ضرورة التنشئة السياسية للأطفال

2011-03-05 15:37:30 الدكتورة/ ندى قنبر

معظمنا يهتم بأشكال و أساليب التنشئة الاجتماعية عند الأطفال كتصرفاته مع أقرانه أو أسلوب خطابه مع أبويه أو كيف يتحدث مع الكبار، و لكننا نغفل جانباً مهماً من التربية و التنشئة عند أطفالنا و هي التنشئة السياسية، قد يتبادر إلى الأذهان أن الطفل لا يفقه ما معنى كلمة سياسية أصلا، فكيف ننشئه سياسيا؟ ولماذا أساسا ننشئه سياسيا؟، الواقع أن التنشئة السياسية للأطفال هي التي تحدد علاقاتهم بالمجتمع و تعينهم على فهم همومه و استيعاب مشاكله، كما تجعلهم أيضا أكثر تكيفاً و تقبلاً لقيمه و عاداته و تقاليده بدون صدام، و تساعده في تحديد هويته بما يهيئه لمواجهة الغزو الثقافي في عصر العولمة.

لذا فالتنشئة السياسية مهمة جدا لمستقبل الطفل و تمثل تحدياً كبيراً في مجتمعاتنا المتخلفة التي ترزح تحت الظلم و كل أشكال الفساد.

 فإذا أردنا تغييرا حقيقياً ومجتمعاً صحياً يشارك كل أفراده في صنعه، و لا يكون حكراً على أحد، و يتفاعل كل أبناءه مع واقعه و تحدياته، فلا مناص من تربية الطفل على تلك المفاهيم و القيم.

تبدأ هذه التربية في مرحلة الطفولة المبكرة في المنزل عبر ما يكتسبه الطفل من خبرات من خلال تعامله مع السلطة الأبوية، وهي ما ستحدد تعامله مع السلطة مستقبلاً.

 فإذا كان الأب ديكتاتورياً متسلطاً دائماً ما يفرض آراءه، فان ذلك يؤدي إلى غرس قيم سلبية كالخوف والذل والشعور بالقهر والانصياع و الصمت، وهذا ما يترجم إلى عواقب تبدأ من عدم المشاركة السياسية في المستقبل إلى استمراء الذل والصمت على القهر والتصلب و عدم الإحساس بالظلم، و تقديس الحاكم مهما كان مستبداً وجاهلاً فقط لأنه يمثل سلطة، والتي هي صورة كبيرة لسلطة والده.

وقد تعزز مؤسسات أخرى القهر والكبت والذل عند الطفل.

 فالمعلم في المدرسة، قد يكون أساساً ضحية لأسرة ومدرسة ومجتمع مارسوا التسلط عليه، فيعيد تدويره إلى الأطفال الذين يعلمهم، فلا كلمة تنطق بحضرته، ولا تعقيب على كلامه، ولا اعتراض على علاماته في الامتحان، ولا رأي بإسلوبه في التدريس.

 و تستمر العملية ذاتها عند دخول الطالب الجامعة ووقوعه في براثن أساتذة هم أنفسهم ضحايا لنفس الظروف، فلا يتيحوا للطالب التعبير عن رأيه، أو نقد الأوضاع من حوله، بل حتى أحيانا يتم استغلاله واستثمار جهله في تحشيده وتعبئته لقضايا سياسية لحساب أطراف ومصالح عديدة ليس للطالب فيها ناقة ولا جمل.

وهكذا يصبح المواطن سلبياً، يرضخ للواقع كيفما كان ويردد (أن سبره حجنة و أن أعتوجة شريم)، ينتظر فقط معجزة إلهية تخلصه من حكامه، يترقب المجهول بخوف لأنه عمره ما كان قادراً على المشاركة في صنع مجتمعه من خلال معطيات واقعه.

 فترتفع الأسعار ولا يحرك ساكناً، وينتشر الفساد ويستشري وهو أصلاً لا يشعر بوجود فساد ولديه شعور بأن الأمور على ما يرام، و تسرق كرامته في كثير من أحداثه اليومية من انقطاع للكهرباء و تخبطه في الظلام لساعات، أو وقوعه في حفرة من حفر الشوارع الكثيرة، أو عندما يذهب لقسم الشرطة ليشكو فينهبونه، أو عندما يحل به مرض كبير فيضطر إلى الشحاذة و الدين للسفر خارج بلاده..و أمور كثيرة أخرى، فأقصى ما يستطيع فعله أن يلعن الظروف.

لذا يناط بالأسرة دور كبير في تعزيز قيم الديمقراطية لدى الطفل و الحرية و التعبير عن الرأي والمشاركة في صنع قراراته- طبعا بضوابط، فلماذا لا تأخذ الأم ولدها إلى السوق مثلا و تجعله يختار ملابس العيد بنفسه بدلا من أن تذهب هي و صديقتها و (كعاف) ولده بها؟

 لماذا لا يتم مناقشة أمور المنزل و إدارة موارده بحضور الطفل؟

 لماذا لا يختار الطفل ما سيتناوله في وجباته (بالتأكيد ضمن خيارات)؟

 لماذا لا يتم مناقشة الطفل في أخطائه و حتى أن يختار طريقة عقابه؟

 لماذا لا تكون عادة بالنسبة للأسرة أن يلتقي كل أفرادها حول الوجبات الثلاث و مناقشة ما يدور في المجتمع أو مناقشة قضية بعينها و محاولة البحث في أسبابها و إيجاد حلول لها؟

 بهذه الطريقة يتدرب الطفل على أسلوب الحوار والتعبير عن الرأي باحترام وأدب وتقبل الرأي الآخر.

 من الممكن أيضا -كما طرحت إحدى صديقاتي- وضع صندوق صغير وكل فرد من أفراد الأسرة يضع فيه تعليقاً أو اقتراحاً أو كتابة خاطرة ومع نهاية الأسبوع فتح الصندوق ويناقش ما كتب.

 هناك أفكار كثيرة قد تبدع فيها كل أسرة حسب ظروفها.

 لكن على الوالدين تقبل أفكار أبناءهما بكل رحابة صدر و دون تعصب أو فرض رأي، و إن تم اتخاذ قرار، عليهما مناقشته معهم وإبداء أسباب منطقية واضحة.

 و على الوالدين أيضا تعويد أطفالهم عادات جميلة مثل مشاركة أقرانهم في اللعب، تنظيف المنزل مع إخوته كل حسب سنه، و مساعدة الآخرين حتى يتعلم التفاعل مع الآخرين بايجابية و تحمل المسئولية و تنمية روح الفريق .

أكاد اجزم بأنه إذا تم تربية أطفالنا و تنشئتهم على هذه القيم، لن يسلط الله علينا دكتاتوراً يجثم فوق صدورنا ثلاثة عقود من الزمان. 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد