الهام، طفلة في ربيعها الثالث عشر، لم تعش طفولتها ولم تستمتع بها مطلقا، فأثناء انسجامها في اللعب مع زميلاتها في محافظة حجة، بثيابها" الطفولية " وآثار التراب على وجهها..كأي طفلة في سنها، قدم والدها ليكسر كل هذه الطفولة الآمنة.
لقد قرر أن يزوجها برجل في المنطقة، يكبرها كثيراً، لم تمانع الطفلة وهي لا تدري ما هو الزواج أصلاً..؟!
لبست الهام الفستان الأبيض، ورأت كل نساء المنطقة " يزغردن" ويرقصن فرحاً بها، ابتهجت الطفولة، وراحت تفرح معهن.. وهي لا تدري ماذا يجري بالضبط..!  
بعد الزواج بثلاثة أيام، جاء خبر وفاتها عبر منظمة " منتدى الشقائق" إثر إصابتها بنزيف حاد أودى بحياتها في الحال.
الهام، ليست الأولى، في مجتمع يتخذ من المثل الشعبي ستارة لأفعاله اللا إنسانية " زوج بنت الثمان وعليا الضمان".!
توفيت الهام، بسبب تزويجها وهي لا زالت طفلة دون السن الآمن لإكمال عملية الزواج، قتلت الطفولة البريئة وهي آمنة.
وتعتبر ظاهرة زواج الصغيرات في اليمن، من أهم الملفات الاجتماعية الساخنة، ولعل الجميع يتذكر قضية الطفلة نجود محمد علي، ذات الثمانية أعوام، التي حصلت على الطلاق، بعد رفعها شكوى على والدها الذي أرغمها على الزواج من رجل يكبرها بعشرين عاما، مظهرة من هذه القضية المخفية إلى السطح.

دفاع القانون..

المحامية شذى ناصر- وهي التي قادت قضية نجود- قالت إنها ستواصل دفاعها عن كل الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال، وبأن إقرار قانون السن الآمن للزواج، أصبح من الضروري، مع تزايد حالات القتل في صفوف الأطفال البريئين.
ويصنف اليمن بأنه الأسوأ في مجال انتشار الزواج بين الأطفال، بحسب التقارير- وكان قانون تحديد سن آمن للزواج 18 عاماً، قد لاقى معارضة شديدة من قبل متشددين إسلاميين، حتى وصل إلى رئيس الجمهورية، لكنه أعيد للمداولة، من قبل لجنة تقنين الشريعة، ولم يقر حتى الآن.

دور الإعلام مغيب..

ترى الطالبة الجامعية- مروة علي 25 عاماً- أن طبيعة المجتمع اليمني، هي من جعلت من زواج الصغيرات ظاهرة، و فاقمت من خطورتها، وبأن الإعلام لم يقم بواجبه في التوعية بمخاطر الزواج المبكر وإقرار السن الآمن للزواج.

   متشددون إسلاميون..
لكن الصحفية- بشرى العنسي 29 عاماً- تخالفها الرأي، وترى أن الإعلام قد لعب دوراً كبيراً في سبيل إقرار القانون، لكنها تردف بالقول" لكن هناك جهات وأشخاصاً لعبوا دوراً أكبر في إجهاضه " وتشير بشرى بهذه الجهات- بحسبها- إلى الجهات المتشددة- مثلاً- في الدين، وبعضهم أعضاء في مجلس النواب، مشيرة إلى أنهم قد يكونوا خافوا من مواجهة العادات والتقاليد في اليمن وقرروا عدم فتح هذا الملف والتصويت للقرار.
تقول الصحفية والشاعرة- رغدة جمال – 25 عاما- للزواج المبكر أخطار عديدة، أبشعها تحطيم الحالة النفسية للفتاة التي تفاجئ بصدمة الزواج ومسئوليته، وترى جمال أن ما أخر إقرار القانون هو عدم وجود فتاوى من مشايخ الدين، يدعون فيها إلى وقف هذه العادة المنافية لتقاليد الإسلام، وإيضاح الفروق الهائلة بين ما كان يحدث في زمن الرسول وما يحدث من اغتصاب وحشي للفتيات الصغيرات في هذا الزمن.
 
آثار صحية

الدكتورة / أروى بهران، أشارت في ندوة (زواج الصغيرات والمواقف المختلفة منه.. رؤى للمعالجة) والتي نظمتها مؤسسة السعيد بتعز، أشارت إلى أن النضج الحقيقي للفتاة يبدأ بعد سن الـ"18" سنة.
 وأكدت أن الزواج المبكر للفتاة يحرمها من النمو الطبيعي وله أثر سلبي على حياة المرأة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بالإضافة إلى حرمانها من التعليم والتمتع بالصحة والمشاركة في التنمية.
 وأشارت إلى أن من أسباب الزواج المبكر أسباب اقتصادية واجتماعية، وأشارت إلى أن مراحل نمو الفتاة تمر في أربع مراحل "أقل من عشر سنوات " "من 9 – 12 سن " " 12- 14 سنة " 12- 15 سنة ".

الهام التي رحلت عن الحياة، واغتيلت طفولتها تحت غطاء التقاليد والأعراف، من ينقذها ويقتص للجريمة التي طالتها.. هل من قانون يحمي بناتنا ويضمن لهن زواجاَ آمناً بعيداً عن كل المشاكل التي يتعرضن له..؟؟!