من مشرف إلى زرداري... إلى أين تتجه باكستان؟!

2008-09-08 09:04:14 عصام زيدان


* فجر مشرف بقيادته الديكتاتورية الباطشة أزمات عاصفة في البلاد. . فقد عاند القضاة وعزل رئيس المحكمة العليا السابق إفتخار شودري. . ودخل في صراعات دامية مع القوى الإسلامية بعد العنف الدامي الذي استخدمه في حادثة المسجد الأحمر. . وخاصم كل القوى السياسية الموجودة في البلاد.

* زرداري اعتقل في العام 1990، بتهمة الابتزاز، والتهديد، وأطلق سراحه في العام 1993 بعد ثلاث سنوات في السجن. . واتهم في 20 سبتمبر 1996 بقتل "مير مرتضى بوتو" شقيق زوجته بي نظير بوتو، ثم قضى الرئيس الباكستاني الفترة من 1997 وحتى العام 2004 في السجن كذلك بسبب قضايا فساد

عانت باكستان كثيرًا تحت حكم الرئيس الجنرال برفيز مشرف الذي قفز إلى سدة الحكم في 20 يونيو 2001، بعد سنتين من قيادته الجيش بالانقلاب على رئيس الوزراء آنذاك نواز شريف، سواء على مستوى الأوضاع الأمنية أو الأزمات السياسية، أو حتى مستوى المعيشة الاقتصادية.

فمن حيث الأوضاع الأمنية، فما يكاد يأتي صباح على باكستان إلا على وقع الرصاص والدماء، ولا يذهب ليلها إلا باغتيال أو على الأقل محاولة للاغتيال، والذي أصاب يومًا رئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو، وكاد مشرف نفسه أن يقع ضحيته، حيث تعرض لأكثر من 5 محاولات اغتيال نجا منها بأعجوبة بالغة وسط حراسته وقوته في مدينة روالبندي.

أما على صعيد الأزمات السياسية، فهي عصية على الإحصاء والتتبع، فقد فجر مشرف بقيادته الديكتاتورية الباطشة أزمات عاصفة في البلاد. . فقد عاند القضاة وعزل رئيس المحكمة العليا السابق إفتخار شودري. . ودخل في أتون صراعات دامية مع القوى الإسلامية بعد العنف الدامي الذي استخدمه في حادثة المسجد الأحمر. . وخاصم كل القوى السياسية الموجودة في البلاد، بعد نفي نواز شريف، وكذا بي نظير بوتو، بعدما استشعر منهما الخطر على قيادته ووضعيته المتفردة في قيادة البلاد.

وخلف مشرف من ورائه كذلك اقتصادًا هشًا ضعيفًا، لا يتناسب مطلقًا مع إمكانيات باكستان، فجل الميزانية كانت لتأمين الأوضاع السياسية، وتقوية مخالب المؤسسة العسكرية القوية والمتنفذة في البلاد، فيما بقيت الغالبية العظمى من الشعب تتطلع إلى خط الفقر وتعتبره مرتقًا صعبًا، في ظل تضخم بلغ 25 في المائة.

وفي 18 أغسطس 2008 أغلق مشرف ملفه السياسي بهذه التركة. . أوضاعًا أمنية متدهورة. . أزمات سياسية طاحنة. . أوضاعًا اقتصادية متدهورة، وترك هذا الإرث الثقيل لخلفه الإسماعيلي آصف علي زرداري الذي صعد كرسي الرئاسة في 6 سبتمبر 2008 في انتخابات كانت محسومة سلفًا لحزب الشعب الذي تولى هو رئاسته بعد اغتيال زوجته رئيسة الحزب في 27 ديسمبر 2007. . .

فكيف يمكن أن نرى مستقبل باكستان على مستوى الملفات الداخلية أو الخارجية على السواء، في ظل هذه القيادة الجديدة؟! وهل يختلف الأمر عما كان عليه في ظل قيادة مشرف السابقة؟!

استشراف وجه باكستان الداخلي، في ظل حكم زرداري، يحتم علينا الرجوع إلى جزء يسير من سيرة هذا الرجل الشخصية، فالمعروف عن الرئيس الباكستاني الحالي أنه ينحدر من إحدى الأسر الإقطاعية في إقليم السند، وينتمي إلى مذهب أهل التشيع (الإسماعيلية)، وواقعه يشير إلى انتماء آخر حيث عالم الإجرام السفلي، بما فيه من فساد وقتل ورشا، إلى غير ذلك من مفردات قاموس الإجرام.

فقد اعتقل في العام 1990، بتهمة الابتزاز، والتهديد، وأطلق سراحه في العام 1993 بعد ثلاث سنوات في السجن. . واتهم في 20 سبتمبر 1996 بقتل "مير مرتضى بوتو" شقيق زوجته بي نظير بوتو، والذي كان يتهمه بمحاولة سرقة ووراثة رئاسة حزب الشعب من عائلة بوتو، وبقي زرداري فترة في السجن بسبب هذه التهمه. . ثم قضى الرئيس الباكستاني الفترة من 1997 وحتى العام 2004 في السجن كذلك بسبب قضايا فساد استغل فيها وضعه ونفوذه كزوج لرئيسة الوزراء.

هذا هو تاريخ آصف علي زرداري: فساد. .

رشوة. . قتل. . سجون. . محاكمات، فأين إذن تاريخه السياسي، هو في الحقيقة صفر كبير إلى جانب هذا التاريخ الإجرامي، الأمر الذي دفع صحيفة "فايننشال تايمز" (26/8) لفتح ملفه الطبي لتظهر عورة جديدة من تاريخ الرئيس الحالي، حيث أكدت، استنادًا لتقارير طبية، أنه يعاني أمراضًا عقلية خطيرة تشمل الاختلال العقلي والاضطراب المثير للكآبة. . فماذا ينتظر باكستان في ظل رئيس مختل طبيًا، فاسد اقتصاديًا، مفلس سياسيًا؟!

على المستوى الداخلي، لا ينتظر أن يحدث جديد على صعيد الملفات الساخنة التي خلفها مشرف من ورائه، بل إن الأمر مرشح لكثير من التوتر، في ظل قيادة الرئيس الحالي. .

فقد استمر زرداري معاندًا بشأن ملف القضاة أعداءه في كل حين، أمس واليوم، وكل يوم، فهو يخشى أن يفتحوا مجددًا ملفات الفساد المتراكمة التي اتهم فيها خاصة من قبل رئيس المحكمة العليا إفتخار شودري المعروف بسيفه الحاد وأحكامه القوية في مواجهة الفساد. . أي إن المواجهة مع القضاة في طور التصاعد، مع إصراره على إعادتهم إلى مناصبهم من بوابة القسم الجديد، وهو ما يرفضه القضاة بإصرار كذلك، وتدعمهم في ذلك بعض القوى السياسية في البلاد.

والملف السياسي هو كذلك مرشح لكثير من الأزمات والتوترات، خاصة بعد تفكك الائتلاف الذي سبق وشكله زرداري مع رئيس الوزراء السابق وزعيم "حزب الرابطة الإسلامية" زعيم نواز شريف، فقد تنصل زرداري من كل الاتفاقات التي أبرمها مع شريف، وهو ما أجبر هذا الأخير على نفض يده من هذا الائتلاف الذي صعد به الرئيس الحالي للحكم بعد إزاحة مشرف.

ولم يقتصر الأمر على مجرد فض الائتلاف، بل وبرزت على سطح الأحداث، التوترات والاختلافات الكامنة بين الجانبين، والتي في جلها رفض زرداري بطبيعته الديكتاتورية الالتقاء مع شريف على حلول وسطية، وآثر الانفراد بالرأي والمضي فيما يراه محققًا لمصلحته الذاتية والشخصية.

والملف الأمني، لن يكون بحال أفضل من نظيره السياسي، فقد تعهد زرداري بمواصلة العمل على مكافحة "الإرهاب"، والعمل على مواجهته بالقوة المطلوبة، بعدما فشل مشرف في هذه المهمة. .

ويدرك زرداري بعقليته البراجماتية أن بقاءه رهن القيام بهذه المهمة، والتي ربما كانت أحد أهم الأسباب في تخلي الولايات المتحدة عن النظام السابق بعدما فشل في تحقيق أهدافها واستنفذ أدواره في هذا المجال.

وربما يضاف إلى ذلك، جملة من التوترات العرقية، في بلد يقوم على عرقيات متعددة ومتنوعة، ومذاهب مختلفة، خاصة مع إطلاله المذهب الشيعي مجددًا من نافذة الرئاسة الباكستانية، وهو ما قرب إلى الصورة خشية بعض المراقبين من استهداف زرداري في المرحلة المقبلة، مما يؤدّي إلى اندلاع موجة هائلة من المواجهات العرقية في البلاد.

أما على صعيد الملف الاقتصادي، فإن الرئيس السابق ترك بالفعل اقتصادًا هشًا ضعيفًا للغاية، إلا أنه وطيلة فترة بقائه على المسرح السياسي لم توجه إليه تهمة واحدة بالفساد أو الاختلاس، أو الرشوة واستغلال النفوذ، على عكس الرئيس الحالي الذي يخلو ملفه السياسي من كل شيء سوى الرشوة والفساد واستغلال النفوذ. . وهذا، بالإضافة إلى اشتهاره أيام رئاسة زوجته للوزارة ب "السيد 10 %"، وصاحب المحلات التجارية المعفية من الضرائب كفيل بأن يعطي انطباعًا عامًا عن مستقبل البلاد الاقتصادي.

وإذا انتقلنا إلى الصعيد الخارجي، فإن الرئيس الحالي لا نراه يحمل توجهًا أيديولوجيًا محددًا إلا ما من خلال منظور المصلحة الشخصية البحتة، لذا فمن غير المتوقع أن يكون هناك أي تغيير في التزامات باكستان بالحرب على "الإرهاب"، والسير في الركب الأمريكي، مثلما كان الحال في عهد مشرف، بل سيذهب زرداري إلى تأكيد أحقيته بالثقة الأمريكية في هذا المجال بالتصعيد في عمليات المواجهة، وقد استحق بالفعل إشادة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندو ليزا رايس بعيد حديثه عن التحديات التي تواجه باكستان، وعن محورية مكافحة الإرهاب، وعن حقيقة أن مكافحة الإرهاب هي حرب باكستان، وكلماته القوية عن الصداقة والتحالف مع الولايات المتحدة.

وفي الأخير فإن مستقبل باكستان خلال الفترة القادمة، وفي ظل ديكتاتورية زرداري وماضية الأسود سيحكمه إلى حد كبير التنافس الشرس بين حزبي الشعب الذي يرأسه والرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف، والتي كانت سائدة خلال حقبة أواخر الثمانينيات والتسعينيات، وهو ما يدعونا إلى القول بأن براكين كثيرة تنتظر شرارة الانفجار في هذا البلد. . فهل سيعمد الجيش في بلد الاحتمالات المفتوحة غير المنتهية. . إلى إخمادها مبكرًا؟!<

 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد