الموت القادم من قرص..

مخلفات شركات التنقيب عن النفط بضليعة حضرموت.. ألغام موقتة تجبر المواطنين على الرحيل

2011-05-26 07:54:19 تقرير/ عبدالله باكرشوم


لا يزال سيناريو الخوف والرعب والهلع مستمراً في العديد من مناطق الضليعة ومع استمرار الأيام تتسع دائرة الخوف لتحطم قيود ضمان حياة آمنة خالية من الأمراض لدى المواطنين وخوفاً من أن ينتهي بظهور سيناريو آخر يسمى سيناريو حصد الأرواح والتي حصلت بعض مناطق الضليعة على النصيب الأوفر منه.. إنه سيناريو الأوبئة والأمراض الناتجة عن مخلفات أعمال التنقيب التي تنفذها شركات نفطية نازلة في مديرية الضليعة بحثاً عن الذهب الأسود، ضاربة بجبروتها وقوتها حياة المواطنين ومطالبهم عرض الحائط، مستغلة غياب الرقابة وموقف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية المنحازة إلى جانبها للوصول إلى هدفها المنشود، غير مبالية بمن حولها من السكان في استخدام طرقها المختلفة حتى وإن كانت طرقاً بشعة وإجرامية ولا إنسانية، مع انعدام تام للضمائر والأخلاق لدى القائمين عليها المتجسدة فيهم "إذ لم تستحِ فاصنع ما شئت".
ففي حين قدمت شركة جديدة تسمى "الكويت أنرجي" لتضع أوزارها في منطقة يغر(قرص) بمديرية الضليعة للتنقيب عن النفط ـ الأهالي تشاؤم منها، خوفاً من أن تكون رضيعة أو تربطها صلة قرابة شركة "مول" النازلة في منطقتهم العام الماضي وبكل تكبر وجبروت انتهكت حرمت أرضهم واغتصبت حقوقهم المكفولة والمشروعة من الشركات وكعادة أبناء الضليعة كغيرهم من أبناء اليمن يبرمون اتفاقيات مع الشركات المنقبة في أرضهم لكي يحفظوا حقوقهم ويأمنوا أنفسهم من غدرها.
وفي هذا السياق تقدم الشاب/ محسن أحمد باضان ـ المتضرر بدرجة أولى من شركة "مول" التي غرست أنيابها في أرضه قبل ثلاثة أعوام ـ تقدم بعقد اتفاقية معها، أملاً منه أن يحصل على خيرها، كونه يستضيف شركة نفطية دون أن يعرف ما تخبئ له الأقدار وكأن تلك الأقدار قذفتها مع الرياح لتكون من نصيب وحظ أهالي الضليعة العاثر واستمر محسن على ما هو متفق عليه وبعد أيام قليلة بدأت الشركة في تنفيذ مخططها الجبان وهوا الرحيل دون أن تفي بوعودها المقطوعة للمواطنين المتضررين ومنها التعويض، ورآها العبث بأرضهم وذهبت مطالبهم في خبر كان ولا يتسع هنا المجال لذكر تفاصيل هذه المأساة.
* لعبة الموت:
تقدمت بطلب إلى الأخ محسن البالغ من العمر ثلاثين عاماً ولديه خمسة من الأبناء، ليروي لنا روايته المخيفة، حيث بدأ حديثه وكله ألم يعصره وحسرة على فقدان من ينقذه من ذات الاختصاص، حتى القانون الذي كان أمله الأخير لم ينصفه.. ويقول: وضعت توقيعي على اتفاقية مع شركة "الكويت أنرجي" على بنود بالنسبة لي لا تسمن ولا تغني من جوع، أما للشركة يعتبر نصراً عظيماً، لكن أي نصر يكون بظلم وعلى الضعفاء ومن بين البنود أن تصرف لي "600" دولار شهرياً مقابل إيجار المكان و"400" دولار شهرياً مقابل نزولي وخروجي من بيتي الذي لا أملك غيره وإلا فإن عملية الحفر ستقام في موعدها المحدد شئنا أم أبينا، مستغلة انحياز السلطة إلى جانبهم وسوف تصادر حقوقي والسجن مصيري المحتوم، ولهذا لم يكن أمامي سوى خيار واحد وهو الموافقة وكان مني ذلك.
وعلى الرغم من موافقته إلا أنه يتم زجه في السجن بين حين وآخر، حين يقوم بمطالبته ببعض حقوقه، حتى كاد يطلق عليه أسير الحقوق المغتصبة، نعم إننا نعيش في زمن يأكل القوي الضعيف ويبقى الأقوياء هم الأعلون، إنه ابتزاز بمعنى الكلمة وبكل صوره البشعة، يدفع فاتورة حياة قاسية مليئة بالإخطار لا سعادة فيها، مقابل ألف دولار شهرياً، ليخرج من بيته والدور، ليسكن في الكهوف أوساط الشعاب المظلمة، يتقاسم مع أطفاله شدة البرودة والرعب من خطر وظلمة تلك الشعاب.
* عبودية الجشع وإفلاس الضمائر:
عند بدء الشركة في عملها طمأنت المواطنين بأنها سوف تزيل مخلفاتها الخارجة من البئر أثناء عملية الحفر فيما يسمى بالكريف بشبك، إلا أنها أهملت وتركت المكان مفتوحاً تخرج فيه الكلاب لتغتسل به لتخالط السكان.. وتقدم المواطنون بشكاوى إلى الشركة بإزالة المخلفات خوفاً من أن تسبب لهم أمراضاً، تمت الموافقة وأقيم ذلك مؤخراً وفي الأيام الأخيرة من عمليه الحفر يتفاجأ الأهالي بتلك المواد أسود اللون تطفح وتزيد على الأحواض المخصصة لها (الكريف) وسالت عدة أمتار عن مكانها على سطح الأرض، بل وصلت إلى إحدى المزارع ولا تبعد تلك المواد عن البيوت سوى بضعة أمتار لا تزيد عن كيلو واحد فقط وأطلقت الشركة صفارة الإنذار مرتين للعاملين فيها بأن عليهم استخدام ملابس الوقاية والكمامات -حد قولهم- ولكن للأسف الشديد لم يشعروا المواطنين بخطورة تلك المواد إن كانت كذلك، لكي يتخذ المواطنون طرق الوقاية ويتقدم الأهالي مرة أخرى ببلاغات عاجلة إلى لجنة الأضرار، ولكن هذه المرة عن أمر عظيم وخطير قد يودي بحياة العشرات إن لم نقل المئات إلى الموت المحقق والتي شكلت تزامناً مع نزول الشركة وتضم السلطة المحلية وأعيان المنطقة، ونزل ممثل السلطة المحلية ومدير العلاقات العامة للشركة إلى مكان المواد وأعلنوا بشكل مباشر وسريع وصريح أن المواد غير سامة وإنما هي مواد صابونية تستخدم في عملية الحفر دون الرجوع إلى جهات متخصصة وبعد ذلك تم رشها بالماء.. إلى هذه الدرجة وصل بهم الاستهتار بأرواح الناس من أجل تنفيذ أعمال وحصول على مكاسب شخصية، إنه لأمر عظيم وخطير يتخذ، وذلك عندما تفلس الضمائر والأخلاق ويكونون عبيداً للطمع والجشع ولو على حساب أنفس بريئة .
ويتساءل الأهالي إن كانت تلك المواد غير سامة لماذا أطلقت الشركة صفارة الإنذار وألزمت كافة طاقمها باستخدام ملابس الوقاية؟.. تراود الجميع إجابة مرعبة أتمنى من كل صميم قلبي أن أكون مخطئاً.
* ألغام مؤقتة
بدأ ناقوس الخطر والهلع والخوف يدق في نفوس أهالي منطقة يغر (قرص)، خوفاً من أن يواجهوا نفس المصير الذي واجهه أبناء منطقة منتر وهو سرطان الدم الناتج عن مخلفات سامة لإحدى الشركات النفطية.
بلك "49" النفطي المسمى بقطاع الامتياز(مديرية الضليعة)، ارتكب المخالفات والظلم والاضطهاد وسلب الحقوق، مستغلاً غياب الرقابة، ليحول مديرية الضليعة من منطقة نفطية إلى منطقة ترمى فيها الزبالة ومخلفاتهم الخطيرة.. وكعادة الأهالي يتطلعون في كل صباحهم إلى الشركة لعلهم ينالون من خيرها جانباً وفي ذلك الصباح الباكر يتفاجأ الأهالي بأن الكويتية بدأت تجري عملية رحيلها دون أن تنقل وتدفن مخلفاتها، محتجة بأنها تتبع خطوات علمية وتحافظ على سلامة المناطق وأهلها وإنها سوف تنقل المواد بعد أن تجف، وعم الغضب الأهالي وفي كل مكان من أرجاء القرية ورفض الأهالي رحيلها وذلك بفرض عليها الحصار الذي استمر طويلاً وخيم الصمت وبقي السلاح هو سيد الموقف.. المجلس المحلي يحضر منذ الوهلة الأولى للحصار والتزمت الشركة بأنها سوف تدفن مخلفاتها الشهرين القادمين، مقابل السماح لها بالرحيل، وافق الطرفان على ذلك، لأن ظن الأهالي في سلطتهم المحلية وثقتهم بها كبيرة، إلا أن ظن الأهالي لم يكن في محله وتمر الأيام والشهور وحتى يومنا هذا والمواد المخلفة الخطيرة في الأحواض والأهالي ينتظرون من يستجيب لهم وينقذهم منها،فهي أشبه بالألغام المؤقتة مزروعة في الأرض لا يعرف الجميع متى تنفجر لتقلب القرية عاليها سافلها وتحصد الأخضر مع اليابس مثل ما انفجرت في منطقة منتر التي زرعت الشيب في الرؤوس السوداء ولمت بالبصر العمى وبالقلوب الحزن والألم ولم يستثن منهم لا طفل رضيع ولا شاب في زهرة شبابه ولا كبير قد احدودب ظهره ولا النساء الثكالى وأبقت الجميع أيتاماً وبقيت المنطقة أشبه بدار رعاية تتعدد فيها الأعمار والأجناس والسبب واحد هو الموت.
نناشد الجهات المعنية بالأمر الإسراع في حل هذه القضية حتى لا تتحول إلى كارثة إنسانية، تحصد الأرواح وتخرج عن السيطرة وتضاف إلى رصيد هذا النظام الفاسد الذي تعمد نظامه قتل المواطنين الأبرياء، ذنبهم إنهم يعيشون فوق النفط ويقدمونه على طبق من ذهب للشركات وبكل التسهيلات ويضحون بجمال أرضهم الزاهي وإخلاصهم للوطن ولأنهم وطنيون حقيقيون بمعنى الكلمة، ضاقت الأرض بأصحاب النفوس الدنيئة، ليتاجروا بفسادهم في أرواح الناس التي خلقها الله وعظمها.. اللهم أخذهم أخذ عزيز مقتدر، وارحم ضحايانا واشف مرضانا واحفظ أهلنا من آثار هذه الجريمة البشعة.
Khulel2010@hotmail.com
 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد