الشرعية الدستورية

بين الوهم والحقيقة

2011-04-02 03:20:41 الشموع- تحليل خاص


مبادرة تلو أخرى كل واحدة في اتجاه، تكشف عن اختلال في الرؤية، وضبابية في التوجه، وبحث عن تأجيل ما لا يقبل التأجيل ومحاولة لجس نبض شباب الثورة إلى أين هم يمضون وإلى متى هم صامدون .. واشتغال على الإيقاع بالمشترك وإلحاق الضرر بالاعتصام ، وتناول لقضايا ليست هي القضايا مطلقاً ولا هي في مطلب شباب، مثل دعوة الحاكم إلى أن يشكل الشباب لهم حزباً.. وكأن أزمة الوطن قد تمت معالجتها كاملة على مختلف الصعود ولم يتبق إلا الحزب السياسي للشباب.. وكأن هذا الشباب الصابر الصامد في ميادين التغيير ليس له من مطلب سوى الحزب وتشكيله، أو كأن الوطن فاقد توازنه بفعل غياب حزب الشباب وأن ما يعيد إليه الانسجام هو الحزب السالف الذكر.. معالجة لم تكن أبداً في أي لحظة مطلباً للشباب الذين يريدون تغييراً جذرياً ينقذ الوطن من تهالك بلا حدود ومن حاكم لم يعد حاكماً مطلقاً، وليس بيده الآن شيء يمكن أن يشير إلى قوته أو وجوده، فلا هو قادر على حل المشاكل في صعدة أو أبين أو حضرموت أو صنعاء.. إلخ، فجميع محافظات الجمهورية تثبت فعلاً أنه صار بين قوسين محصوراً ومحاصراً، وليس له من شرعية يمكن أن يتحدث عنها أو يقول بها وهو لا يقدر على معالجة مشكلة بسيطة في قسم شرطة ولم يقدم مجرماً واحداً إلى يد العدالة، ولم يفعل ولو مرة واحدة ليثبت أنه قادر على تحقيق أبسط قضايا للعدالة ، فكل ما بوسعه اليوم هو المبادرات التي تبقى مبادرات إما لحيلة أو مداراة خاطر بأنه يملك القدرة على إنجاز شيء قابل للضياع وحتى عدم الالتفات إليه والتعامل معه وكأنه مجرد مضيعة للوقت ومداراة الغائب أو المفقود.. لذلك تبقى مسألة الوطن غائبة في أجندة النظام وشرعيته هي رهن قدرته على التأثير والفاعلية وممارسة الحكم في جميع أرجاء الوطن وإقامة موازين العدل وإثبات أنه نظام فعلاً شرعيته في وجوده على الساحة وتواجده في العمل وفق الدستور والقوانين النافذة.


الشرعية لمن يبسط نفوذه الدستوري والقانوني على الوطن وليست مجرد مبادرات وعجز في الحكم


أما أن يبقى أعجز من أي شيء آخر في حل قضايا وطن، ومستلب الإرادة إلا من مبادرة تتلوها أخرى ولجان تتشكل وأخرى تضيع فذلك يعني أن الشرعية لديه هي وهم ولا وجود لها ولا يمكن الحديث عنها أو الاعتراف بها، لأن الاعتراف بها في كل الأحوال اعتراف بالوطن أزمة والوطن ضياع والوطن بلا دستور أو قوانين أو عدالة قضاء.. هكذا هو الاعتراف بالشرعية للحاكم معناها الانحياز هنا للتشظي، للفوضى، للعجز، لإبقاء الوطن مجرد مبادرات وهمية وحكايا ومناكفات..
ونحن نؤمن أن الشرعية للدستور والقانون، وهما معطلان تماماً، وأن الشرعية لمن يبسط نفوذه الشرعي على كامل التراب الوطني وليس الذي لم يعد قادراً على تقديم لص صغير إلى قسم شرطة، فعن أي شرعية إذاً يمكن الحديث أو الاعتراف بها، إن لم تكن فقط للشباب في ثورتهم، في طموحاتهم، في اقتدارهم على إنجاز ما عجز عنه الحاكم، في إصرارهم على اقتلاع الفوضى من البلاطجة والقتل والنهب والسرقة والفساد بلا حدود والطائفية والمناطقية وانتهاك الدستور والقانون، والأسرية ونهب مقدرات وطن وخيرات شعب، وممارسة التضليل الإعلامي والعجز عن التعامل مع الواقع برؤية عملية ومبادرة عملية وليس مجرد نقاط تذروها الرياح.

لم يستطع الحاكم أن يقدم حلاً لما

يجري في محافظات الجمهورية من انفلات وكل ما لديه الآن هو مقترح إنشاء حزب للشباب؟!


إذاً الشرعية مع الزخم الملاييني للشباب في شتى الميادين، وليس أن يرى المشكلة كلها مختصرة في إنشاء حزب لهم، بتسطيح ممل وإيقاع رتيب وإثبات عجز عن التفكير.. فليست المسألة هنا إضافة حزب إلى أحزاب فالوطن مليء بها وجميعها لا تتقن إلا الحوار والمبادرات، في حين أن الشباب يقولون بصوت واضح ومرتفع إن ثورتهم ليست حزبية ولكنها ثورة شباب، وقد صاغوا لذلك شعارات ربما لم تصل إلى مسامع الحاكم فنظر إلى المشكلة الملايينية المطالبة بالتغيير من زاوية تشكيل حزب لهم، فأي تفكير احتقاني هذا يمارس ويريد إقناع شباب الثورة بأن قضايا الوطن المصيرية قد حلت تماماً؟! ما هذا الذي لا يمكن حتى تصديق الطرح فيه أو الحديث عنه وما كان لأحد يصدق لولا أن الحاكم أطلقها كحل لليمن أرضاً وإنساناً في صيغة تشكيل حزب وتنتهي المشكلة؟!
والواقع أن إنجازاً واحداً من مطالب الشباب لم يقدم على صعيد الواقع ولا نجد مبادرة بسيطة تؤكد أن الحاكم لديه القدرة على انجاز مبادرة عملية شرعية تثبت للآخرين فهمه لمطالب الجماهير وتؤكد أنه قادر على عمل شيء ما واقعي يدعم ما يذهب إليه من أنه صاحب شرعية وصاحب قرار، فلا معنى إذاً لشرعية لا تمتلك سيادة وطن، وصنع قرار ولو واحد وبسيط ومتواضع يشعر الآخرين أن ثمة نظاماً فيه حياة، فهل يستطيع هذا الشرعي أن يقدم سارقاً أو قاتلاً أو مجرماً أو ناهباً للخيرات أو مرتشياً أو.. أو .. إلخ للقضاء؟!
إنه أعجز من أن يقدم شيئاً يثبت أنه شرعي الوجود والتواجد.
الشرعية إذاً هي وهم لا وجود لها عملياً، بينما لدى الشباب.. شباب الثورة القدرة على الاستقلالية وصناعة المستقبل والانتماء إلى سيادة الدستور والقانون والوطن والاشتغال على المواطنة المتساوية بعد أن أفقدها النظام وجودها ، والشراكة الوطنية بعد أن تشكلت باختصار في الأسرة الواحدة الموحدة على دمار وتنكيل الشعب.
هذه هي الشرعية التي يريد البقاء فيها ، بينما الحقيقة والواقع لا نجد أي معنى لها على الصعيد العملي، فهل بمقدور الحاكم أن يعزل أياً من أقاربه كحُسْنِ نيةٍ وبداية حوار جاد أسمعنا كثيراً عنه ولم نجد سوى ضجيج أوصل البلاد إلى هذا الخوف والرعب وجعل الحاكم يمارس فقط استقبال وتوديع الوفود التي يتحسس من خلالها شرعيته، إن كانت موجودة، ويتنازل الحاكم من موقعه الوطني لحكم وطن من أقصاه إلى أقصاه بقانون ودستور وهوية انتماء إلى مجرد خطيب أمام وفود فقط، فهل هذه هي مهام حاكم؟! وماذا عن تصريف شؤون الدولة وهي تتآكل يومياً وتزحف باتجاه تدمير النظام نهائياً هل بقي معه ما يستحق أن ينظر إليه كصاحب قضية ويمتلك الشرعية؟! إذاً أين ميادين القانون، لماذا الجريمة والبلطجة تتسع دائرتها، لماذا لا يقول نحن هنا ضد الفساد والإفساد والجريمة والعصبية والمناطقية ولكن ليس من خلال المبادرات وإنما من خلال قرارات عملية نجدها على الواقع وليس خطابات تتلوها فرقعات إعلامية وأناشيد أكل الدهر منها وشرب.


حينما أدار الحاكم ظهره للجماهير واتجه للمجاملات والوجاهات وتقريب الأقرباء غدا الوطن ساحة فوضى وارتباك يعجز اليوم عن لملمة قضية واحدة ويصر على شرعيته



والواقع أن ما يحتاجه النظام اليوم هو أن يبصر بوضوح إلى الواقع، وأن يذهب إلى ما تريده الجماهير، ويتعامل بصدق في هذا الإطار من أجل التغيير ودونما تسويف ومماطلة ورهانات خاسرة،فبعد أن صار لساحات التغيير شهداء يعتد بهم لا يمكن أبداً التراجع عن مطلب التغيير، لأن ذلك خيانة لأرواح أزهقت لا ذنب لها إلا أنها طالبت بأن يكون الوطن خالياً من المحسوبية والفوضى وأمور أخرى، ودعت إلى مستقبل يحقق أحلامها وطموحاتها.
كيف إذاً يمكن للشباب الثوري أن يهادن ويتجاوز هذا السيل من الدماء، ومن أي حوار يمكن أن تقف عليه جماهير التغيير وشهداء كانوا يرفضون كل هذه التلفيقات؟!


مطلب التغيير هو الوحيد الذي يستطيع الحاكم من خلاله أن يحاور الشباب على التعجيل برحيله وليس الحوار الذي يبقى حواراً لا معنى له سوى المماطلة من تحمل مسؤولية ما يجري من تصدع في بنية نظام بأكمله
 
 


 لابد إذاً للحاكم أن يدخل مرحلة الجدية، وأن يجد له مجالاً للحوار في كيفية التغيير بهدوء وتداولٍ سلمي وسلسل للسلطة، لأن شهداء ساحات التغيير هم الشهود أمام الله والتاريخ عن أي تفريط فيما ماتوا من أجله ولم يحدث أن تم الاقتصاص ممن قتلهم فعن أي مبادرة وحزب للشباب يتحدث المتحدثون؟! ما هذا الإهدار للوقت ولخزينة الدولة من أجل يوم إضافي يكون الحاكم حاكماً في حدود العلاقة بينه وبين خزينة الدولة فقط؟!
وإذاً فإن الأمر يحتاج إلى فهم وتبصر وإدراك ويعلم الحاكم أننا كنا وما نزال أكثر من أخلص له في النصح غير أنه لم يأخذ بذلك ليصل إلى هذا المستوى من العجز الحقيقي في إدارة شؤون البلاد بالدستور والقانون وإبقاء الأمر في ظل مساومة ومداراة وترهيب وترغيب، وكل هذا عبر التاريخ لم يصل بالحاكم والحكام إلى نتيجة سوى الضياع، لأنهم أداروا الظهر للجماهير واشتغلوا على الوجهات والمماطلة والمواعيد التي لا تقدم غير الهباء.
من أجل ذلك فقدوا شرعيتهم من خلال الجماهير التي تنكروا لها، ولم يكونوا معها، وما أحوج الحاكم اليوم إلى أن يبادر بصدق في اتخاذ قرار جريء وشجاع وقوي لإدارة وطن مبني على تغييرٍ جذري يحترم فيه إرادة شعب وتصميم شباب وقوة وطن.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد