امتهان التدين والالتزام

2011-04-26 14:30:00 مشير اليافعي


إن التدين والالتزام بالدين أمر واجب على كل مسلم وأساس بعث الأنبياء والمرسلين لهداية البشرية على مر العصور ، وجعل الله رسالة نبي أخر الزمان عليه وآله وصحبه أفضل الصلاة والسلام للعالم جميعاً، فكان خير من التزم بدين الله,, كان قرآناً على الأرض يمشي .
وقبل الخوض في الموضوع وقبل أن أُتهم بالفسق وبالسخرية من المؤمنين والصالحين أود القول بأن اللحية من شعائر الإسلام الظاهرة نتقرب إلى الله بإعفائها وتعظيمها ، كما أنها تضفي وقاراً على الرجال
(كانت عائشة رضي الله عنها تحلف بالذي زين الرجال باللحى ) وهي شعار الالتزام وعلى من يرفع الشعار حري به أن يكون نموذجاً حياً يمشي على الأرض وشجرة باسقة يراها الناس ، فتسر عقولهم وقلوبهم ، يستفيئون بظلها ويأكلون من ثمرها.
إن للتدين السلبي أنواعاً كثيرة تنوعت بتنوع الظروف والعوامل التي دفعت الشخص إلى التدين .
 فهناك التدين المعرفي (الفكري): وهو معرفة الأحكام والمفاهيم الدينية دون الالتزام في الحياة .
 والتدين العاطفي (الحماس) : تكون العاطفة جارفة والمعرفة غير جيدة .
 والتدين السلوكي :(تدين العبادة) يكون عابداً مقيماً للطقوس والشعائر الدينية دون معرفة بالحكمة و الأحكام .
 والتدين الدفاعي : يكون التدين دفاعاً ضد الخوف أو القلق أو الشعور بالذنب.
 التدين المرضي (الوها مي) : تدين المريض عقلياً وتكون أعراض المرض مصحوبة ببعض المفاهيم الدينية الخاطئة، كأن يدعي أنه ولي من أولياء الله الصالحين أو انه المهدي المنتظر أو مكشوف عنه الحجاب وله علاج الناس.
وهناك التدين المتطرف :وهو الغلو في جانب أكثر من جوانب الدين بما يخرج الشخص عن الحدود المقبولة التي يقرها المشرع ويجمع عليها علماء الدين، أما آخر أنواع التدين وهو موضوع هذا المقال:
التدين النفعي (المصلحي): في هذا النوع من التدين نجد أن الشخص يلتزم بمظاهر التدين الخارجية للوصول إلى مكانة اجتماعية خاصة أو تحقيق أهداف دنيوية ، وشخصية وهؤلاء الناس أصحاب هذا النوع من التدين (أو المتظاهرين بالتدين) يستغلون احترام الناس للدين ورموزه، فيحاولون كسب ثقتهم ومودتهم بالتظاهر بالتدين والشخص في هذه الحالة يُسخر الدين لخدمته وليس العكس ، وتجده دائماً حيث توجد المكاسب والمصالح الدنيوية الشخصية وتفتقده في المحن والشدائد وهذا هو المقصود.في هذا الموضوع .
إن الالتزام بالدين هو مخبر ومظهر ، هو سلوك وتطبيق ، هو قول وفعل، هو ممارسة صادقة لما أستقر في الفؤاد من حب للدين،كما أن التدين يكون في صورة ظاهرة وصور مستترة ، فيظهر الاعتقاد الصادق داخل المتدين جلياً بطاعة الوالدين والإحسان إلى الزوجة ، وحسن معاملة الفقير، والتعامل الحسن مع الناس والخلق الرفيع والصدق والأمانة والوفاء بالعهد ومد يد العون للمحتاج ، والتبسم في وجه المسلم ، وإحسان الظن بالخلق والكرم والإيثار، وصلة القريب والجار ، والصبر على طاعة الله ، وتحمل الهفوات وسد الثغرات والتغافل عن أخطاء الناس فيما لا يضر أو يقدح في الدين وغيرها كثير، وليس بطول اللحية أو قصر الثوب ينعكس الاعتقاد الصادق ابتداءً!
لقد كان السلف الصالح يدعو إلى الإسلام ليس بلحيته و بقال الله وقال الرسول ، إنما بمعاملاته وصدقه ووفائه ، فكان إذا تكلم صدق وإذا وعد أوفى ،وإذا أؤتمن كان أهلاً للأمانة ،
ولهذا انتشر الإسلام في جنوب شرق آسيا بفضل تعامل التجار المسلمين مع الناس في تجارتهم والتزامهم الحقيقي بمعاني الدين الإسلامي الحق، فدخل البوذي، وعابد البقر،والسيخ في دين الإسلام لما عرفوا الإسلام من سلوك و أخلاق التجار المسلمين، فكانت معاملاتهم دعوة ونشر لدين الإسلام
 ومازالوا يجنون أرباح تجارتهم مع الله في كل لحظة يولد فيها طفل مسلم في اندونيسيا و ماليزيا و غيرها من دول جنوب شرق آسيا .
والفرق شاسع بين أولئك التجار، والتاجر المتدين الذي يجني الأرباح من كونه متديناً (مطوع) يثق الناس به .
رغم انه وأمثاله قليل يعفون لحاهم متخذيها بطاقة عبور من بوابة النصب والاحتيال, وبعضها يجعلها بطاقة وصول لمآرب في نفسه واعتلاء المناصب ، أصبحنا نعيش في عصر يهتم بالمظهر ويغفل الجوهر.
لقد أهملنا الدين المعاملة وأصبحنا نحكم للملتحي ومقصر الثوب بالتدين . حتى وأن لم يبرح البنوك مرابياً وآكلاً لحقوق الناس بالباطل .
فيا من امتهنتم التدين طامعين بثقة الناس بلحاكم وأثوابكم القصيرة، مبتغين بذلك رؤوس الأموال الباحثة عن الأمان، ويا أيها الطامعون بالجاه والمكانة الاجتماعية بين أناس يحترمون المتمسكين بمظاهر التدين الشكلية! أقول لكم التدين ممارسة وسلوك وأخلاق وتصرفات ...
إن الدين جاء ليقوم السلوك الإنساني من خلال تقويم النفس لتعتدل وترتقي وينعكس ذلك في الحياة من خلال سلوك ملموس، كون الاعتدال دافعاً لطمأنينة النفس وسكينتها ، وبالتالي هو دافع إلى تفجير كل الطاقات والإبداعات المعنوية ، والمادية لعمارة الأرض، والممارسة الصحيحة لتعاليم الدين تنشئ مجتمعاً مترابطاً ومحتضناً صالحاً للجيل المسلم الناشئ، فيرى الإسلام قولاً وعملاً، يراه في تعامل والديه مع بعضهم ، ويراه في وفاء الجار وفي صدق المدرس ، ومعاملات التاجر، وفي حب الخير لدى الناس .
فكم من شخص ملتحٍ ليس له من خدمة الإسلام والمسلمين نصيب !
 وكم من أشخاص لا يظهر عليهم شكلاً الالتزام، إلا أن لهم دوراً كبيراً في خدمة الدين والمسلمين والقريب والجار.
 واختم مقالي بما اشتهر عن أمير المؤمنين عن قوله لذلك الرجل الذي جاء ليزكي شاهداً، فكان أمير المؤمنين يسأل هذا المزكي عن معرفته بالشاهد هل تزكيه؟ قال نعم، فقال عمر: هل جاورته؟ قال لا؛ فقال عمر: هل عاملته بالدينار والدرهم؟ قال: لا؛ فقال عمر: هل سافرت معه السفر الذي يكشف عن أخلاق الرجال؟ قال: لا؛ فقال عمر: فعلك رأيته في المسجد راكعاً ساجداً فجئت تزكيه؟، قال الرجل نعم يا أمير المؤمنين؛ فقال عمر بن الخطاب: اذهب فأنت لا تعرفه، ويا رجل ائتني برجل يعرفك فهذا لا يعرفك"!!..
 وموضوعي لا أعممه على جميع من أعفى لحيته وقصر ثوبه، فكثير كثير منهم وافق ظاهرهم باطنهم فصدقوا مع الله قبل أن يصدقوا مع الناس.
 والقليل هم الذين اقصدهم ولكنهم ظاهرين مؤثرين، لأنهم دائماً يحبون الظهور، و لا يدركون إحكامهم الحصار على أنفسهم، ففي أي لحظة يتعثرون فيها، فإن أعين الناس عليهم ، وزلة المتدين بعشر إذا لم تكن فوره، والناس دائماً أحكامهم عامة والمتضرر هنا الملتزمون لله، فتزيد عليهم مشقة الدعوة إلى الله بما أفسده الممتهنون للتدين بسلبياتهم التي وإن حاولوا إخفائها تتناثر عليهم بين الحين و الأخر، فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الملتزمين بالدين باطناً و ظاهراً. حقاُ وصدقاً.
 
 
 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد