رفاق بوعزيزي في ثورة اليمن..

حياة بطعم الفاكهة لثوار ينشدون عبق الحرية من ساحات وميادين الثورة المباركة

2011-06-09 15:38:02 تقرير/محمد الجماعي

في ساحة التغيير بصنعاء يجلس محمد القاعدي- 33 عاماً، تمهيدي ماجستير في الإعلام- على كرسي أنيق بجوار حقيبة دبلوماسية ملأها بأنواع من العطور، لها رائحة التغيير وعبق الحرية, ينتظر ما جاء من أجله منذ وطأت قدماه الساحة في فبراير الماضي، ويبيع للثوار نكهة الحرية.

البساطون والباعة المتجولون، وجه آخر للأزمة الاقتصادية الخانقة في اليمن، لانعدام فرص العمل وتضيق خيارات البقاء، حيث تسجل الإحصاءات الخاصة بنقابتهم وجود 18 ألفاً منهم في أمانة العاصمة فقط، يتوزعون على بيع مختلف السلع الخفيفة, بينهم خريجو معاهد فنية وحملة شهادات ثانوية وجامعية.

في مسيرة هي الثانيةجابت شارع القاهرة الممتد من ساحة التغيير بصنعاء ذهاباً وإياباً، ثم أوت إلى ساحة التغيير، مشكلة لوحة ثورية بالغة الروعة , حيث وقف الشارع معجباً بمنظر الباعة مع عربياتهم، وأطلت الدهشة من النوافذ المجاورة، وارتسمت بسمة كبيرة على الوجوه والواجهات وأبدى الجميع تعاطفه وتأييده لهم ورددوا معهم بحماس غامر: "يا علي صح النوم، لا بلدية بعد اليوم".

 

كان من اليسير أن ترى "بوعزيزي" بوضوح، محتجاً بصنعاء، مشعلاً في هذا الحشد تاريخاً من تعب وملاحقات وجراحات غائرة.

لـ "بوعزيزي" إخوة من باعة صنعاء ومتجوليها، قضوا نحبهم برصاص البلدية وهم في طريقهم إلى اللقمة المستحيلة,وله رفاق آخرون ضاق بهم الرصيف، وصاروا طرائد لسلطة لا تتورع عن السطو على فتات الفقراء بذرائع جمالية وتحسينية لا تستطيع إخفاء قبح لصوص استمرأوا الاعتياش على السلب والنهب.

انتظم المحتجون في مسيرتهم الثانية صفوفاً وأعمدة متوازية، رافعين الأعلام الوطنية فوق عربيات الفواكه والخضروات والآيسكريم وشراب الشعير والبلس وغيرها, ودوت شعارات تطالب بمحاكمة صالح.

لا يمر يوم دون تعرض هؤلاء لانتهاكات واعتداءات في مدن مختلفة بحسب نقيب البساطين والباعة المتجولين فتح الرحمن الجسار، الذي أكد أن نقابة البساطين والباعة المتجولين والأسواق، رصدت في أمانة العاصمة وحدها العديد من جرائم السلطة.

عام 2002 قتل الشاب (برهان العتمي) على يد أفراد الأمن بباب اليمن أثناء حملة دهم، حاول خلالها الهرب إلى لوكندة في الدور الثاني، وما إن وصل إلى أعلى السلم حتى سحبه ملاحقوه ليهوي إلى الأرض ميتاً، في حادثة هزت اليمن وأثارت ردود أفعال غاضبة.

 

وفي مارس 2005م قتل "مجاهد ثابت السمحي" في سوق الشهداء (باب اليمن) على يد جنود تابعين للبلدية، كما دهس بائعان أحدهما بمديرية التحرير عام 2008م والآخر في حي شميلة عام 2009م, وأصيب آخر بكسور في العمود الفقري في شارع هائل التجاري، أثناء محاولته الفرار من فوق أحد الأطقم , كما قام طقم تابع لمديرية الثورة في عام 2009م بالاعتداء على "فؤاد محمد حسن" بجنبيته بعد ملاحقته إلى داخل وزارة التخطيط والتنمية,وتعرض "الغادر مهدي ناصر" لكسر في الساعد من قبل طقم تابع لمديرية معين عام 2010م.

 

إن فقد رأس المال البسيط يعني ببساطة فقدان الحياة؛هذا ما يفسر تشبث البائع بحقه، وصراعه المرير في سبيل الإفلات به من قبضة لصوصه ، وإن كلفه الأمر روحه.

ومنذ العام 2002م صادرت أطقم البلدية أكثر من 9000 عربة و 3500 بسطة حتى الآن,استمرت الجبايات بلاحدود، ملايين من الريالات تتحصل دون أن يصل منها شيء إلى خزينة الدولة.

يعاني الباعة المتجولون بحسب الجسار، من جور قوانين وإجراءات عديدة أضرت بهم وضيقت عليهم الحال، كمنع استخدام الأرصفة أو الشوارع بدون بدائل مناسبة، وقرار أمانة العاصمة إزالة المناظر العشوائية، وبيع المساحات بأساليب ابتزازية، ناهيك عن السجون غير القانونية التي يتم زجهم فيها على نحو تعسفي وبحسب مزاج الآمر.

مثلت كل هذه التحديات التي يواجهونها دافعاً لأن يؤسسوا كياناً مدنياً يدافع عن حقوقهم.

شكلوا نقابتهم العامة في 2008م، وعقدوا مؤتمرهم التأسيسي في العام 2010م, التحموا باكراً بساحات التغيير، مضيفين زخماً كبيراً وحيوية عالية, وجدوا أنفسهم في هذه الثورة، ووجدوا معها أحلامهم المطاردة وأشواقهم المصادرة.

 

هم أبطال أبوا القعود على رصيف البطالة، رفضوا السقوط في أسر الفاقة والحاجة، والانضمام إلى كشوف الصدقات, اختاروا العيش وقوفاً في مواجهة غوائل الجوع والقهر والفساد، مصرين على انتزاع لقمتهم الكريمة من يد الزمن الضنين.

 

خرج الباعة المتجولون هذه المرة ليشتروا الحرية، ليعودوا بالوطن، خرجوا ليبيعونا معان كبيرة، حياة بطعم الفاكهة...نحن هنا نتجول في البساطة العظيمة واللامتناهية، لنقرأ آية أخرى من آيات ثورة اليمن المباركة.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد