مؤسسات تناست دورها لصالح رايات جزئية ..الهوية الوطنية والولاء المفقود

2008-08-13 05:01:30

تحقيق/ عبد الحافظ هزاع الصمدي

عدم تكريس الثقافة الوطنية في بلادنا.. تهاون يختزل الولاء للوطن حتى أصبح مبرر كل مخالف القول: أنت في بلاد اليمن.. ولعل "مصر" نجحت في تكريس الثقافة الوطنية وتعميق حب الوطن في أدبياتها اليومية؛ فالكل يحيا من أجل مصر ويتباين الموقف في اليمن، فالكل ينعتها بالغجرية وينفي عنها صفة السعيدة وأدبياتنا في الإتجاه المعاكس للولاء بمسلسلاتنا وإعلامنا حتى ثقافتنا الشعبية "الكل يلعن أبوها بلاد فقيراً كان أو غني في عهد رخى أو شدة، فعدم الإهتمام بالثقافة الوطنية التجاوزات اللامبالية ولدت قناعات تنظر للوطن بطرف غير مكترث.

فكيف تناست المؤسسات التعليمية والإعلامية دورها ليصبح المؤثر لا يؤثر؟.

يقول الدكتور "محمد عباد" أخصائي علم اجتماع إن الوطن بحاجة إلى ولاء أكبر وأعمق لأنه تلاشى الولاء الوطني فكيف ستفتدي الوطن بروحك إذا كنت لا تواليه فلابد من تكريس الثقافة الوطنية ليسمو حب الوطن فوق حب الفكر والمذهب والحزب والولد وأغلى من حب الروح التي حباها الثوار كهبة للوطن يقول الشاعر الزبيري: بحثت عن هبة أحبوكيا وطني ... فلم أجد لك إلا قلبي الدامي.

فرعونية مصر ودحبشة اليمن

المتتبع للثقافة المصرية يجد أن المواطن المصري بمختلف الرؤى والأفكار وحتى الأديان يحب مصر بل يفتخر بفرعونيته، فالمؤسسات التعليمية والإعلامية والإعلانية تكرس الولاء الوطني.

بينما الإعلانات في اليمن خارجية مثلاً بسكويت "أبو ولد" صورة الولد أجنبي وكذلك العصير "يماني" وكأنه لا يوجد لدينا أطفال ففي المسلسلات المصرية العامل يعمل من أجل مصر والجندي يخدم مصر والفنانة بتحب مصر.. الكل يحب مصر ونحن في اليمن "السعيدة" كما قال الأستاذ/ شوقي القاضي حصل خلط بين الرؤى والأفكار وبين الانتماء والوطن وحدثت هوة بالتربية الوطنية - فعكس المسلسلات المصرية نحن بمسلسل واحد عمقنا المناطقية أكثر وجعلنا لها مصطلحات كأنها جانب رسمي ستعرف به، مثلاً حين أقدم الفنان "آدم سيف" لمعالجة ظاهرة تافهة لا تحتاج لمسلسل ولا تقتصر على فئة دون أخرى حيث جعل من مسلسلة سبة مناطقية بين أبناء الوطن حين يصرخ بعضنا بوجه الآخر "دحباشي" مع أنها تعني التطفل على الآخرين والآكل من عرق الغير ولا توجد منطقة خالية من ظاهرة" الدحبشة" إلا أن كلمة دحباش أصبحت لعنة تلاحق أبناء المحافظات الشمالية فحسب.. انظروا إلى الثقافة المصرية وأدبياتها كلها تكرس الولاء لمصر وتعمق الحب لها. تقول نها وند القادري الباحثة في علم الاجتماع السياسي التي تطرقت للثقافة الوطنية على مستوى الوطن العربي إن المؤسسات التعليمية والإعلامية هي من جعل المثقف في وطنه ينضوي تحت رايات جزئية مذهبية أو مناطقية أو حزبية ويعطى لها الولاء دون مبالاة بالوطن بل إن الواحد سيدفع روحه من أجل هذه الرؤى الجزئية وإذا ما طلب منه نفس الدور للوطن لسان حاله يقول أنا رب إبلي والكعبة لها رب يحميها " - حد قوله باحثة لبنان .. وتضيف الدكتورة نها وند لابد من تفادي جيل يفتقر إلى الثقافة الوطنية.

الوطن قاسم مشترك

"توقيت جرينتش" مصطلح كان شائع يجعل الاهتمام العربي ينصب بالخارج وكأنه لا يوجد مصطلح آخر يمكن إستخدامه، ولعل وسائل الإعلام بالخليج خصوصاً السعودية نجحت بمحوه تماماً حين استبدلته بمصطلح "توقيت مكة المكرمة"...وهذا ما يحفز الأمل لدينا لإنتشال شباب تلقفوا مفاهيم جزئية على حساب الهوية الوطنية حيث نلاحظ تلاشي أو تراجع الولاء الوطني حتى على مستوى الثقافة الشعبية، إذ يرد عليك من حدثته عن الوطن "أين يمن وأين طلي" والتي نريد تحويلها إلى بديل آخر وثقافة تلقائية "بحبك يا يمن" ولعل المؤسسات التعليمية والإعلامية أخفقت كثيراً في تكريس الثقافة الوطنية مع أنها تمتلك دوراً ريادياً يمكن أن تلعبه تلك المؤسسات في تعميق الولاء الوطني حين ظلت غافلة لدورها وبقيت مؤسسات تعليمية خصوصاً من كانت خاضعة لقانون إداري - لا ترفع العلم الجمهوري ولا تردد الشعار الوطني بينما تردد شعار أفكار تكرسها في أنشطتها وندواتها الأسبوعية داخل الحرم التعليمي، متجاهلة الجيل القادم ولعل حوزات صعدة خير دليل كيف فرخ جيل يوالي المذهب حد الموت ولا يبالي بالوطن وليس هناك مانع أن يتمذهب الشعب أو يتحزب لكن الوطن وحده القاسم المشترك بين الرؤى والأفكار المختلفة، وأشار الدكتور "عباد" إلى قناعات ترسخت بالأذهان إذ أن بعض الشباب الكارهين للوضع أو المعارضين للنظام خلطوا بين المفاهيم إلى درجة عدم تقبل أي شيء من شأنه تعميق الولاء الوطني.

ومن المؤسف أن بعض المدارس ولا سيما الريفية لا زالت إلى اليوم غير مبالية بالثقافة الوطنية حيث لا يرفع العلم الجمهوري ولا تهتف بالشعار الوطني أو تهتم بالأناشيد الوطنية التي من يتغنى بها يتهم بالمداهن مع النظام وكأن الوطن هو النظام، مع أن الأنظمة عبارة عن أثواب تلبسها الأوطان، فترديد الشعار الوطني والأناشيد الوطنية بإستمرار يتحول إلى سلوك لدى أبنائنا يمارسونه كجزء هام في الحياة. ينبغي على الجهات المعنية التنبيه لما يحدث الآن في الأرياف من أجل جيل قادم مفعم بالوطنية، إذا ما استطاع الفصل بين المسميات الجزئية الواهية والوطن الذي هو شيء عظيم يفتدى بالأرواح.

مراجعة المناهج والخطاب المسجدي

من هذا المضمار تحدث إلينا الأستاذ/ شوقي القاضي بقوله: للأسف حصل هناك خلط بين الرؤى السياسية والرؤى الفكرية حتى المذهبية وبين الانتماء للوطن.. المعروف في كل بلاد الدنيا أن الوطن يمثل قاسماً مشتركاً وبالتالي الكل يسرح باتجاه التربية الوطنية والولاء الوطني بعيداً عن التسميات بعيداً عن الأشخاص بعيداً عن الأحزاب فالوطن أكبر من كل شي ومن ثمة فإن المسؤولية من هنا تكون على عاتق كل القوى السياسية أولاً لكن قبل ذلك لابد من إعادة النظر في المنهج الإعلامي والتعليمي والمنهج الديني للأسف حصلت هوة بالتربية الوطنية والانتماء الوطني بطريقة هشة ليست عميقة وبالتالي خلطت ما بين الأفراد وما بين الأحزاب والمسميات.. ظهرت هشاشة التربية الوطنية وأنا درست عندما كنت مدرس في المعهد العالي مادة التربية الوطنية ولم أفهم أن هذه المادة تعمق الولاء الوطني ومفهوم الانتماء للوطن وأضاف: الخطاب المسجدي بحاجة إلى مراجعة لأنه مدة طويلة اتهم الانتماء للوطن بكثير من التهم العقدية منها الشرك وغيره فنشأ في جانب التدين لدى الشباب الذين تلقفوا الخطاب الديني بكثير من الانتماء والحماس حصلت منهم هوة مع الولاء الوطني تحت مسميات أن هذا شرك وأن الولاء لله فقط فخلط الناس بهذه المفاهيم ولم تتبنى المعالم الرئيسية.. نفس الكلام في موضوع الخطاب الإعلامي للأسف، فالخطاب الإعلامي لا يكرس الولاء للوطن في الوطن العربي كله يكرس لأشخاص " الزعيم أو حزب حاكم" أتمنى من الخطاب الإعلامي أن يقوم بدوره بعيداً عن هذه الرؤى ويترك حيزاً لهؤلاء لأن الوطن أكبر من كل شيء.. فعلاً الإعلام مقصر كثيراً.. على سبيل المثال عندما تكون هناك قضية وطنية ممثلة بمكافحة مرض من الأمراض أو نشر مفهوم من المفاهيم.. الإعلام يتعاطى مع هذه الجزئية من سيمول هذا الإعلان لكي ينشر وبالتالي كثير من الحلقات وكثير من البرامج التلفزيونية والإعلامية هشة لا تحمل رؤى عميقة رؤى إستراتيجية، رؤى بعيدة تصب في تأسيس ولاء وطني.

للأسف كثير من التربويين خاصة المدارس الريفية التي ذكرتها في الكثير منها ليس كوادرها متخصصة تربوياً وتعليمياً هي أقرب إلى فئات أخرى تستولي على كل شيء في تلك المناطق ومن ناحية أخرى هناك سباق محموم لإرضاء الحزب الفلاني أو العلاني في هذه المدارس أو تلك وبالتالي الرؤى ليست وطنية ليست رؤى ولاء وطني بقدر ما هي إما ولاء لأشخاص مؤقتين أو ولاء لأفراد معينين وبالتالي فإن مفهوم الولاء الوطني في مناهجنا التعليمية أو مدارسنا هش كثير.

ختام القاضي

إن في الشعوب الأخرى مثلاً مصر حاكم أو معارض نجد أنه يتفق بالأخير على حب مصر ووطنهم، هذه الجزئية من اليمن فيها فجوة في الانتماء للوطن بين حب اليمن والتضحية من أجلها وبين إشكاليات أخرى وبالتالي نحن بحاجة إلى تكريس الثقافة الوطنية بمختلف الوسائل الإعلامية والتعليمية.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد