالدور الموسع الذي تؤديه الحكومات في الأسواق والصناعات الدولية. ويعرب بعض المراقبين عن قلقهم من أن يكون وراء استثمارات صندوق الثروة دوافع سياسية في بعض الحالات.كما إنه من المسائل التي أُثيرت أيضا في هذا الخصوص كيفية إدخال صناديق الثروة السيادية ضمن صياغة السياسة المحلية الُقطرية. وفي نفس الوقت، تشعر البلدان التي لديها صناديق من هذا النوع بالقلق من القيود الحمائية المفروضة على استثماراتها، وهو مايمكن أن يعيق تدفق رؤوس الأعمال الدولية.وكان الرئيس الأمريكي، چورچ بوش،قد أصدر توجيهات بإصدار قانون أمريكي يعزز مراجعات الأمن القومي للصفقات الأجنبية مع التأكيد في نفس الوقت على الترحيب بالاستثمار الأجنبي، وذلك في أعقاب ضخ عدة صناديق تسيطر عليها حكومات من الشرق الأوسط وآسيا، عشرات المليارات من الدولارات في بنوك أمريكية كبرى تشتد حاجتها إلى السيولة لشطب خسائر تتعلق باستثمارات في رهون عقارية عالية المخاطر بالولايات المتحدة الأمريكية. لكن مدير أحد المحافظ في .>> سكاجن جلوبال» النرويجية يجد أن أمريكا والدول الأوروبية تقع في معضلة الحاجة إلى التمويل من جهة، وعدم الرغبة في التنازل عن السيطرة والتحكم في العالم من جهة أخرى، ومن ثم لا ترغب في بيع جزء من بنيتها التحتية الأساسية.

لكن الحكومة اليمنية لديها احتياطي نقدي من العملات الأجنبية يبلغ 8 مليار دولار حسب آخر تقرير للبنك المركزي اليمني في يوليو الجاري ولدى البنك المركزي اليمني أيضاء ميزانية تبلغ 1,7 تريليون ريال وهي لم تعلن بعد عن الطريقة أو الكيفية التي ستتبعها في إدارة واستثمار هذا الاحتياطي النقدي المعلن عنه بما يعود بالنفع على الاقتصادي اليمني بدلا من ترك ذلك الاحتياطي مجمد في خزانات البنوك الخارجية أو خزانة البنك المركزي اليمني في الوقت الذي أنهت غالبية الحكومات الصالحة معضلة تجميد إحتياطاتها النقدية أما بتأسيس شركات لاستثمار ذلك الاحتياطي مثل السعودية أو تكوين صناديق سيادية لإدارتها مثل ما عملت الإمارات العربية المتحدة وما أبدته نحو ست دول عربية أخرى من رغبه في تأسيس صندوق سيادي وقت تمتلك أكثر من 20 دولة على المستوى العالمي صناديق للثروة السيادية، وصل حجم رؤوس أموالها الإجمالي في عام 2007م إلى 3 تريليونات دولار أمريكي. فيما تشير الإحصاءات المتوافرة عن تلك الصناديق إلى أن حجم رؤوس أموالها الإجمالي كان يبلغ، على أقصى تقدير، نحو 500 مليار دولار أمريكي في عام 1990م، وتتوقع إحصاءات صندوق النقد الدولي أن يصل حجم رؤوس أموالها إلى نحو 12 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2015م ويشار إلى أن أكثر من 50% من إجمالي هذه الأصول في حوزة صناديق الثروة السيادية التابعة للدول الرئيسية المصدرة للبترول والغاز الطبيعي. وتأتي الإمارات العربية المتحدة والنرويج والصين والكويت وروسيا وسنغافورة من بين الدول التي تضم أكبر الصناديق السيادية على مستوى العالم، إضافة إلى كل من ألاسكا، كندا، ترينيداد وتوباجو، إيران، بروناي، وكازاخستان.

ربما تبقى المعضلة أن الحكومة اليمنية لاتدري ماينبغي بها أن تفعله حيال احتياطها من النقد الأجنبي لكن المشكلة أن يكون لدى الحكومة شعور بأن هذا الاحتياطي يخصها وليس لها فيه شريك من الجيل الحالي أو الأجيال القادمة وبالتالي ترى أنها ليست مطالبة باتخاذ أية إجراءات تصب في صالح تحقيق أية عوائد اقتصادية من استثمار احتياطها من النقد الأجنبي بالطرق التي يقترحها صندوق النقد أو التي تبادر إليها العديد من الحكومات والبلدان الشقيقة والصديقة لكن وجهة نظر للحكومة اليمنية ووزارة المالية تحديدا حيال ما يتفاعل معه الأصدقاء والأعداء سلبا وإيجابا أمر كان لبد منه على الأقل لنشعر أننا كيمنيين نعيش في هذا العالم . أولنعرف على الأقل أنه ليس لدى حكومتنا أية فوائض في حسابها الجاري من ميزان مدفوعاتها مع العالم وأن مالديها لايزيد عن الاحتياجات التمويلية لأغراض أنية .

ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء الدكتور طه الفسيل أنه حتى الآن لا يوجد لدى الحكومة اليمنية مثل هذا الإطار وأنه لكي تتمكن الحكومة من الاستثمار في سندات الخزانة الأميركية وتستفيد من ذلك في الاقتصاد فلابد أن يوجد فائض في حساب الحكومة موضحا أنه يمكن استثمار الاحتياطي النقدي ويقول الدكتور الفسيل أن السعودية لديها صندوق سيادي عبارة عن شركات سعودية كبيرة تستثمر داخل السعودية مبالغ كبيرة من فوائض حسابات الحكومة ومن احتياطها النقدي

وحتى نكون على بينة مما يطلب منا ينبغي بنا معرفة ماهية الصناديق السيادية وما أهميتها ؟

حيث تعرف صناديق الثروة السيادية Sovereign Wealth Funds بأنها عبارة عن صناديق مُكلِّفة بإدارة الاحتياطيات الدولية لحكومات الدول التي لديها مدخرات تفوق استثماراتها بشكل متواصل (فوائض متتالية في الحساب الجاري) مما وفر ثروات تطلبت سياسة استثمارية مدروسة نتج عنها حيازة هذه الحكومات لأصول مالية أجنبية (مقومة بعملة بلد آخر). وغالباً ما تتكون هذه الاحتياطيات لدولة ما عندما يتوفر لديها فائض متواصل في الحساب الجاري من ميزان مدفوعاتها مع العالم الخارجي إلى الدرجة التي تتراكم عندها هذه الفوائض المتتالية على شكل احتياطيات دولية تصل إلى مستويات تزيد عن الاحتياجات التمويلية لأغراض آنية، وبالتالي يستطيع القائمون على إدارة هذا الاقتصاد إنشاء صندوق للثروة السيادية بغرض إدارة تلك الأرصدة الإضافية من الاحتياطيات الدولية. وقد اكتسبت صناديق الثروة السيادية أهمية متزايدة في النظام النقدي والمالي الدولي، بعد نجاحها في ضخ رؤوس أموال تجاوزت 40 مليار دولار أمريكي منذ شهر نوفمبر 2007م في المصارف الأوروبية والأمريكية (مثل سيتي بنك وميريل لنش) التي تكبدت خسائر فادحة نتيجة أزمة القروض العقارية الأمريكية. وهكذا أصبحت هذه الصناديق موضع اهتمام متزايد من محللي أسواق المال وصانعي السياسات والهيئات التشريعية الوطنية ووسائل الإعلام، بسبب الجدل الدائر حولها، حيث تساور الدول المتلقية مخاوف بشأن صناديق الثروة السيادية في ضوء تزايد أحجامها واتساع نشاطها وتنوع استراتيچياتها الاستثمارية. كذلك تشعر الدول المالكة لهذه الصناديق بالقلق من ردود الأفعال المحتملة للدول المتلقية، حيث تصاعدت الأصوات التي تنادي حكومات الدول المتلقية بسن تشريعات حمائية تفرض قيوداً على مثل هذه التدفقات بحجة حماية أمنها القومي وتقليل النفوذ السياسي لهذه الصناديق.

أنواع الصناديق السيادية :

وتتخذ صناديق الثروة السيادية حتى الآن خمسة أشكال تباعا للغرض من الصندوق ويشير تقرير الاستقرار المالي العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي (أكتوبر 2007م) إلى أنه يمكن تمييز صناديق الثروة السيادية حسب الغرض الرئيسي من تأسيسها إلى خمسة أنواع هي:

صناديق الاستقرار: ويتمثل هدفها الأساسي في حماية الموازنة العامة للدولة والاقتصاد ككل وتحقيق استقرار سعر صرف عملاتها مقابل تقلبات ميزان المدفوعات الناشئة عن تقلبات أسعار السلع وخاصة البترول.

صناديق احتياطي (مدخرات) الأجيال القادمة: وتهدف إلى تحويل الأصول غير المتجددة إلى حافظة أصول أكثر تنوعاً.

شركات استثمار الاحتياطيات: وهي التي لا تزال أصولها تدرج في الغالب ضمن فئة الأصول الاحتياطية المحتفظ بها لدى المصرف المركزي، وتتميز برغبتها المتزايدة لتحمل المزيد من المخاطر في سبيل تحقيق عوائد أعلى، ومن ثم الحد من تكاليف الفرصة البديلة لحيازة الاحتياطيات الدولية.

صناديق التنمية: وهي التي تساعد في العادة على تمويل المشاريع ذات الشقين الاجتماعي والاقتصادي والتي يمكن أن تعزز نمو الناتج المحتمل في الاقتصاد المعني.

صناديق احتياطيات طوارئ التقاعد: وهي تغطي التزامات التقاعد الطارئة غير المحددة في الموازنة العامة للدولة (من مصادر بخلاف اشتراكات الأفراد في معاشات التقاعد).

منافع

وربما تنطوي صناديق الثروة السيادية على مجموعة من المنافع الاقتصادية والمالية المختلفة. فهي حسب الخبراء والمختصين تفيد في اجتناب دورات الرواج والكساد في بلدانها المنشِئة، وتسهِّل ادخار عائدات الفوائض التي تحققها المالية العامة من صادرات السلع وعمليات الخصخصة ثم تحويلها للأجيال التالية. وتسمح صناديق الثروة السيادية أيضا بمزيد من التنويع في أصول الحافظة وبزيادة التركيز على العائدات مقارنة بما يحدث عادة في حالة الأصول الاحتياطية التي يديرها البنك المركزي، ومن ثم الحد من تكاليف الفرصة البديلة لحيازة الاحتياطيات .ويقول خبير صناديق الثروة السيادية في إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية بصندوق النقد ، أن زيادة التنويع وتوخي المزيد من الحذر في تحقيقه يعكس الإدارة السليمة والمسئولة للأصول في حالة الاقتصادات التي تتمتع بأصول احتياطية أجنبية وفيرة. وقد كسبت الصناديق التي تمكنت من ضخ سيولة كبيرة في البنوك الأمريكية عقب أزمة الرهون العقارية عالية المخاطر ترحَّيب خبراء صندوق النقد نظراً لما حققته من أثر إيجابي على استقرار الأسواق العالمية.ما دفع خبراء الصندوق الإشارة إلى أنه من منظور الأسواق المالية الدولية، يمكن لهذه الصناديق أن تساعد في رفع الكفاءة التوزيعية للإيرادات المتحققة من فوائض الموازين التجارية السلعية في بعض الدول مع العالم الخارجي وأن تعزز سيولة أسواق المال بشكل عام، وخاصة خلال فترات الضغوط المالية العالمية، حيث يغلب على نشاط هذه الصناديق طابع الاستثمارات طويلة الأجل مع ندرة اللجوء إلى السحب من الموارد المستثمرة بما يسمح لها بالصمود أمام ضغوط السوق خلال فترات وقوع الأزمات وكذلك التخفيف من حدة التقلب.

 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد