مساع حثيثة لإفقاد الثورة طابعها السلمي

الرئيس يستدرج الجنرال إلى مربع التصادم العسكري

2011-04-18 19:25:16 حسين اللسواس


على طريقة (الخطة ب)، يُكرس النظام الصالحي المتداعي أدواته وجهوده في سبيل استدراج الثورة السلمية بأجنحتها السياسية والعسكرية إلى ملاعب أخرى –غير الملعب السلمي- بهدف خلط الأوراق وتخليق أحداث استثنائية تمنحه القدرة على إجراء ترتيبات جزئية تعزز موقفه التفاوضي الموغل في الصعوبة.
لجوء النظام لاعتماد ما نسميه مجازاً (الخطة ب) ربما لم يكن ليحدث لو أن (الخطة أ) التي تتضمن أحداث تباينات بين شباب الثورة والقيادات العسكرية المنضوية في النسيج الثوري، حققت أدنى مستويات النجاح المأمول.
لقد أدرك النظام أن تكتيكاته الرامية إلى زعزعة الوحدة الثورية بين الشباب وتلك القيادات لم تعد تجدي نفعاً، وهو ما جعله يتجه لاعتماد بدائل تكتيكية تكفل تحقيق غايات فرعية بصورة تعوض غاياته الرئيسية التي عانقت مرارة الإخفاق ووجدت طريقاً معبداً لها نحو الفشل.
الاستخدام المفرط للعنف ضد ثوار تعز الأبطال بموازاة السعي لاستهداف حياة الجنرال علي محسن صالح، عنوانان يكشفان طبيعة وتفاصيل البدائل الصالحية للتعاطي الثورة الشبابية السلمية المتقدة.

حصر الصراع في صنعاء
تحت اكليشة (إفقاد الثورة سلميتها) تندرج غايات أخرى – غير ظاهرة- يتطلع النظام إلى تحقيقها.
انه يسعى جاهداً لحصر الصراع في العاصمة صنعاء عبر الاستخدام الهمجي للقوة في تعز كبروفة عنف أولى لبروفات أخرى في باقي المحافظات.
يظن النظام آثماً أن إنهاء الاعتصامات في المحافظات أكثر سهولة ويسراً من إنهائه في العاصمة، ويعتقد مخطئاً أن نجاح هذه الغاية سيمنحه القدرة على التفرغ للاعتصام الرئيسي وحشد الطاقات لمواجهته واحتوائه.
انكساراته المتتالية في صنعاء، بقدر ما أفقدته كثيراً من نقاط قوته، فإنها – بالقدر ذاته- دفعته لسفك دماء الأحرار في تعز وأبين بهدف تعويض تلك الانكسارات وتحقيق بطولات ذات طابع سادي ودموي.
في تعز، فقد النظام رغبة الانتشاء وصناعة النصر الزائف، لقد زلزل الصمود الأسطوري للصدور العارية معنوياته وإذاقة مرارة انكسار جديد يضاف إلى لستة الانكسارات التي ألحقتها ثورة الشباب المجيدة ببنيانه المتداعي.

تصادم عسكري قابل للاحتواء
مرارة الإخفاق السلطوي في تعز رغم ما أحدثته من تصدعات وهزائم، إلا أنها لم تفت عضد النظام المتشبث بالعرش المتعطش لسفك الدماء، إذ لم يلبث مخططه الرامي إلى إفقاد الثورة سلميتها أن استأنف نشاطه في العاصمة بمحاولة الاغتيال الآثمة التي طالت قائد الجناح العسكري للثورة الجنرال علي محسن صالح وعدد من مشائخ سنحان.
في صنعاء أيضاً، ثمة حضور للغايات الغير ظاهرة ضمن المخطط العام الذي يستهدف سلمية الثورة.
بوسعنا الادعاء هنا –استناداً لمعطيات ومؤشرات عديدة- أن النظام يحاول تخليق مسببات تمنحه امتياز تنفيذ جولة سريعة من التصادم العسكري المحسوب والخاضع للاحتواء، غير انه –في الوقت عينه- يحاول إخفاء أي بصمات أو لمسات يمكن أن تُظهره كقارعٍ لطبول الحرب.
ثمة ارتباط مصيري بين نجاح التصادم العسكري في تحقيق غايات النظام من جهة، والحرص على عدم ظهوره – أي النظام- كمسبب لذلك التصادم من جهة أخرى.
على طريقة (دعونا نتلقى الضربة الأولى) يريد النظام لسيناريو التصادم أن ينشأ بصورة تجعله يبدو في موقف دفاعي يجيز له وصم الثورة بالعمل الانقلابي.

تحسين الوضع التفاوضي
سيناريو التصادم العسكري بقدر ما يبدو فعلاً انتحارياً لنظام يعاني عزلة دولية ما انفكت تتسع بالتقادم، غير انه من وجهة نظر النظام يبدو خياراً اضطرارياً وشراً مستطيراً وارد الحدوث.
وفق راهن الحسابات، بات النظام يجابه عزلة دولية وإقليمية، ساهمت الأحداث الدامية في تعز بصنعها، لدرجة أن التنحي لم يعد مطلباً ثورياً فحسب إذ أضحى مطلباً إقليمياً ودولياً.
رهانات النظام –داخلياً وخارجياً- هي الأخرى ما برحت تلاقي مآل الخذلان، وهو ما تسبب في حشر النظام بين فكي كماشة الاحتجاجات الداخلية والضغوطات الخارجية.
وبما أن التشبث بالعرش لازال هو الفعل المُهيمن والموجه الأساسي لمسار التفاعلات السلطوية مع تطورات الأحداث، فان التصادم العسكري خيار يسعى النظام لتكريسه رغم إدراكه المسبق لنتائجه الكارثية.
يدرك النظام أن التصادم العسكري يمكن أن يُعجل بمصير سقوطه اللائح، لكنه بالمقابل يأمل في أحداث تصادم محسوب وخاضع للسيطرة يمكنه من انجاز غايته المستعصية المتمثلة في تحسين وضعه التفاوضي ووصم الثورة بالانقلاب العسكري.

التجاوب مع مصائد المواجهة
لا يريد النظام أن يكون بادئاً في اللجوء لخيار التصادم العسكري، ولأنه يدرك –في الوقت عينه- استحالة أن تكون الألوية العسكرية للثورة هي البادئة، لذا فاللجوء للتكتيكات الإستراتيجية يبدو خيار النظام الوحيد لتحقيق غاياته.
أن كانت تحركات الحرس الجمهوري الرئاسي وتحرشات الأمن المركزي بالفرقة الأولى مدرع تجسد ابرز الوسائل الحاثة على التصادم، فإن محاولة اغتيال الجنرال محسن تعد تتويجاً بائناً لتلك الوسائل وقرعاً صاخباً لأجراس الإنذار ودفعاً ذكياً نحو خيارات التصادم والمواجهة.
خلف أسوار المعسكرات هنالك تحركات لا تبدو ظاهرة للعيان، فبينما لازالت ألوية الفرقة الأولى محافظة على تموضعاتها الدفاعية، بات مؤكداً أن ألوية الحرس الجمهوري الرئاسي تتخذ من الأوضاع الهجومية تموضعاً رئيسياً لتحركاتها، ليس هذا فحسب، فالمعلومات المتواترة تشير إلى قيام بعض معسكرات الحرس بتوجيه راجمات الصواريخ صوب ألوية الفرقة الأولى مدرع، كما أن مخزون الأسلحة الخفيفة في الحرس خضع لطائلة التوزيع المُمنهج دون علم أو توجيه من وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة.
رغم كل هذا، تظل احتمالات التصادم العسكري مرتبطة بمدى تجاوب قوات الثورة مع مصائد الاستدراج السلطوية، وهو ما يعني أن الثورة ستظل قادرة –رغم كل المؤامرات- على الاحتفاظ بسلميتها بصورة تدفع النظام (أن كان مصراً على الخيار العسكري) ليكون البادئ في المواجهة، وبالتالي مضاعفة عزلته الدولية والإقليمية بموازاة القضاء على ممكنات خروجه الآمن التي باتت تتضاءل تدريجياً.

وساطة سنحان ماتت قبل أن تبدأ
الدفع باتجاه التصادم العسكري، لا يبدو غاية النظام الوحيدة من مؤامرة اغتيال الجنرال محسن، فهنالك غايات أخرى تهدف إلى استحداث ملعب قبلي للصراع الدائر بين الثورة والنظام.
حين نحاول استرجاع (التفاصيل الظاهرة) لمخطط اغتيال الجنرال، ثمة ما يحفز على الاستيقاف مطولاً.
فكرة الوساطة، من حيث المبدأ، تبدو غير منطقية لتعليلات أربعة، أولها: الكثافة البشرية للوفد الوسيط، ثانيها: عدم وجود مبادرة لدى الوفد، ثالثها: الإصرار على خروج الجنرال محسن إلى بوابة المعسكر، رابعها: انعدام التنسيق المسبق.
لو كان المشائخ – كتعليل أول- يريدون تأدية دور الوسيط بين (العليين) بهدف تقريب وجهات النظر، فلماذا جاوؤا إلى الجنرال بتلك الكثرة العددية؟ الم يكن وجود الرؤوس البارزة –في لقاء رفيع المستوى كهذا- كافياً ومؤدياً لغرض السرية ومحققاً لغاية النجاح؟
إمعاناً في الإيضاح هنا، الوفد لم يأت للتحكيم القبلي، بقدر ما جاء في مهمة بالغة الحساسية والخطورة ألا وهي الوساطة بين (العليين)، وبالتالي فالحشد البشري المرافق للوفد يتعارض مع غاية الوساطة بالتوازي مع تجسيده لدور العائق والحائل دون نجاحها.
لم يكن الوفد –كتعليل ثاني- يملك أي مبادرة شاملة أو رؤية عامة لاحتواء الموقف، أي أن وساطته ذات طابع شخصي بين (العليين) وهو ما يعني أنها ولدت ميتة وفشلت قبل أن تبدأ.
الإصرار على خروج محسن إلى بوابة المعسكر –كتعليل ثالث- يبدو باعثاً على الشكوك لسببين، الأول: أن وفد الوساطة ليس غريباً على الجنرال كي يصر على خروجه لاستقبال الوفد، فأحد الوسطاء شقيق للرجل والآخرون أصدقاء ورفاق سلاح، وبالتالي ما الداعي لخروج الرجل إليهم؟ والثاني: أن الوسطاء في الأعراف القبلية يذهبون إلى أطراف الخلاف وليس العكس، وهو ما يعني أن (فكرة خروج محسن) بحد ذاتها تتعارض مع موجبات الوساطة.
انعدام التنسيق –كتعليل رابع- أمر يضعضع فكرة الوساطة، فالوفد الذي يضم محمد محسن صالح (شقيق الجنرال) وعلي مقصع والشيخ قناف الضنين شقيق القائد العسكري صالح الضنين واحمد إسماعيل أبو حورية –حسب مصادر متطابقة- فرغ من لقاءه مع الرئيس صالح في تمام الحادية عشر ظهراً، ليتجه مباشرةً من دار الرئاسة إلى معسكر الفرقة الأولى مدرع دون تنسيق مسبق يساهم في إنجاح فكرة الوساطة.
يبدو واضحاً أن الوفد لم يكن على دراية بالتكتيكات والغايات الرئاسية من دفعه للقاء الجنرال في موكب يضم المئات، بالتالي في وسعنا الادعاء أن الرئيس استخدم مشائخ ورؤوس سنحان كجزء رئيسي من مخطط دموي على طريقة (الطعم).

تفتيت قبيلة سنحان
بالاستناد إلى آنف التعليلات وفائت الأسطر، يمكننا تجزئة أهداف محاولة الاغتيال إلى مسارين، أولهما: أهداف رئيسية، وثانيهما: أهداف فرعية.
أن كان التصادم العسكري واستدراج الثورة إلى المربع العنفي يُجسد أولى الأهداف الرئيسية، فان اغتيال الجنرال علي محسن محسن وشقيقه محمد ومشائخ سنحان يُشكل ثاني الأهداف الرئيسية على طريقة (قنص عدة عصافير بحجر واحدة..!)
في مسار الأهداف الفرعية، يمكن القول أن أحداث انشقاقات وخلافات في الأوساط السنحانية يعد ابرز تلك الأهداف.
فالجنرال محسن، يحظى بنفوذ استثنائي بين رؤوس القبيلة يتجاوز نفوذ الرئيس بفواصل ميلية، وتحركاته الأخيرة المُساندة للثورة تجد رواجاً لافتاً وبالأخص لدى الجيل السنحاني الثاني، وبالتالي فسيناريو الخداع الذي اتصفت به محاولة الاغتيال كان يستهدف عزل الجنرال قبلياً بموازة تحجيم نفوذه الواسع في سنحان وإرهاقه في صراعات وخلافات (سنحانية - سنحانية) تثنيه عن الاضطلاع بأدواره الثورية الهامة كقائد لجناح الثورة العسكري.
كما أن استهداف رؤوس سنحان وتحديداً شقيق الجنرال يحمل دلالة أخرى، إذ أن نجاح المخطط في اغتيال الجميع مثلاً، سيعني عدم وجود من يفكر بالثأر للجنرال المغدور.

وماذا بعد
يستميت الحاكم ورجال بلاطه من الأبناء والأتباع في التمسك بعرش سلطوي حافل بتصدعات ما قبل الانهيار الوشيك.
لا يبدو أن استماتتهم تلك ستكتفي بالمسفوك من الدماء حتى اللحظة والمكشوف من المؤامرات والمفضوح من التحركات.
مسار الأحداث بقدر ما يبدو مترعاً بالتفاؤل بالنسبة للثوار، فأنة – بالقدر ذاته - يُنبئ عن تدابير سلطوية أكثر قتامه وسوداوية.
أن كانت التحركات السلطوية تستهدف استدراج الثورة إلى زوايا العنف ومربعات التصادم وإخراجها من ملعبها السلمي إلى ملاعب أخرى عنفية، فيتعين على الثورة ورجالها تفويت فرص كهذه والتشبث بالخيارات السلمية بصورة توازي تشبث الحاكم بالخيارات العنفية.
في الوعي الجمعي الثوري، ثمة إيمان بوجود ارتباط مصيري بين سلمية الثورة من جهة وتحقيق أهدافها من جهة أخرى، وعليه يجب أن تحافظ الثورة على طابعها السلمي مهما كانت التحديات الرامية إلى استدراجها صوب ملاعب قبلية أو عسكرية آو عنفية.
محاولة اغتيال الجنرال علي محسن صالح بقدر ما تُجسد نقطة استفزاز كبرى له ولرجاله من ضباط الجيش، فإنها بالقدر عينه تشكل فخاً للتلاعب بحكمته وجرجرته إلى مربع الثأر والتصادم العسكري.
هنا لست اشكك في قدرات الرجل على احتواء الموقف ومعالجته بالحكمة، غير أن عدم التشكيك بالمقابل لا يحول دون التأكيد على ضرورة التحلي بضبط النفس إن لم يكن بالنسبة للجنرال نفسه، فبالنسبة لرجاله من ضباط وصف وجنود الفرقة الأولى مدرع والمنطقة العسكرية الشمالية الغربية.
الدعوة لضبط النفس لا تعني بالقطع البقاء في موقف المتفرج، إذ لابد من إجراء تحديثات دورية للترتيبات والتكتيكات المضادة بما يُسهم في تحقيق أمرين، أولهما: مضاعفة إجراءات الحماية حول شخص الجنرال وتأمين تحركاته وتنقلاته.. وثانيهما: رفع درجة التأهب في صفوف الفرقة للدفاع عن النفس ضد أي عدوان بائن.
أخيراً، ليس من المنطق في شيء الاكتفاء بالصمت إزاء الحملة الإعلامية الرسمية المنظمة التي تستهدف النيل من الفرقة الأولى مدرع وتشويه صورتها لدى الرأي العام، هنا ينبغي على معسكر الفرقة الأولى مدرع الذي يتولى حماية الفضائية اليمنية وإذاعة صنعاء أن يُعين مندوباً عسكرياً من ضباطه في غرفة الأخبار بالفضائية اليمنية وذلك للإطلاع على مواد البث وإعاقة نشر أي مواد تستهدف تشوية صورة القوات المسلحة والفرقة الأولى مدرع، شريطة إن يقتصر عمل ذلك المندوب على هذه الجزئية فقط.
من حق الجيش أن يتدخل لحماية سمعته وصون تاريخه وانجازاته، التدخل هنا لن يجسد استفزازاً أو تجاوزاً لسلطات وزارة الإعلام والمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون وقطاع الفضائية اليمنية، إذ انه سيكون تدخلاً جزئياً بهدف منع التلفزيون من الإساءة لمؤسسة الوطن الكبرى القوات المسلحة.
al_leswas@hotmail.com

عن صحيفة حديث المدينة
ملاحظة: القوة التي تتولى حراسة الإذاعة والتلفزيون لا تتبع الفرقة الأولى مدرع

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد