اختفاء المشتقات النفطية وارتفاع جنوني للأسعار.. عقوبات فرضت على الشعب لأنه أراد التغيير

2011-07-06 15:13:59 تقرير/ بشرى العامري :

اليمن يواجه انهياراً اقتصادياً مريعاً
منذ حرب صيف 94 م حياة المواطن اليمني وبشكل واضح معاناته في حياته المعيشية بعد أن كان الجميع يطمح بان تأتي الوحدة لتحقق طموحات كبيرة للشعب اليمني الذي عانى طويلا من الفقر والجوع والحرمان..
فبدلاً من أن يزداد الوطن رقياً وتقدماً ورخاءً بازدياد الخيرات وتدعيم أسس الديمقراطية، وجد المواطنون أنفسهم يقبعون تحت قائمة لا تنتهي من الجرع الاقتصادية التي أنهكت كاهلهم، فيما الوطن يخسر يومياً المليارات من الدولارات التي تذهب تحت بند الفساد لأشخاص فقط.
وأصبحت اليمن تصنف بأنها من أشدّ الدول النامية ذات الاقتصاد المتدهور مقارنة بدخل الفرد في الدول العربية، حيث أشارت تقارير GRP وCIA إلى أن اليمن تحتل المرتبة الأخيرة بين هذه الدول، إذ يبلغ دخل الفرد فيها حوالي دولار واحد، بينما تشير دراسة محلية إلى أن الدخل السنوي للفرد أقل من 600 دولار, وما تزال اليمن ضمن الدول المصنفة الأشد فقراً في العالم.




أفضت التطورات السياسية والأمنية في البلاد إلى تدهور خطير في النشاط الصناعي والتجاري والزراعي والخدمي في اليمن

وبسبب الظروف الاقتصادية السيئة التي خلقها الفساد وتسلط أشخاص على كل منابع خيرات الوطن، فيما عامة الشعب يقاسي ويلات الحرمان والجوع، خرج مئات الآلاف من أبناء الشعب اليمني، يطالبون بتغيير النظام الذي أثبت فشله في تحقيق أي تنمية أو مستقبل أفضل لهم.
فلحقت شريحة واسعة من الشعب بالشباب الذي خرج مطالباً بالحرية والكرامة وتأسيس دولة مدنية حديثة، أملاً في تخفيف وطأة الفقر وقطع يد الفساد وتحقيق مبدأ العدالة والمساواة في تقسيم ثروات البلاد على كافة أطياف وطبقات المجتمع اليمني وليس لفئة محدودة فقط.
لكن النظام لم يستوعب تلك القضية وظل يناور, ويتهم أحزاب المعارضة تارة بمحاولة الالتفاف للحصول على السلطة وكرسي الحكم، وتارة يتهم الخارج بالتدخل في الشأن اليمني وان الشباب ينفذ أجندة خارجية أو أنه مسير وفقها، وغفل تماما عن مطالبهم الحقيقية التي تتمثل تحقيق في مستوى معيشي كريم ولائق يوازي دول الجوار وبما يتناسب وموارد البلد وثرواته.
وعوضاً عن تدارك الثورة الشعبية والإسراع في تصحيح الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، قام النظام بالعكس تماماً، حيث شرع وكأنه يعاقب أبناء الشعب في تضييق سبل العيش والتهديد بانهيار الاقتصاد كورقة ضغط لتخويف الشعب مما سيقدم عليه إذا ما أصر على الاستمرار فيما هو ماض فيه.

                     ( ارتفاع جنوني للأسعار )
وبدأت المشكلة تظهر بوادرها بشكل جلي منذ ارتفاع الدولار وشحته في الأسواق وارتفاع مضطرب في أسعار السلع والخدمات الأساسية، حتى وصل الأمر إلى اختفاء بعضها وخصوصاً المرتبطة بحياة المواطن اليومية، فيما توقعات تنذر باختفاء وانعدام السلع الغذائية مستقبلاً إذا استمر الوضع السياسي للبلد على ما هو عليه.
حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية كالقمح والدقيق والسكر والزبادي والحليب ومشتقاته، بنسب تتراوح بين 40-60%، فيما ارتفعت أسعار مياه الشرب بنسبة 202% وأسعار التنقلات بنسبة تصل إلى 60%، وفي أقل من شهر وصل سعر الكيس القمح بصنعاء إلى 6500 ريال تقريبا مقارنة بسعره السابق الذي لم يتجاوز الـ4000ريال، كما ارتفع سعر الكيس السكر إلى 12500ريال بعد أن كان سعره السابق يتراوح بين 8000- 9500ريال.
وارتفعت سعر دبة الزيت إلى 7900 ريال للدبة سعة 20 لتراً من 5600 ريال، وعلبة الزبادي التي كان سعرها 50 ريالاً إلى 80 ريالاً.
فيما وصلت بعض السلع الضرورية الأخرى كالشمع إلى أكثر من ثلاثة أضعاف قيمتها الأساسية، حيث وصلت إلى خمسين ريالاً فيما تقلص حجمها وفترة اشتعالها، أو التي تصنع في تلك المحافظتين، وأدى تصاعد أسعار السلع الغذائية بالكثير من ساكني المدن الرئيسية وخصوصاً صنعاء إلى مغادرتها.
 ويرجع التجار أسباب الارتفاع في الأسعار إلى مشاكل عدة أبرزها كما يقولون انعدام المواصلات بين المحافظات وتوقف بعض الموردين من توريد السلع نتيجة الوضع الراهن في حين يقول آخرون إن العديد من فروع الشركات الموردة للسلع الغذائية بدأت تغلق أبوبها، بالإضافة إلى انعدام البنزين واستغلال بعض التجار الوضع في تحقيق مكاسب أكبر.
وفي دراسة خاصة لمركز الإعلام الاقتصادي أظهرت النتائج أن عشرات الآلاف من الأسر اليمنية الفقيرة دخلت مرحلة الجوع وهي عدم القدرة على الوفاء بمتطلبات الغذاء الأساسية.
وأشارت الدراسة إلى أن الارتفاعات السعرية تضع صعوبات في وصول 9 ملايين من اليمنيين الفقراء للغذاء، محذراً مما سيخلفه ذلك من أضرار نفسية واجتماعية مستقبلية لن تتجاوزها اليمن خلال فترة قصيرة، خصوصاً مع مشاهدة عدد كبير من الأسر اليمنية تخرج في الصباح الباكر إلى مقالب النفايات في الأحياء الراقية بصنعاء للبحث عن الطعام بين تلك النفايات.
وارتفعت معدلات البطالة والفقر وبشكل غير مسبوق نتيجة توقف معظم الأنشطة الاقتصادية، وتسريح أعداد كبيرة من قوة العمل وبالذات من القطاع الخاص، إضافة إلى توقف عدد كبير من مشروعات الدولة ذات العمالة الكثيفة نتيجة تحويل مخصصاتها لمعالجة بعض جوانب المأزق السياسي الحالي.
ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن مقومات الإنتاج ووسائله تتراجع باستمرار، خصوصاً مع توقف الكثير من الأنشطة الخدمية والاستثمارية، مؤكدين بأن حالة الاقتصاد اليمني اليوم تمر بالمراحل الأخيرة لما قبل الانهيار والسقوط، وأن المخاطر الاقتصادية المحدقة باليمن ستكون لها عواقب إنسانية بلا حدود، كونها ستهوي بملايين اليمنيين من ذوي الحال المتوسط إلى حافة الفقر المدقع، كما ستؤدي بعد ذلك إلى انهيار غير مسبوق لمقومات الحياة الاجتماعية والثقافية، ويخشى أن يؤدي ذلك إلى تصاعد معدلات الجريمة وأنواعها، وبالتالي تعرض الأمن الشخصي لأفراد المجتمع للتهديد المباشر.
وحذر اقتصاديون النظام من تحويل الوطن إلى ساحة حرب وقطع للطرقات وحصار للمدن والتحكم بالمواد الضرورية الأساسية لحياة اليمنيين والتي أدت إلى شلل اقتصادي تام لكل القطاعات وهو ما خلق أزمة حادة تهدد بكارثة اقتصادية حقيقة خصوصاً وأن الاقتصاد اليمني يتسم بالضعف الشديد وبدأ فعلياً بالانهيار الكلي.

( اختفاء المشتقات النفطية )
ظل النظام على مدى فترة طويلة يتلاعب بمادتي البترول والديزل حسب الأوضاع السياسية التي تمر بها البلاد، فكلما مرت بمفترق طريق أو أزمة اندلعت أزمة اختفاء المشتقات النفطية، لكنها كانت في كل مرة تستمر لأيام فقط ثم تعود..
وكان النظام يتحجج دائماً بوجود عناصر قبلية بمحافظة مأرب تقوم بقطع أنابيب إمدادات النفط والغاز إلى المدن وخاصة صنعاء.
وأخيراً اتهم النظام أحزاب اللقاء المشترك بافتعال تلك الأزمات وخصوصاً الأزمة الأخيرة التي طال أمدها نحو الشهرين بشكل متواصل.
وأثرت أزمة المشتقات النفطية على جميع مناشط الحياة الاقتصادية والمعيشية للموطنين وقد ذكر الاتحاد العام للغرف التجارية في بيان له مؤخراً أن التطورات السياسية والأمنية في البلاد أفضت إلى تدهور خطير في النشاط الصناعي والتجاري والزراعي والخدمي في اليمن، فلم تعد المصانع قادرة على الإنتاج ونقل المواد الخام والمنتجات للأسواق ولم يعد العاملون قادرين على الوصول للمصانع والمؤسسات.
إلى ذلك ارتفعت أجور المواصلات والنقل داخل المحافظات بنسبة 100- 300%، وانقطاع الكهرباء معظم الوقت، إلى جانب إغلاق كثير من الشركات والأعمال الاستثمارية وتسريح عدد كبير من العمال.
 وكان قد كشف مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أن خسائر اليمن جراء تفجير خط أنبوب تصدير النفط الخام في 14 مارس الماضي بمأرب بلغت مليار و300 مليون دولار حتى نهاية يونيو الماضي.
وأوضح المركز أن مقدار النفط الذي كان يفترض تصديره من خمسة قطاعات نفطية بمأرب خلال الفترة من 14 مارس وحتى 30 يونيو 2011م 13 مليون برميل بقيمة مليار و300 مليون دولار، وأن تفجير الأنبوب أدى إلى توقف إنتاج النفط من خمسة قطاعات منتجة ومصدرة للنفط من خلال خط الأنبوب المؤدى إلى ميناء رأس عيسى بمحافظة الحديدة ومن ثم إلى مصافي عدن.
فيما وصلت أسعار المشتقات النفطية كالبنزين والديزل في السوق السوداء إلى مستويات غير معقولة، حيث بلغت نسبة الارتفاع 900%، متجاوزة الأسعار العالمية بكثير، الأمر الذي أدى إلى زيادة في أسعار جميع السلع والخدمات بنسب متفاوتة، وتوقف كثير من القطاع الاقتصادية وبعض الأنشطة الخدمية.
( مافيا الفساد )
من جانب آخر قامت مجموعة من أنصار النظام وأفراد من الجيش يرتدون زياً مدنياً بحسب شهود عيان بافتعال الأزمات وخلق سوق سوداء للتجارة وجني أموال طائلة منها في محاولة لشغل المواطنين بلقمة العيش وابتعادهم عن مطالبهم الأساسية، بالإضافة إلى انتشار عصابات النهب والسطو على الممتلكات العامة والخاصة وإقلاق السكينة العامة.
وأشارت تقارير إخبارية إلى وجود مافيا لديها القدرة على التحكم في الكثير من القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية، تلك المافيا دون شك تجني أرباحاً كبيرة نتيجة تفاقم الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار، ولا يستبعد أن ما تناولته وسائل الإعلام حول تهريب إحدى المضيفات اليمنيات لعشرات الملايين من الدولارات، خلال رحلة طيران إلى المملكة المغربية، يعد جزءً من عمليات غسيل الأموال والسوق السوداء التي تديرها مافيا الفساد بصورة سرية، مستغلة الفراغ السياسي والأمني لتفسح المجال لطموحاتها في الكسب الغير مشروع على حساب غالبية أبناء هذا الشعب المغلوب على أمره.
وعن ما يتم تناوله أيضاً من قيام طائرة خاصة بأحد أسرة الرئيس بالقيام بجولة مكوكية لبعض الدول وهي محملة بمليارات الدولارات.
كل هذه الأحداث والحالة التي يعيشها المواطن اليمني اليوم دفعت بالكثير إلى الخروج في مسيرات في مختلف المحافظات تندد بهذا الوضع وتطالب النظام بتحمل مسئوليته وحل تلك الإشكاليات أو التنحي فوراً والإفساح للشعب لينهي معاناته التي يؤكدون أنها لن تستمر طويلاً بعد إسقاط النظام الذي يصر على صم آذانه عن معاناة المواطنين والشعب الذي اختاره ليحكمه لا ليخنقه ويضيق عليه لقمة عيشه.
حلول ومعالجات سريعة
يرى الدكتور/ عبد الملك احمد الضرعي ـ أستاذ التنمية والسكان بجامعة صنعاء ـ في إحدى أطروحاته أن الحل الأمثل للوضع الاقتصادي الراهن في اليمن يكمن في عدة خطوات من أهمها الإسراع في معالجة المأزق السياسي الراهن وفق رؤية وطنية تحقق لليمنيين طموحاتهم في التغيير السلمي الديمقراطي، وبما يمكن المجتمع اليمني من الإمساك بزمام المبادرة في قيام دولة مدنية ونظام يعزز من الشراكة الوطنية في السلطة والثروة والقوة، ويرسخ مبدأ التداول السلمي للسلطة وفق الأسس الديمقراطية، وأن يتم وضع خطة إسعافية اقتصادية عاجلة بالتعاون مع مجموعة أصدقاء اليمن، وصناديق وجهات دولية داعمة أخرى، وفق خطة توقف تدهور الاقتصاد اليمني وتعيد بنائه على أسس من الشفافية والنزاهة، وتشكيل أجهزة رقابة شعبية طوعية مفتوحة لكل فئات المجتمع ومن حملة مؤهلات التعليم العالي، ومسنودة بجهاز قانوني وقضائي وأمني خاص ومستقل مهمته النظر الفوري في حالات الفساد الإداري والاقتصادي المرفوعة إليه من لجان الرقابة الشعبية، والتنفيذ الفوري للأحكام القضائية ضد من يثبت تورطه في تلك القضايا، وهدف هذه الأجهزة حماية أي معالجات اقتصادية من عبث الفاسدين، والميزة هنا إشراك الشعب في حماية حقوقه الاقتصادية.
بالإضافة إلى تشكيل جهاز قانوني خاص لاسترداد الأموال التي تم تهريبها ونهبها من قوت الشعب اليمني، سواء من قبل أفراد أو جهات،وتلك حتماً ستصل إلى مليارات الدولارات، وسيكون لها أثر كبير في معالجة العديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.
والدعوة إلى مؤتمر اقتصادي عام، يتم فيه طرح الرؤى والأفكار العلمية الاقتصادية والإدارية، التي تمكن اليمن من إعادة بناء اقتصاده على أسس ومبادئ التنمية الشاملة والمستدامة، خاصة ما يتعلق منها بالاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة.
 
 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد