أمريكا والقاعدة..ماذا بعد 7 سنوات من هجمات سبتمبر؟!

2008-09-14 02:52:27 عصام زيدان


مع حلول الذكرى السابعة لهجمات 11 سبتمبر 2001 يتكرر الحديث عن الحادثة من زوايا رؤية متعددة, متوافقة في بعض الأحيان, ومتعارضة في أحيان أخرى إلى درجة التناقض المثير للعجب والدهشة.

فما زال البعض يوظف الحادثة كعنوان بارز يزلف منه إلى "عقدة المؤامرة", ويتكأ على حادثة 11 سبتمبر, وفشل القاعدة في الإتيان بمثلها أو أكبر منها كدليل على أنها أمريكية تخطيطا وتنفيذا, ويعرض صفحا عن الرسائل الصوتية والمرئية التي اعترف فيها زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن, وساعده الأيمن أيمن الظواهري بالمسئولية عن هذه الحادثة, بل ويضمها إلى سيناريو الضحك على الشعوب العربية والإسلامية.

والبعض قد يختلف جزئيا مع هذا المنحى, وإن كان يتفق في مرتكزاته التآمرية..فهو يرى في حادثة الحادي عشر من سبتمبر "صناعة قاعدية", ولكنها ما كانت لتتم إلا تحت أعين الاستخبارات الأمريكية, التي مررت الحادثة كونها ستربح من ورائها الكثير, وستساعدها في الوصول إلى أهدافها ومخططاتها.

وعلى الجانب الآخر, ثمة من يرى أن الحادثة خرجت تخطيطا وتنفيذا من عباءة تنظيم القاعدة, ومن ثم يستبعد أية صورة تآمرية قد تقلل من قدرة التنظيم على تخطيط وتنفيذ مثل هذه الهجمات التي تحتاج إلى مجهودات بشرية ومالية وتقنية عالية.

ومع زاويا الرؤية هذه المتعددة, تتعدد كذلك وجهات النظر في الحكم عليها, فهي بطبيعة الحال يراها أعضاء التنظيم وأتباعه "غزوة مباركة", صفعت وجه أمريكا المتغطرسة, ولقنتها درسا لا ينسى وهزت من كبريائها وتعاليها على بقية البشر, وأظهرت هشاشة المنظومة الأمنية الأمريكية الداخلية, وعجزها عن حماية ذاتها, والتنبؤ بمثل هذه العمليات التي كلفتها هيبتها الدولية.

وإذا ما تجاوزنا ذلك الذي يصنف الحادثة على أنها حالة إرهاب, وفقط, مسايرا وجريا وراء الإعلام الغربي والأمريكي, فسنجد في ذات السلة أو بجوارها من يرى أنها فتحت على المسلمين بابا عظيما من الشر, وأدخلتهم في محرقة لا قبل لهم بها في الوقت الحالي, والبت عليهم قوى الشر العالمية في تحالف واحد يرمى المسلمين عن قوس واحدة.

هذه الخلافات وغيرها هي من قبيل الحديث المكرور في كل عام حينما تحل ذكرى 11 سبتمبر, ومن غير المتوقع أن يحسم الخلاف حول الجهة المخططة والمنفذة في وقت قريب, ولعل الوقوف على حال تنظيم القاعدة, والولايات المتحدة طرفي الصراع الملتهب منذ العام 2001 وحتى الآن يكون هو الأجدى نفعا بدلا من البحث عن تحليلات أمنية لا يملك الكثيرون أدواتها وحسن الولوج إليها.

فالولايات المتحدة, سواء كانت هي الطرف الخفي وراء الحادثة, أو غير ذلك, فقد استغلتها في شن حرب عالمية جديدة من نوع مخالف أسمتها "الحرب على الإرهاب" ولاحقت فيها الآلاف ممن اشتبهتم في صلتهم بتنظيم القاعدة أو غيره من التنظيمات التي رأت أنها تقف وراء "العمليات الإرهابية", وأنشئت السجون والمعتقلات, وزجت بهذه الآلاف فيها..وقتلت المئات من هذه العناصر المشتبه فيها..ورغم ذلك لم تفلح الولايات المتحدة بكل ما اتخذته من وسائل في القضاء على هذه الجماعات والتنظيمات, قد تكون قوضت إلى حد ما من قدرتها على شن هجمات عالية المستوى, لكن هذا لا يمنع من أن هذه الكيانات حافظت كذلك على هياكلها وتنظيماتها, بل وذهبت لتتحد تحت غطاء واحد لتكون جبهة عالمية لمواجهة الولايات المتحدة ومن يقف معها ويتحالف.

ولم تفلح هذه الحرب في حصر الإسلام في بقعته الجغرافية, وتقويض انتشاره في الولايات المتحدة والغرب, فرغم كل حملات التشوية والإساءة التي مارسها الغرب, وما زال فإن الإسلام هو الديانة الأكثر انتشار بين أركان القارة الأوروبية والأمريكية على السواء, وأقبل الكثيرون على القراءة عن الإسلام بعد الحملات الدعائية المكثفة التي استهدفت شيطنة هذا الدين والتنفير منه, فكان غير ما أرادت الولايات المتحدة من حربها العالمية المسماة بالحرب على "الإرهاب".

وبموازة هذه الحرب شنت الولايات المتحدة حربيين انتقاميتين على العراق وأفغانستان, تحت دعاوى ومبررات واهية, واستطاعت بالفعل أن تقصي نظام طالبان الذي تحالف مع تنظيم القاعدة, ورفض تسليم القيادات إلى أمريكا في 2001..وتمكنت كذلك من تنحية النظام العراقي الذي اتهمته بإقامة علاقات مع التنظيم ذاته, وتهديد أمن وسلامة الولايات المتحدة بامتلاكه أسلحة محرمة دوليا في العام 2003.

ولم تستطع الولايات المتحدة حسم المعركة في أي جبهة حتى الآن..فالجنرال ديفيد بتريوس, القائد الجديد للقيادة الوسطى الأمريكية, وقبل أن يغادر منصبه كقائد أعلى للقوات الأمريكية في العراق أعلن صراحة أنه لا يستطيع إعلان تحقيق النصر, وأشار إلى أن المكاسب الأمنية التي تحققت مؤخرا ليست مضمونة إلى الأبد, وأن الأوضاع ما زالت صعبة, وفي الأفق سحب عواصف قد تسبب مشكلات حقيقية".(هيئة الإذاعة البريطانية11/9)

والوضع الميداني في أفغانستان هو الذي دعا القادة هناك إلى الاعتراف بمرارة الفشل, فيقول قائد هيئة الأركان المشتركة مايكل مولن "إن الإستراتيجية الأمريكية في أفغانستان لم تؤت ثمارها بعد نحو سبع سنوات من غزو ذلك البلد، والإطاحة بنظام طالبان".(الجزيرة11/9)

ولم يتوقف الحصاد المر للحروب الأمريكية على الفشل الميداني في العراق, وأفغانستان, أو الفشل الايدولوجي في الحرب على الإسلام, بل وامتد الأثر إلى مستقبل الوجود الأمريكي في الساحة الدولية, كقوة واحدة لها الهيمنة على مجريات الأمور, وهذا ما توقعه تقرير استخباراتي يجري إعداده عن المخاطر التي ستحدق بالعالم في المستقبل.

فقد خلص "توماس فينغار" كبير المحللين في دوائر المخابرات الأمريكيةإلى أنالهيمنة الأمريكية ستشهد تراجعا كبيرا, وأن الزعامة الأمريكية تتآكل بوتيرة متسارعة في المجالات "السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية".(واشنطن بوست 10/9)

هذا هو الحال الذي عليه الولايات المتحدة بعد 7 سنوات من أحداث الحادي عشر من سبتمبر..فشل في جنى الحصاد الهش..فشل في تحقيق أي نصر ميداني حاسم...فشل في مجال الحرب الايدولوجية ضد الإسلام..مستقبل محفوف بفقد الهيمنة والقدرة على التأثير المنفرد على مجريات الأحداث الدولية والعالمية.

أما عن تنظيم القاعدة, فقد حافظ هذا التنظيم إلى حد كبير على تماسكه البنيوي, وان كان قد فقد بعض قياداته المؤثرة, ولكن يأتي السؤال المهم , بعد 7 سنوات من الهجمات هل حقق التنظيم ما كان يصبو إليه؟!

شكوك كثيرة تحيط بهذا الجانب..فلم يستطع التنظيم بهذه الحادثة وما تلاها من حوادث في بريطانيا.. أسبانيا..وغيرها من تحقيق هدفه المتمثل في استنزاف هذه الدول, وخاصة الولايات المتحدة, حتى تحقيق النصر عليها..فاقتصادها وإمكانياتها في الحقيقة أكبر من أن تستنزف بمثل هذه التفجيرات والمناوشات العسكرية المتفاوتة..

ومع هذا الرهان الاستراتيجي الذي جانبه الصواب, فقد أدت هذه الهجمات إلى تدمير شامل في العراق وأفغانستان, وأعطت المبررات الكافية للغطرسة الأمريكية أن تجد سبيلها إلى الأوطان العربية والإسلامية..وازدادت حدة وشراسة الحرب الداخلية على الحركات الإسلامية من قبل بعض الأنظمة التي وجدت نفسها في فلك الحرب على "الإرهاب", وجرت الأمة إلى حرب غير مهيئة لها على الإطلاق, وخلفت من وراءها الكثير من الأضرار على مستويات عدة ما زالت الأمة تتجرع مرراتها, وليس احتلال أراضيها إلا مفردة واحدة وأنموذجا لما تقاسيه وما زالت من جراء هذه الهجمات غير المحسوبة.

وفي الأخير ومع حلول الذكري السابعة لأحداث 11 سبتمبر، يمكن القول بأن العالم لا زال يعاني الآثار التدميرية لسياسة الولايات المتحدة في الحرب علي "الإرهاب", وفكر تنظيم القاعدة دون انتصار كامل لأي منهما.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد